من أساسيات النصوص الروائية تمكن الكاتب من تقنية السرد، حيث يهتم كاتب فن الرواية بسرد الأحداث المضمرة والتي تحمل في خلفياتها ايديولوجيات وتوجهات ( الأنساق) تهم المجتمع وتعبر عنه. سردا ينتقل فيه بكفائته وجودته إلى فن التصوير، إذ تصبح الأحداث والانساق التي يتم سردها بمثابة صور يتم عرضها على القارئ ما يجعله يعيش هذه الأحداث وما تخفيه من مضامين، فيتلذذ بها ويصبح جزءًا منها تختلف فيها مشاعره من نسق إلى نسق آخر. وإن حدث ذلك فهذا يعني أن كاتب النص خبير بتقنياته متمكن منها.
وفي رواية ضمير المتكلم أحسن فيصل الأحمر الكلام وأجاد التصوير، فنصه المكبوت بالمضامين والنسقية والفصول، تصوير محكم لأحداث تخفي في جوهرها أنساقا تعبر عن الواقع المعاش في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وحالياً أيضاً، والتي تعكس الكثير من المواضيع المنبثقة منا والتي عاشها وأحسها أغلبنا، فنتأثر لقرائتها ونستمتع بذلك لأنها جزء منا ومن تاريخ آبائنا وأجدادنا، ولأنها أنساق خاصة من نسقنا العام، وأيضا لأن الكاتب عرف كيف يصورها. ربما لأنه فوتوغرافي يعشق التصوير كثيرا، كما ذكر في نصه هذا.
صورة الواقع:
لقد كان فيصل الأحمر حكيماً في تصوير الواقع الجزائري منذ الإستقلال وإبان العشرية السوداء إلى اليوم الذي نشر فيه النص بكل تفاصيله، حيث صور الأحداث بأنساقها السياسية والإجتماعية والثقافية وسردها بكل موضوعية معتمدا في ذلك على منطق الحقيقة ولغة المقام. ففيصل جعلنا نعيش ذلك الواقع لمن لم يعشه، وأعاد من عاشه إلى تلك الذاكرة المحفورة في الذاكرة.
لقد كان هذا النص متميزا في تصويره لواقع الريف والفن والعلوم والفقر والسياسة في الجزائر، كما كان متميزا بل راقيا في تصويره لواقع الشباب فترة الثمانينات والتسعينيات، خاصة وهو يتحدث عن يومياتهم البائسة التي تنسيهم إياها في بعض الأحيان كرة القدم الجميلة التي يقدمها بلومي، عصاد وماجر ، وكذلك المسلسلات المصرية التي تعرض على السابعة مساءً. كما أن فيصل أحسن تصوير واقع الفقر والمرض، واللذان لم يقتلا أحدا أنذاك فالفقر لم يكن عيبا، والموت كان بيد الله.
من واقع الشباب المصور أيضاً في هذا النص صورة الشباب الذين فاضت أشذاقهم خمرا ونبيدا احمرا، وهذا هو واقع ابائنا وأجدادنا أنذاك. إضافة إلى واقع العالم حالياً بعد ظهور وهمية الإنترنت وهو ما أقنع الكاتب في تصويره.
صورة الريف:
لقد كان للريف حظا وافرا في نصنا هذا، حيث اهتم الكاتب بتصويره تصويرا حقيقيا، بكل مايحمله من شقاء وبؤس جعلت الكاتب يعترف بكرهه لهذا المكان الذي لاشيء فيه جميل حسبه وحسب كل من عاش فيه إلا طبيعته.
لقد كان فيصل الأحمر منطقيا في تصويره للريف أو الدوار كما سماه، تصوير نطق بالحقيقة المطلقة حول هذا المكان الذي يعد موتا بطيئا يحتمه القدر. حيث صور لنا الكاتب صورا مختلفة من مظاهر الريف البائسة كاعتباره الدلع مظهرا من مظاهر عدم الفحولة، أو لأنه مكان مغلق لا يعترف بالانفتاح.
