على هامش مؤتمر ملتقى الرواية العربية الثاني في رام الله التقيت بكتاب عديدين وجرى بيننا حوار حول احتضار النقد والجوائز الأدبية وما كتبته شخصيا عن رواية الكاتبة العمانية جوخة الحارثي التي فازت روايتها "سيدات القمر" بجائزة مان بوكر للرواية العالمية، وهي جائزة تمنح إلى الرواية المترجمة إلى الإنجليزية أو التي كتبها كاتب من الشعوب التي يكتب أبناؤها بالانجليزية.
كان عنوان ورقتي النقدية هو "احتضار النقد وتسويق الأعمال الأدبية" وقد التفت إلى المفارقة في العنوان ثم اعتمدت على مقولات أوردها الفرنسي (ألن روب غرييه) في كتابه "نحو رواية جديدة" ومنها المقولات الآتية:
- مقولة (فريدريك نيتشه) "موت الله".
- مقولة (رولان بارت) "موت المؤلف".
- مقولة (ألن روب غرييه) "موت الشخصية في الرواية".
وأتيت على مقولة رابعة هي "موت النقد"، ولم أقل "موت الناقد".
سألني الشاعر يوسف الشايب إن كنت قرأت كتاب "موت الناقد" وأخبرني أنه صدر منذ ثلاثة أعوام، واقترح علي أن يرسله إلي.
لم اطلع بعد على الكتاب، ولا أدري إن كان مؤلفه توقف أمام مقولات نيتشه وبارت وغرييه.
وأنا أفكر في أمر الناقد عدت إلى مقولة (فولفجانج ايزر) القارئ الضمني وإتيانه على القراء وأنواعهم، وقلت، اتكاء على مقولة (ايزر)، إن الناقد قارئ في النهاية، ولكنه قارئ بمواصفات قد تميزه عن قراء آخرين. إنه قارئ متخصص.
يرى النقد التأثري أن النقد هو العلاقة بين النص والقارئ والأثر الذي يتركه الأول في الثاني، دون أن يحدد في البداية قارئا بعينه، ولكن بعض رواده تراجعوا قليلا وأخذوا يقيسون على أعمال أدبية كلاسيكية، فصاروا بذلك يميزون بين قارئ مثقف وقارئ عادي.
وظل الأمر كذلك حتى جاء (ايزر) وميز بوعي بين القراء، وكتب عن تأثير النص في القارئ وتأثير القارئ في النص، وأوضح أن العلاقة بينهما لا تسير في اتجاه واحد، بل هي عملية تسير في اتجاهين. وعليه يمكن القول إنه ما دام هناك كتاب وقراء فإن النقد والناقد حيان لا يموتان.
الموضوع طبعا لا يكون بهذه البساطة.
الموضوع الثاني الذي كان مثار جدل هو موضوع الجوائز، وهو موضوع متجدد يحضر باستمرار كلما تم منح جائزة معينة؛ من نوبل حتى بوكر إلى جوائز الدولة - أية دولة.
وهذه المرة كان الحديث عن جائزة مان بوكر للرواية أساسا، وإن تم التطرق إلى جائزة نوبل، وتأسيسها من شخص أراد أن يكفر عن اختراعه الذي سبب قدرا من الألم للبشرية، وإلى جائزة بوكر العربية.
في أثناء الحديث عن نوبل أثير سؤال جدارة نجيب محفوظ بها ودور السياسة في منحه إياها. هل منحت له الجائزة لجدارة أعماله بها أم إرضاء لمصر بمناسبة توقيعها الصلح مع إسرائيل.
