أمس ظهرا جلست في مقهى الرشيد في نابلس .
يقع المقهى في شارع غرناطة المعروف جيدا ، ففيه كانت تقع سينما غرناطة التي لا يمكن أن ينساها جيلي وجيل أبي وما بينهما ؛ سينما غرناطة التي كنا نزورها ونسأل عن أفلامها المعروضة والقادمة ، دون أن تخطر على بالنا ، على الإطلاق ، مدينة غرناطة الأندلسية .
لقد كانت السينما أندلسنا غير المفقودة ، أو أن الأندلس في تلك السنوات لم تكن ذات أهمية كبيرة ، فقد كنا نتطلع إلى مشاهدة الأفلام المعروضة أكثر مما كنا نتطلع إلى تحرير فلسطين ، ولم يخطر كثيرا ببالنا استعادة الأندلس .
هل كنا نكرر سطر محمود درويش :
- من يشتري تاريخ أجدادي بيوم حرية ؟ ( بفيلم سينما ) .
ومع مرور الأيام وتضاؤل الأمل بالعودة إلى حيفا ويافا ازداد تعلقنا بهما وبالأندلس معا .
لماذا كتب محمود درويش " أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي " في العام ١٩٩١ ولم يكتب عن الأندلس في ٦٠ القرن العشرين مثلا ؟
يبدو أنني شططت بعيدا !
كان مقهى الرشيد في ٦٠ القرن ٢٠ مقهى مزدهرا جدا ، لموقعه ولكونه كان مقهى حديثا ، وكنت أتردد عليه في الليالي مع أبي ، فأراه مكتظا بالرواد ، إذ بالكاد تجد فيه طاولة واحدة غير مشغولة . في هذه الأيام ، حين تتردد عليه ، بالكاد ترى عشرة أشخاص . أمس ظهرا مثلا لم يزد عدد الرواد على عدد أصابع اليدين ، وجلهم من المتقاعدين أو العاطلين عن العمل من كبار السن . هل تحسرت على الماضي الذهبي للمقهى ولهارون الرشيد الخليفة العباسي ؟
في مقهى الرشيد تعرفت إلى صاحب الباص الذي كان أبي يسوقه ، وهو أبو مرزوق ، وأبو مرزوق من اللد أو من رنتيس ، فما أذكره أنه كان يقال له أبو مرزوق الرنتيسي ، وكان سمى شركة باصاته باسم " شركة العودة " على أمل العودة إلى اللد .
لم يقطن أبو مرزوق في مخيمات اللاجئين ، شأنه شأن العائلات اللاجئة الثرية من سكان يافا وحيفا . لقد استأجر هؤلاء لهم بيوتا في المدينة أو في البلدة القديمة التي كان لها عز ومجد ، وآثروا أن يعيشوا كما كانوا يعيشون في مدنهم ؛ مرفهين مدللين منعمين منفصلين عن عامة الشعب .
في ٦٠ القرن ٢٠ عرف سكان الأردن بضفتيه ثلاثة أنواع من الدخان ؛ الريم والكمال واللولو . بيع الأول بسبعة قروش والثالث بأربعة وأظن أن الكمال بيع بستة قروش . وكان تدخين سجائر الريم يعد امتيازا ، فالقروش الثلاثة في الفارق في السعر كانت مبلغا محترما ، ولما كان أبو مرزوق غنيا وصاحب شركة باصات ، فقد كان يدخن الريم ويعد تدخينه امتيازا ودليلا على طبقته ، وكان يفخر بأنه صاحب ذائقة .
مرة أعطاه صديق له سيجارة لولو زاعما أنها سيجارة ريم ، ولما أخذ أبو مرزوق يدخن بدأ يكح ، ثم التفت إلى السيجارة ولاحظ أنها " لولو " لا " ريم " وأخذ يضحك ويخاطب موجبه :
- كحكحتني يا شيخ . تنطيني / تعطيني " لولو " وتقول لي " ريم " .
وياما سخرت نسوة المدينة الخبيثات من النسوة حديثات النعمة وهن يقدمن لهن التمباك العادي على أنه تمباك عجمي دون أن تميز المؤرجلات الطعم .
- كحكحتني يا شيخ . تنطيني " لولو " وتقول لي " ريم " .
نوينا التزهزه .
شاخ المقهى وشاخ الطفل أيضا وما زال يتذكر قصة أبو مرزوق وباص العودة و ...
