شهادات خاصة نقوس المهدي - سيدة التطريز بالكلمات.. شهادة حق في حق الكاتبة المغربية ليلى مهيدرة

ما أهون أن نكتب عن شخص، وما أصعب أن نكون منصفين في حقه، دون الوقوع في مطب التطبيل والتهليل.. نسوق هذا ونحن بصدد الإدلاء بشهادة في حق المبدعة ليلى مهيدرة.. ذلك ان "شهود الحق في النساء أعظم الشهود" كما يقول الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، وأعود بذاكرتي إلى المرة الأولى التي سمعت باسمها قبل حوالي نصف ربع قرن، لتشابه في الاسماء بينها وبين لقب اخر لاسرة قريبة منا بحكم الجوار والقرابة في قريتنا النموذجية الكادحة التي تتطابق فيها الظروف الاجتماعية والانسانية لحد التآلف والانصهار للأسر الوافدة من كل فج عميق للاشتغال بالمنجم، واستهلاك ذرات الفوسفاط في مائها وطعامها وهوائها اليومي، ثم كان الفضول، وكان السؤال، وكان الجواب، وكان التعارف، وكان اللقاء، لأكتشف بان لا علاقة بينهما، ولا يعدو كونه محض صدفة، وأنها سليلة مدينة كوسموبوليتية، عريقة، وديعة، جميلة، هادئة، منتشية بأنفاس الأطلسي المحيط، ساهرة على اصطخابات أمواجه، وغوايات عرائسه المخفورة بخفة النوارس، ورفة الرياح، وبركة سدنتها الميامين الساجية أطرافهم على أرباضها،
وأنها من كتاب موقع بصرياثا الثقافي الأدبي الذي يسهر عليه، ويديره الصديق الاستاذ عبدالكريم العامري، وواحدة من طينة المبدعات الفاهِقات في زمن لم تعد فيه الكتابة ترفا إبداعيا، ومن سادنات الحرف الباذخ، الصانعات لمتعة السرد الماتع حد الإبهار، الصائغات لجوهر القصص الآسرة حد الإقناع، الناسجات لسدى الحكايات الرفيعة حد الدهشة، الناثرة لبهارات الإمتاع والمؤانسة على هامة النصوص الشاهقة حد الإشباع، المتصيدة لوعول العبارات الشاردة، ومن الفاعلات بحضورها الوازن في نسيج الفضاء الجمعوي والإبداعي المغربي النسوي على الخصوص، بحكم شخصيتها القوية ودورها الفعال في إنعاش الحركة الثقافية في مدينتها الأم، التي منحتها من وقتها وصحتها، وبثت في أوصالها نوعا من الدفء، متجشمة مختلف الأعباء، متخطية كافة العراقيل والصعاب والإكراهات المادية والمعنوية التي تجابه عادة العمل الجمعوي الجاد
وحتى لا نضيع بين فجاج المفاهيم الأكاديمية للكتابة، وكل ما يدخل في اختصاصات أهل النقد.. سنكتفي بالحديث عن بعض التيمات الأساسية التي تتمحور حولها إمداداتها الإبداعية، حيث تتركز بالأساس حول واقع الإنسان المسحوق في أبهى آدميته و معاناته، والطفولة المحرومة الحالمة بمستقبل لا بصيص للإشراق في أفقه.. ووضع المراة في مجتمع متخلف ينظر إليها كمتاع لا يختلف عن الأواني المنزلية، فتحسسك بحضورها الطاغي في متون نصوصها، والتماهي معهم حد الإندغام، منتبذة مكانا قصيا ترعاهم، تنصت الى شكاويهم، وترنو إليهم بعين الرحمة، واللطف والشفقة، وكانها تقاسمهم محنهم، وأوهامهم، ومعاناتهم، وحين تحكي عنهم فإنها تحدثك وهي صريعة شهقتين عن مرارة العمل الجمعوي الشاق، وعن خذلان الأصدقاء، وظلم ذوي القربى، وعن موت الضمير والحس الإنساني، وعن قتامة المشهد الثقافي تحت سطوة الشجع والجهل والامية وانعدام القراءة، وعن همومها الذاتية، وعن حالات الإقصاء الممنهج، وعن الأشجان الشخصية، لا نصير لها سوى جلدها، ومثابرتها، وقلمها الرصين، وعن احساسها المرهف بجسامة الرسالة، وعن إيمانها بقوة وصلابة الإنسانة بداخلها، وعن، وعن، وعن
هكذا هي الصورة التقريبية التي قدرتها للمبدعة ليلى مهيدرة، "خنساء الشعر" في باحة الشعراء، وشهرزاد في مضمار الرواية، ومي في باحات الصالونات الأدبية، إبداعها لا شريك لها في البهاء، خليط معجون من أجناس وألوان ومدارس واهتمامات وهموم وانشغالات إبداعية متنوعة ومختلفة تتوزع بين الرواية، والشعر، والقصة القصيرة، والخاطرة، والمقالة، والكتابة الصحفية، والعمل الجمعوي المواطن والهادف
وفي النهاية، أهنئ مبدعتنا المتميزة ليلى مهيدرة على هذا التكريم المستحق، كما أهنئ من صميم القلب مجلة بصرياثا الثقافية الأدبية على روح المبادرة والإصرار والمثابرة، ولرفيق الكلمة الاستاذ عبد الكريم العامري كل الصحة الجيدة والسعادة وأطيب المنى
وهذا يذكرني ببيت شعري يقول
أحسن من در ومرجان / آثار إنسان بإنسان

1666871818137.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى