أكاديمية وروائية مصرية تقرر المواجهة بعد منعها من التدريس الجامعي
سجال يدور حول أسر الحرية الشخصية وقمع التدريس الأكاديمي وتحريف معنى الأخلاق
أنهت المحكمة الإدارية العليا في مصر سجالاً طال نحو خمس سنوات حول الكاتبة والأكاديمية المصرية منى برنس، وأقرت نهائياً صحة قرار عزلها من التدريس في الجامعات المصرية كافة. وجاء قرار المحكمة تصديقاً لحكم مجلس تأديبي أقرته جامعة السويس حيث تعمل برنس مدرّسة للغة الإنجليزية وآدابها. ومنى برنس روائية وناقدة أكاديمية تكتب بالعربية والإنجليزية، وأعمالها تطرح قضايا إشكالية ومثيرة للسجال.
رقص وفيديو
أثبت القرار ضدها تهمتين: الأولى نشر مقاطع ترقص فيها على صفحتها في وسائل التواصل الاجتماعى، وإصرارها على تكرار النشر، ما اعتبرته المحكمة "يحط من هيبة أستاذ الجامعة" و"مسؤوليته عن نشر القيم"، كما "ينال من هيبتها أمام طلابها، ويجرح شعور طالباتها، ويمس كبرياء زميلاتها".
الإدانة لم تجرم الرقص كفعل في حد ذاته، ولم تحرمه، باعتبار أن له أماكن وسياقاً وشروطاً خاصة به. وفي الوقت نفسه احتوى القرار ضمناً على إدانة أخلاقية للفعل باعتباره عملاً غير لائق بالأستاذة الجامعية ومهيناً لطلابها وزميلاتها. مع الإشارة الواضحة إلى أن النشر كان في صفحتها "الشخصية" في "فيسبوك". فهل صفحة الأستاذ الجامعي الخاصة تخضع لرقابة الجامعة وسلطتها؟ لماذا نسميها إذن "صفحة شخصية"؟ هل نشرت المقاطع في موقع الجامعة أو وزعتها على الطلاب؟ أليس من حقها أن "ترقص" ما دام الرقص ليس فعلاً مجرماً في حد ذاته؟ أين تبدأ وتنتهي حدود الحرية الشخصية؟
يشبه ذلك ما حدث مع رئيسة وزراء فنلندا الشابة سانا مارين التي سرب لها فيديو ترقص فيه مع أصدقائها، وانقسم الشعب إزاءها، فهناك من اعتبرها حرية شخصية، ومن رأى أن هذا التصرف يشكك في قدرتها على إدارة منصبها. ودافعت مارين عن نفسها بأنها لم ترتكب أي خطأ في نطاق الحرية الشخصية، والمشكلة في "تسريب الفيديو" للناس. حتى في الغرب، تضع الوظائف العامة قيوداً أو "ضوابط" قانونية وعُرفية، ليس من السهل تجاوزها لممارسة فعل قد يبدو عادياً لآخرين. يُضاف إلى ذلك أن رئيسة الوزراء لم تستعرض المقطع ولم تنشره، على عكس منى التي تحدت الجامعة بالإصرار على النشر.
