لا أستطيع الحركة. حالتي سيئة منذ يومين. فشل في الجسم بكامله. وجع متواصل في الرأس كضرب مطاريق تعود لأزمنة العمالقة. لا أقوى على رفع رأسي، ولا المناداة على زوجتي. بالكاد أفتح عيني وأكلمها عبر الواتساب. لا ترد، ولا ابني يرد. هي في الجهة الأخرى للمنزل. أكلم صهري فينجح بعد ذلك في التواصل معها حتى تقدم لنجدتي. الطبيبة قبل يومين قالت ببرودة أن التحاليل أظهرت أنني بوزيتيف. كنا في باحة المستشفى عند الباب تحت خيمة نصبتها البلدية حيث خرجت الطبيبة ومساعدتها عليهما قناعان على شكل خوذة بلاستيكية تحمي الوجه كله. كانت الممرضة تدفع عربة صغيرة عليها معدات التحاليل. وكنا عشرة رجال ونساء صامتين مثل الجدران ننتظر المناداة على أسمائنا. الثامنة ليلا. الحالة استثنائية. البرد شديد. الوباء ما زال يخبط ضحاياه خبط عشواء ويحصد الأرواح صباح مساء. فقط دوريات الشرطة والحرس المدني هي التي تدور في الشوارع. اثنان فقط من العشرة كنا مصابين بفيروس كورونا. نصحتني الطبيبة بالحجر لوحدي في الغرفة، فنظرت إلى زوجتي ونظرت إلي ورجعنا للبيت صامتين.. أستطيع النوم في السابعة مساء وأستفيق بعد أربع ساعات. أغادر غرفة النوم وأجلس في مكتبي المفتوحة شرفته على السماء. أشغل المدفأة. أظل جالسا أراقب النجوم حتى يغلبني النوم مرة أخرى في الخامسة أو السادسة صباحا. لا يتوقف ألم الرأس. وجع حاد ومتواصل. أتناول براسيطامول. قد أتمشى قليلا بين الغرفتين. زوجتي نائمة في الصالون. لا أريد إزعاجها هذه المرة. يكفي ما تقوم به معي في هذه المحنة. لا أقدر على الأكل. تعد لي الشربات الساخنة المتبلة. وبين الحين والحين تدخل علي حاملة وصفات وخلطات من القرنفل والثوم والعسل والزنجبيل. أمي قلقة بشأني في الضفة الأخرى أشد القلق. ليل الشتاء موحش وطويل. والوباء يأبى أن يترك لجسمي فرصة للراحة. منهك مثل الحقيقة. حالة من الوهن خارجة عن نطاق الوصف. أفكر في الموت. أنا الذي أعاني من قبل من التنفس وفقدت نسبة كبيرة من حاسة الشم. الحدود مغلقة والسفر ممنوع بين البلدان. ماذا لو مت هنا ولفوني في كيس أسود ثم دفنوني بعيدا عن أهلي وأسرتي، أو أحرقوني. يتوقف التفكير. حالة كأنها دهور من صراع الآلهة والوحوش في الأساطير حيث كل نأمة محنطة، وحيث انتفاء مطلق لكل معنى من المعاني.. لا أنام . في الليلة السادسة أتحامل على نفسي وأكتب الآتي:
" مثيلات لسيرة الوجع والصمت.. لم أتبين الفرق بين النورين وبين الدوائر والهالات الإهليلجية.. السرير ووسادته كأنهما مصممان على التخاطر والتوحد بشكل هندسي مصنوع من غطوس الهلوسات.. من الشرفة للشرفة، الخطو أطنان من الفراغ.. تأكل العناكب حلقي على مهل وتتلذذ.. لا يهم .. يدق بالجمجمة مسمار، مسماران، ثلاثة.. لا يهم. ترقص الشياطين.. وما أدراك.. تناوشني وردة، وردتان.. وما أدراك.. تسحب الوردة الوردة رماد ضوعها.. رباه رباه.. وأكفكف تنهيدة في ربوع المراعي على ضاحية قلبي المسكين.."
