إتفاق بالإجماع على أن نهضة الحسين هي نهضة إصلاحية كبرى على مدى الدهر
( هكذا قتل زيد بن علي حفيد الإمام الحسين بن ابي طالب و صلب جسده ونصب رأسه على باب دمشق)
(الشيخ محمد الغزالي: الخلاف بين الشيعة و السنة سياسي أكثر منه ديني)
( محللون: الطقوس الحسينية انحراف عن أهل البيت)
أسئلة كثيرة تطرح حول الطقوس الحُسَيْنِيَّة التي يمارسها بعض الشيعة الغلاة حزنا على مقتل الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب و قالوا لماذا لا يبكي الشيعة على علي بن أبي طالب؟ و هل الحسين و أهل البيت ملك للشيعة وحدهم، و قد علق مختصون في الفكر الإسلامي أن هذه الطقوس الحسينية هي انحراف عن أهل البيت في حين تقول روايات أن الإمام الحسين هو صورة فريدة من نوعها ولذا فقراءة الحسين لا ينبغي أن تكون قراءة تاريخية خاطئة أو فيها إجحاف و مظلومية، الصراع بين المسلمين بعد مقتل الحسين تحوّل من صراع سياسي إلى صراع عقائدي و فتح الباب لظهور فرق إسلامية ، إن هذه الأحداث تعيد إلى السطح قضيبة التشيع متى بدأت؟، حيث انقسم المختصون إلى فرق، فريق يقول أنه بدأ بعد مقتل علي، و البعض يقول أنه بدأ بعد مقتل عثمان سنة 655 م، و يذهب ابو زهرة أن التشيع ظهر بعد وقعة صفين عام 657م، و آخرون يرجعونه إلى ظهور ابن سبأ، في حين يؤكد العديد من الشيعة أن ابن سبأ شخصية خرافية و هو ألعن من أن يُذكر ، تذكر بعض المصادر أن الشيعة ينقسمون إلأى 27 فرقة و أصولهم ثلاث: غلاة و فريدية و إمامية و الغلاة فهم 18 فرقة و قد تبرأ أهل البيت منهم
لم تقف مصائب المسلمين عند مقتل الحسين و من معه ، بل حدثت حادثة شنيعة و هي انتهاك حرمة مدينة الرسول صلعم و مهبط الوحي و هي التي لا يحل فيها قتال و لا تنتهك فيها حرمة، عندما وقع الصراع حول الخلافة و من هو الأحق بها بعد وفاة الرسول، كانت المدينة الشرارة الأولى في رفع لواء العصيان المسلح و منها خرجت ثورة الحسين ضد ممارسات بني أمية، و حتى بعد مقتل الحسين لم يتوقف الأمر عنده ، بل قام زين العابدين بسبي أهل البيت و من هنا ظهرت هذه الطقوس الحسينية رغم ان الرسول صلعم حذر من ضرب الخدود و شق الصدور و ما شابه ذلك، و هو ما نراه اليوم في إحياء مظلومية أهل البيت و بخاصة الإمام الحسين، لتفجير الغضب المكبوت منذ قرون ضد ممارسات بني أمية ، و ظل الشيعة يمارسون هذه الطقوس إلى الآن، ظنا منهم أنهم يتقربون بها إلى الله، على اعتبار أنها تمثل الهوية الشيعية، كانت هذه الطقوس موضع انتقادات من طرف المعارضة و من الذين انتقدوا الطقوس الحسينية الدكتور عبد الكريم البياتي حقوقي و خبير أمني الذي قال أن الحسين ليس سلعة يحتكرها طرف معين بل هي رسالة سماوية، فلا يجب أن يكون حبه وسيلة لأي توظيف سياسيٍّ مستدلا بحادثة الصفّ و مذبحة كربلاء.
و قال هذا الخبير ان الإمام الحسين كان ضحية مخطط للغدر به، إذ قبل تنقله إلى العراق تلقى 20 ألف رسالة تناشده لإنقاذهم من ظلم الأمويين، فخرج لمواجهة مظلوميتهم و لم يكن معه سوى 70 فردا من أهل و لكن الذين راسلوه خذلوه و قتلوه، يضيف الدكتور عبد الكريم البياتي عبر قناة "صفا" الفضائية أن إسماعيل الصفوي هو من كان يغذي هذه الطقوس بالمال، ما كشفه الدكتور عبد الكريم البياتي أن الشيعة البسطاء مع مرور الزمن بدأوا يكتشفون أن المُعَمَّمِينَ ( أصحاب العمامة) لا يمارسون الطقوس الشيعية في المواكب الحسينية كالضرب بالسلاسل على ظهورهم مثلا و لا يلحقون الأذى بأنفسهم، حيث بدأت الأمور تنكشف للشيعة البسطاء و تتغير شيئا فشئيا بعدما أدركوا هذا التناقض إلا أن قلوبهم لا تزال معلقة روحيا لمقتل الحسين قرة عين الرسول، وهذا من باب حبهم لأهل البيت، تشير مصادر أن علماء الشيعة يسعون إلى توظيف هذه الطقوس الحسينيية سياسيا، السؤال الذي يطرحه بعض الشيعة لماذا لا يحيي السنيون ذكرى مقتل الحسين بن علي بن ابي طالب أو حتى إحياء ذكرى مقتل علي نفسه كما يحيون ذكرى مقتل شهدائهم، ألا يعتبر الحسين شهيدا؟ و هل لا يعترف أهل السنة بأهل البيت؟ الحقيقة أن طرح هكذا أسئلة و إن كانت منطقية فهي لا تزيد إلا تعقيدا و تعميقا للصراعا ت و امتدادها و استمراريتها، ما دعا بعض العقلاء إلى دعوة الطائفتين ( السنة و الشيعة) إلى ضرورة التقريب بين المذاهب و هذا من أجل توحيد صفوف المسلمين و مواجهة المخطط الفارسي التي تسعى إيران إلى تجسيده و جعل العراق امبراطورية فارسية باسم الثورة الإيرانية الإسلامية و تصديرها ، في ظل مساعي تصدير التشيع إلى مصر، حسب المصادر تقوم السلطة الإيرانية حاليا الآن بزرع جواسيس داخل الأزهر الشريف لنشر التشيع.
