بين الكتابة للأطفال والكتابة للكبار في السرد القصصي والروائي وحتى في النصوص المسرحية بوْن شاسع يتبيّن من الاختلافات الواضحة في بنْيتَيْ النصين وفي أسلوبيْهما ومضمونيْهما وطَرح وعدد صفحات كلٍّ منهما، فضلا عن الفوارق المعروفة بين القصة والرواية .
وإذا كان من المرغوب فيه أن لا تتجاوز عدد صفحات القصة الموجهة للصغار العشرين صفحة في كتابها بما في ذلك الرسومات المصاحبة ، فإنّ الرّواية يمكن أن تتجاوز المائة صفحة وقد تصل إلى ما يزيد عن الآلف أحيانا خصوصا عندما تتألف من أجزاء .
فما هو موقع ما يُرْوى لليافعين بين الموقعيْن السابقيْن ؟
تحتاج الكتابة لليافعين إلى سرْد لا تَقِلّ فيه النصوص عن ثلاثين صفحة ولا تتجاوز فيه المائة صفحة في أندر الحالات لآنّ اليافع لا يطمئن لقراءةٍ مطوّلةٍ قد تثنِيه عن القيام بشؤون أخرى كما أنه لا ينشغل بالأساليب السردية المُبسّطة التي فحصها في طفولته ولا يرغب في قراءة كتابات تتشابك فيها تقنيات الحبكة الروائية بما يحدث بين شخوصها من علاقات قد تكون متشنجة أحيانا ومتأزمة أحيانا أخرى .
وما يُكتب لليافعين يحتاج إلى لغة ذات أسلوب سلِس وطرْح هادئ يميل إلى العرض الحكائي أحيانا ويبعد عن الاستطرادات المملّة .
ويأتي " حسّان وحارس الكنز " لنور الدين بن بوبكر مستجيبا لِما ذكرتُ في كتاب متوسط الحجم يتوَزع فيه الأثر على ستة عشر فصلا لا تتجاوز عدد صفحات الواحد منها الخمس وقد تخللت بعضها ثمانية رسومات توضيحية أغلبها يجسّم الأنفاق المنجمَية بلمسات قلم الرصاص الأسْود لأن أحداث الموضوع تدور في محيط منجَم الرديّف للفسفاط بمنطقة المناجم في الجنوب الغربي التونسي ، ونور الدين بن بوبكر من أبناء المدينة المذكورة التي كتب عن ظروف عمّالها المنجميين في مجال الرواية والقصة قبله المرحومان محمد الصالح الجابري وإبراهيم بن سلطان وكتب الشعر من وحْيِ حراكها المِهني الشاعران سويلمي بوجمعة وحسن بن عبد الله ، إلاّ أنّ نور الدين قد انتهج مَسْلكا كتابيا غير خاصّ به ولم يكتب للكبار بل اختار أن يكون خطابه موجّها لليافعين سَوَاءً في مسقط رأسه أو خارجه في أطار طَرح تعريفي بما يحدث بالقُرْب من موْضع قدميْه ، وبذلك يمكن اعتباره أوّل سارد مغاربيّ عربيّ كتب لليافعين من وحي الظروف المنجمية ، وقد فاز عمله بجائزة مصطفى عزوز لأدب الطفل في إحدى دوراتها ،الشيء الذي شجّعه على كتابة الجزء الثاني لِعَملِه تحت عنوان " عفْوا أيها الجبل " فحصد به جائزة كاتارا لأدب اليافعين منذ ثلاث سنوات .
فماذا يقول " حسّان وحارس الكنْز " ؟
لاحظتُ في البداية وجود تطابق بين منطق رواية " حسان وحارس الكنز " لنور الدين بن بوبكر ورواية " كم كانت جميلة شعبتي How Green Was My Valley" المنشورة مترجمة إلى الفرنسية تحت عنوان qu’elle était verte ma vallée " لريشارد ليليوولن والروايتانا منشغلتان بظروف المنجميين . الأولى استقت موضوعها في أواخر العقد الرابع للقرن العشرين من محيط منجم فحم حجري ببريطانيا والثانية التقطت صوَر أحداثها من تشابك العلاقات والأفعال في حضن فضاء منجم فسفاط الرديف ، إلاّ أنّ ّ" هُوْيْHow" الذي وفد مع أسرته في السادسة من عُمُره من بلاد الغال ذات المروج الخضراء التي تقلّصت نظارتها للعمل في المنجم سرد ما حفّ بأسرته ومعاشريها من وقائع وتهميش في الوسط المنجمي وقد تقدّمت به السنوات فرغب في العودة إلى موطنه متمنّيا أن يستعيد بهاءه وخصوبته لتقضيَ فيه أسرته حياتها مخلصة لعاداتها وتقاليدها الغالية ( نسبة إلى بلاد الغال) ومتمسكة بلغتها السلتيةCeltique بعدما اختلطت اللغات واللهجات في الرّيْع الفحمي الذي توافدت للعمل فيه أخلاط بشرية متضاربة الألسنة والطبائع .
أما قصة " حسّان وحارس الكنز" فإن عُمَر الطفل حسّان في أوّلها لم يتجاوز الأربع سنوات عندما سمع أباه مصطفى يحادث زوجته قائلا إن ظروف العيش قد ضاقت في قريتهما لذلك فإنه عزم على الرحيل إلى إحدى مدن الحوض المنجمي أين يتوفّر العمل لطالبه في المنجَم وأنه سيذهب بمفرده على أن تلتحقِي بي أنتِ وحسّان عندما تستقرّ ظروفي السكنية .
