مرةً نشرت مقالاً عنوانه " المرأة لمّا تطل " . عنوان المقال جزء من مثل شعبي بقيّته " تسبق الكل " ، وكنت سمعت المثل من طالبة دراسات عليا ، فقد كنت قررت سبع روايات نسوية منها رواية نجوى بركات " يا سلام " ( 1999 ) ، ثم تراجعت عن تدريسها ، ولما سألني الطلاب عن السبب لم أفصح لهم عنه ، فالرواية فيها من الجرأة ما لم تعهده الرواية العربية إلاّ قليلاً ، وتعدّ رواية الطيب صالح " موسم الهجرة إلى الشمال " ( 1966 ) أكثر حذراً ، بما لا يُقاس ، في مقاربة موضوع الجنس . ولم تكن روايات مثل رواية سلوى النعيمي " برهان العسل " ( 2007 ) ورواية صبا الحرز " الآخرون " ( 2006 ) ورواية فضيلة الفاروق " اكتشاف الشهوة " ( 2006 ) ، قد صدرت .
قبل عامين التقيت في عمان بحزامة حبايب لقاءً عابراً جدّاً .
كنت سمعت مراراً من وليد أبو بكر إشادة بالكاتبة ، فقررت أن أقرأ لها ، وهكذا بحثت عن أعمالها التي صدر بعضها ـ قصص قصيرة ـ عن وزارة الثقافة الفلسطينية . وعرفت أن روايتها " أصل الهوى " ( ط2/2009 ) منعت في عمان ، ما دفعني لأبحث عنها أكثر ، فكل ممنوع مرغوب .
وأنا أسأل صاحب الكشك ( أبو علي ) عن رواية " أصل الهوى " ، أجابني بأن الرواية غير متوفرة ، لكن صاحبة الرواية موجودة ـ وكانت تقف إلى جانبه مع زوجها ـ وها هي حُزامة بنفسها .
وستقول لي حُزامة : اقرأ ، اقرأ وتمتّع . وسيمرّ عام وأكثر حتى أحصل على الرواية .
في حزيران من هذا العام كنت في عمّان ، وقد حصلت على نسخة منها أحضرها لي أبو علي من الناشر ماهر الكيّالي ، فلم تكن متوفرة في كشك أبي علي . وسأقرأ الرواية التي ذكّرتني بالمثل الذي حورّت فيه وقلت : " حُزامة لَمّا تَطُلّ تَسبِقُ الكُلّ " ، وأعتقد أنني لم أقرأ عملاً روائياً فيه من وصف العملية الجنسية ما قرأته في رواية حُزامة . حتى إن ما ورد في رواية سامية عيسى " حليب التين " ( 2010 ) يكاد لا يُذكر قياساً إلى ما ورد في رواية " أصل الهوى " .
وأنا في ألمانيا كنت أقف أمام بعض الأكشاك لأنظر في الكتب والمجلات ، ولأتصفّح بعضها ، وبعض الأكشاك كانت تعرض قصص ( بورنو ) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، ولا أدري لماذا كنت أتردّد في اقتنائها ، علماً بأنني لم أكن نبيّاً ـ لم أكن كيوسف الصدّيق ـ أو واعظاً أخلاقياً متزمّتاً ـ بعض الوُعّاظ يكون لهم وجه آخر ، هو الحقيقي ، وما زلت أذكر زميلاً لي ، عافاه الله ، وهو يعترض على تدريس رواية " موسم الهجرة إلى الشمال " قائلاً إنه يخجل من أن يضعها على رفّ مكتبته - إن كان لديه مكتبة أصلاً ـ فكيف أقررها على الطلاب والطالبات ؟
ما زلت أذكر ذلك الزميل الذي كان يحفظ من النكت إياها الشيء الكثير ، وكان يكررها على مسامع زميل آخر له كل صباح ، ويتباريان أيُّهما يعرف نكتاً أكثر . هل أكتب عن تباري بعض أساتذة الجامعات في إظهار براعتهم في حفظ تلك النكت ؟ ، ومع ما سبق ، فإنني وأنا في ألمانيا اقتنيت بعض كتب من كتب ( البورنو ) ـ وهي قليلة جداً ـ أعني التي لديّ ـ والكتاب الأبرز هو كتاب ( جوزفين متزن باخر ) " قصة حياة عاهرة من فيينا : تقصها بنفسها " ، ولا أدري لماذا لم أشترِ الجزء الثاني منه ، وفيه تأتي على الرجال الذين عرفتهم واحداً واحداً . في حزيران من هذا العام ، وأنا في مكتبة شروق ، عرض عليّ أبو أحمد كتاب ( الكوماساترا ). الكتاب مُنع في عمان ، وقال لي الموظف إذا أردت نسخة منه فخذها بسعرِ التكلفة ، ولا أدري لماذا رفضت . هل رفضت خوفاً من أن يراه أحد ما في مكتبتي ذات نهار ، كما رأت خالتي أم محمد ـ أطال الله في عمرها ـ ذات نهار من العام 1976 صوراً لعارضات أزياء بالمايوه بين مجلاّتي التي تركتها في بيتهم في عمان ، حين عدت قافلاً إلى الضفة ، فابتسمت وقالت لي : كنت أظنّ أن القطة تأكل عشاك ؟
لا أظنّ أنني أخشى أن يراه شخص ما في مكتبتي التي تضم كتباً في الجنس مثل " المتعة المحظورة " و" الوشاح في فوائد النكاح " و" البغاء عَبر العصور " و" النكاح والجنس في التراث العربي " و" رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب ".
حُزامة حبايب و " أصل الهوى ".
ما إن بدأت أقرأ "وأصل الهوى " حتى كرّرت المثل " حُزامة لما تطلّ تسبق الكلّ " ، وما إن انتهيت من قراءة الرواية حتى تساءلت تُرى ما سبب منع الرواية في البلد الذي طبعت الرواية فيه ؟
لبوعلي ياسين كتاب عنوانه " الثالوث المحرم : الدين والجنس والسياسة "، و " أصل الهوى " لا تمسّ الدين من قريب أو من بعيد ، ولكنها تغرق في وصف العملية الجنسية استغراقاً يجعل منها وصفاً بالكلمات لأفلام ( بورنو ) يحظر عرضها في الفضائيات العربية على الأقل ـ أبطال الرواية مغرمون بالحصول على أفلام البورنو ـ .
وكما تغرق الرواية في وصف العملية الجنسية ـ تحديداً في الجزء الأول من الرواية ـ [ هل أرادت حُزامة أن تفتح شهية القارئ، لتدفعه إن كان متعطّشاً للجنس ، لمواصلة القراءة ؟ ]، فإنها تقترب من السياسة ، وتأتي على المخابرات وملاحقتها الأفراد المسيّسين ، وهذا قد لا يروق أيضا للنظام في البلد الذي طبعت فيه الرواية .
الجزء الأول من الرواية يأتي على عالم شخوصها في خريف عمرهم ، فيما تأتي صفحاتها اللاحقة ، في الجزأين الثاني والثالث ، على عالمهم في شبابهم ورجولتهم . وما بين النهايات والبدايات فارق كبير . الشاب الذي بدأ ثورياً وفدائياً تحوّل إلى عبثي ومُراهق جنسي في أربعينات وخمسينات وستينات عمره ، وأخذ يُتابع عالم النساء والجنس ، ولم يعد يكترث كثيراً بالسياسة . [ من تفاؤل البدايات .. إلى خيبة النهايات ] . وأنا أنتهي من قراءة الرواية قلت إن الذائقة الأدبية لديّ ولدى وليد أبو بكر جد مختلفة ؛ أنا شخصياً لم ترق لي " أصل الهوى " ، ولم أرَ فيها ما يجعلها تشكل علامة في الرواية الفلسطينية ، فهي ، من حيث الأسلوب ، تذكرنا برواية جبرا إبراهيم جبرا " السفينة " ( 1970 ) ، مع فارق يتمثل في أن قارئ جبرا لا يشعر بالإرهاق وهو يقرأ الرواية ، الإرهاق الذي يشعر به وهو يقرأ " أصل الهوى " حيث عدم امتلاك حُزامة أسلوب القصّ الذي يمتلكه جبرا ، ودقة استخدام الضمائر التي يمتلكها جبرا ، أيضاً .
الرواية كأداة للعلاج النفسي :
في الكتابة عن العلاقة بين الأدب وعلم النفس يتحدث النُقّاد عن تأثير الأدب في نفسية المتلقي ، وكوسيلة لعلاج الشخص المحيط، مثلاً ، يعرضون عليه قراءة روايات ذات نزعة تفاؤلية ، تحبّب المرء بالحياة .
حين فرغت من قراءة الرواية لم أحلم بامرأة تذكرني ببيت قيس بن الخطيم :
" أنّى سربت وكنت غير سروب
وتقرب الأحلام غير قريب "
وإنما حلمت أنني في الكويت أيام احتلال صدام لها . [ هل هرمنا من أجل تلك اللحظة التاريخية ] .
وأنا ذاهب إلى الكويت مارّاً بالعراق وجدتني محتجزاً مع مجموعة من الناس ، ملقين على الأرض في أحد قصور صدام الذي بدا طويلاً جداً ونحيفاً جداً جداً . كان مرتدياً بدلة عسكرية وبيده مسدس كأنّما يريد أن يصدّ به الطائرات الأميركية . المرأة التي كانت ملقاة إلى جانبي كانت تعول وتولول ، ما دفع بصدام لإطلاق النار عليها بلا رحمة ، فقد كان مرعوباً ، وَهَمَّ بإطلاق النار عليّ فابتسمت دون أن أطلب الرحمة منه كما فعلت المرأة ، ووجدتني أغادر بغداد إلى الكويت ، وعلى الحدود سألني الجنود عن هُويّتي ، وأخذوا يقيسون رأسي قائلين :
- إن مقاس رأسك أصغر مما هو موجود في الهُويّة .
ولا أدري بما تفوّهت حتى ابتسموا ، وتركوني أُغادر .
ولما قررت أن أصل الكويت مشياً ، فقد التقيت بأحد سوّاقي مخيم عسكر الذي يقود شاحنة ، وقد عرض عليّ أن يُقلّني معه ، وكدت أُوافق لولا عرض آخر من سائق آخر من مخيم عسكر كان أفضل من عرض السائق الأول :
- لما كنت لا أملك تأشيرة دخول ، فقد قال لي سائق الباص :
- قل لهم إنك تعمل معي مُعاوناً .
هل كان هذا الكابوس صدى لما ورد في رواية حُزامة من وصف عن اجتياح الكويت ؟ ربما ! لم تُعالجني الرواية بل زادت في كوابيسي ، ولم تُفلح المشاهد الجنسية التي تزخر بها في استثارتي .
هل هو الزمن أم أنني لم أعد من أهل الهوى ، ولا شأن لي ـ الآن ـ بأصله ؟ ويبدو أننا هرمنا حقاً أو أننا كبرنا على هذا النوع من الروايات؟
عادل الأسطة
قبل عامين التقيت في عمان بحزامة حبايب لقاءً عابراً جدّاً .
كنت سمعت مراراً من وليد أبو بكر إشادة بالكاتبة ، فقررت أن أقرأ لها ، وهكذا بحثت عن أعمالها التي صدر بعضها ـ قصص قصيرة ـ عن وزارة الثقافة الفلسطينية . وعرفت أن روايتها " أصل الهوى " ( ط2/2009 ) منعت في عمان ، ما دفعني لأبحث عنها أكثر ، فكل ممنوع مرغوب .
وأنا أسأل صاحب الكشك ( أبو علي ) عن رواية " أصل الهوى " ، أجابني بأن الرواية غير متوفرة ، لكن صاحبة الرواية موجودة ـ وكانت تقف إلى جانبه مع زوجها ـ وها هي حُزامة بنفسها .
وستقول لي حُزامة : اقرأ ، اقرأ وتمتّع . وسيمرّ عام وأكثر حتى أحصل على الرواية .
في حزيران من هذا العام كنت في عمّان ، وقد حصلت على نسخة منها أحضرها لي أبو علي من الناشر ماهر الكيّالي ، فلم تكن متوفرة في كشك أبي علي . وسأقرأ الرواية التي ذكّرتني بالمثل الذي حورّت فيه وقلت : " حُزامة لَمّا تَطُلّ تَسبِقُ الكُلّ " ، وأعتقد أنني لم أقرأ عملاً روائياً فيه من وصف العملية الجنسية ما قرأته في رواية حُزامة . حتى إن ما ورد في رواية سامية عيسى " حليب التين " ( 2010 ) يكاد لا يُذكر قياساً إلى ما ورد في رواية " أصل الهوى " .
وأنا في ألمانيا كنت أقف أمام بعض الأكشاك لأنظر في الكتب والمجلات ، ولأتصفّح بعضها ، وبعض الأكشاك كانت تعرض قصص ( بورنو ) بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، ولا أدري لماذا كنت أتردّد في اقتنائها ، علماً بأنني لم أكن نبيّاً ـ لم أكن كيوسف الصدّيق ـ أو واعظاً أخلاقياً متزمّتاً ـ بعض الوُعّاظ يكون لهم وجه آخر ، هو الحقيقي ، وما زلت أذكر زميلاً لي ، عافاه الله ، وهو يعترض على تدريس رواية " موسم الهجرة إلى الشمال " قائلاً إنه يخجل من أن يضعها على رفّ مكتبته - إن كان لديه مكتبة أصلاً ـ فكيف أقررها على الطلاب والطالبات ؟
ما زلت أذكر ذلك الزميل الذي كان يحفظ من النكت إياها الشيء الكثير ، وكان يكررها على مسامع زميل آخر له كل صباح ، ويتباريان أيُّهما يعرف نكتاً أكثر . هل أكتب عن تباري بعض أساتذة الجامعات في إظهار براعتهم في حفظ تلك النكت ؟ ، ومع ما سبق ، فإنني وأنا في ألمانيا اقتنيت بعض كتب من كتب ( البورنو ) ـ وهي قليلة جداً ـ أعني التي لديّ ـ والكتاب الأبرز هو كتاب ( جوزفين متزن باخر ) " قصة حياة عاهرة من فيينا : تقصها بنفسها " ، ولا أدري لماذا لم أشترِ الجزء الثاني منه ، وفيه تأتي على الرجال الذين عرفتهم واحداً واحداً . في حزيران من هذا العام ، وأنا في مكتبة شروق ، عرض عليّ أبو أحمد كتاب ( الكوماساترا ). الكتاب مُنع في عمان ، وقال لي الموظف إذا أردت نسخة منه فخذها بسعرِ التكلفة ، ولا أدري لماذا رفضت . هل رفضت خوفاً من أن يراه أحد ما في مكتبتي ذات نهار ، كما رأت خالتي أم محمد ـ أطال الله في عمرها ـ ذات نهار من العام 1976 صوراً لعارضات أزياء بالمايوه بين مجلاّتي التي تركتها في بيتهم في عمان ، حين عدت قافلاً إلى الضفة ، فابتسمت وقالت لي : كنت أظنّ أن القطة تأكل عشاك ؟
لا أظنّ أنني أخشى أن يراه شخص ما في مكتبتي التي تضم كتباً في الجنس مثل " المتعة المحظورة " و" الوشاح في فوائد النكاح " و" البغاء عَبر العصور " و" النكاح والجنس في التراث العربي " و" رشد اللبيب إلى معاشرة الحبيب ".
حُزامة حبايب و " أصل الهوى ".
ما إن بدأت أقرأ "وأصل الهوى " حتى كرّرت المثل " حُزامة لما تطلّ تسبق الكلّ " ، وما إن انتهيت من قراءة الرواية حتى تساءلت تُرى ما سبب منع الرواية في البلد الذي طبعت الرواية فيه ؟
لبوعلي ياسين كتاب عنوانه " الثالوث المحرم : الدين والجنس والسياسة "، و " أصل الهوى " لا تمسّ الدين من قريب أو من بعيد ، ولكنها تغرق في وصف العملية الجنسية استغراقاً يجعل منها وصفاً بالكلمات لأفلام ( بورنو ) يحظر عرضها في الفضائيات العربية على الأقل ـ أبطال الرواية مغرمون بالحصول على أفلام البورنو ـ .
وكما تغرق الرواية في وصف العملية الجنسية ـ تحديداً في الجزء الأول من الرواية ـ [ هل أرادت حُزامة أن تفتح شهية القارئ، لتدفعه إن كان متعطّشاً للجنس ، لمواصلة القراءة ؟ ]، فإنها تقترب من السياسة ، وتأتي على المخابرات وملاحقتها الأفراد المسيّسين ، وهذا قد لا يروق أيضا للنظام في البلد الذي طبعت فيه الرواية .
الجزء الأول من الرواية يأتي على عالم شخوصها في خريف عمرهم ، فيما تأتي صفحاتها اللاحقة ، في الجزأين الثاني والثالث ، على عالمهم في شبابهم ورجولتهم . وما بين النهايات والبدايات فارق كبير . الشاب الذي بدأ ثورياً وفدائياً تحوّل إلى عبثي ومُراهق جنسي في أربعينات وخمسينات وستينات عمره ، وأخذ يُتابع عالم النساء والجنس ، ولم يعد يكترث كثيراً بالسياسة . [ من تفاؤل البدايات .. إلى خيبة النهايات ] . وأنا أنتهي من قراءة الرواية قلت إن الذائقة الأدبية لديّ ولدى وليد أبو بكر جد مختلفة ؛ أنا شخصياً لم ترق لي " أصل الهوى " ، ولم أرَ فيها ما يجعلها تشكل علامة في الرواية الفلسطينية ، فهي ، من حيث الأسلوب ، تذكرنا برواية جبرا إبراهيم جبرا " السفينة " ( 1970 ) ، مع فارق يتمثل في أن قارئ جبرا لا يشعر بالإرهاق وهو يقرأ الرواية ، الإرهاق الذي يشعر به وهو يقرأ " أصل الهوى " حيث عدم امتلاك حُزامة أسلوب القصّ الذي يمتلكه جبرا ، ودقة استخدام الضمائر التي يمتلكها جبرا ، أيضاً .
الرواية كأداة للعلاج النفسي :
في الكتابة عن العلاقة بين الأدب وعلم النفس يتحدث النُقّاد عن تأثير الأدب في نفسية المتلقي ، وكوسيلة لعلاج الشخص المحيط، مثلاً ، يعرضون عليه قراءة روايات ذات نزعة تفاؤلية ، تحبّب المرء بالحياة .
حين فرغت من قراءة الرواية لم أحلم بامرأة تذكرني ببيت قيس بن الخطيم :
" أنّى سربت وكنت غير سروب
وتقرب الأحلام غير قريب "
وإنما حلمت أنني في الكويت أيام احتلال صدام لها . [ هل هرمنا من أجل تلك اللحظة التاريخية ] .
وأنا ذاهب إلى الكويت مارّاً بالعراق وجدتني محتجزاً مع مجموعة من الناس ، ملقين على الأرض في أحد قصور صدام الذي بدا طويلاً جداً ونحيفاً جداً جداً . كان مرتدياً بدلة عسكرية وبيده مسدس كأنّما يريد أن يصدّ به الطائرات الأميركية . المرأة التي كانت ملقاة إلى جانبي كانت تعول وتولول ، ما دفع بصدام لإطلاق النار عليها بلا رحمة ، فقد كان مرعوباً ، وَهَمَّ بإطلاق النار عليّ فابتسمت دون أن أطلب الرحمة منه كما فعلت المرأة ، ووجدتني أغادر بغداد إلى الكويت ، وعلى الحدود سألني الجنود عن هُويّتي ، وأخذوا يقيسون رأسي قائلين :
- إن مقاس رأسك أصغر مما هو موجود في الهُويّة .
ولا أدري بما تفوّهت حتى ابتسموا ، وتركوني أُغادر .
ولما قررت أن أصل الكويت مشياً ، فقد التقيت بأحد سوّاقي مخيم عسكر الذي يقود شاحنة ، وقد عرض عليّ أن يُقلّني معه ، وكدت أُوافق لولا عرض آخر من سائق آخر من مخيم عسكر كان أفضل من عرض السائق الأول :
- لما كنت لا أملك تأشيرة دخول ، فقد قال لي سائق الباص :
- قل لهم إنك تعمل معي مُعاوناً .
هل كان هذا الكابوس صدى لما ورد في رواية حُزامة من وصف عن اجتياح الكويت ؟ ربما ! لم تُعالجني الرواية بل زادت في كوابيسي ، ولم تُفلح المشاهد الجنسية التي تزخر بها في استثارتي .
هل هو الزمن أم أنني لم أعد من أهل الهوى ، ولا شأن لي ـ الآن ـ بأصله ؟ ويبدو أننا هرمنا حقاً أو أننا كبرنا على هذا النوع من الروايات؟
عادل الأسطة