اختيار الحسين أرض كربلاء كان اختيارا ربّانيًا
هذه المشاهد الدرامية الذي يعيشها الشيعة الآن و هم يحيون ذكرى مقتل الحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء، و بثت صورهم على المباشر عبر القنوات الفضائية يظل السؤال يطرح، بل يلح على الطرح و هو لماذا قتل الحسين؟ هل هو كره في أهل البيت و حقد عليهم؟ لأنهم أعلى منزلة و مكانة؟ أي أنها مسألة شخصية، أم هو تصفية حسابات بين شيعة علي و شيعة معاوية أي أنه صراع سياسي، لاسيما و هذا الأخير عاث في الأرض فسادا و كان آخر من يدخل الإسلام بعد وقوع معارك و مجازر في حق المسلمين الأوائل الذين آمنوا ببعثة محمد و ناصروه في محنته، و تحملوا معه الصعاب ، تقول الروايات أن الإمام الحسين قدّم ما لم يقدمه غيره من تضحيات فهو صورة فريدة من نوعها ولذا فقراءة الحسين لا ينبغي أن تكون قراءة تاريخية خاطئة أو فيها إجحاف و مظلومية، لأن ما حدث له ماساة، فكلما كان الإرتباط بالشخصية كلما زاد الإحساس بقيمتها ، فالحسين هو صورة من صور الولاء العميق للعقيدة و لأهل البيت، وهذه الصورة تمثل الضمير الإنساني و الأخلاقي، يقول الشيخ محمد الربيعي أستاذ بالحوزة العلمية على إحدى القنوات الفضائية " إذا ربطنا الإيمان بالفطرة يكون التفاعل مع الحسين تفاعلا إنسانيا، وهذا ما يلاحظ في الحركة الجماهيرية العفوية التي قام بها حسينيون من مختلف الجنسيات قدموا من مختلف بقاع العالم لإحياء ذكرى مقتل الحسين و يضيف أن الخطاب الحسيني هنا وجب أن يوجه للعقول و ليس للجماهير، هذه الحلقات لم تقدم إلى الآن كونها تدخل في باب حقوق الإنسان و بالتالي هي قضية قانونية، فالحسين يضيف هذا الحقوقي أراد لنهضته أن تكون نهضة ناصعة البياض لكنه واجه مظلومية كبرى وجب ترسيخها".
حسب أراء هذه الطائفة فاختيار الحسين أرض "كربلاء" كان اختيارا ربّانيا و هذا الإختيار له بعدا غيبيا كما له خصوصية لتكون الواقعة في العراق، فالنبي عيسى و موسى و ابراهيم عليهم السلام مروا بأرض كربلاء و لذلك هي مليئة بالأسرار كما تتسم بالقداسة، فنهضة الإمام الحسين يصفها البعض بأنها ثورة و البعض الآخر يقول انها حرب و آخرون يرون انها نهضة حقيقية و هناك من قال انها مجرد ردّة فعل، إلا أن هناك إتفاق بالإجماع على أن نهضة الحسين تتعلق بالتغيير و بالتالي هي نهضة إصلاحية كبرى لها إمدادات على مدى الدهر، و لذا يجب على العلماء و الفقهاء في العالم الإسلامي أن يحللوا طبيعة الحسين و تقنينها خاصة و أن هناك من يريد أن يحصر عمل الحسين في "التقية"، لعل واجب العودة إلى التاريخ للوقوف على ظروف انقسام المسلمين إلى سنة و شيعة بعد وفاة الرسول فيما يسمى بموقعة السقيفة، فبعدما وقع الإختيار على ابي بكر الصديق ثم تعيين هذا الأخير عثمان بن عفات خليفة مرورا بعمر بن الخطاب و كما تشير مصادر فإن هذا الإخنيار لم يكن مبني على الشورى لكل الأمّة.
و قد اثار هذا التعيين غضب المهاجرين و الأنصار الذين رأوا أن علي بن أبي طالب و هو من أهل بيت الرسول غُيِّب تغييبا كاملا عن هذه المشاورات، إلا أن اليعقوبي و السيوطي و حتى الطبري لم يشيروا إلى هذه المسألة و هذا يدل على ان استبعاده كان مقصودا، تشير العديد من الروايات أن اغتيال عمر بن الخطاب سنة 644م كان لأسباب سياسية و يبدو أن الفئة الأرستقراطية وراء اغتياله بسبب العطاء و بيت المال و إبقاء الأراضي الزراعية لأصحابها الأصليين، حتى أن عثمان بن عفان تم تعيينه بشكل انفرادي فضلا عن عمليات التوظيف التي كانت تتم بحكم القرابة، و تشير المصادر أن كبار الصحابة تحكموا في أرضاء الأمصار الإسلامية مما زاد في انتشار الفقر بعدما أوقف عثمان المجالس الإستشارية و كانت هذه الممارسات سببا في تشكيل التكتلات السياسية، كان أبو ذر الغفاري و هو أحد كبار أئمة الحديث من المعارضين لسياسة عثمان لأنه لم يتدخل حينما ظهرت المضاربة و ترك الناس يمارسون التجارة بطريقة فوضوية واشتدت الهوة بين فئة الفقراء و الأغنياء و لم يحافظ على بيت مال المسلمين فتقرر إبعاده إلى الشام ليكون تحت رقابة معاوية في محاولة منه لإخفات صوته.
حوار جبريل و النبي صلعم حول مقتل الحسين
و مثلما تمت الإشارة إلي آنفا فاختيار الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب أرض كربلاء بالعراق كان اختيارا ربانيا ، تذكر روايات الحديث الذي دار بين جبريل و النبيّ صلعم ، فقد نزل جبريل عليه السلام على الرسول (صلعم) و كان الحسين قد دخل و جلس في حجر الرسول : فقال جبريل عليه السلام للنبيّ إن أمتك ستقتله، رد الرسول و قال: أيقتلونه و هم مؤمنون؟ قال جبريل: نعم و أراه تربته و قد أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين و قيل أن اسمها كربلاء، فقال النبي صلعم " كرب و بلاء" ( انظر كتاب الراسخون في ذاكرة الأيام للدكتور ابو محمد عبد الرحمان ص 219 )، و بالفعل هذا ماحدث بعد وفاة الرسول، كان الصراع بين المسلمين صراعا سياسيا حول منصب الخلافة و حول أحقية كل طرف من أطراف النزاع لكنها اصطبغت بصبغة دينية، اي أن الطموح السياسي كان مغلفا بالدين .