وتم ما عزم عليه الأب. وكان يوجّه إليهما الرسائل التي تطمئنهما عن ظروف حياته الجديدة ويرسل إليهما المال من أجوره للإنفاق على نفسيْهما . وبعد أشهر عاد إلى القرية محمّلا بالهدايا والأمتعة لهما و أعلمهما بأنه سيصطحبانه للعيش معه في المكان الذي يشتغل فيه ، وفي الوقت المقرر امتطوا القطار الذي ظل يطوِي المسافات لساعات وعندما اقتربوا من المدينة التي هم قاصدُونها فوجئ الطفل حسان بأنّ ( المشاهد قد تغيّرت وأصبح نبات اليابسة هشيما تذرُوه الرياح وبدأ اللون الأصفر يعزو المكان ويلتهم كلّ شيء ....(تغيّر اللون الأخضر ولم أعد أرى الحقول التي تُشبه الزرابي المبثوثة ....ص"9") ..
"هُوي" غادر ربوعه المخضرّة إلى منجم فحم حجري أجْرَد ويلفه السواد والغبار الداكن.
و" حسان "غادر ربوعه الخضراء إلى منجم فسفاط أرضه صفراء قاحلة.
إلاّ أن هناك اختلاف في نظرة كل منهما إلى المكان الجديد الذي أُختير له العيش فيه .. فالطفل الأول في الرواية الإنجليزية يلازمه حنين العودة إلى ربوعه الأولى .، أما الطفل الثاني في القصة التونسية فإنه استطاع التأقلم مع الحياة الجديدة في الرديف ولم يغُد أو يتحدّث عن مسقط رأسه الذي هجره لأنه ربط علاقة طفولية مع سحر ابنة العم خليل وزوجته أم الخير اللذيْن خلُصت الصداقة بينهما وبين الأب مصطفى وزوجته خديجة وأصبحوا يتبادلون الزيارات ويقظون الأوقات الممتعة مع بعضهم .
هذه المقارنة السريعة لا تعني أن صاحب " حسّان وحارس الكنز "وهي قصة طويلة قد تأثّر بما جاء في رواية " كم كانت جميلة شعبتي How Green Was My Valley" لأنني أجزم بأنه لم يقرأها باعتبار أنها غير متوفرة في كتْبياتنا ومكتباتنا ، وقد نفذت طبعتها الثانية بتاريخ 1974بعد ترجمتها إلى الفرنسية تحت عنوان " qu’elle était verte ma vallée " أمّا أنا فقد حصلتُ عليها في أواخر سبعينيات القرن الماضي مُهداةً من أستاذتي الفرنسية في مادة الجغرافيا السيدة كاسانيي Madame Casséigne حين كنت تلميذا بمعهد الحسين بوزيان بقفصة ،عندما علمتْ بأنّ لي تجارب شعرية متّصلة بظروف عمال منجم الفسفاط بالمتلوي وكانت الرواية تتكوّن من أربعمائة وأربع صفحات في طبعتها الأولى سنة 1957 وقالت لي إنّ وجودها نادر إلا إذا أعيدت طباعتها.
فما هو سبب إدراج سرد قصته نور الدين بن بوبكرـ إذن ـ على لسان طفل ؟
السبب واضح وهو أنّ القصة مُوَجهة لليافعين ـ ويمكن أن يقرأها بعض الأطفال المولعين بالمطالعة ـ إذ ليس من المرغوب فيه من طرف الكاتب أنْ يخاطب مَن توَجّه إليهم بعمله شخصٌ كبير هو محوَر القَصّ ، وقد أصاب في ذلك.
وإذا كان " هوي" في الرواية الانجليزية قد اختار العودة إلى أرض مولده ليجدها خضراء مزهرة ومثمرة فإنّ حسّان قد ذهب أبعد من ذلك متوَجّهًا بخيال الواقع أو واقع الخيال إلى الماضي السحيق الذي سبق ميلاد البشر بملايين السنين وتواجدت فيه مخلوقات منقرضة في الأرض التي أصبحت حوْضًا فسفاطيا متكوّنا من تراكم تلك الحيوانات البرّية والبحرية بعد حدوث تقلبات قضت على حياتها وغطتها العوامل الطبيعية العاتية كالعواصف والأعاصير بكُتل من الأتربة والكِلس والطين والجمعر والصّوّان فسحقتها وحوّلتها إلى سماد منجمي .
تلك حكاية سحرية قد أضيفت إلى الحكاية الواقعية التشخيصية التي استطاع نور الدين بن بوبكر أن يسردها بتسلسل مشَوّق .