كرهت السرير. أقوم للجلوس على كنبتي في المكتب. تذكرني سكينة الليل الشتوي بأشياء لا قبل لخيال بجمع شتاتها. أبيت أنظر للسماء ساعات وساعات. لا أفعل شيئا غير هذا. لا قراءة ولا موسيقى ولا كلام مع أي أحد. تمر عشرة أيام دون أن آخذ حماما. أقراص الباراسيطامول بدأت تعطي مفعولها وتخفف عني الألم المهول. لقد كنت أعاني دائما من شقيقة الرأس. مثل أبي. ليرث ابني نفس الصداع حاليا.
أكتب " ربما قبلها وبعدها، أو منذ الأزل، لست أدري. كنت قد انصرفت لطفولتي أتابع تحركات حشرة على الحافة الحديدية لحبل الغسيل. أو مضايقة دبيب نملة على الجدار، أضع كفي الصغيرتين في طريقها حتى أحول مسارها إلى حيث أريد في رحاب الغرفة الأولى.. الألم صه.. السماء صه.. السَّحر صه.. تدور الدنيا برأسي صه.. تنبح الكلاب هناك على أبناء آوى صه.. اليوم العاشر على التوالي صه.. يا هذا افتح المجسات على مصراعيها قدر ما تستطيع، والزم مكانك والصمت.. قد يكون ما رأيته أغنيتان تراودان تراوغان أحفادك في ساحة سعيدة.. يا هذا سيزول كل شيء.. في ذات الوقت، أنت تقترب من معنى ما.."
يهاتفني طبيب من المستشفى. يسأل عن حالتي. يقول أنني اجتزت المرحلة الخطرة والحرجة. يتصل بي صديقي خوصي، أطمئنه وأشرح له وضعي الحالي. في المنزل كلنا بالكمامة. أستغرب، وأحمد العناية الإلهية على أن زوجتي وابني لم يصبهما الفيروس. أشتاق للخروج، للمشي أو حتى للصراخ أو الشكر.
اليوم الثاني عشر. أتحسن نوعا ما، ويتخلص الجسد من وهنه الشيء الكثير. لكن ألم الرأس يستمر، لكن من الخلف هذه المرة، على شكل شكات إبر مع وخزات في العنق والرقبة. أكلم الطبيب. أصف له الحالة. يقول إنها الأعراض الأخيرة وأنه لا يجب علي أن أقلق.
الليلة الثالثة عشرة.. كما العادة، يستغرقني الصمت والشرود والتأمل. أرى كأنني ألتقي بالولد الذي كنته على مشارف اليفاعة.. نلتقي في مكان لا أتبين معالمه. يقف محدقا في وجهي يداه وراء ظهره، ونصف ابتسامة انبسطت على محياه. يوحى إلي أن لا شيء واضح تمام الوضوح، وأن السر مع جاذبيته فهو مرهق ومجلب لمزيد من الحيرة.. نظل صامتين. أقترب محاذرا إيقاظ ظنونه، يغرورق الخيال متموجا والظلال، أجثو على ركبتي، فتتحول ابتسامته استفهاما مشرعا في وجه ساحة من الاستغراب الأبيض والأسود. أجمع يدي حول صدري، فيفعل مثلي ويثني يديه حول قفصه الصدري. من الوارد جدا أننا كنا حقيقة.. فتحت ذراعي على مصراعيهما، لم أعر بالا لبعض الحصوات التي كانت تضايقني وتؤلم ركبتي، ولا لاحتضار العناكب وهي تخدش حلقي. تردد قليلا ثم قدم نحوي فاتحا ذراعيه..
23 دسمبر 2021/ 7يناير 2022
" مثيلات لسيرة الوجع والصمت.. لم أتبين الفرق بين النورين وبين الدوائر والهالات الإهليلجية.. السرير ووسادته كأنهما مصممان على التخاطر والتوحد بشكل هندسي مصنوع من غطوس الهلوسات.. من الشرفة للشرفة، الخطو أطنان من الفراغ.. تأكل العناكب حلقي على مهل وتتلذذ.. لا يهم .. يدق بالجمجمة مسمار، مسماران، ثلاثة.. لا يهم. ترقص الشياطين.. وما أدراك.. تناوشني وردة، وردتان.. وما أدراك.. تسحب الوردة الوردة رماد ضوعها.. رباه رباه.. وأكفكف تنهيدة في ربوع المراعي على ضاحية قلبي المسكين.."