فبمقتل عثمان انتهت الخلافة الراشدية و انتقل الثقل السياسي إلى الكوفة، أما عن مبايعة يزيد بن معاوية بعد موت ابيه تقول الروايات أن الحسين ذهب إلى مكة حتى لا يبايع يزيد ، في هذه الفترة كتب 12 ألف من أهل الكوفة إلى الحسين لكي يعود إلى الكوفة، إلا أن أنصار الحسين حذروه من الذهاب إلى الكوفة لأن اهلها أهل غدر و عدم ثقة، و ليست بالمكان المناسب لأن فيها عمال يزيد و أمرائه، و جاء في بعض الكتابات أن الطبري أكد أن عبد الله بن الزبير أول من حذر الحسين من الذهاب إلى الكوفة ثم حذره ابن عمه مسلم بن عقيل في رساله يحذره من القدوم، لكن الحسين أصر على موقفه ، التقي الجيشين بوادي السباع عند كربلاء، و قال فيها الحسين: هذه كرب و بلاء ( هناك مصادر تقول ان النبي هو من قال هذه العبارة لما علم من جبريل بأن حفيده سوف يقتل) و بالفعل كانت نقطة النهاية بالنسبة للحسين بن علي حيث فيها قتل في 10 محرم سنة 680 م، و كما يقال فكما تدين تدان فقتلة الحسين و على رأسهم عمر بن سعد بن أبي وقاص و شمر بن ذي الجوش قتلوا بيد المختار الثقفي.
توالت الجرائم السياسية ضد أهل البيت فبعد مقتل الحسين ، تعرض زيد بن علي حفيد الحسين حينما أعلن الثورة في الكوفة ضد هشام بعد أن خرج من المدينة دون أن يتعظ من التجارب العلوية الفاشلة او يرتب قواته كما تقتضي الحنكة السياسية و العسكرية، و لم يكن حظه أفضل من أعماه فقتل شر قتلة، حتى أنه بعدما دفن نبش قبره و أخرجت جثته و صلب جسده بالكوفة و أرسل رأسه إلى دمشف فنصب على بابها و ظل مصلوبا حتى مات هشام و ولى للوليد بن يزيد فأمر بحرق جثته، و نفس الشيئ حدث مع ابن حفيده يحي بن زيد الذي فر إثر مقتل والده و تعرض للصلب و ظل مصلوبا حتى ظهور أبي مسلم فأنزل جثته و صلى عليه، اتسعت الجرائم السياسية في زمن الأمويين ، ففي عهد هشام قتل اثنان من العلماء غيلان الدمشقي و الجعد بن درهم ( انظر كتاب شهداء الفكر في الإسلام لمحمد عبد الرحيم الزيني قاسم ص 13 دار الهدى عين مليلة الجزائر) ، ما يمكن قوله أن مقتل أئمة من أهل البيت عجّل في تطور المذهب الشيعي فيما سمي بعد ذلك بشيعة علي وشيعة الحسين، هذا الحزب الشيعي تمخضت منه كل الفرق الشيعية و كل فرقة تنقسم إلى فروع.
الشيخ محمد الغزالي و مسألة التقريب بين المذاهب
النتائج التي ترتبت عنها موقعة كربلاء هي تحول الحزب الشيعي إلى المعارضة ، تبلور ذلك في حركة "التوابين" التي تبنت فكرة الثار لمقتل الحسين فكانت معركة عين الوردة لنصر القضية العلوية و المطالبة بدم الحسين، حسب الروايات تواعد التوابون في مكان خارج الكوفة يقال له النخيلة و التقوا مع جيش الشام في عين الوردة، إلا أن النصر عاد للأمويين الذين قتلوا التوابين جميعا، وانتقاما لمقتل علي و الحسين ظهرت الفرقة "السبئية" و جهزت جيشا قوامه 17 ألف جنجي لتنتقم من قاتلي أهل البيت و بالأخص الإمام الحسين، و على رأسهم عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد الفرقة العسكرية التي ارتكبت مذبحة كربلاء، و نقف هنا مع موقف علماء السنة من مذبحة كربلاء و ما حدث لأهل البيت، ومن هؤلاء الشيخ الداعية محمد الغزالي رحمه الله، حينما قال: إن كثير من أهل العلم في الأزهر الشريف تكونت لديهم صورة عن الشيعة نسجتها الإشاعات و الفروض المدخولة، وهذا يبين أن هناك من الشيعة معتدلون و هم الذين التصقت بهم تلك الإشاعات، و نقرأ ما جاء في كتاب: "حقيقة الشيعة لعبد الله بن عبد الله الموصلي"، أنه لو كان يستطيع إرسال فرقة من السنة لمناصرة الشيعة في حربهم مع بعث العراق لفعل و لكنه لا يستطيع، يفهم من كلام الشيخ محمد الغزالي أنه من واجب المسلمين في وقت الشدة أن يتركوا الخلافات و الأحقاد و النزاعات و يتصافوا و يؤازر الواحد منهم الآخر من أجل الوحدة الإسلامية.
فالخلاف بين الشيعة و السنة في نظر الشيخ محمد الغزالي سياسي أكثر منه ديني، و قذ ذهب في ذلك الشيخ البوطي، إلا أن الإثنان اختلفا في فكرة التمذهب، فالشيخ الغزالي كان من الداعين إلى فكرة التقريب بين المذاهب، أما البوطي فقد دعا إلى اللامذهبية، و قال أن المسلم ليس مجبر بأن يتبع مذهبا معينا إذا كانت له مَلَكَة الإجتهاد ( فيما معناه )، إذن فمسالة التقريب بين المذاهب كما يراها محللون ليست جريمة بل هي لسد الفجوة التي صنعتها الأوهام و الأحقاد و الأهواء، خاصة و أن الصراع إسلامي إسلامي، فقد رأى الشيخ الغزالي أن تتولى وزارة الأوقاف المصرية ضم المذهب الفقهي للشيعة الإمامية إلى فقه المذاهب الأربعة المدروسة في مصر حتى يطلع الإخوان الشيعة على ابواب العبادات و المعاملات في هذا الفقه الإسلامي، إلا أن البعض أخطأ الغزالي لأنه قدّم الفروع على الأصول، نلاحظ أن هناك تناقض في وصف الغزالي و إلصاق به التهم فتارة يشير صاحب الكتاب أن الغزالي لا يفرق بين الأصول و الفروع ( ص 136) ثم نجده يشير أن الشيخ محمد الغزالي كان ضحية خدعة أو خيانة عندما قال في الصفحة (137) أن الشيخ الغزالي مثال للسلامة و حسن النية .