صورة الزطلة:
لقد كان فيصل الأحمر في ضمير المتكلم يصور لنا الواقع وما يضمره، بحذافره وبلغة واقعية جعلت الصورة حقيقية بامتياز. ولأن اللغة الشعرية تجعلك تتوقع أن الكاتب يتخيل ويتعاطف، وضع لنا الكاتب بين أيدينا واقع الجزائر بأنساقه المختلفة بصدق معتمداً على لغة السرد الخالية من نسيج التنميقات والزخرفة اللفظية، خاصة وهو يتحدث عن الزطلة ويصور لنا المزاطيل بكل انواعهم، من الشباب العادي إلى الإرهاب الذين هم بحاجة إلى الزطلة التي صورها الكاتب على أنها جنون، فما يقومون به يحتاج إلى كثير من الجنون.
تصوير فيصل لمفعول عروس الڨوسطو كما سماها يجعلك تتخيل أنك أنت المزطول ويجعلك تغوص في هذا النسق الاجتماعي البائس. كما أن فوائد الزطلة بالنسبة للشباب وكما صورها في هذا النص حقيقة يعترف بها كل المزاطيل. فهي وكما قال الكاتب تداوي الهموم وتلبسك الصمت والعمق. هي بمثابة الأم التي تغطيك عندما تنام. هي التي ترعى أحلامك، وهذا ماجعل الكاتب يصور الجزائر في الثمانينات والتسعينيات على أنها محششة ثقيلة الدم.
أجمل تصوير للزطلة والتي أخدت نصيبها في نص فيصل الأحمر، كان عندما صورها على أنها ابتلاء، وذلك امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا ابتليتم فاستغفروا" ففيصل يرى أن الزطلة هي الابتلاء. وأيضا تصويرها على أنها حياة، تحت شعار ولكم في الحشيش حياة.
صورة الغربة:
انطلاقا من تجربة وجوده في مدينة السينما ( كان الفرنسية)، صور لنا الكاتب واقع الغربة بالنسبة للعرب، حيث أن هذه الأخيرة تبقى صورة مقموته يكرهها كل العرب المقيمين هناك، لما فيها من احتقار وتهكم لا يطيقه إلا من وهب حياته هناك للخمر والنبيد الأحمر.
ولقد صور لنا فيصل في نصه هذا صنفين من أهل الغربة، صنف حافظ على أصوله وانتمائه فلزم البيت مقلدا أهل بلدته بطبخ الفريك والشخشوخة، وصنف انفتح على الغرب الفرنسي فصار ميڨريا، وقد صدق كاتبنا في هذا التصوير صدقا لا يمكن للنسق الاجتماعي المعاش نقضه.
صورة الرواية والسنما:
بأسلوب واقعي وبلغة تعبر عن الواقع لا المشاعر والوجدان، صور لنا فيصل الأحمر النسق الثقافي في الجزائر، وذلك بحديثه عن الرواية والسنما على انهما أرقى الفنون التي يمكن للإنسان الهروب من الواقع بواسطتها، وذلك عندما اعتبر الرواية أجمل ما في الحياة. فبها يمكن فهم الواقع الذي نحياه، وبها أيضا يمكننا أن ننسى هذا الواقع.
كما صور فيصل الأحمر في نصه هذا الرواية على أنها الجنون الذي ينقص هذه الحياة وهو هنا يقصد بأن الرواية بوح بما لا يمكن البوح به. كما تحدث الكاتب كثيراً عن الرواية البوليسية وصورة الأدب الأسود الذي يناسب مقام الغدر السياسي المليء بالفتن والشرور.
أما السينما والتي أبان الكاتب عن إحاطة عميقة معمقة بها، فقد ألبسها صورة الوجهين لعملة واحدة لها الكثير من الوجوه، فالسينما في ذلك الواقع كانت ملجأ البؤساء الهاربين من بؤس الواقع ومرارته.