الشاطئ والمايو
انطلق حكم المجلس التأديبي على خلفية مقطع الرقص، لكن مع تصعيد القضية للبت فيها، نُسبت إلى برنس تهمة ثانية هي "الخروج على التوصيف العلمي للمقررات الدراسية، ونشر أفكار هدامة تخالف العقائد السماوية والنظام العام". أي أن التهمة الثانية أشد فداحة من الأولى، لأنها تمس العقيدة لا الأخلاق العامة، فقد نسبت إليها أقوال في محاضراتها تعد طعناً في ثوابت الدين مثل كلامها عن كون "إبليس شخصية مظلومة وتعبر عن حرية الإرادة"، وهذا انطلاقاً من تحليل نص أدبي أجنبي. فهل يجب على الأستاذ الجامعي الالتزام الأعمى بتوصيف المقرر؟ أليس من حقه ـ ضمن حرية البحث العلمي، مناقشة ما يُسمى "ثوابت" وإلا كيف يكون التقدم في التفكير؟ وماذا لو كان كلامها مقتطعاً من سياقه الخاص بتحليل صورة إبليس في قصيدة ألمانية أو قصة إنجليزية؟ ألا يمكن أن يكون الأمر "شكوى كيدية" لضمان التخلص منها نهائياً؟صفحة الكاتبة - فيسبوكم)
تذكرنا القضية بأخرى مشابهة فُصل على إثرها طه حسين من الجامعة بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي" واتهامه بالتشكيك في "ثوابت الدين"، ثم انتهى الأمر بعودته إلى الجامعة، وتخفيف حدة ما كتب، وتغيير عنوان الكتاب نفسه إلى "في الأدب الجاهلي". وكذلك السجال الحاد إزاء نصر أبو زيد والذي انتهى بحكم الردة وإجباره على الخروج من مصر. وبحسب المحكمة فإنها قيدت "الحرية الأكاديمية" بعدم "إنكار ما هو معلوم بالدين بالضرورة والطعن فى ذات الله جل علاه مع مخلوقاته، وبث الشك فى نفوس الطلاب بالحياة الآخرة وتعظيم شأن الشيطان". وهو تبرير أقرب إلى اعتبار الأستاذة الجامعية "مرتدة" وإن لم يصرح بذلك يقيناً. وعلقت منى بأن اتهامها بالإساءة للأديان كان منذ 2013 وحصلت على براءة، وبعدها نالت منحة كأستاذ زائر في كاليفورنيا مخصصة لـ "الأساتذة المضطهدين".
وبالإضافة إلى التهمتين الرئيستين، وردت ضمن حيثيات الحكم إشارات إلى نشرها صوراً بـ "المايوه" وأخرى مع أصدقاء وأمامها "زجاجات الخمر"، علماً بأن شرب الخمور ليس فعلاً مجرماً في مصر، وإنما فقط يخضع لضوابط وأعراف اجتماعية مثل القيادة تحت تأثير السكر.
ومع عدم إنكار "المتهمة" للصور والمقاطع، وإتاحة صفحتها للجميع بمن فيهم طلابها، أصبحت "سمعتها" على المحك. أو على حد تعبير المحكمة: "لا يجوز لأستاذ الجامعة، ولو خارج نطاق الوظيفة أن ينسى أو يتناسى أنه تحوطه سمعة الدولة، وترفرف عليه مُثلها، وأن الكثير من تصرفاته الخاصة قد يؤثر في حسن سير المرفق الجامعي وسلامته... ولا ريب أن أعضاء هيئة التدريس في الجامعات لا يقتصر الأمر بالنسبة إليهم على شرط الكفاءة فحسب، بل يلزم أن يتوازى معه شرط السلوك الحميد". لعل الحكم بناء على التهمتين، الأخلاقية والدينية، ينطلق من بيت شوقي الشهير "كاد المعلم أن يكون رسولا".
مع إسدال الستار على علاقة منى برنس بالجامعات الحكومية، تجدر الإشارة إلى أن هذا الفصل الأخير سبقته فصول من الشغب والتمرد. فسبق أن اتهمتها الجامعة بالسفر من دون إذن، والانقطاع عن العمل. واتهمت بأنها "ثورية هدامة"، خصوصاً أنها نشرت كتاباً بالإنجليزية عن ثورة يناير بعنوان "اسمي ثورة" عن منشورات الجامعة الأميركية. فهل كان ثمة ترصد و"تصيد" لأخطائها وتعطيل ترقيتها، بما يضمن طردها خارج سور الحرم الجامعي؟
تلخص رد برنس على معظم الاتهامات، بـ "الحرية الشخصية" و"حبها للحياة والاستمتاع بها"، وأن المقاطع كانت في منزلها الخاص وليس الجامعة، كذلك من الطبيعي أن تناقش طلابها لـ "تفتيح عقولهم" وتدعوهم للتفكير الحر والعقلاني.