و قد دعم صاحب الكتاب موقفه ( وهو موقف ضعيف جدا ) بأن الشيخ محمد الغزالي كانت تربطه صداقة مع الشيعي محمد جواد مغنية و لا يعلم الغزالي أن مغنية و غيره يتعاملون معه بالتقية للحصول على مكاسب مذهبية خاصة ما تعلق بالإمامة الإثنى عشرية و الإعتقاد بها و من هم الأحق بها، نلاحظ هنا أن الصداقة كانت بين مسلم و مسلم مهما اختلف مذهبهما و وفق ما جا، فالشيخ محمد الغزالي أكد أن الخلاف بين الشيعة و السنة سياسي أكثر منه ديني ، و لنقرأ ما جاء في كتابه "في موكب الدعوة" إذ يقول في الصفحة 95 "لم تكن مصائبنا في انفجار عسكري بل من مرض متغلغل قديم في إشارة منه إلى الخلافات التي وقعت بعد وفاة الرسول و الصدامات الدموية، و من هنا هبّ المصلحون في بقاع الوطن العربي الإسلامي الكبير يعالجون العلة الدفينة و يحاولون بناء الحضارة الإسلامية على أصولها الأولى من حرية العقل و الضمير"، و كان ير (أي الغزالي) أنه لو مد الأزهر يده للشيعة فإن أكثر عوامل الوقيعة تذوب من تلقاء نفسها، يفهم من هذا أن الغزاليكان يدعو إلى الحوار بين المذاهب، لنبذ الخلافات الفقهية و النظرية بين الشيعة و السنة، طالما الإسلام دين وسطية، و هذا ما أراده الشيخ الغزالي و هو جمع الكلمة و إشاعة الوئام بين فريقي الشيعة و أهل السنة، و بالتالي شيئ طبيعي أن يؤازر العلماء بعضهم بعضا للتحاور و إعادة النظر في المسائل التي تهم المسلمين كافة لتحقيق التقارب حتى لو كان أحدهم مخالفا و ليس كما روج البعض أن هناك محاولات لتشييع السنة، فالحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث تقع له لا يبالي من أي وعاء خرجت.
السبئية هل هي شخصية اسطورية ؟
لقد خاضت الكثير من الأقلام حول الصراع الشيعي السني في العالم الإسلامي و الأسباب التي جعلت التشيع ينتشر بقوة في المعمورة، ومن هم المتسببون في الفتنة ، و من باب الإنصاف اشار باحثون و منهم الدكتور محمد الأمين بلغيث في كتابه: "المدخل إلى السيرة النبوية و الخلافة الراشدة "ص 139 : ليس من المنطق الإسلامي أن نلقي اسباب الفتنة كلها على شخصية تبدوا أسطورية لدى كثير من المؤرخين و هي شخصية عبد الله بن سبأ، فابن سبأ آزر علي بن ابي طالب و قال بحقه في الولاية، و لكل نبيّ وصيّ، و هذا لمنا روى في الصحيحين عن النبي صلعم قال: "علي مني يمنزلة هارون من موسى" لدرجة أنه نادي بألوهية الإمام علي، فعلي بن ابي طالب كان أكبر مناصر للإسلام و المسلمين منذ طفولته و هو الذي فدى الرسول عندما همّت قريش لقتله، و اشار الدكتور بلغيث أن رؤوس الفتنة كثر و هم من الفريقين (الشيعة و السنة ايضا) و ليس ابن سبأ وحده و ذكر الشتر النخعي (شيعي) و محمد بن ابي حنيفة ( أموي) لقد بلغت هذه الفتن اتهام علي بن ابي طالب بقتله عثمان.
ما جاء في كتاب الدكتور بلغيث على لسان الشهرستاني ان ابن سبأ ظهر بعد مقتل علي بن ابي طالب، إن الإغتيالات السياسية التي ظهرت بعد وفاة النبيّ صلعم أدت إلى انقسام المسلمين و كل واحد ينتصر لشيعته سواء من الأمويين أو العلويين ، طالت أهل البيت و اتباعهم من مقتل علي إلى مقتل ابنه الحسين و حفيده زيد و حتى أتباعهم و منهم عمار بن ياسر و غيرهم ، السؤال الذي ينبغي أن يطرح هنا هو: لماذا الإغتيالات مست أهل البيت بالذات؟، سؤال ربما اجاب عنه الدكتور نعمان جغيم في كتابه " فهم التشيع" صدر عن دار الأصالة للنشر الجزائر، في الصفحة 89 أن مسألة أهل البيت حجر الأساس الذي يقوم عليه الفكر السياسي و العقدي الشيعي فأحقية أهل البيت بوراثة النبي سياسيا و دينيا هي الأساس الذي يقوم عليه الفكر الشيعي و أن فقههم هو فقه أهل البيت، و تقوم الشيعة الإثنى عشرية على حصر أهل البيت في علي بن ابي طالب و فاطمة و الخسن و الحسين و من ياتي بعدهم، و الحقوا بهم أئمة الثمانية الآخرين ثم ياتي الإمام الثاني عشر الغائب و هو المهدي المنتظر، تشير هنا فقط أن الشيعة منقسمون إلى فرق عديدة ، و نشير هنا إلى الغلاة منهم ( السبئية و الإسماعيلية، الخطابية، المعمرية و اليزيدية و المفضلية و القرامطة و الزيدية) و أما فرقة الخوارج فمنهم الغلاة ايضا و هم: ( الأزارقة و الصفرية النجدات) و فرقة المرجئة و هي نتسبة لبني امية الذين اسنتغلوا فكرة الإرجاء في تبرير المظالم التي كانوا يقيمون بها من خلال سياسة أمراء الجور و ولاة الفساد، مع ذكر المعتزلة و تنقسم إلأى 20 فرقة كالواصلية و الهذيلية و النظامية و الجعفرية و الجاحظية و غيرهم.