هذا وقد صور الكاتب أيضا واقع السينما أنذاك، والتي كانت دبلجة للأعمال الاجنبية فقط، دبلجة فرنسية، ثم انجليزية...، بل إن الكثير لا يهتم بالسنما ولا يعرف أهم نجومها أمثال غاري كوبر، دين مارتن....، وهذا ما جعل فيصل الأحمر يصوره على أنه خيانة سينمائية، وهو تلميح نسقي للثقافة الجزائرية التي عاشت الركوض والسبات في زمن العشرية السوداء.
صورة التراث:
في نصه هذا كان فيصل فوتوغرافيا بامتياز يصور لك الواقع بالنص وكأنه يصوره لك بالكاميرا، فكان تصويره أدبا رفيعا اعتمد فيه أيضا على صورة التراث، حيث لم يخلوا تصويره للوقائع والأحداث من تعريج وظيفي يتطلبه المقام لنسقية التراث وأصالة البلد، سواءً حديثة عن مقاليد الريف البائسة ودور الحمار في هذا المكان، أو حديثه عن القصبة، أو تصويره للمرأة المغتربة المقيمة في بيتها وهي تطبخ شربة الفريك.
أما أجمل الصور في هذا السياق فهي صور الأمثال الشعبية التي وظفها الكاتب خدمة لنصه كالخبر يجيبوه التوالى، وبوعلام دز للقدام.
صورة السياسة:
بما أن فيصل الأحمر يصور لنا بضمير المتكلم، كان لا بد عليه أن يصور لنا ضمير السياسي المليء بالخوف والحسابات، ولهذا كانت السياسة النسق الأبرز في نصه، ذلك انه صور لنا جملة وتفصيلا الأجواء السياسية المشحونة التي كانت تعيشها الحزائر منذ الإستقلال إلى اليوم تصويرا حقيقيا، فتحدث عن الارهاب وما كانت تخلفه من خوف وهلع وقتل وذبح وفتك. وصور رجال الدولة والمخابرات وما يكيدون لبعضهم البعض من مكائد ومؤامرات.
كما صور لنا شخصية بومدين وصراعها الخفي مع فرحات عباس، وهدوء الشاذلي بن جديد الذي لا يصلح للسياسة، وكذلك صور اغتيال عبان رمضان،كريم بلقاسم، العقيد عميروش وايضا هجرة البشير الابراهيمي ومصالي الحاج وغيرهم. هذا وصور لنا فيصل أيضاً ماحدث لمولود معمري وكيف اشتعلت نار العنصرية بين العرب والقبائل.
الكاتب لم يغمض عينيه على صورة جيجل سياسيا حيث تحدث عنها كثيراً خاصة وأنها كانت صورة للمتديننين الذي يحبون الطاعة والولاء فكانوا أفضل فئة تتغزل بها الدولة للتجنيد العسكري. إضافة إلى حديثه عن الحراك وشعار مدنية لا عسكرية والذي ولد مع ولادة الاستقلال.
فهم الكاتب للأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد جعله يسرد كل الاحداث الهامة مستخدما في ذلك تقنية التصوير، وعلى رأس هذه الأحداث، رحيل بومدين ورثاءه، صراع الأحزاب، عباسي مدني، الحرب اللبنانية، حرب الخليج، القضية الفلسطينية،الفيس، التعيينات، حروب الولاء، مرحلة الإنفتاح الديموقراطي في الجزائر. كما صور لنا أيضا واقع الإرهاب وحمام الدم الذي كانوا يخلفونه بحق الطلبة والمنظمين والمنخرطين وكل من يرفض مقاطعة الوظائف الحكومية كصورة مقتل الشاعر العراقي محمد طالب البوسطجي بمدينة جيجل والتي تعود أسباب تهميشها إلى ماحدث فيها آنذاك وهذا واقع لم يشأ الكاتب تهميشه.