صباح الخير
خربشات
٢٦ آب ٢٠٢١
يقع المقهى في شارع غرناطة المعروف جيدا ، ففيه كانت تقع سينما غرناطة التي لا يمكن أن ينساها جيلي وجيل أبي وما بينهما ؛ سينما غرناطة التي كنا نزورها ونسأل عن أفلامها المعروضة والقادمة ، دون أن تخطر على بالنا ، على الإطلاق ، مدينة غرناطة الأندلسية .
لقد كانت السينما أندلسنا غير المفقودة ، أو أن الأندلس في تلك السنوات لم تكن ذات أهمية كبيرة ، فقد كنا نتطلع إلى مشاهدة الأفلام المعروضة أكثر مما كنا نتطلع إلى تحرير فلسطين ، ولم يخطر كثيرا ببالنا استعادة الأندلس .
هل كنا نكرر سطر محمود درويش :
- من يشتري تاريخ أجدادي بيوم حرية ؟ ( بفيلم سينما ) .
ومع مرور الأيام وتضاؤل الأمل بالعودة إلى حيفا ويافا ازداد تعلقنا بهما وبالأندلس معا .
لماذا كتب محمود درويش " أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي " في العام ١٩٩١ ولم يكتب عن الأندلس في ٦٠ القرن العشرين مثلا ؟
يبدو أنني شططت بعيدا !
كان مقهى الرشيد في ٦٠ القرن ٢٠ مقهى مزدهرا جدا ، لموقعه ولكونه كان مقهى حديثا ، وكنت أتردد عليه في الليالي مع أبي ، فأراه مكتظا بالرواد ، إذ بالكاد تجد فيه طاولة واحدة غير مشغولة . في هذه الأيام ، حين تتردد عليه ، بالكاد ترى عشرة أشخاص . أمس ظهرا مثلا لم يزد عدد الرواد على عدد أصابع اليدين ، وجلهم من المتقاعدين أو العاطلين عن العمل من كبار السن . هل تحسرت على الماضي الذهبي للمقهى ولهارون الرشيد الخليفة العباسي ؟
في مقهى الرشيد تعرفت إلى صاحب الباص الذي كان أبي يسوقه ، وهو أبو مرزوق ، وأبو مرزوق من اللد أو من رنتيس ، فما أذكره أنه كان يقال له أبو مرزوق الرنتيسي ، وكان سمى شركة باصاته باسم " شركة العودة " على أمل العودة إلى اللد .
لم يقطن أبو مرزوق في مخيمات اللاجئين ، شأنه شأن العائلات اللاجئة الثرية من سكان يافا وحيفا . لقد استأجر هؤلاء لهم بيوتا في المدينة أو في البلدة القديمة التي كان لها عز ومجد ، وآثروا أن يعيشوا كما كانوا يعيشون في مدنهم ؛ مرفهين مدللين منعمين منفصلين عن عامة الشعب .
في ٦٠ القرن ٢٠ عرف سكان الأردن بضفتيه ثلاثة أنواع من الدخان ؛ الريم والكمال واللولو . بيع الأول بسبعة قروش والثالث بأربعة وأظن أن الكمال بيع بستة قروش . وكان تدخين سجائر الريم يعد امتيازا ، فالقروش الثلاثة في الفارق في السعر كانت مبلغا محترما ، ولما كان أبو مرزوق غنيا وصاحب شركة باصات ، فقد كان يدخن الريم ويعد تدخينه امتيازا ودليلا على طبقته ، وكان يفخر بأنه صاحب ذائقة .
مرة أعطاه صديق له سيجارة لولو زاعما أنها سيجارة ريم ، ولما أخذ أبو مرزوق يدخن بدأ يكح ، ثم التفت إلى السيجارة ولاحظ أنها " لولو " لا " ريم " وأخذ يضحك ويخاطب موجبه :
- كحكحتني يا شيخ . تنطيني / تعطيني " لولو " وتقول لي " ريم " .
وياما سخرت نسوة المدينة الخبيثات من النسوة حديثات النعمة وهن يقدمن لهن التمباك العادي على أنه تمباك عجمي دون أن تميز المؤرجلات الطعم .
- كحكحتني يا شيخ . تنطيني " لولو " وتقول لي " ريم " .
نوينا التزهزه .
شاخ المقهى وشاخ الطفل أيضا وما زال يتذكر قصة أبو مرزوق وباص العودة و ...
صباح الخير
خربشات
٢٦ آب ٢٠٢١