إعداد علجية عيش
( هكذا قتل زيد بن علي حفيد الإمام الحسين بن ابي طالب و صلب جسده ونصب رأسه على باب دمشق)
(الشيخ محمد الغزالي: الخلاف بين الشيعة و السنة سياسي أكثر منه ديني)
( محللون: الطقوس الحسينية انحراف عن أهل البيت)
أسئلة كثيرة تطرح حول الطقوس الحُسَيْنِيَّة التي يمارسها بعض الشيعة الغلاة حزنا على مقتل الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب و قالوا لماذا لا يبكي الشيعة على علي بن أبي طالب؟ و هل الحسين و أهل البيت ملك للشيعة وحدهم، و قد علق مختصون في الفكر الإسلامي أن هذه الطقوس الحسينية هي انحراف عن أهل البيت في حين تقول روايات أن الإمام الحسين هو صورة فريدة من نوعها ولذا فقراءة الحسين لا ينبغي أن تكون قراءة تاريخية خاطئة أو فيها إجحاف و مظلومية، الصراع بين المسلمين بعد مقتل الحسين تحوّل من صراع سياسي إلى صراع عقائدي و فتح الباب لظهور فرق إسلامية ، إن هذه الأحداث تعيد إلى السطح قضيبة التشيع متى بدأت؟، حيث انقسم المختصون إلى فرق، فريق يقول أنه بدأ بعد مقتل علي، و البعض يقول أنه بدأ بعد مقتل عثمان سنة 655 م، و يذهب ابو زهرة أن التشيع ظهر بعد وقعة صفين عام 657م، و آخرون يرجعونه إلى ظهور ابن سبأ، في حين يؤكد العديد من الشيعة أن ابن سبأ شخصية خرافية و هو ألعن من أن يُذكر ، تذكر بعض المصادر أن الشيعة ينقسمون إلأى 27 فرقة و أصولهم ثلاث: غلاة و فريدية و إمامية و الغلاة فهم 18 فرقة و قد تبرأ أهل البيت منهم
لم تقف مصائب المسلمين عند مقتل الحسين و من معه ، بل حدثت حادثة شنيعة و هي انتهاك حرمة مدينة الرسول صلعم و مهبط الوحي و هي التي لا يحل فيها قتال و لا تنتهك فيها حرمة، عندما وقع الصراع حول الخلافة و من هو الأحق بها بعد وفاة الرسول، كانت المدينة الشرارة الأولى في رفع لواء العصيان المسلح و منها خرجت ثورة الحسين ضد ممارسات بني أمية، و حتى بعد مقتل الحسين لم يتوقف الأمر عنده ، بل قام زين العابدين بسبي أهل البيت و من هنا ظهرت هذه الطقوس الحسينية رغم ان الرسول صلعم حذر من ضرب الخدود و شق الصدور و ما شابه ذلك، و هو ما نراه اليوم في إحياء مظلومية أهل البيت و بخاصة الإمام الحسين، لتفجير الغضب المكبوت منذ قرون ضد ممارسات بني أمية ، و ظل الشيعة يمارسون هذه الطقوس إلى الآن، ظنا منهم أنهم يتقربون بها إلى الله، على اعتبار أنها تمثل الهوية الشيعية، كانت هذه الطقوس موضع انتقادات من طرف المعارضة و من الذين انتقدوا الطقوس الحسينية الدكتور عبد الكريم البياتي حقوقي و خبير أمني الذي قال أن الحسين ليس سلعة يحتكرها طرف معين بل هي رسالة سماوية، فلا يجب أن يكون حبه وسيلة لأي توظيف سياسيٍّ مستدلا بحادثة الصفّ و مذبحة كربلاء.
و قال هذا الخبير ان الإمام الحسين كان ضحية مخطط للغدر به، إذ قبل تنقله إلى العراق تلقى 20 ألف رسالة تناشده لإنقاذهم من ظلم الأمويين، فخرج لمواجهة مظلوميتهم و لم يكن معه سوى 70 فردا من أهل و لكن الذين راسلوه خذلوه و قتلوه، يضيف الدكتور عبد الكريم البياتي عبر قناة "صفا" الفضائية أن إسماعيل الصفوي هو من كان يغذي هذه الطقوس بالمال، ما كشفه الدكتور عبد الكريم البياتي أن الشيعة البسطاء مع مرور الزمن بدأوا يكتشفون أن المُعَمَّمِينَ ( أصحاب العمامة) لا يمارسون الطقوس الشيعية في المواكب الحسينية كالضرب بالسلاسل على ظهورهم مثلا و لا يلحقون الأذى بأنفسهم، حيث بدأت الأمور تنكشف للشيعة البسطاء و تتغير شيئا فشئيا بعدما أدركوا هذا التناقض إلا أن قلوبهم لا تزال معلقة روحيا لمقتل الحسين قرة عين الرسول، وهذا من باب حبهم لأهل البيت، تشير مصادر أن علماء الشيعة يسعون إلى توظيف هذه الطقوس الحسينيية سياسيا، السؤال الذي يطرحه بعض الشيعة لماذا لا يحيي السنيون ذكرى مقتل الحسين بن علي بن ابي طالب أو حتى إحياء ذكرى مقتل علي نفسه كما يحيون ذكرى مقتل شهدائهم، ألا يعتبر الحسين شهيدا؟ و هل لا يعترف أهل السنة بأهل البيت؟ الحقيقة أن طرح هكذا أسئلة و إن كانت منطقية فهي لا تزيد إلا تعقيدا و تعميقا للصراعا ت و امتدادها و استمراريتها، ما دعا بعض العقلاء إلى دعوة الطائفتين ( السنة و الشيعة) إلى ضرورة التقريب بين المذاهب و هذا من أجل توحيد صفوف المسلمين و مواجهة المخطط الفارسي التي تسعى إيران إلى تجسيده و جعل العراق امبراطورية فارسية باسم الثورة الإيرانية الإسلامية و تصديرها ، في ظل مساعي تصدير التشيع إلى مصر، حسب المصادر تقوم السلطة الإيرانية حاليا الآن بزرع جواسيس داخل الأزهر الشريف لنشر التشيع.