مرشحة رئاسية
وضعت برنس القضية كلها في سياق معاقبتها على إعلان ترشحها للرئاسة عام 2018 ووعدها بأنها "هاتدلع الشعب المصري"، وهو إعلان "هزلي" يفتقر إلى الجدية وإمكانية التنفيذ. لكن ما يُفهم، من تعليقها أنها تُعاقب على ذلك. مما يعني أن ثمة تسييساً مضمراً للقضية. وسبق لمواقع وصحف أن مررت أخباراً وقت إعلانها الترشح، بأن أستاذة جامعية ترقص على شواطئ سيناء "في رمضان".
في ختام تغريدتها قالت الأستاذة المعزولة: "شكراً للقضاء المصري وربنا يعينك يا مصر". فما السيناريو المقبل بعدما أصبحت برنس أول أستاذة جامعية في مصر تعزل بتهمة الرقص والإساءة للدين؟ وكيف جاءت ردود الأفعال إزاء الحكم.
هناك من اعتبره حكماً طبيعياً لتجاوزها المتكرر للقيم والأعراف الأكاديمية، ومن فسره بمغازلة القضاء للسلطة التنفيذية، وباستعمال "ديباجات أخلاقية" لا علاقة لها بالحرية الشخصية ولا البحث العلمي، تملقاً للوعي العام الرجعي والمتشدد.
وكان من المفترض محاسبة الأساتذة الذين يقومون بالتحرش بالطالبات أو مساومتهن مقابل النجاح وبيع "الملازم" بالإجبار والغش وبيع الامتحانات. بمعنى آخر هناك من اتهم المنظومة الجامعية بالفساد الأخلاقي والقانوني، وهو أشد فداحة من "ظهور أستاذة بالبكيني على شاطئ البحر". إضافة إلى انتقاد جملة "حرية الاعتقاد مكفولة طالما ظلت حبيسة في النفس"، الواردة في الحيثيات. فكيف تكون "حرية" و"حبيسة" في جملة واحدة؟ على الأرجح أن المقصود عدم إكراه الآخرين عليها أو الإساءة إلى معتقداتهم. ومن أبرز المدافعين عنها الروائية والأكاديمية ميرال الطحاوي التي علقت في صفحتها على "فيسبوك": "يعني أنا لما أناقش مع طلابي منهج ديكارت أو فلسفة نيتشه أو نظرية داروين أو منهج فرويد أبقى باجبرهم على التطرف والإلحاد؟ يبقى إحنا كده مش بندرس في جامعات ده إحنا بهذه الطريقة فاتحين كتاتيب".
فهل تكتفي برنس، وهي أيضاً روائية وفنانة خزف، بعملها الإبداعي أم ستتقدم للعمل في إحدى الجامعات الأجنبية كأستاذة للأدب الإنجليزي، تتقبل نسقها "الأخلاقي"؟ أم أن الحكم يمنعها نهائياً من مزاولة مهنة التدريس داخل الدولة؟ ألا يمكن أن يؤدي الحكم والتلميحات المحيطة به إلى محاولة اغتيالها؟ لعل هذا ما يذكر باغتيال فرج فودة، وتعرض نجيب محفوظ لمحاولة فاشلة، ونصيحة نصر أبو زيد بالهجرة لسنوات بعد حكمه بالردة وتفريق زوجته عنه.
ثمة من اقترح عليها أن تستثمر ما جرى لطلب اللجوء السياسي لأي دولة، لكن في تغريدة لها أوضحت أنها تلقت عرضاً باللجوء إلى الولايات المتحدة عام 2015 ورفضته. وختمت بالقول: "أنا مصرية وهفضل مصرية ومش هخرج من مصر مهما يحصل لي. وعشمي في ربنا وفي مصر بتاعتي اللي أنا بحبها وفي المصريين المحترمين هيفضل قائم... وربنا كبير".