إن هذا النص صورة حقيقية لواقع الجزائر وما عاشته من أنساق مختلفة صدق فيصل الأحمر في تصويرها، حيث جعله نصا شاهدا على ماحدث في الجزائر بعيدا عن التنميقات والتوصيفات الزائدة التي تجاوزتها الرواية المعاصرة، ففيصل احترم المقام والتزم بالواقع ولذلك كان عمله هذا من 333 صورة وليس 333 صفحة.
وفي رواية ضمير المتكلم أحسن فيصل الأحمر الكلام وأجاد التصوير، فنصه المكبوت بالمضامين والنسقية والفصول، تصوير محكم لأحداث تخفي في جوهرها أنساقا تعبر عن الواقع المعاش في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وحالياً أيضاً، والتي تعكس الكثير من المواضيع المنبثقة منا والتي عاشها وأحسها أغلبنا، فنتأثر لقرائتها ونستمتع بذلك لأنها جزء منا ومن تاريخ آبائنا وأجدادنا، ولأنها أنساق خاصة من نسقنا العام، وأيضا لأن الكاتب عرف كيف يصورها. ربما لأنه فوتوغرافي يعشق التصوير كثيرا، كما ذكر في نصه هذا.
صورة الواقع:
لقد كان فيصل الأحمر حكيماً في تصوير الواقع الجزائري منذ الإستقلال وإبان العشرية السوداء إلى اليوم الذي نشر فيه النص بكل تفاصيله، حيث صور الأحداث بأنساقها السياسية والإجتماعية والثقافية وسردها بكل موضوعية معتمدا في ذلك على منطق الحقيقة ولغة المقام. ففيصل جعلنا نعيش ذلك الواقع لمن لم يعشه، وأعاد من عاشه إلى تلك الذاكرة المحفورة في الذاكرة.
لقد كان هذا النص متميزا في تصويره لواقع الريف والفن والعلوم والفقر والسياسة في الجزائر، كما كان متميزا بل راقيا في تصويره لواقع الشباب فترة الثمانينات والتسعينيات، خاصة وهو يتحدث عن يومياتهم البائسة التي تنسيهم إياها في بعض الأحيان كرة القدم الجميلة التي يقدمها بلومي، عصاد وماجر ، وكذلك المسلسلات المصرية التي تعرض على السابعة مساءً. كما أن فيصل أحسن تصوير واقع الفقر والمرض، واللذان لم يقتلا أحدا أنذاك فالفقر لم يكن عيبا، والموت كان بيد الله.
من واقع الشباب المصور أيضاً في هذا النص صورة الشباب الذين فاضت أشذاقهم خمرا ونبيدا احمرا، وهذا هو واقع ابائنا وأجدادنا أنذاك. إضافة إلى واقع العالم حالياً بعد ظهور وهمية الإنترنت وهو ما أقنع الكاتب في تصويره.
صورة الريف:
لقد كان للريف حظا وافرا في نصنا هذا، حيث اهتم الكاتب بتصويره تصويرا حقيقيا، بكل مايحمله من شقاء وبؤس جعلت الكاتب يعترف بكرهه لهذا المكان الذي لاشيء فيه جميل حسبه وحسب كل من عاش فيه إلا طبيعته.
لقد كان فيصل الأحمر منطقيا في تصويره للريف أو الدوار كما سماه، تصوير نطق بالحقيقة المطلقة حول هذا المكان الذي يعد موتا بطيئا يحتمه القدر. حيث صور لنا الكاتب صورا مختلفة من مظاهر الريف البائسة كاعتباره الدلع مظهرا من مظاهر عدم الفحولة، أو لأنه مكان مغلق لا يعترف بالانفتاح.
صورة الزطلة:
لقد كان فيصل الأحمر في ضمير المتكلم يصور لنا الواقع وما يضمره، بحذافره وبلغة واقعية جعلت الصورة حقيقية بامتياز. ولأن اللغة الشعرية تجعلك تتوقع أن الكاتب يتخيل ويتعاطف، وضع لنا الكاتب بين أيدينا واقع الجزائر بأنساقه المختلفة بصدق معتمداً على لغة السرد الخالية من نسيج التنميقات والزخرفة اللفظية، خاصة وهو يتحدث عن الزطلة ويصور لنا المزاطيل بكل انواعهم، من الشباب العادي إلى الإرهاب الذين هم بحاجة إلى الزطلة التي صورها الكاتب على أنها جنون، فما يقومون به يحتاج إلى كثير من الجنون.
تصوير فيصل لمفعول عروس الڨوسطو كما سماها يجعلك تتخيل أنك أنت المزطول ويجعلك تغوص في هذا النسق الاجتماعي البائس. كما أن فوائد الزطلة بالنسبة للشباب وكما صورها في هذا النص حقيقة يعترف بها كل المزاطيل. فهي وكما قال الكاتب تداوي الهموم وتلبسك الصمت والعمق. هي بمثابة الأم التي تغطيك عندما تنام. هي التي ترعى أحلامك، وهذا ماجعل الكاتب يصور الجزائر في الثمانينات والتسعينيات على أنها محششة ثقيلة الدم.
أجمل تصوير للزطلة والتي أخدت نصيبها في نص فيصل الأحمر، كان عندما صورها على أنها ابتلاء، وذلك امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا ابتليتم فاستغفروا" ففيصل يرى أن الزطلة هي الابتلاء. وأيضا تصويرها على أنها حياة، تحت شعار ولكم في الحشيش حياة.
صورة الغربة:
انطلاقا من تجربة وجوده في مدينة السينما ( كان الفرنسية)، صور لنا الكاتب واقع الغربة بالنسبة للعرب، حيث أن هذه الأخيرة تبقى صورة مقموته يكرهها كل العرب المقيمين هناك، لما فيها من احتقار وتهكم لا يطيقه إلا من وهب حياته هناك للخمر والنبيد الأحمر.
ولقد صور لنا فيصل في نصه هذا صنفين من أهل الغربة، صنف حافظ على أصوله وانتمائه فلزم البيت مقلدا أهل بلدته بطبخ الفريك والشخشوخة، وصنف انفتح على الغرب الفرنسي فصار ميڨريا، وقد صدق كاتبنا في هذا التصوير صدقا لا يمكن للنسق الاجتماعي المعاش نقضه.
صورة الرواية والسنما:
بأسلوب واقعي وبلغة تعبر عن الواقع لا المشاعر والوجدان، صور لنا فيصل الأحمر النسق الثقافي في الجزائر، وذلك بحديثه عن الرواية والسنما على انهما أرقى الفنون التي يمكن للإنسان الهروب من الواقع بواسطتها، وذلك عندما اعتبر الرواية أجمل ما في الحياة. فبها يمكن فهم الواقع الذي نحياه، وبها أيضا يمكننا أن ننسى هذا الواقع.
كما صور فيصل الأحمر في نصه هذا الرواية على أنها الجنون الذي ينقص هذه الحياة وهو هنا يقصد بأن الرواية بوح بما لا يمكن البوح به. كما تحدث الكاتب كثيراً عن الرواية البوليسية وصورة الأدب الأسود الذي يناسب مقام الغدر السياسي المليء بالفتن والشرور.
أما السينما والتي أبان الكاتب عن إحاطة عميقة معمقة بها، فقد ألبسها صورة الوجهين لعملة واحدة لها الكثير من الوجوه، فالسينما في ذلك الواقع كانت ملجأ البؤساء الهاربين من بؤس الواقع ومرارته.
هذا وقد صور الكاتب أيضا واقع السينما أنذاك، والتي كانت دبلجة للأعمال الاجنبية فقط، دبلجة فرنسية، ثم انجليزية...، بل إن الكثير لا يهتم بالسنما ولا يعرف أهم نجومها أمثال غاري كوبر، دين مارتن....، وهذا ما جعل فيصل الأحمر يصوره على أنه خيانة سينمائية، وهو تلميح نسقي للثقافة الجزائرية التي عاشت الركوض والسبات في زمن العشرية السوداء.