اختيار الحسين أرض كربلاء كان اختيارا ربّانيًا
هذه المشاهد الدرامية الذي يعيشها الشيعة الآن و هم يحيون ذكرى مقتل الحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء، و بثت صورهم على المباشر عبر القنوات الفضائية يظل السؤال يطرح، بل يلح على الطرح و هو لماذا قتل الحسين؟ هل هو كره في أهل البيت و حقد عليهم؟ لأنهم أعلى منزلة و مكانة؟ أي أنها مسألة شخصية، أم هو تصفية حسابات بين شيعة علي و شيعة معاوية أي أنه صراع سياسي، لاسيما و هذا الأخير عاث في الأرض فسادا و كان آخر من يدخل الإسلام بعد وقوع معارك و مجازر في حق المسلمين الأوائل الذين آمنوا ببعثة محمد و ناصروه في محنته، و تحملوا معه الصعاب ، تقول الروايات أن الإمام الحسين قدّم ما لم يقدمه غيره من تضحيات فهو صورة فريدة من نوعها ولذا فقراءة الحسين لا ينبغي أن تكون قراءة تاريخية خاطئة أو فيها إجحاف و مظلومية، لأن ما حدث له ماساة، فكلما كان الإرتباط بالشخصية كلما زاد الإحساس بقيمتها ، فالحسين هو صورة من صور الولاء العميق للعقيدة و لأهل البيت، وهذه الصورة تمثل الضمير الإنساني و الأخلاقي، يقول الشيخ محمد الربيعي أستاذ بالحوزة العلمية على إحدى القنوات الفضائية " إذا ربطنا الإيمان بالفطرة يكون التفاعل مع الحسين تفاعلا إنسانيا، وهذا ما يلاحظ في الحركة الجماهيرية العفوية التي قام بها حسينيون من مختلف الجنسيات قدموا من مختلف بقاع العالم لإحياء ذكرى مقتل الحسين و يضيف أن الخطاب الحسيني هنا وجب أن يوجه للعقول و ليس للجماهير، هذه الحلقات لم تقدم إلى الآن كونها تدخل في باب حقوق الإنسان و بالتالي هي قضية قانونية، فالحسين يضيف هذا الحقوقي أراد لنهضته أن تكون نهضة ناصعة البياض لكنه واجه مظلومية كبرى وجب ترسيخها".
حسب أراء هذه الطائفة فاختيار الحسين أرض "كربلاء" كان اختيارا ربّانيا و هذا الإختيار له بعدا غيبيا كما له خصوصية لتكون الواقعة في العراق، فالنبي عيسى و موسى و ابراهيم عليهم السلام مروا بأرض كربلاء و لذلك هي مليئة بالأسرار كما تتسم بالقداسة، فنهضة الإمام الحسين يصفها البعض بأنها ثورة و البعض الآخر يقول انها حرب و آخرون يرون انها نهضة حقيقية و هناك من قال انها مجرد ردّة فعل، إلا أن هناك إتفاق بالإجماع على أن نهضة الحسين تتعلق بالتغيير و بالتالي هي نهضة إصلاحية كبرى لها إمدادات على مدى الدهر، و لذا يجب على العلماء و الفقهاء في العالم الإسلامي أن يحللوا طبيعة الحسين و تقنينها خاصة و أن هناك من يريد أن يحصر عمل الحسين في "التقية"، لعل واجب العودة إلى التاريخ للوقوف على ظروف انقسام المسلمين إلى سنة و شيعة بعد وفاة الرسول فيما يسمى بموقعة السقيفة، فبعدما وقع الإختيار على ابي بكر الصديق ثم تعيين هذا الأخير عثمان بن عفات خليفة مرورا بعمر بن الخطاب و كما تشير مصادر فإن هذا الإخنيار لم يكن مبني على الشورى لكل الأمّة.
و قد اثار هذا التعيين غضب المهاجرين و الأنصار الذين رأوا أن علي بن أبي طالب و هو من أهل بيت الرسول غُيِّب تغييبا كاملا عن هذه المشاورات، إلا أن اليعقوبي و السيوطي و حتى الطبري لم يشيروا إلى هذه المسألة و هذا يدل على ان استبعاده كان مقصودا، تشير العديد من الروايات أن اغتيال عمر بن الخطاب سنة 644م كان لأسباب سياسية و يبدو أن الفئة الأرستقراطية وراء اغتياله بسبب العطاء و بيت المال و إبقاء الأراضي الزراعية لأصحابها الأصليين، حتى أن عثمان بن عفان تم تعيينه بشكل انفرادي فضلا عن عمليات التوظيف التي كانت تتم بحكم القرابة، و تشير المصادر أن كبار الصحابة تحكموا في أرضاء الأمصار الإسلامية مما زاد في انتشار الفقر بعدما أوقف عثمان المجالس الإستشارية و كانت هذه الممارسات سببا في تشكيل التكتلات السياسية، كان أبو ذر الغفاري و هو أحد كبار أئمة الحديث من المعارضين لسياسة عثمان لأنه لم يتدخل حينما ظهرت المضاربة و ترك الناس يمارسون التجارة بطريقة فوضوية واشتدت الهوة بين فئة الفقراء و الأغنياء و لم يحافظ على بيت مال المسلمين فتقرر إبعاده إلى الشام ليكون تحت رقابة معاوية في محاولة منه لإخفات صوته.
حوار جبريل و النبي صلعم حول مقتل الحسين
و مثلما تمت الإشارة إلي آنفا فاختيار الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب أرض كربلاء بالعراق كان اختيارا ربانيا ، تذكر روايات الحديث الذي دار بين جبريل و النبيّ صلعم ، فقد نزل جبريل عليه السلام على الرسول (صلعم) و كان الحسين قد دخل و جلس في حجر الرسول : فقال جبريل عليه السلام للنبيّ إن أمتك ستقتله، رد الرسول و قال: أيقتلونه و هم مؤمنون؟ قال جبريل: نعم و أراه تربته و قد أتاه جبريل بتراب من التربة التي يقتل بها الحسين و قيل أن اسمها كربلاء، فقال النبي صلعم " كرب و بلاء" ( انظر كتاب الراسخون في ذاكرة الأيام للدكتور ابو محمد عبد الرحمان ص 219 )، و بالفعل هذا ماحدث بعد وفاة الرسول، كان الصراع بين المسلمين صراعا سياسيا حول منصب الخلافة و حول أحقية كل طرف من أطراف النزاع لكنها اصطبغت بصبغة دينية، اي أن الطموح السياسي كان مغلفا بالدين .
