مانويل دينق - عبدالعزيز بركة ساكن.. "الرواية ليست الحكاية؛ بل فن كتابة الحكاية"

تتميز كتابات بركة ساكن بالقلق الوجودي الصامت، تلك التراجيدية الحزينة التي تجعلك تتعاطف مع شخوص رواياته، ( سندس ، ود أمونة، عبدالرحمن )، ذلك البؤس الناعم الذي يجعلك تتعايش معها، أي إنها بمثابة شيء صارخ خفي يظل يطرق أبواب المشكلات مع إيجاد طريقة مناسبة للعبور .
دائما هناك في رواياته محور دبلوماسي بارد ، هناك كائن خفي خلف الصفحات يتمحور خلف الأفكار العامة حول العمل، مما يسهل الدخول بأكثر من طريقة لفهم الرواية. ولأن الفكرة بشكل أو بآخر تدور حول المجتمع فهذا يعني إعطائك الزاد الكافي والكامل لإدراك ما داخل الرواية، رغم لأن ليست جميع أعماله تأخذ تلك الطابعة، إلّا أن أسلوب الكاتب يتمركز في تلك النقطة بالتحديد ، بشكل أو بآخر.

قراءتك للروائي بركة ساكن؛ ببساطة يعني دخولك إلى عالم المهمشين، البؤساء، المنسيين، المضطهدين، المشردين، السكارى، المجانين، أبناء وبنات الزنا، الأنذال من الناس، الجنود الصغار المقهورين، المجرمين، الجنجويد، الكجور، المومسات، الحُكٌام الظُلاٌم ، بيوت البغاء، الفداديات، أبناء وبنات الشوارع، المنبوذين الذين تركتهم المجتمع بعيداً، جميع الفئات التي لا يُرحٌب بهم في العالم الإنساني الواقعي، وستتعرف بصورة أكثر وضوحاً على المجتمع السوداني الخفي، تلك العادات والتقاليد والمعتقدات والاديان والكجور وكل شيء الذي يتم أداؤه في ظروف غامضة.
وخلال المواظبة والمواصلة ستتعرف أيضاً بصورة سلسلة جميلة على الحروبات الأهلية الطويلة الأمد والمتجددة في ظروف زمكانية معينة، دارفور ، جبال النوبة، الشرق، والصراعات الداخلية في وسط البلاد. أن كتاباته يمثل الشريط المنسي من الإنسان .

إن عقلية الكاتب في جُل أعماله الروائية والقصصية كانت سبب مباشر في مصادرة جميع أعماله الفنية من قِبل حكومة الإنقاذ الديكتاتورية، وتم منعها من تداولها ونشرها، ولأسباب يعرفها النظام السابق جيداً، لكن ذلك لم يمنع القراء والمتابعين الجيدين للأدب عموما من قراءة أعماله، وكان ذلك سبب تهجيره غصبا عنه من بلاده، بعد مطاردة دائمة ليستقر أخيرا لاجئي في إحدى الدول الغربية.

أكثر شيء يعد بمثابة انتصار كبير للقارئ هو خيال الكاتب المتفرد، والمدهش، الذي يُسهل للقاريء فهم المحتوى بيسر. وأقصد هنا الخيال العبقري السهل الذي يلامس النقاط الحسٌاسة في دواخل الانسان، وهو ما اشتغل عليه بركة ساكن ببراءة وعبقرية فائقتين. القاريء الجيد والمتابع له، سيجد ذلك واضحا جلياً في روائعه الكثيرة.

إن ما يميز كتابات بركة ساكن عن غيره هو ذلك النوع السهل الذي يجده القاريء في أعماله، اللغة، الحبكة، السرد، الأفكار، وحتى الشخوص كل شيء يُعد سهل ممتع، وجاذبة وسلسلة الفهم. فمثلاً روائعه الكثيرة منها :
الجنقو مسامير الأرض/ مسيح دارفور/ مخيلة الخندريس/ الرجل الخراب/ امرأة من كُمبو كديس/
سماهاني.. الخ.. والكثير من أعماله العظيمة.
هذه الأعمال الأدبية الرائعة هي بمثابة الذاكرة الحية التي تتحكم في سرد تاريخ سياسي معين.

بقدر ما أن أعمال بركة ساكن تتصف بالسهولة واليسر إلا أنها تحمل بداخلها ذلك الكم الهائل من العمق الفلسفي البعيد الذي يحتاج إلى معرفة وإلمام مسبق بأبجديات المدارس الفلسفية التاريخية .

19 سبتمبر 2022
#مانويل_دينق ( السردان)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...