لم يغب الطاهر بن جلون وجائزة (جونكور) أيضا عن الأذهان، فلماذا منح بن جلون، عن روايته "ليلة القدر" الجائزة؟ هل نالها لقيمة الرواية فنيا أم أنها منحت له لتقديمه عالم الشرق كما يرغب الغرب في القراءة عنه ؟
جل الكلام تمحور حول كتابتي عن رواية جوخة الحارثي "سيدات القمر"، فمنذ وصولي قاعة جلسات المؤتمر في متحف ياسر عرفات بدأ قسم من معارفي يلمح إلى مقالاتي الخمس والأربعين التي كتبتها على الفيس بوك خلال نهاية أيار وطيلة حزيران وبداية تموز وفككت فيها الرواية؛ موضوعا وأسلوبا.
لقد سألني بعض الروائيين العرب عما في الرواية حتى أخصها بهذا القدر من الكتابة، وقال لي إنها رواية عادية، واستفسر مني عن سر إعجابي بها.
والصحيح أن ما سمعته من الروائي كنت قرأته على صفحات الفيس بوك، فقد اندهش الكاتب سمير البرقاوي من النقاد الذين لا يلتفتون إلى عمل أدبي حتى إذا ما فاز بجائزة أشاد به النقاد ومدحوه.
هل رواية "سيدات القمر" تستحق الجائزة أم أنها منحت لها لأسباب أخرى؟
لقد خيض في الموضوع كثيرا عموما، وليس هذا ما أرمي إليه، فما أرمي إليه له صلة بمقولات نقدية تجيز تغير موقف الناقد أو القارئ من عمل أدبي ما.
هنا يحضرني أسماء نقاد أعجبوا في فترة من حياتهم بنصوص أدبية وكتبوا لها مقدمات أشادوا فيها بها، ثم عادوا في فترة لاحقة وقرؤوا النصوص ولم ترق لهم.
لقد تغير موقفهم النقدي منها. والأمر عموما تجيزه المقولات النقدية الحديثة مثل مقولة نظرية التلقي التي تقر بذلك وتفسره وتبرره نقديا وتعزو السبب إلى اختلاف قراءات الناقد واتساع مداركه وتغير ذائقته وأدواته النقدية و... ، ثم إن القراءة الأولى قد تكون قراءة سريعة عابرة لا قراءة متأنية فاحصة. هنا غالبا ما استشهد بتجربة شخصية تعود إلى صلتي بقصيدة الشنفرى "لامية العرب".
درست القصيدة في السنة الجامعية الأولى ولم أتمثلها تمثلا كليا، ثم عدت ودرستها في الجامعة لسنوات فأخذت أترنم بها وعددتها من عيون الشعر. ومثل "لامية العرب" قصائد أخرى عديدة.
حين أعدت قراءة "سيدات القمر" قراءة دارس مدرس توقفت أمام موضوعات وظواهر لم أتوقف أمامها في أثناء القراءة الأولى، وهكذا وجدتني أشرحها وأكتب عنها بالتفصيل، لدرجة شعر القراء مع كتابتي بالآتي:
- قسم قال لي إنني حببتهم بالرواية وإن نقدي لها هو ما يستحق الجائزة.
- وقسم عبر عن شعوره بالملل وطلب مني أن أتوقف عن الكتابة عنها.
بناء على ما سبق هل من ضرورة للنقد؟
أحد الروائيين العرب قال لي إنه إن اشترى كتابا نقديا فإنه يقرأ ما كتب عن رواياته فقط، ثم يضع الكتاب جانبا، وهذا الرأي قد ينطبق على عشرات الأدباء، وقد ينطبق على الدارسين الذين يدرسون أدب كاتب ما أو نصا من نصوصه. إنهم يبحثون عما يخص موضوعهم، فنادرا ما يقرأ قارئ كتابا نقديا من ألفه إلى يائه كما يقرأ رواية مثلا.
وقد تقرأ في نص ما دراسات عديدة ومختلفة توقعك في حيرة، فإلى أيها تميل؟
هناك دارس ألماني تساءل إن كان النقد ضروريا، وهناك دارس آخر ذهب إلى أن النقد الأدبي هو دراسة تحاول أن تكون علمية لموضوعات غير علمية؛ موضوعات تتعامل مع المشاعر والأحاسيس.