كرهت السرير. أقوم للجلوس على كنبتي في المكتب. تذكرني سكينة الليل الشتوي بأشياء لا قبل لخيال بجمع شتاتها. أبيت أنظر للسماء ساعات وساعات. لا أفعل شيئا غير هذا. لا قراءة ولا موسيقى ولا كلام مع أي أحد. تمر عشرة أيام دون أن آخذ حماما. أقراص الباراسيطامول بدأت تعطي مفعولها وتخفف عني الألم المهول. لقد كنت أعاني دائما من شقيقة الرأس. مثل أبي. ليرث ابني نفس الصداع حاليا.
أكتب " ربما قبلها وبعدها، أو منذ الأزل، لست أدري. كنت قد انصرفت لطفولتي أتابع تحركات حشرة على الحافة الحديدية لحبل الغسيل. أو مضايقة دبيب نملة على الجدار، أضع كفي الصغيرتين في طريقها حتى أحول مسارها إلى حيث أريد في رحاب الغرفة الأولى.. الألم صه.. السماء صه.. السَّحر صه.. تدور الدنيا برأسي صه.. تنبح الكلاب هناك على أبناء آوى صه.. اليوم العاشر على التوالي صه.. يا هذا افتح المجسات على مصراعيها قدر ما تستطيع، والزم مكانك والصمت.. قد يكون ما رأيته أغنيتان تراودان تراوغان أحفادك في ساحة سعيدة.. يا هذا سيزول كل شيء.. في ذات الوقت، أنت تقترب من معنى ما.."
يهاتفني طبيب من المستشفى. يسأل عن حالتي. يقول أنني اجتزت المرحلة الخطرة والحرجة. يتصل بي صديقي خوصي، أطمئنه وأشرح له وضعي الحالي. في المنزل كلنا بالكمامة. أستغرب، وأحمد العناية الإلهية على أن زوجتي وابني لم يصبهما الفيروس. أشتاق للخروج، للمشي أو حتى للصراخ أو الشكر.
اليوم الثاني عشر. أتحسن نوعا ما، ويتخلص الجسد من وهنه الشيء الكثير. لكن ألم الرأس يستمر، لكن من الخلف هذه المرة، على شكل شكات إبر مع وخزات في العنق والرقبة. أكلم الطبيب. أصف له الحالة. يقول إنها الأعراض الأخيرة وأنه لا يجب علي أن أقلق.
الليلة الثالثة عشرة.. كما العادة، يستغرقني الصمت والشرود والتأمل. أرى كأنني ألتقي بالولد الذي كنته على مشارف اليفاعة.. نلتقي في مكان لا أتبين معالمه. يقف محدقا في وجهي يداه وراء ظهره، ونصف ابتسامة انبسطت على محياه. يوحى إلي أن لا شيء واضح تمام الوضوح، وأن السر مع جاذبيته فهو مرهق ومجلب لمزيد من الحيرة.. نظل صامتين. أقترب محاذرا إيقاظ ظنونه، يغرورق الخيال متموجا والظلال، أجثو على ركبتي، فتتحول ابتسامته استفهاما مشرعا في وجه ساحة من الاستغراب الأبيض والأسود. أجمع يدي حول صدري، فيفعل مثلي ويثني يديه حول قفصه الصدري. من الوارد جدا أننا كنا حقيقة.. فتحت ذراعي على مصراعيهما، لم أعر بالا لبعض الحصوات التي كانت تضايقني وتؤلم ركبتي، ولا لاحتضار العناكب وهي تخدش حلقي. تردد قليلا ثم قدم نحوي فاتحا ذراعيه..
23 دسمبر 2021/ 7يناير 2022