وما يُحسب للمؤلف ـ وهو يتوجّه بقصته إلى اليافعين ـ أنه لم يعرض عليهم المخاطر التي تحْدق بالمنجميين في أنفاق استخراج الفسفاط ولم يصِفْ لهم المتاعب وظروف الاستغلال ولم يُطلعهم على تشكّيات الشغّالين من تردّي أوضاعهم المهنية لأنه كان على يقين من أنّ ما يجب إن يُكتب لمن هم دون سِن الشباب لا يُعقَل أن يُشعرهم بالألم والحزن والنفور من المكان ، لذلك جاءت قصته سَلِسة هادئة تُرَغب في المطالعة. لم يتخلّف حسّان عن عرض ما شاهده وعايشه في المدينة المنجمية التي تتوَفّر فيها مرافق لم تكن موجودة في قريته الأم ولكنه تعجّب عندما أعلمه أبوه بأنه يعمل تحت الأرض: ( قلتُ بكلّ براءة: ـ وأين هوّ مكان عملك يا أبي؟ فضحك مِلْءَ شدْقيْه حتى بدتْ نواجذه وأجابني بصوت رخيم: ـ تحت الأرض يا بُنَيّ تعجّبتُ من إجابته وظننته يداعبني كعادته لأنّ أمّي أخبرتني بأن الأحياء يعيشون فوق الأرض وأنْ لا مكانَ تحت الأرض إلاّ للأموات ، فقلتُ له ببراءة : ـ أنت تمزح يا أبي.. هل يوجد عمل وحياة تحت الأرض، أم أنك تزور الأمواتَ كلّ يوم؟ص10)
فكيف تمّ بناء هذه القصة ؟ كنت أعتقد وأنا أطالع " حسّان وحارس الكنز " أنّ موضوعها سيتجوّل بي في الوسط المنجمي خلال فترة زمنية آنية أو إذا مزجت ْبين الأزمنة ستعود بالذاكرة إلى ماضي الحياة المنجمية منذ اكتشاف التراب الداكن ( وهناك من يسمّيه التراب الأخضر) إلاّ أن ذلك لم يحدث عندما وضع السادر بَرزخًا بين زمنين أحدهما حاضر آنِيٌّ والآخر دهْري سحيق وهذا البرزخ يبرز عندما يتسلّل حسّان إلى المنجم ، بعد الخروج من البيت في غفلة من أمّه التي كانت في المطبخ، ويدخل النفق بحثا عن أبيه الذي تغيّب منذ ليلة ولم يأتِهم عنه خبر إنْ كان حيّا أم ميّتا ولم يُوجد من يقدّم لهم معلومة حوْله . فربما يكون قد وقعت له واقعة جرّاء حادث انهيار كهف فوق العمال .
يقول الطفل في الصفحة 21 من اللوحة السادسة (حاولت أنْ أقنع نفسي بكلام أمّي وأصرُف فكرة الخروج وحدي للتفتيش عن أبي فلم أستطع .. حين جنّ الليل تظاهرت بالنوم حتى لا أزيد في انشغال أمّي بي ،وتحيّنت فرصة دخولها إلى المطبخ فتسربلتُ بجمّازة كانت وضعتها قُربي وفتحت الباب دون إحداث ضجيج وتسللت مسرعا نحو الداموس عسى أن أهتدي إلى مكانه أو أظفر بمن يدلّني على الحضيرة التي يعمل فيها ) كان وهو يسير في الداموس ـ بعد عثوره على مصباح كربون ربما تركه صاحبه فأوقده هوّ ليضئ به ما حوله ـ دقيقَ الوصف لما يتوَفر داخله من أنفاق واطئة ربما كانت رؤوس العمال تصطدم بها ومن تفرّعات لها كأنها متاهات ومن طمّي في معابرها ومن عربات تحمل المادة المستخرجة وتتراءى كأنها أشباح عن بُعد ومن أخشاب مغروسة عمودِيًا على جانبَي كل نفق وقد أحْكمتْ فوقها أخشاب في وضع أفُقي للحيلولة دون سقوط الكتل الحجرية والترابية من سطح الكهف على من هم وما هوّ تحته . يقدّم هذا الوصف للمشاهد المختلفة تعريفا لِما يوجد داخل الداموس المنجَمي ليتسنّى للقراء المراهقين معرفة ذلك خصوصا عندما يكونون من المتواجدين في مناطق بعيدة عن الربوع المنجمية وقد أوْرده نور الدين بن بوبكر على لسان بطل قصته حسّان ليُثبت أنّ أطفال المناجم يعرفون ما يوجد في خباياها لأنّ آباءهم قد حدّثوهم عنها بإسهاب ووصفوها لهم .ويندرج هذا في سياق الإشارة المعرفيةconnectivité التي يجب أن يوَفرها سارد القصة أو الرواية لقرّاء عمله لأنّ الأحداث وحدها لا تكفي لوَضع المتلقي في الإطار المناسب الذي يبحث عنه . عندما شعر حسّان بالتعب والجوع والعطش أسند جسمه إلى عمود خشبي وأغمض عينيه طلبًا للراحة وبعد فتحهما سمع حفيف أجنحة وصوتا مُرْعبا يسأله عن اسمه وماذا يفعل في هذا المكان فأعلمه بأن اسمه حسّان وقد جاء إلى هذا المكان بحثا عن أبيه . وظنّ أن مخاطبه روحا من الأرواح الشريرة التي تُخيف العمال عندما يكونون فُرادى في هذا المكان ، وحاول إن يرى مصدر الصوت فلم يظهر أمامه إلا خفّاش صغير ، وعندما سأل المتكلم عن ماهيته أعلمه بأنه حارس المكان الذي استنفذ الآدميون كنزه الفسفاطي .وبعد تشنّج وظهور في شكل مرعب ومخيف تأكد حارس الكنز من أن الطفل لم يأت لغرض يقلقه وأنه برئ في ما جاء لأجله فتمثل إليه في هيئة مطمئنة واقترح عليه أن يمتطيَ ظهره للتحليق به نحو عوالم ساحرة في عهود سحيقة سالفة . اعتلي حسان ظهر الخفاش الذي عبر به الزمن وعاد إلى الماضي ليُطلعه كيف كان هذا المكان قبل أن يصله بنو جلده .. قبل حسّان العرض وانطلق التحليق فرأى الولد مكانا شاسعا ومدهشا يغمر البحرُ أغلب أنحائه.. كلّ شيء ضخم.. نباتاته كثّة.. حيواناته عظيمة .. شجره باسق.. آجامه كثيفة .طيوره كبيرة تكاد تغطي السماء بتحليقها ..لم تكن هناك مدن ولا بنايات ..ثمّة شاطئ نظيف يُغري بالسباحة لولا وجود حيوانات عملاقة ومخيفة بالقرب منه..