فبمقتل عثمان انتهت الخلافة الراشدية و انتقل الثقل السياسي إلى الكوفة، أما عن مبايعة يزيد بن معاوية بعد موت ابيه تقول الروايات أن الحسين ذهب إلى مكة حتى لا يبايع يزيد ، في هذه الفترة كتب 12 ألف من أهل الكوفة إلى الحسين لكي يعود إلى الكوفة، إلا أن أنصار الحسين حذروه من الذهاب إلى الكوفة لأن اهلها أهل غدر و عدم ثقة، و ليست بالمكان المناسب لأن فيها عمال يزيد و أمرائه، و جاء في بعض الكتابات أن الطبري أكد أن عبد الله بن الزبير أول من حذر الحسين من الذهاب إلى الكوفة ثم حذره ابن عمه مسلم بن عقيل في رساله يحذره من القدوم، لكن الحسين أصر على موقفه ، التقي الجيشين بوادي السباع عند كربلاء، و قال فيها الحسين: هذه كرب و بلاء ( هناك مصادر تقول ان النبي هو من قال هذه العبارة لما علم من جبريل بأن حفيده سوف يقتل) و بالفعل كانت نقطة النهاية بالنسبة للحسين بن علي حيث فيها قتل في 10 محرم سنة 680 م، و كما يقال فكما تدين تدان فقتلة الحسين و على رأسهم عمر بن سعد بن أبي وقاص و شمر بن ذي الجوش قتلوا بيد المختار الثقفي.
توالت الجرائم السياسية ضد أهل البيت فبعد مقتل الحسين ، تعرض زيد بن علي حفيد الحسين حينما أعلن الثورة في الكوفة ضد هشام بعد أن خرج من المدينة دون أن يتعظ من التجارب العلوية الفاشلة او يرتب قواته كما تقتضي الحنكة السياسية و العسكرية، و لم يكن حظه أفضل من أعماه فقتل شر قتلة، حتى أنه بعدما دفن نبش قبره و أخرجت جثته و صلب جسده بالكوفة و أرسل رأسه إلى دمشف فنصب على بابها و ظل مصلوبا حتى مات هشام و ولى للوليد بن يزيد فأمر بحرق جثته، و نفس الشيئ حدث مع ابن حفيده يحي بن زيد الذي فر إثر مقتل والده و تعرض للصلب و ظل مصلوبا حتى ظهور أبي مسلم فأنزل جثته و صلى عليه، اتسعت الجرائم السياسية في زمن الأمويين ، ففي عهد هشام قتل اثنان من العلماء غيلان الدمشقي و الجعد بن درهم ( انظر كتاب شهداء الفكر في الإسلام لمحمد عبد الرحيم الزيني قاسم ص 13 دار الهدى عين مليلة الجزائر) ، ما يمكن قوله أن مقتل أئمة من أهل البيت عجّل في تطور المذهب الشيعي فيما سمي بعد ذلك بشيعة علي وشيعة الحسين، هذا الحزب الشيعي تمخضت منه كل الفرق الشيعية و كل فرقة تنقسم إلى فروع.
الشيخ محمد الغزالي و مسألة التقريب بين المذاهب
النتائج التي ترتبت عنها موقعة كربلاء هي تحول الحزب الشيعي إلى المعارضة ، تبلور ذلك في حركة "التوابين" التي تبنت فكرة الثار لمقتل الحسين فكانت معركة عين الوردة لنصر القضية العلوية و المطالبة بدم الحسين، حسب الروايات تواعد التوابون في مكان خارج الكوفة يقال له النخيلة و التقوا مع جيش الشام في عين الوردة، إلا أن النصر عاد للأمويين الذين قتلوا التوابين جميعا، وانتقاما لمقتل علي و الحسين ظهرت الفرقة "السبئية" و جهزت جيشا قوامه 17 ألف جنجي لتنتقم من قاتلي أهل البيت و بالأخص الإمام الحسين، و على رأسهم عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد الفرقة العسكرية التي ارتكبت مذبحة كربلاء، و نقف هنا مع موقف علماء السنة من مذبحة كربلاء و ما حدث لأهل البيت، ومن هؤلاء الشيخ الداعية محمد الغزالي رحمه الله، حينما قال: إن كثير من أهل العلم في الأزهر الشريف تكونت لديهم صورة عن الشيعة نسجتها الإشاعات و الفروض المدخولة، وهذا يبين أن هناك من الشيعة معتدلون و هم الذين التصقت بهم تلك الإشاعات، و نقرأ ما جاء في كتاب: "حقيقة الشيعة لعبد الله بن عبد الله الموصلي"، أنه لو كان يستطيع إرسال فرقة من السنة لمناصرة الشيعة في حربهم مع بعث العراق لفعل و لكنه لا يستطيع، يفهم من كلام الشيخ محمد الغزالي أنه من واجب المسلمين في وقت الشدة أن يتركوا الخلافات و الأحقاد و النزاعات و يتصافوا و يؤازر الواحد منهم الآخر من أجل الوحدة الإسلامية.
فالخلاف بين الشيعة و السنة في نظر الشيخ محمد الغزالي سياسي أكثر منه ديني، و قذ ذهب في ذلك الشيخ البوطي، إلا أن الإثنان اختلفا في فكرة التمذهب، فالشيخ الغزالي كان من الداعين إلى فكرة التقريب بين المذاهب، أما البوطي فقد دعا إلى اللامذهبية، و قال أن المسلم ليس مجبر بأن يتبع مذهبا معينا إذا كانت له مَلَكَة الإجتهاد ( فيما معناه )، إذن فمسالة التقريب بين المذاهب كما يراها محللون ليست جريمة بل هي لسد الفجوة التي صنعتها الأوهام و الأحقاد و الأهواء، خاصة و أن الصراع إسلامي إسلامي، فقد رأى الشيخ الغزالي أن تتولى وزارة الأوقاف المصرية ضم المذهب الفقهي للشيعة الإمامية إلى فقه المذاهب الأربعة المدروسة في مصر حتى يطلع الإخوان الشيعة على ابواب العبادات و المعاملات في هذا الفقه الإسلامي، إلا أن البعض أخطأ الغزالي لأنه قدّم الفروع على الأصول، نلاحظ أن هناك تناقض في وصف الغزالي و إلصاق به التهم فتارة يشير صاحب الكتاب أن الغزالي لا يفرق بين الأصول و الفروع ( ص 136) ثم نجده يشير أن الشيخ محمد الغزالي كان ضحية خدعة أو خيانة عندما قال في الصفحة (137) أن الشيخ الغزالي مثال للسلامة و حسن النية .
و قد دعم صاحب الكتاب موقفه ( وهو موقف ضعيف جدا ) بأن الشيخ محمد الغزالي كانت تربطه صداقة مع الشيعي محمد جواد مغنية و لا يعلم الغزالي أن مغنية و غيره يتعاملون معه بالتقية للحصول على مكاسب مذهبية خاصة ما تعلق بالإمامة الإثنى عشرية و الإعتقاد بها و من هم الأحق بها، نلاحظ هنا أن الصداقة كانت بين مسلم و مسلم مهما اختلف مذهبهما و وفق ما جا، فالشيخ محمد الغزالي أكد أن الخلاف بين الشيعة و السنة سياسي أكثر منه ديني ، و لنقرأ ما جاء في كتابه "في موكب الدعوة" إذ يقول في الصفحة 95 "لم تكن مصائبنا في انفجار عسكري بل من مرض متغلغل قديم في إشارة منه إلى الخلافات التي وقعت بعد وفاة الرسول و الصدامات الدموية، و من هنا هبّ المصلحون في بقاع الوطن العربي الإسلامي الكبير يعالجون العلة الدفينة و يحاولون بناء الحضارة الإسلامية على أصولها الأولى من حرية العقل و الضمير"، و كان ير (أي الغزالي) أنه لو مد الأزهر يده للشيعة فإن أكثر عوامل الوقيعة تذوب من تلقاء نفسها، يفهم من هذا أن الغزاليكان يدعو إلى الحوار بين المذاهب، لنبذ الخلافات الفقهية و النظرية بين الشيعة و السنة، طالما الإسلام دين وسطية، و هذا ما أراده الشيخ الغزالي و هو جمع الكلمة و إشاعة الوئام بين فريقي الشيعة و أهل السنة، و بالتالي شيئ طبيعي أن يؤازر العلماء بعضهم بعضا للتحاور و إعادة النظر في المسائل التي تهم المسلمين كافة لتحقيق التقارب حتى لو كان أحدهم مخالفا و ليس كما روج البعض أن هناك محاولات لتشييع السنة، فالحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث تقع له لا يبالي من أي وعاء خرجت.
السبئية هل هي شخصية اسطورية ؟
لقد خاضت الكثير من الأقلام حول الصراع الشيعي السني في العالم الإسلامي و الأسباب التي جعلت التشيع ينتشر بقوة في المعمورة، ومن هم المتسببون في الفتنة ، و من باب الإنصاف اشار باحثون و منهم الدكتور محمد الأمين بلغيث في كتابه: "المدخل إلى السيرة النبوية و الخلافة الراشدة "ص 139 : ليس من المنطق الإسلامي أن نلقي اسباب الفتنة كلها على شخصية تبدوا أسطورية لدى كثير من المؤرخين و هي شخصية عبد الله بن سبأ، فابن سبأ آزر علي بن ابي طالب و قال بحقه في الولاية، و لكل نبيّ وصيّ، و هذا لمنا روى في الصحيحين عن النبي صلعم قال: "علي مني يمنزلة هارون من موسى" لدرجة أنه نادي بألوهية الإمام علي، فعلي بن ابي طالب كان أكبر مناصر للإسلام و المسلمين منذ طفولته و هو الذي فدى الرسول عندما همّت قريش لقتله، و اشار الدكتور بلغيث أن رؤوس الفتنة كثر و هم من الفريقين (الشيعة و السنة ايضا) و ليس ابن سبأ وحده و ذكر الشتر النخعي (شيعي) و محمد بن ابي حنيفة ( أموي) لقد بلغت هذه الفتن اتهام علي بن ابي طالب بقتله عثمان.
ما جاء في كتاب الدكتور بلغيث على لسان الشهرستاني ان ابن سبأ ظهر بعد مقتل علي بن ابي طالب، إن الإغتيالات السياسية التي ظهرت بعد وفاة النبيّ صلعم أدت إلى انقسام المسلمين و كل واحد ينتصر لشيعته سواء من الأمويين أو العلويين ، طالت أهل البيت و اتباعهم من مقتل علي إلى مقتل ابنه الحسين و حفيده زيد و حتى أتباعهم و منهم عمار بن ياسر و غيرهم ، السؤال الذي ينبغي أن يطرح هنا هو: لماذا الإغتيالات مست أهل البيت بالذات؟، سؤال ربما اجاب عنه الدكتور نعمان جغيم في كتابه " فهم التشيع" صدر عن دار الأصالة للنشر الجزائر، في الصفحة 89 أن مسألة أهل البيت حجر الأساس الذي يقوم عليه الفكر السياسي و العقدي الشيعي فأحقية أهل البيت بوراثة النبي سياسيا و دينيا هي الأساس الذي يقوم عليه الفكر الشيعي و أن فقههم هو فقه أهل البيت، و تقوم الشيعة الإثنى عشرية على حصر أهل البيت في علي بن ابي طالب و فاطمة و الخسن و الحسين و من ياتي بعدهم، و الحقوا بهم أئمة الثمانية الآخرين ثم ياتي الإمام الثاني عشر الغائب و هو المهدي المنتظر، تشير هنا فقط أن الشيعة منقسمون إلى فرق عديدة ، و نشير هنا إلى الغلاة منهم ( السبئية و الإسماعيلية، الخطابية، المعمرية و اليزيدية و المفضلية و القرامطة و الزيدية) و أما فرقة الخوارج فمنهم الغلاة ايضا و هم: ( الأزارقة و الصفرية النجدات) و فرقة المرجئة و هي نتسبة لبني امية الذين اسنتغلوا فكرة الإرجاء في تبرير المظالم التي كانوا يقيمون بها من خلال سياسة أمراء الجور و ولاة الفساد، مع ذكر المعتزلة و تنقسم إلأى 20 فرقة كالواصلية و الهذيلية و النظامية و الجعفرية و الجاحظية و غيرهم.
إعداد علجية عيش