.. كنت أعمل بمستعجلات لالة حسناء بمدينة اليوسفية، و رأيت بأم عيني ملاك الموت و هو يأتي كل مداومة ليأخذ المزيد من الأرواح.. كنا نقضي ليلة الحراسة في التعارك معه بسيوف خشبية لنمنعه من اختطاف الحياة تحت أنظار الجميع..
بعد كل ليلة حراسة كنت أعود لشقتي و أقسم بالله أنني كنت أتخلص من ملابسي مباشرة بعد إقفال الباب لأتوجه للحمام، حيث كنت أبقى لساعات تحت الماء لعله ينسيني العذاب الذي عشته..
بعدها دون حتى أن أتناول وجبة الفطور كنت أذهب لسريري و أرتمي عليه لأقضي به ساعات طويلة، و كانت فترة نومي من أسوأ فترات حياتي لأنني كنت أقضيها بين الدماء، الجثث، أطراف مبتورة، قلب متوقف، جنين تعذر خروجه، نزيف امرأة بعد الولادة، نوبات ربو، لسعات عقارب..
لم أكن أستيقظ إلا بعد أن تبلغ نسبة السكر بدمي مستوى متدنيا جدا و أبدأ بالشعور بألم فظيع في رأسي.. أستيقظ مريضة نفسيا و أبحث عما آكله لأشرب قهوة بعد ذلك..
عندما أجلس في البالكونة التي كانت تطل على محطة الحافلات كنت دوما أعتقد بأن ما كان يحدث كان بسبب مسؤولين فاسدين.. ظننت أن الأمر مجرد حالات منعزلة.. بعدها شاءت الظروف أن أترشح لمنصب مسؤولية باقليم اشتوكة ايت باها، لا لشئ إلا لأنني كنت مغرمة بشخص يعمل هناك..
هكذا وضعت رجلي في عالم المسؤولين و عشت معهم لأكثر من ثلاث سنوات.. خبرت عالمهم الذي أتعبني أكثر من مداواماتي كطبيبة: كان عالما مقرفا، المطلوب منك أن تصبح مجرد عبد يقول نعم و ليس من حقه أن يقول لا.. صحيح أنني كنت رئيسة مصلحة و بعدها مديرة مستشفى، و هما منصبان يجعلان الجميع يتقرب منك ليس حبا فيك و إنما " باش توقف معاه " أو تدير ليه تحاليل أو des examens Rx فابور أو...
لكن في الحقيقة لم يكن من حقك أن ترفع عينيك في المندوب و أن ترتعد فرائصك أمام المدير الجهوي... كانت هذه قواعد اللعبة و من يخرج عنها يجب أن يتلقى عقابه.. كانت المسؤولية سجنا كبيرا.. لكنني حافظت على استقلالية قراراتي رغم كلفتها النفسية.. اضطررت للدخول في غمار السياسة من أجل أن تكون لدي مؤسسة لها مصداقية تدافع عني.. هذا كان خطأي الثاني.. مستنقع آسن أسوأ من عالم الإدارة.. لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال ممثلا للشعب..
أصابني مرض نفسي أخذ مني 3 سنوات لكي أقنع نفسي بأنه يمكنني العيش بهذا البلد..
لذلك فعندما تتكلمون عن محاسبة البعض و ربما سجنهم فأنا أعلم بأن ذلك حتى و إن تم تطبيقه فلن يكون سوى مناورة سياسية استباقية حتى لا تحط رياح التغيير الرحال بالمملكة...
.. و من يسأل عن أحوالي فأنا أعمل على طرد الانفعال من حياتي و قراءة الكتب و لا أمل لي البتة في التغيير..
نورة بنيحيى
بعد كل ليلة حراسة كنت أعود لشقتي و أقسم بالله أنني كنت أتخلص من ملابسي مباشرة بعد إقفال الباب لأتوجه للحمام، حيث كنت أبقى لساعات تحت الماء لعله ينسيني العذاب الذي عشته..
بعدها دون حتى أن أتناول وجبة الفطور كنت أذهب لسريري و أرتمي عليه لأقضي به ساعات طويلة، و كانت فترة نومي من أسوأ فترات حياتي لأنني كنت أقضيها بين الدماء، الجثث، أطراف مبتورة، قلب متوقف، جنين تعذر خروجه، نزيف امرأة بعد الولادة، نوبات ربو، لسعات عقارب..
لم أكن أستيقظ إلا بعد أن تبلغ نسبة السكر بدمي مستوى متدنيا جدا و أبدأ بالشعور بألم فظيع في رأسي.. أستيقظ مريضة نفسيا و أبحث عما آكله لأشرب قهوة بعد ذلك..
عندما أجلس في البالكونة التي كانت تطل على محطة الحافلات كنت دوما أعتقد بأن ما كان يحدث كان بسبب مسؤولين فاسدين.. ظننت أن الأمر مجرد حالات منعزلة.. بعدها شاءت الظروف أن أترشح لمنصب مسؤولية باقليم اشتوكة ايت باها، لا لشئ إلا لأنني كنت مغرمة بشخص يعمل هناك..
هكذا وضعت رجلي في عالم المسؤولين و عشت معهم لأكثر من ثلاث سنوات.. خبرت عالمهم الذي أتعبني أكثر من مداواماتي كطبيبة: كان عالما مقرفا، المطلوب منك أن تصبح مجرد عبد يقول نعم و ليس من حقه أن يقول لا.. صحيح أنني كنت رئيسة مصلحة و بعدها مديرة مستشفى، و هما منصبان يجعلان الجميع يتقرب منك ليس حبا فيك و إنما " باش توقف معاه " أو تدير ليه تحاليل أو des examens Rx فابور أو...
لكن في الحقيقة لم يكن من حقك أن ترفع عينيك في المندوب و أن ترتعد فرائصك أمام المدير الجهوي... كانت هذه قواعد اللعبة و من يخرج عنها يجب أن يتلقى عقابه.. كانت المسؤولية سجنا كبيرا.. لكنني حافظت على استقلالية قراراتي رغم كلفتها النفسية.. اضطررت للدخول في غمار السياسة من أجل أن تكون لدي مؤسسة لها مصداقية تدافع عني.. هذا كان خطأي الثاني.. مستنقع آسن أسوأ من عالم الإدارة.. لا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال ممثلا للشعب..
أصابني مرض نفسي أخذ مني 3 سنوات لكي أقنع نفسي بأنه يمكنني العيش بهذا البلد..
لذلك فعندما تتكلمون عن محاسبة البعض و ربما سجنهم فأنا أعلم بأن ذلك حتى و إن تم تطبيقه فلن يكون سوى مناورة سياسية استباقية حتى لا تحط رياح التغيير الرحال بالمملكة...
.. و من يسأل عن أحوالي فأنا أعمل على طرد الانفعال من حياتي و قراءة الكتب و لا أمل لي البتة في التغيير..
نورة بنيحيى