صورة التراث:
في نصه هذا كان فيصل فوتوغرافيا بامتياز يصور لك الواقع بالنص وكأنه يصوره لك بالكاميرا، فكان تصويره أدبا رفيعا اعتمد فيه أيضا على صورة التراث، حيث لم يخلوا تصويره للوقائع والأحداث من تعريج وظيفي يتطلبه المقام لنسقية التراث وأصالة البلد، سواءً حديثة عن مقاليد الريف البائسة ودور الحمار في هذا المكان، أو حديثه عن القصبة، أو تصويره للمرأة المغتربة المقيمة في بيتها وهي تطبخ شربة الفريك.
أما أجمل الصور في هذا السياق فهي صور الأمثال الشعبية التي وظفها الكاتب خدمة لنصه كالخبر يجيبوه التوالى، وبوعلام دز للقدام.
صورة السياسة:
بما أن فيصل الأحمر يصور لنا بضمير المتكلم، كان لا بد عليه أن يصور لنا ضمير السياسي المليء بالخوف والحسابات، ولهذا كانت السياسة النسق الأبرز في نصه، ذلك انه صور لنا جملة وتفصيلا الأجواء السياسية المشحونة التي كانت تعيشها الحزائر منذ الإستقلال إلى اليوم تصويرا حقيقيا، فتحدث عن الارهاب وما كانت تخلفه من خوف وهلع وقتل وذبح وفتك. وصور رجال الدولة والمخابرات وما يكيدون لبعضهم البعض من مكائد ومؤامرات.
كما صور لنا شخصية بومدين وصراعها الخفي مع فرحات عباس، وهدوء الشاذلي بن جديد الذي لا يصلح للسياسة، وكذلك صور اغتيال عبان رمضان،كريم بلقاسم، العقيد عميروش وايضا هجرة البشير الابراهيمي ومصالي الحاج وغيرهم. هذا وصور لنا فيصل أيضاً ماحدث لمولود معمري وكيف اشتعلت نار العنصرية بين العرب والقبائل.
الكاتب لم يغمض عينيه على صورة جيجل سياسيا حيث تحدث عنها كثيراً خاصة وأنها كانت صورة للمتديننين الذي يحبون الطاعة والولاء فكانوا أفضل فئة تتغزل بها الدولة للتجنيد العسكري. إضافة إلى حديثه عن الحراك وشعار مدنية لا عسكرية والذي ولد مع ولادة الاستقلال.
فهم الكاتب للأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد جعله يسرد كل الاحداث الهامة مستخدما في ذلك تقنية التصوير، وعلى رأس هذه الأحداث، رحيل بومدين ورثاءه، صراع الأحزاب، عباسي مدني، الحرب اللبنانية، حرب الخليج، القضية الفلسطينية،الفيس، التعيينات، حروب الولاء، مرحلة الإنفتاح الديموقراطي في الجزائر. كما صور لنا أيضا واقع الإرهاب وحمام الدم الذي كانوا يخلفونه بحق الطلبة والمنظمين والمنخرطين وكل من يرفض مقاطعة الوظائف الحكومية كصورة مقتل الشاعر العراقي محمد طالب البوسطجي بمدينة جيجل والتي تعود أسباب تهميشها إلى ماحدث فيها آنذاك وهذا واقع لم يشأ الكاتب تهميشه.
إن هذا النص صورة حقيقية لواقع الجزائر وما عاشته من أنساق مختلفة صدق فيصل الأحمر في تصويرها، حيث جعله نصا شاهدا على ماحدث في الجزائر بعيدا عن التنميقات والتوصيفات الزائدة التي تجاوزتها الرواية المعاصرة، ففيصل احترم المقام والتزم بالواقع ولذلك كان عمله هذا من 333 صورة وليس 333 صفحة.