إنها حكاية مشهد لم تبدأ مع اكتشاف الفسفاط بل تعود إلى مائة مليون سنة خلت عندما كانت الديناصورات تعيش على سطح هذا الكوكب .. رأى حسّان أنواعا كثيرة منها عاشبة ولاحمة قبل أن تنقرض منذ ما يزيد عن ستين مليون سنة عندما اصطدمت الأرض بنيزك كبير صار بعده المناخ أكثر برودة .. كما لاحظ الطفل التيروصونات زواحف طائرة عاشت على هذه الأرض وقد كانت تتغذى على الأسماك قبل أن تنقرض بسبب ازدياد النشاط البركاني الذي أفناها .
وفي مكان آخر رأى التيرونوصورات وهي سحليات عملاقة أضخم من الدينصورات آكلة اللحوم ..واستنتج الولد أنّ ما أطّلع عليه إنما هو عالم غريب لا مكان فيه للضعفاء.، وعرف من الخفّاش أن الفسفاط يتكوّن من رواسب بحرية نشأت من تراكم مخلفات الطيور البحرية التي رآها أمامه ومن بقايا الأسماك والمواد العضوية الأخرى.
وفي الانتقال من العصر الجوراسى الطباشيري ( علْما بأن العصر الجوراسي يمتد من 201 مليون سنة إلى 145 مليون سنة ويعقبه العصر الطباشيري من 145 مليون سنة إلى 65,5 مليون سنة "1") إلى العصر الحجري الحديث ( وهو ينقسم إلى حقبتيْن أولاهما ما قبل الفخار من 10200 إلى 6400 سنة ق م وثانيتهما مع ظهور الفخار من6400 إلى 5000سنة ق م ومن مميزاتها اكتشاف الزراعة وتدجين الحيوانات وتطوير الأدوات الحجرية وتطويع الفخّار للاستعمال البشري والاستقرار وإنشاء القرى وبداية استغلال المعادن وتطوير النظام الغذائي).وهذا العصر الممطر المأهول بالناس نمتْ فيه الزراعات وعلتْ الأشجار الباسقة المثمرة برعاية غارسيها وقد تشابكت فروعها وأُثقلتْ بالغلال طعاما لبني البشر وترامت الحقول وانتشرت الأزهار العطِرة خلال الحضارة القبسية ( التي ظهرت بين 10.000 و6.000 سنة ق م ، أي في آخر العصر الحجري القديم وفي العصر الحجري الوسيط وفي العصر الحجري الحديث، في تونس وفي الجزائر وفي المغرب).وقد أنشِئتْ فيها إنجازات عظيمة تتناسب وضروريات البشر في ذلك الزمن .
بعد الرحلة المشوّقة والساحرة عاد الخفاش بحسّان إلى المكان الذي انطلق منه في المنجم فسلك الطفل الممرّات بين الأنفاق للخروج من الداموس فتم العثور عليه من طرف العم خليل وأبيه إذْ انقلبت ألأدوار، فبينما كان الولد يبحث عن أبيه أصبح الأب يبحث عن ابنه ..وتبيّن أن غياب الوالد مصطفى تلك الليلة كان ناجما عن تصدّع الجبل الذي انجَرّ عنه انهيار أحد الأنفاق فحالَ ما سقط منه دون تمكن العمال من الخروج فبقوْا عالقين هناك إلى أن فُتحتْ لهم فُرجات للخروج .
يعود حسان وأبوه إلى البيت فتفرح الأم خديجة بتلك العوْدة ، وخلال مغادرة الداموس والوصول إلى البيت هناك حوار مثير بين الولد ووالده لا أريد الكشف عن محتواه كما لا أريد الكشف عمّا حدث بعد ذلك الرجوع السعيد لأحرّض اليافعين وحتى من هم أصغر أو أكبر منهم على قراءة هذه القصة المشوّقة والمثيرة .
لذلك استنتجت مما قرأته أن نور الدين بن بوبكر قد ضرب عَشرَ طيور بحجر واحد فأمسك بها تباعا في قصة " حسان وحارس الكنز "
ـ الطائر الأول : القصة كُتِبت لليافعين إلاّ أنه من المناسب قراءتها من طرفهم ومن طرف الأطفال ما بين التاسعة والأربع عشرة سنة بكلّ بُسر وكذلك الشبّان والكهول وحتى الشيوخ من الجنسيْن .
ـ الطائر الثاني :اختار الكاتب أن يكون الطفل الوافد على مدينة الرديُف بعد حصول والده على عمل في منجمها ليؤكد أنّ مدينته غير منغلقة على سكُانها الأصليين بل هيّ مفتوحة لاستقبال واحتضان القادمين إليها من خارجها للاستقرار فيها ومعاملتهم بنفس الطّرق والأساليب التي تُعامِل بها بنو تربتها عكس ما يشعر به النازحون إلى المدن الكبرى التي تتجاهلهم وتشعرهم بأنهم غرباء عنها حتى عندما يعيشون فيها نصف قرن .
ـ الطائر الثالث : يكشف المؤلف عن سرعة التواصل بالصداقة وحسن الجوار بين الأسُر المنجمية رغم اختلاف انتماءاتهم العرقية وتعدّد مساقط رؤوسهم ، ويبرز ذلك من خلال صِلة التقارب المتين بين أسرة مصطفى وأسرة خليل التي امتدت إلى ابنهما حسان وابنتهما سحر.
