أ. د. عادل الأسطة - موتيفات وأفكار في الأدب الفلسطيني "الحصار". حصار نابلس والحصار في الأدب الفلسطيني

في الفترة بين ١٣ تشرين الأول وبداية تشرين الثاني فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا على مدينة نابلس ، ما حدا بي إلى كتابة " يوميات حصار نابلس " .
في أثناء الكتابة تذكرت أعمالا أدبية عديدة كتبت في موضوع الحصار ، وتذكرت الحصار الأكبر وهو الاحتلال الأول والثاني ؛ احتلال ١٩٤٨ و احتلال ١٩٦٧ .
ما بين ١٩٤٨ و١٩٦٦ فرضت إسرائيل الحكم العسكري على السكان الباقين في أرضهم ، وقد صور جانبا منه المحامي توفيق معمر في قصصه القصيرة " المتسلل وقصص أخرى " . وبعد ١٩٦٧ صار نهر الأردن وجسراه حاجزين فرضا على سكان الضفة الغربية وقطاع غزة حصارا ما ، فكتبت فيه فدوى طوقان قصيدتها " آهات أمام شباك التصاريح " وسحر خليفة روايتها " الصبار " وفيها أتت على معاناة الفلسطينيين على الجسور ، ولكن رواية " الطوق " ( ١٩٧٩ ) لغريب عسقلاني كانت الأولى التي كتبت عن حصار مخيم في غزة وقد دام شهرا ، تلتها رواية أديب رفيق محمود " الحصار "( ١٩٨١ ) عن قريته عنبتا وقد طال حصارها ، وقصص جمال بنورة وروايته " أيام لا تنسى " ، عن بيت ساحور ، وزكي العيلة " الجبل لا يأتي " عن مخيم جباليا .
لم يقتصر حصار الفلسطينيين على مدنهم وقراهم ومخيماتهم في فلسطين ، بل حوصرت مخيماتهم في الشتات وحوصرت مدن عربية عاشوا فيها .
في ١٩٧٦ حوصر مخيما جسر الباشا وتل الزعتر في بيروت ، فكتب محمود درويش قصيدته " أحمد الزعتر " ، ويوسف عراقي " يوميات طبيب في تل الزعتر " وفي ١٩٨٢ حوصرت بيروت وحوصرت الثورة الفلسطينية فيها ، فكتب درويش قصيدته " مديح الظل العالي " وتكرر دال الحصار في القصيدتين تكرارا لافتا .
مع خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت وتوقيع اتفاق أوسلو في ١٩٩٣ لم ينته الحصار ، ففي انتفاضة الأقصى ٢٠٠٠ مورس من جديد . حوصرت المدن الفلسطينية في الضفة الغربية ووضعت حولها الحواجز وبني الجدار العازل ليفصل بين مناطق ١٩٤٨ ومناطق ١٩٦٧ ، وحوصر قطاع غزة منذ ٢٠٠٧ ، وكثرت الكتابات في هذا الموضوع . كتبت سهاد عبد الهادي روايتها " ذاكرة زيتونة " وسحر خليفة روايتها " ربيع حار " وعفاف خلف " لغة الماء " وعزمي بشارة روايته " الحاجز " وأكرم هنية قصته " زمن حسان " وتوالت الكتابات وصار حصار المدن والقرى والمخيمات في انتفاضة الأقصى يسترجع في أزمنة لاحقة ، ففي الأعوام الأربعة الأخيرة صدرت ثلاث روايات أتت على حصار نابلس وجنين وكنيسة المهد في بيت لحم ، أولاها رواية الأسير كمال أبو حنيش " جهة سابعة " وقد أتى في القسم الثالث منها على تجربته في الحصار واعتقاله من البلدة القديمة في نابلس ، وثانيتها رواية وليد الشرفا " ليتني كنت أعمى " وثالثتها له أيضا " أرجوحة من عظام " ( ٢٠٢٢ ) .
يروي كميل قصة الحصار والاجتياح من الداخل . إن راوي روايته راو مشارك في الأحداث ، راو يرصد الحدث وقد عاشه ودفع حياته ثمنا له ، وما زال كميل يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ ٢٠٠٢ وقد حكم عليه غير مؤبد .
راويا روايتي وليد الشرفا ، بل رواة الروايتين ، فأحيانا تتعدد الأصوات فيهما ، ليس لتجاربهم صلة بتجارب وليد . إنهم مختلفون عنه تماما ، فهو لم يعش تجربة حصار مخيم جنين أو تجربة حصار نابلس أو تجربة حصار كنيسة المهد . إنه يكتب عن تجارب أشخاص عاشوا الأحداث وتركت آثارها عليهم ، فمنهم من فقد عينيه ومنهم من فقد رجله ، كما في رواية " ليتني كنت أعمى " ومنهم من فقد إخوانه ورفاق تجربته في الحصار وهو ما يبدو في " أرجوحة من عظام " .
في الأولى يجد الجريح الناجي من حصار مخيم جنين نفسه في سيارة إسعاف مع المصور المصاب في مدينة نابلس تقلهما إلى مشفى في رام الله ليتعالجا . يفقد ابن جنين رجله جراء إصابته ويفقد المصور عينيه وحين ينزلان في المشفى معا في غرفة واحدة يقود الأعمى عربة من فقد رجله اعتمادا على إرشاداته .
وفي " أرجوحة من عظام " يرتقي بعض المحاصرين برصاص القناصة ويجرح آخرون وتجوع البقية حتى يتم الاتفاق على ترحيل المقاتلين إلى غزة والمنافي الأوروبية .
في روايتي وليد نقرأ عن شخصيات فلسطينية عادت أثر اتفاق أوسلو ظانة أنها نجت من الحصار الذي عاشته في المنافي ، فوجدت نفسها تعيش حصارا أشد وأقسى ، بل ودفعت في داخل الوطن ثمنا باهظا ؛ حياتها أو نظرها أو بتر قدمها . هذا ما تحفل به روايتا الكاتب ، ولا أعرف إن كان هناك من كتب رواية أو كتابا توثيقيا عن حصار ياسر عرفات في سنته الأخيرة في المقاطعة في رام الله .
على إثر الذهاب إلى مدريد كتب محمود درويش قصيدته " أحد عشر كوكبا على آخر المشهد الأندلسي " وفيها يرد :
" كل شيء معد لنا سلفا ، من سينزع أسماءنا
عن هويتنا : أنت أم هم ؟ ومن سوف يزرع فينا
خطبة التيه :" لم نستطع أن نفك الحصار
فلنسلم مفاتيح فردوسنا لوزير السلام ، وننجو "
و
" كل شيء معد لنا
فلماذا تطيل التفاوض ، يا ملك الاحتضار ؟ "
في الدراسات التي كتبت عن الأدب الإسرائيلي في ٧٠ القرن ٢٠ نقرأ دال الحصار فيها ، حيث شعر الإسرائيليون أن دولتهم كانت محاصرة . الآن صار دال الحصار الأكثر حضورا في أدبنا .
الكتابة تطول والمساحة محدودة .
الاثنين و الخميس ١٤ و ١٧ / ١١ / ٢٠٢٢

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...