ربما من هنا أثار بعض المهتمين بالأدب قضية "موت الناقد"! ربما!.
أ. د. عادل الأسطة
2019-07-14
كان عنوان ورقتي النقدية هو "احتضار النقد وتسويق الأعمال الأدبية" وقد التفت إلى المفارقة في العنوان ثم اعتمدت على مقولات أوردها الفرنسي (ألن روب غرييه) في كتابه "نحو رواية جديدة" ومنها المقولات الآتية:
- مقولة (فريدريك نيتشه) "موت الله".
- مقولة (رولان بارت) "موت المؤلف".
- مقولة (ألن روب غرييه) "موت الشخصية في الرواية".
وأتيت على مقولة رابعة هي "موت النقد"، ولم أقل "موت الناقد".
سألني الشاعر يوسف الشايب إن كنت قرأت كتاب "موت الناقد" وأخبرني أنه صدر منذ ثلاثة أعوام، واقترح علي أن يرسله إلي.
لم اطلع بعد على الكتاب، ولا أدري إن كان مؤلفه توقف أمام مقولات نيتشه وبارت وغرييه.
وأنا أفكر في أمر الناقد عدت إلى مقولة (فولفجانج ايزر) القارئ الضمني وإتيانه على القراء وأنواعهم، وقلت، اتكاء على مقولة (ايزر)، إن الناقد قارئ في النهاية، ولكنه قارئ بمواصفات قد تميزه عن قراء آخرين. إنه قارئ متخصص.
يرى النقد التأثري أن النقد هو العلاقة بين النص والقارئ والأثر الذي يتركه الأول في الثاني، دون أن يحدد في البداية قارئا بعينه، ولكن بعض رواده تراجعوا قليلا وأخذوا يقيسون على أعمال أدبية كلاسيكية، فصاروا بذلك يميزون بين قارئ مثقف وقارئ عادي.
وظل الأمر كذلك حتى جاء (ايزر) وميز بوعي بين القراء، وكتب عن تأثير النص في القارئ وتأثير القارئ في النص، وأوضح أن العلاقة بينهما لا تسير في اتجاه واحد، بل هي عملية تسير في اتجاهين. وعليه يمكن القول إنه ما دام هناك كتاب وقراء فإن النقد والناقد حيان لا يموتان.
الموضوع طبعا لا يكون بهذه البساطة.
الموضوع الثاني الذي كان مثار جدل هو موضوع الجوائز، وهو موضوع متجدد يحضر باستمرار كلما تم منح جائزة معينة؛ من نوبل حتى بوكر إلى جوائز الدولة - أية دولة.
وهذه المرة كان الحديث عن جائزة مان بوكر للرواية أساسا، وإن تم التطرق إلى جائزة نوبل، وتأسيسها من شخص أراد أن يكفر عن اختراعه الذي سبب قدرا من الألم للبشرية، وإلى جائزة بوكر العربية.
في أثناء الحديث عن نوبل أثير سؤال جدارة نجيب محفوظ بها ودور السياسة في منحه إياها. هل منحت له الجائزة لجدارة أعماله بها أم إرضاء لمصر بمناسبة توقيعها الصلح مع إسرائيل.
لم يغب الطاهر بن جلون وجائزة (جونكور) أيضا عن الأذهان، فلماذا منح بن جلون، عن روايته "ليلة القدر" الجائزة؟ هل نالها لقيمة الرواية فنيا أم أنها منحت له لتقديمه عالم الشرق كما يرغب الغرب في القراءة عنه ؟
جل الكلام تمحور حول كتابتي عن رواية جوخة الحارثي "سيدات القمر"، فمنذ وصولي قاعة جلسات المؤتمر في متحف ياسر عرفات بدأ قسم من معارفي يلمح إلى مقالاتي الخمس والأربعين التي كتبتها على الفيس بوك خلال نهاية أيار وطيلة حزيران وبداية تموز وفككت فيها الرواية؛ موضوعا وأسلوبا.