ـ الطائر الرابع :لم يُثِر الكاتب شجون الأتعاب والمخاطر الناجمة عن ضراوة العمل المنجمي لأنه كان على يقين من أن الكتابة لمن هم دون سنّ الكبار لا يجوز أن تتسبّب في وجع الرؤوس والنقمة على ما هو موجود .
الطائر الخامس: تتبيّن المدينة المنجمية هادئة بما يدور فيها ومتدثّرة بأسمارها المنعشة التي تُروَى فيها الحكايات وتدُور فيها كؤوس الشاي على السّمار وفي ذلك انتصار للتفاؤل على التشاؤم وللتحدّي على اليأس رغم قسوَة مستلزمات العيش .
الطائر السادس : بناء القصة على قاعدتيْن مختلفيْن ولكنهما متآلفتيْن إذ ارتكزت لوْحاتها الست ألأولى على الإحاطة ببعض ما يحدث في المدينة المنجمية في وقتها الحاضر وتوَجّهتْ سبع لوحات باقية إلى مشاهدات في العصور الخوالي التي أفضت حِقبها الزمنية المتواترة إلى تكوّن مادة الفسفاط من طيور وأسماكها وحيتانها وحيواناتها الضخمة.
ـ الطائر السابع : التعريج على اهتمام سكّان هذه الربوع بالزراعة وغرس الأشجار وتطويع الفجار والأحجار والمعادن وترويض الحيوانات في عصر الحضارة الكبسية التي شملت نواحي تونس والجزائر والمغرب ، مع الإشارة إلى أنّ ذلك الاخضرار وتلك المزروعات و الغراسات قد اختفت وتركت الفضاء المنجمي أرضا جرداء جافة تتناثر أغبرة فسفاطها في الفضاء محدثة أرجال ضباب تحجب صفاء السماء ويصحّ فيها كلام المفكر والمصلح الاجتماعي الكبير الطاهر الحداد الذي وصف منطقة المتلوي المنجمية عندما زارها في ديسمبر 1924 صحبة النقيب محمد علي الحامي مؤسس جامعة عموم العمال، فقال عنها :
في مَهْمَهٍ مُغْبَّرّةٌ أرْجاؤُهُ
كَأنَّ لَوْنَ أرْضِهِ سَمَــاؤُهُ
الطائر الثامن : لم يعُد حسّان يُفكّر في العوْدة إلى مسقط رأسه المتميّز بالاخضرار والأزهار العطرة والهدوء والسكينة لأنه ألِف الحياة في المدينة المنجمية التي شدّته إليها أشياء كثيرة مُرَغّبة في الإقامة فيها وبذلك استطاع نور الدين بن بوبكر أن يقول إنّ أرضه الفسفاطية لا تترك لمَن يقصدها للإقامة فيها مجالا للتفكير في ما تركه وراءه وكأنه يريد إن يضيف شرطا يدعو إلى الالتفات إليها بتوفير المرافق الضرورية لحياة المقيمين فيها وعدم التأخر عن تنميتها لإبرازها في مظهر يليق بظروف الإقامة فيها .
الطائر التاسع : قدّم الكاتب معلومات علمية وجيولوجية من شأنها أن تحرّض القارئ على فتح الكتب أو مواقع التواصل الاجتماعي لمزيد التعمّق في معرفتها وفي ذلك توسيع لاطلاعه المعرفي .
الطائر العاشر : أعطى صاحب القصة أوصافا دقيقة ومُسْهبة لِما يوجد داخل الداموس من أنفاق ووسائل عمل ومعابر ضيقة ومُبللة بالطمي وسطوح كهوف واطئة وظلمة مخيفة وهواء خانق يتسبب في ضِيق التنفس وعربات صغيرة مملوءة بالمادة المنجمية المستخرجة وأشياء أخرى يطول سردها وفي ذلك سعْي إلى وضع القارئ في إطار حقيقي لما هو معروض للإطلاع عليه وكأنه ـ السادر ـ يريد أن يقول إن المعايشة الحقيقية للشيء أبلغ في وصفها ممّا تعرضه لقطات الكاميرا أحيانا .
ما تبقت ملاحظته من طرفي تنكشف في ما يلي :
1 ) إنّ وضع النص المذكور تحت يافطة " قصة " يثير سؤالا يقول إنّ القصة تنقسم إلى صنفيْن فإحداهما قصيرة وأخرتاهما طويلة .. وإذا اقتنعنا بأنّ القصة الطويلة تطرح ما لا يمكن أنْ تسرده القصة القصيرة من أحداث يطول حكْيُها فإننا نصِرّ على أن هيكلها ينحرف عن هيكل الأولى (فحجم القصَّة القصيرةِ وإشكال التلقي حصره النقاد حصرا زمنيا محددا غالبا في ساعة من القراءة تزيد أو تنقص قليلاـ كما يقول الناقد محمد عزام ) وما كتبه نور الدين بن بوبكر لا يمكن إنهاء قراءته المستعجلة في أقلّ من ساعتين ونصف الساعة فكيف إذا كانت القراءة متأنّية؟
ويضيف محمد عزام القول ( إنّ النقاد إصطلحوا على تسميّة القصة الطويلة بالرواية عندما تعددت أجزاؤها ...) لذلك يمكن اعتبارها كتبه بن بوبكر قصة طويلة .. فلماذا لم يدرج نصّه تحت هذه التعريفة ؟
أنه معذور على ذلك لأنّ الأثر قد تمّت المشاركة به في مسابقة مطصفى عزوز للقصة في تونس وفاز فيها بالجائزة ( هكذا سمّتها لجنة المسابقة ولم توَضّح أهي القصة القصيرة أو الطويلة.
وكان من الممكن أيضا أن يضع المؤلف نصّه في إطار الرواية لأنّ له جزءًا ثانيًا يحمل عنوان ( عفوا أيها الجبل ) وقد فاز بجائزة كتارا.
وخارج أيّة تسمِيّة تظل ( حسان وحارس الكنز) عملا متميّزا يسحقّ القراءة الناقدة والعاشقة والمتأملة إذ جاءت فكرته موَزعة بين سردية الواقعية التشخيصية التي تشي بها الواقعية الطبيعية ـ وهي التي ركّزت مشاهدها وتحركاتها على ما حدث وشُوهد في الرديف مدينة ومنجَمًا بأمانة وصفية وتصويرية لا يتسرّب إليها شكّ أو خيال ـ وسردية واقعية سحرية تتراءى فيها مخلوقات ساحرة ولكنها ليست عجيبة لأنها حقيقية وقد كان لها وجود على كوكب الأرض منذ عشرات الملايين من الأعوام ، ذلك أن هناك فرق كبير بين السحري والعجائبي أو الغرائبي فالأول حقيقي ولكنه قد خرق العادة لاختفائه وندرته اللتيْن أحاطتاه بهالة من الإبهار والثاني بارز بهيئات وأشكال غريبة لا يمكن تُظِهر مخلوقة في أحسن تقويم كالغول ذي القرون والعفريت ذي السبعة رؤوس والبيضة التي تتراءى في حجم جبل والحذاء الذي يطير بصاحبه ،وقد ظهرت كلها في قصص موجهة للأطفال بالخصوص واقتبس من مرْويّاتها كتّاب وواضعو قصص وسيناريوات سينمائية بصِيَغ تتماشى وتقنيات أعمالهم وهي مشروعة لتطوير وتنويع حطاباتهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" المعلومات التاريخية والجيولوجبة والعلمية مستقاة من الموقع الفايسبوكي الذي يحمل عنوان (الأحقاب الزمنية حسب السلم الستراتيغرافي) من منتدى الدراسة نت
ا
وإذا كان من المرغوب فيه أن لا تتجاوز عدد صفحات القصة الموجهة للصغار العشرين صفحة في كتابها بما في ذلك الرسومات المصاحبة ، فإنّ الرّواية يمكن أن تتجاوز المائة صفحة وقد تصل إلى ما يزيد عن الآلف أحيانا خصوصا عندما تتألف من أجزاء .
فما هو موقع ما يُرْوى لليافعين بين الموقعيْن السابقيْن ؟
تحتاج الكتابة لليافعين إلى سرْد لا تَقِلّ فيه النصوص عن ثلاثين صفحة ولا تتجاوز فيه المائة صفحة في أندر الحالات لآنّ اليافع لا يطمئن لقراءةٍ مطوّلةٍ قد تثنِيه عن القيام بشؤون أخرى كما أنه لا ينشغل بالأساليب السردية المُبسّطة التي فحصها في طفولته ولا يرغب في قراءة كتابات تتشابك فيها تقنيات الحبكة الروائية بما يحدث بين شخوصها من علاقات قد تكون متشنجة أحيانا ومتأزمة أحيانا أخرى .
وما يُكتب لليافعين يحتاج إلى لغة ذات أسلوب سلِس وطرْح هادئ يميل إلى العرض الحكائي أحيانا ويبعد عن الاستطرادات المملّة .
ويأتي " حسّان وحارس الكنز " لنور الدين بن بوبكر مستجيبا لِما ذكرتُ في كتاب متوسط الحجم يتوَزع فيه الأثر على ستة عشر فصلا لا تتجاوز عدد صفحات الواحد منها الخمس وقد تخللت بعضها ثمانية رسومات توضيحية أغلبها يجسّم الأنفاق المنجمَية بلمسات قلم الرصاص الأسْود لأن أحداث الموضوع تدور في محيط منجَم الرديّف للفسفاط بمنطقة المناجم في الجنوب الغربي التونسي ، ونور الدين بن بوبكر من أبناء المدينة المذكورة التي كتب عن ظروف عمّالها المنجميين في مجال الرواية والقصة قبله المرحومان محمد الصالح الجابري وإبراهيم بن سلطان وكتب الشعر من وحْيِ حراكها المِهني الشاعران سويلمي بوجمعة وحسن بن عبد الله ، إلاّ أنّ نور الدين قد انتهج مَسْلكا كتابيا غير خاصّ به ولم يكتب للكبار بل اختار أن يكون خطابه موجّها لليافعين سَوَاءً في مسقط رأسه أو خارجه في أطار طَرح تعريفي بما يحدث بالقُرْب من موْضع قدميْه ، وبذلك يمكن اعتباره أوّل سارد مغاربيّ عربيّ كتب لليافعين من وحي الظروف المنجمية ، وقد فاز عمله بجائزة مصطفى عزوز لأدب الطفل في إحدى دوراتها ،الشيء الذي شجّعه على كتابة الجزء الثاني لِعَملِه تحت عنوان " عفْوا أيها الجبل " فحصد به جائزة كاتارا لأدب اليافعين منذ ثلاث سنوات .
فماذا يقول " حسّان وحارس الكنْز " ؟
لاحظتُ في البداية وجود تطابق بين منطق رواية " حسان وحارس الكنز " لنور الدين بن بوبكر ورواية " كم كانت جميلة شعبتي How Green Was My Valley" المنشورة مترجمة إلى الفرنسية تحت عنوان qu’elle était verte ma vallée " لريشارد ليليوولن والروايتانا منشغلتان بظروف المنجميين . الأولى استقت موضوعها في أواخر العقد الرابع للقرن العشرين من محيط منجم فحم حجري ببريطانيا والثانية التقطت صوَر أحداثها من تشابك العلاقات والأفعال في حضن فضاء منجم فسفاط الرديف ، إلاّ أنّ ّ" هُوْيْHow" الذي وفد مع أسرته في السادسة من عُمُره من بلاد الغال ذات المروج الخضراء التي تقلّصت نظارتها للعمل في المنجم سرد ما حفّ بأسرته ومعاشريها من وقائع وتهميش في الوسط المنجمي وقد تقدّمت به السنوات فرغب في العودة إلى موطنه متمنّيا أن يستعيد بهاءه وخصوبته لتقضيَ فيه أسرته حياتها مخلصة لعاداتها وتقاليدها الغالية ( نسبة إلى بلاد الغال) ومتمسكة بلغتها السلتيةCeltique بعدما اختلطت اللغات واللهجات في الرّيْع الفحمي الذي توافدت للعمل فيه أخلاط بشرية متضاربة الألسنة والطبائع .
أما قصة " حسّان وحارس الكنز" فإن عُمَر الطفل حسّان في أوّلها لم يتجاوز الأربع سنوات عندما سمع أباه مصطفى يحادث زوجته قائلا إن ظروف العيش قد ضاقت في قريتهما لذلك فإنه عزم على الرحيل إلى إحدى مدن الحوض المنجمي أين يتوفّر العمل لطالبه في المنجَم وأنه سيذهب بمفرده على أن تلتحقِي بي أنتِ وحسّان عندما تستقرّ ظروفي السكنية .
وتم ما عزم عليه الأب. وكان يوجّه إليهما الرسائل التي تطمئنهما عن ظروف حياته الجديدة ويرسل إليهما المال من أجوره للإنفاق على نفسيْهما . وبعد أشهر عاد إلى القرية محمّلا بالهدايا والأمتعة لهما و أعلمهما بأنه سيصطحبانه للعيش معه في المكان الذي يشتغل فيه ، وفي الوقت المقرر امتطوا القطار الذي ظل يطوِي المسافات لساعات وعندما اقتربوا من المدينة التي هم قاصدُونها فوجئ الطفل حسان بأنّ ( المشاهد قد تغيّرت وأصبح نبات اليابسة هشيما تذرُوه الرياح وبدأ اللون الأصفر يعزو المكان ويلتهم كلّ شيء ....(تغيّر اللون الأخضر ولم أعد أرى الحقول التي تُشبه الزرابي المبثوثة ....ص"9") ..
"هُوي" غادر ربوعه المخضرّة إلى منجم فحم حجري أجْرَد ويلفه السواد والغبار الداكن.
و" حسان "غادر ربوعه الخضراء إلى منجم فسفاط أرضه صفراء قاحلة.
إلاّ أن هناك اختلاف في نظرة كل منهما إلى المكان الجديد الذي أُختير له العيش فيه .. فالطفل الأول في الرواية الإنجليزية يلازمه حنين العودة إلى ربوعه الأولى .، أما الطفل الثاني في القصة التونسية فإنه استطاع التأقلم مع الحياة الجديدة في الرديف ولم يغُد أو يتحدّث عن مسقط رأسه الذي هجره لأنه ربط علاقة طفولية مع سحر ابنة العم خليل وزوجته أم الخير اللذيْن خلُصت الصداقة بينهما وبين الأب مصطفى وزوجته خديجة وأصبحوا يتبادلون الزيارات ويقظون الأوقات الممتعة مع بعضهم .
هذه المقارنة السريعة لا تعني أن صاحب " حسّان وحارس الكنز "وهي قصة طويلة قد تأثّر بما جاء في رواية " كم كانت جميلة شعبتي How Green Was My Valley" لأنني أجزم بأنه لم يقرأها باعتبار أنها غير متوفرة في كتْبياتنا ومكتباتنا ، وقد نفذت طبعتها الثانية بتاريخ 1974بعد ترجمتها إلى الفرنسية تحت عنوان " qu’elle était verte ma vallée " أمّا أنا فقد حصلتُ عليها في أواخر سبعينيات القرن الماضي مُهداةً من أستاذتي الفرنسية في مادة الجغرافيا السيدة كاسانيي Madame Casséigne حين كنت تلميذا بمعهد الحسين بوزيان بقفصة ،عندما علمتْ بأنّ لي تجارب شعرية متّصلة بظروف عمال منجم الفسفاط بالمتلوي وكانت الرواية تتكوّن من أربعمائة وأربع صفحات في طبعتها الأولى سنة 1957 وقالت لي إنّ وجودها نادر إلا إذا أعيدت طباعتها.
فما هو سبب إدراج سرد قصته نور الدين بن بوبكرـ إذن ـ على لسان طفل ؟
السبب واضح وهو أنّ القصة مُوَجهة لليافعين ـ ويمكن أن يقرأها بعض الأطفال المولعين بالمطالعة ـ إذ ليس من المرغوب فيه من طرف الكاتب أنْ يخاطب مَن توَجّه إليهم بعمله شخصٌ كبير هو محوَر القَصّ ، وقد أصاب في ذلك.