شريف صالح
الثلاثاء 13 سبتمبر 2022
سجال يدور حول أسر الحرية الشخصية وقمع التدريس الأكاديمي وتحريف معنى الأخلاق
أنهت المحكمة الإدارية العليا في مصر سجالاً طال نحو خمس سنوات حول الكاتبة والأكاديمية المصرية منى برنس، وأقرت نهائياً صحة قرار عزلها من التدريس في الجامعات المصرية كافة. وجاء قرار المحكمة تصديقاً لحكم مجلس تأديبي أقرته جامعة السويس حيث تعمل برنس مدرّسة للغة الإنجليزية وآدابها. ومنى برنس روائية وناقدة أكاديمية تكتب بالعربية والإنجليزية، وأعمالها تطرح قضايا إشكالية ومثيرة للسجال.
رقص وفيديو
أثبت القرار ضدها تهمتين: الأولى نشر مقاطع ترقص فيها على صفحتها في وسائل التواصل الاجتماعى، وإصرارها على تكرار النشر، ما اعتبرته المحكمة "يحط من هيبة أستاذ الجامعة" و"مسؤوليته عن نشر القيم"، كما "ينال من هيبتها أمام طلابها، ويجرح شعور طالباتها، ويمس كبرياء زميلاتها".
الإدانة لم تجرم الرقص كفعل في حد ذاته، ولم تحرمه، باعتبار أن له أماكن وسياقاً وشروطاً خاصة به. وفي الوقت نفسه احتوى القرار ضمناً على إدانة أخلاقية للفعل باعتباره عملاً غير لائق بالأستاذة الجامعية ومهيناً لطلابها وزميلاتها. مع الإشارة الواضحة إلى أن النشر كان في صفحتها "الشخصية" في "فيسبوك". فهل صفحة الأستاذ الجامعي الخاصة تخضع لرقابة الجامعة وسلطتها؟ لماذا نسميها إذن "صفحة شخصية"؟ هل نشرت المقاطع في موقع الجامعة أو وزعتها على الطلاب؟ أليس من حقها أن "ترقص" ما دام الرقص ليس فعلاً مجرماً في حد ذاته؟ أين تبدأ وتنتهي حدود الحرية الشخصية؟
يشبه ذلك ما حدث مع رئيسة وزراء فنلندا الشابة سانا مارين التي سرب لها فيديو ترقص فيه مع أصدقائها، وانقسم الشعب إزاءها، فهناك من اعتبرها حرية شخصية، ومن رأى أن هذا التصرف يشكك في قدرتها على إدارة منصبها. ودافعت مارين عن نفسها بأنها لم ترتكب أي خطأ في نطاق الحرية الشخصية، والمشكلة في "تسريب الفيديو" للناس. حتى في الغرب، تضع الوظائف العامة قيوداً أو "ضوابط" قانونية وعُرفية، ليس من السهل تجاوزها لممارسة فعل قد يبدو عادياً لآخرين. يُضاف إلى ذلك أن رئيسة الوزراء لم تستعرض المقطع ولم تنشره، على عكس منى التي تحدت الجامعة بالإصرار على النشر.
الشاطئ والمايو
انطلق حكم المجلس التأديبي على خلفية مقطع الرقص، لكن مع تصعيد القضية للبت فيها، نُسبت إلى برنس تهمة ثانية هي "الخروج على التوصيف العلمي للمقررات الدراسية، ونشر أفكار هدامة تخالف العقائد السماوية والنظام العام". أي أن التهمة الثانية أشد فداحة من الأولى، لأنها تمس العقيدة لا الأخلاق العامة، فقد نسبت إليها أقوال في محاضراتها تعد طعناً في ثوابت الدين مثل كلامها عن كون "إبليس شخصية مظلومة وتعبر عن حرية الإرادة"، وهذا انطلاقاً من تحليل نص أدبي أجنبي. فهل يجب على الأستاذ الجامعي الالتزام الأعمى بتوصيف المقرر؟ أليس من حقه ـ ضمن حرية البحث العلمي، مناقشة ما يُسمى "ثوابت" وإلا كيف يكون التقدم في التفكير؟ وماذا لو كان كلامها مقتطعاً من سياقه الخاص بتحليل صورة إبليس في قصيدة ألمانية أو قصة إنجليزية؟ ألا يمكن أن يكون الأمر "شكوى كيدية" لضمان التخلص منها نهائياً؟صفحة الكاتبة - فيسبوكم)
تذكرنا القضية بأخرى مشابهة فُصل على إثرها طه حسين من الجامعة بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي" واتهامه بالتشكيك في "ثوابت الدين"، ثم انتهى الأمر بعودته إلى الجامعة، وتخفيف حدة ما كتب، وتغيير عنوان الكتاب نفسه إلى "في الأدب الجاهلي". وكذلك السجال الحاد إزاء نصر أبو زيد والذي انتهى بحكم الردة وإجباره على الخروج من مصر. وبحسب المحكمة فإنها قيدت "الحرية الأكاديمية" بعدم "إنكار ما هو معلوم بالدين بالضرورة والطعن فى ذات الله جل علاه مع مخلوقاته، وبث الشك فى نفوس الطلاب بالحياة الآخرة وتعظيم شأن الشيطان". وهو تبرير أقرب إلى اعتبار الأستاذة الجامعية "مرتدة" وإن لم يصرح بذلك يقيناً. وعلقت منى بأن اتهامها بالإساءة للأديان كان منذ 2013 وحصلت على براءة، وبعدها نالت منحة كأستاذ زائر في كاليفورنيا مخصصة لـ "الأساتذة المضطهدين".
وبالإضافة إلى التهمتين الرئيستين، وردت ضمن حيثيات الحكم إشارات إلى نشرها صوراً بـ "المايوه" وأخرى مع أصدقاء وأمامها "زجاجات الخمر"، علماً بأن شرب الخمور ليس فعلاً مجرماً في مصر، وإنما فقط يخضع لضوابط وأعراف اجتماعية مثل القيادة تحت تأثير السكر.
ومع عدم إنكار "المتهمة" للصور والمقاطع، وإتاحة صفحتها للجميع بمن فيهم طلابها، أصبحت "سمعتها" على المحك. أو على حد تعبير المحكمة: "لا يجوز لأستاذ الجامعة، ولو خارج نطاق الوظيفة أن ينسى أو يتناسى أنه تحوطه سمعة الدولة، وترفرف عليه مُثلها، وأن الكثير من تصرفاته الخاصة قد يؤثر في حسن سير المرفق الجامعي وسلامته... ولا ريب أن أعضاء هيئة التدريس في الجامعات لا يقتصر الأمر بالنسبة إليهم على شرط الكفاءة فحسب، بل يلزم أن يتوازى معه شرط السلوك الحميد". لعل الحكم بناء على التهمتين، الأخلاقية والدينية، ينطلق من بيت شوقي الشهير "كاد المعلم أن يكون رسولا".
مع إسدال الستار على علاقة منى برنس بالجامعات الحكومية، تجدر الإشارة إلى أن هذا الفصل الأخير سبقته فصول من الشغب والتمرد. فسبق أن اتهمتها الجامعة بالسفر من دون إذن، والانقطاع عن العمل. واتهمت بأنها "ثورية هدامة"، خصوصاً أنها نشرت كتاباً بالإنجليزية عن ثورة يناير بعنوان "اسمي ثورة" عن منشورات الجامعة الأميركية. فهل كان ثمة ترصد و"تصيد" لأخطائها وتعطيل ترقيتها، بما يضمن طردها خارج سور الحرم الجامعي؟
تلخص رد برنس على معظم الاتهامات، بـ "الحرية الشخصية" و"حبها للحياة والاستمتاع بها"، وأن المقاطع كانت في منزلها الخاص وليس الجامعة، كذلك من الطبيعي أن تناقش طلابها لـ "تفتيح عقولهم" وتدعوهم للتفكير الحر والعقلاني.
مرشحة رئاسية
وضعت برنس القضية كلها في سياق معاقبتها على إعلان ترشحها للرئاسة عام 2018 ووعدها بأنها "هاتدلع الشعب المصري"، وهو إعلان "هزلي" يفتقر إلى الجدية وإمكانية التنفيذ. لكن ما يُفهم، من تعليقها أنها تُعاقب على ذلك. مما يعني أن ثمة تسييساً مضمراً للقضية. وسبق لمواقع وصحف أن مررت أخباراً وقت إعلانها الترشح، بأن أستاذة جامعية ترقص على شواطئ سيناء "في رمضان".
في ختام تغريدتها قالت الأستاذة المعزولة: "شكراً للقضاء المصري وربنا يعينك يا مصر". فما السيناريو المقبل بعدما أصبحت برنس أول أستاذة جامعية في مصر تعزل بتهمة الرقص والإساءة للدين؟ وكيف جاءت ردود الأفعال إزاء الحكم.
هناك من اعتبره حكماً طبيعياً لتجاوزها المتكرر للقيم والأعراف الأكاديمية، ومن فسره بمغازلة القضاء للسلطة التنفيذية، وباستعمال "ديباجات أخلاقية" لا علاقة لها بالحرية الشخصية ولا البحث العلمي، تملقاً للوعي العام الرجعي والمتشدد.
وكان من المفترض محاسبة الأساتذة الذين يقومون بالتحرش بالطالبات أو مساومتهن مقابل النجاح وبيع "الملازم" بالإجبار والغش وبيع الامتحانات. بمعنى آخر هناك من اتهم المنظومة الجامعية بالفساد الأخلاقي والقانوني، وهو أشد فداحة من "ظهور أستاذة بالبكيني على شاطئ البحر". إضافة إلى انتقاد جملة "حرية الاعتقاد مكفولة طالما ظلت حبيسة في النفس"، الواردة في الحيثيات. فكيف تكون "حرية" و"حبيسة" في جملة واحدة؟ على الأرجح أن المقصود عدم إكراه الآخرين عليها أو الإساءة إلى معتقداتهم. ومن أبرز المدافعين عنها الروائية والأكاديمية ميرال الطحاوي التي علقت في صفحتها على "فيسبوك": "يعني أنا لما أناقش مع طلابي منهج ديكارت أو فلسفة نيتشه أو نظرية داروين أو منهج فرويد أبقى باجبرهم على التطرف والإلحاد؟ يبقى إحنا كده مش بندرس في جامعات ده إحنا بهذه الطريقة فاتحين كتاتيب".
فهل تكتفي برنس، وهي أيضاً روائية وفنانة خزف، بعملها الإبداعي أم ستتقدم للعمل في إحدى الجامعات الأجنبية كأستاذة للأدب الإنجليزي، تتقبل نسقها "الأخلاقي"؟ أم أن الحكم يمنعها نهائياً من مزاولة مهنة التدريس داخل الدولة؟ ألا يمكن أن يؤدي الحكم والتلميحات المحيطة به إلى محاولة اغتيالها؟ لعل هذا ما يذكر باغتيال فرج فودة، وتعرض نجيب محفوظ لمحاولة فاشلة، ونصيحة نصر أبو زيد بالهجرة لسنوات بعد حكمه بالردة وتفريق زوجته عنه.
ثمة من اقترح عليها أن تستثمر ما جرى لطلب اللجوء السياسي لأي دولة، لكن في تغريدة لها أوضحت أنها تلقت عرضاً باللجوء إلى الولايات المتحدة عام 2015 ورفضته. وختمت بالقول: "أنا مصرية وهفضل مصرية ومش هخرج من مصر مهما يحصل لي. وعشمي في ربنا وفي مصر بتاعتي اللي أنا بحبها وفي المصريين المحترمين هيفضل قائم... وربنا كبير".
شريف صالح
الثلاثاء 13 سبتمبر 2022