لقد سألني بعض الروائيين العرب عما في الرواية حتى أخصها بهذا القدر من الكتابة، وقال لي إنها رواية عادية، واستفسر مني عن سر إعجابي بها.
والصحيح أن ما سمعته من الروائي كنت قرأته على صفحات الفيس بوك، فقد اندهش الكاتب سمير البرقاوي من النقاد الذين لا يلتفتون إلى عمل أدبي حتى إذا ما فاز بجائزة أشاد به النقاد ومدحوه.
هل رواية "سيدات القمر" تستحق الجائزة أم أنها منحت لها لأسباب أخرى؟
لقد خيض في الموضوع كثيرا عموما، وليس هذا ما أرمي إليه، فما أرمي إليه له صلة بمقولات نقدية تجيز تغير موقف الناقد أو القارئ من عمل أدبي ما.
هنا يحضرني أسماء نقاد أعجبوا في فترة من حياتهم بنصوص أدبية وكتبوا لها مقدمات أشادوا فيها بها، ثم عادوا في فترة لاحقة وقرؤوا النصوص ولم ترق لهم.
لقد تغير موقفهم النقدي منها. والأمر عموما تجيزه المقولات النقدية الحديثة مثل مقولة نظرية التلقي التي تقر بذلك وتفسره وتبرره نقديا وتعزو السبب إلى اختلاف قراءات الناقد واتساع مداركه وتغير ذائقته وأدواته النقدية و... ، ثم إن القراءة الأولى قد تكون قراءة سريعة عابرة لا قراءة متأنية فاحصة. هنا غالبا ما استشهد بتجربة شخصية تعود إلى صلتي بقصيدة الشنفرى "لامية العرب".
درست القصيدة في السنة الجامعية الأولى ولم أتمثلها تمثلا كليا، ثم عدت ودرستها في الجامعة لسنوات فأخذت أترنم بها وعددتها من عيون الشعر. ومثل "لامية العرب" قصائد أخرى عديدة.
حين أعدت قراءة "سيدات القمر" قراءة دارس مدرس توقفت أمام موضوعات وظواهر لم أتوقف أمامها في أثناء القراءة الأولى، وهكذا وجدتني أشرحها وأكتب عنها بالتفصيل، لدرجة شعر القراء مع كتابتي بالآتي:
- قسم قال لي إنني حببتهم بالرواية وإن نقدي لها هو ما يستحق الجائزة.
- وقسم عبر عن شعوره بالملل وطلب مني أن أتوقف عن الكتابة عنها.
بناء على ما سبق هل من ضرورة للنقد؟
أحد الروائيين العرب قال لي إنه إن اشترى كتابا نقديا فإنه يقرأ ما كتب عن رواياته فقط، ثم يضع الكتاب جانبا، وهذا الرأي قد ينطبق على عشرات الأدباء، وقد ينطبق على الدارسين الذين يدرسون أدب كاتب ما أو نصا من نصوصه. إنهم يبحثون عما يخص موضوعهم، فنادرا ما يقرأ قارئ كتابا نقديا من ألفه إلى يائه كما يقرأ رواية مثلا.
وقد تقرأ في نص ما دراسات عديدة ومختلفة توقعك في حيرة، فإلى أيها تميل؟
هناك دارس ألماني تساءل إن كان النقد ضروريا، وهناك دارس آخر ذهب إلى أن النقد الأدبي هو دراسة تحاول أن تكون علمية لموضوعات غير علمية؛ موضوعات تتعامل مع المشاعر والأحاسيس.
ربما من هنا أثار بعض المهتمين بالأدب قضية "موت الناقد"! ربما!.
أ. د. عادل الأسطة
2019-07-14