وإذا كان " هوي" في الرواية الانجليزية قد اختار العودة إلى أرض مولده ليجدها خضراء مزهرة ومثمرة فإنّ حسّان قد ذهب أبعد من ذلك متوَجّهًا بخيال الواقع أو واقع الخيال إلى الماضي السحيق الذي سبق ميلاد البشر بملايين السنين وتواجدت فيه مخلوقات منقرضة في الأرض التي أصبحت حوْضًا فسفاطيا متكوّنا من تراكم تلك الحيوانات البرّية والبحرية بعد حدوث تقلبات قضت على حياتها وغطتها العوامل الطبيعية العاتية كالعواصف والأعاصير بكُتل من الأتربة والكِلس والطين والجمعر والصّوّان فسحقتها وحوّلتها إلى سماد منجمي .
تلك حكاية سحرية قد أضيفت إلى الحكاية الواقعية التشخيصية التي استطاع نور الدين بن بوبكر أن يسردها بتسلسل مشَوّق .
وما يُحسب للمؤلف ـ وهو يتوجّه بقصته إلى اليافعين ـ أنه لم يعرض عليهم المخاطر التي تحْدق بالمنجميين في أنفاق استخراج الفسفاط ولم يصِفْ لهم المتاعب وظروف الاستغلال ولم يُطلعهم على تشكّيات الشغّالين من تردّي أوضاعهم المهنية لأنه كان على يقين من أنّ ما يجب إن يُكتب لمن هم دون سِن الشباب لا يُعقَل أن يُشعرهم بالألم والحزن والنفور من المكان ، لذلك جاءت قصته سَلِسة هادئة تُرَغب في المطالعة. لم يتخلّف حسّان عن عرض ما شاهده وعايشه في المدينة المنجمية التي تتوَفّر فيها مرافق لم تكن موجودة في قريته الأم ولكنه تعجّب عندما أعلمه أبوه بأنه يعمل تحت الأرض: ( قلتُ بكلّ براءة: ـ وأين هوّ مكان عملك يا أبي؟ فضحك مِلْءَ شدْقيْه حتى بدتْ نواجذه وأجابني بصوت رخيم: ـ تحت الأرض يا بُنَيّ تعجّبتُ من إجابته وظننته يداعبني كعادته لأنّ أمّي أخبرتني بأن الأحياء يعيشون فوق الأرض وأنْ لا مكانَ تحت الأرض إلاّ للأموات ، فقلتُ له ببراءة : ـ أنت تمزح يا أبي.. هل يوجد عمل وحياة تحت الأرض، أم أنك تزور الأمواتَ كلّ يوم؟ص10)
فكيف تمّ بناء هذه القصة ؟ كنت أعتقد وأنا أطالع " حسّان وحارس الكنز " أنّ موضوعها سيتجوّل بي في الوسط المنجمي خلال فترة زمنية آنية أو إذا مزجت ْبين الأزمنة ستعود بالذاكرة إلى ماضي الحياة المنجمية منذ اكتشاف التراب الداكن ( وهناك من يسمّيه التراب الأخضر) إلاّ أن ذلك لم يحدث عندما وضع السادر بَرزخًا بين زمنين أحدهما حاضر آنِيٌّ والآخر دهْري سحيق وهذا البرزخ يبرز عندما يتسلّل حسّان إلى المنجم ، بعد الخروج من البيت في غفلة من أمّه التي كانت في المطبخ، ويدخل النفق بحثا عن أبيه الذي تغيّب منذ ليلة ولم يأتِهم عنه خبر إنْ كان حيّا أم ميّتا ولم يُوجد من يقدّم لهم معلومة حوْله . فربما يكون قد وقعت له واقعة جرّاء حادث انهيار كهف فوق العمال .
يقول الطفل في الصفحة 21 من اللوحة السادسة (حاولت أنْ أقنع نفسي بكلام أمّي وأصرُف فكرة الخروج وحدي للتفتيش عن أبي فلم أستطع .. حين جنّ الليل تظاهرت بالنوم حتى لا أزيد في انشغال أمّي بي ،وتحيّنت فرصة دخولها إلى المطبخ فتسربلتُ بجمّازة كانت وضعتها قُربي وفتحت الباب دون إحداث ضجيج وتسللت مسرعا نحو الداموس عسى أن أهتدي إلى مكانه أو أظفر بمن يدلّني على الحضيرة التي يعمل فيها ) كان وهو يسير في الداموس ـ بعد عثوره على مصباح كربون ربما تركه صاحبه فأوقده هوّ ليضئ به ما حوله ـ دقيقَ الوصف لما يتوَفر داخله من أنفاق واطئة ربما كانت رؤوس العمال تصطدم بها ومن تفرّعات لها كأنها متاهات ومن طمّي في معابرها ومن عربات تحمل المادة المستخرجة وتتراءى كأنها أشباح عن بُعد ومن أخشاب مغروسة عمودِيًا على جانبَي كل نفق وقد أحْكمتْ فوقها أخشاب في وضع أفُقي للحيلولة دون سقوط الكتل الحجرية والترابية من سطح الكهف على من هم وما هوّ تحته . يقدّم هذا الوصف للمشاهد المختلفة تعريفا لِما يوجد داخل الداموس المنجَمي ليتسنّى للقراء المراهقين معرفة ذلك خصوصا عندما يكونون من المتواجدين في مناطق بعيدة عن الربوع المنجمية وقد أوْرده نور الدين بن بوبكر على لسان بطل قصته حسّان ليُثبت أنّ أطفال المناجم يعرفون ما يوجد في خباياها لأنّ آباءهم قد حدّثوهم عنها بإسهاب ووصفوها لهم .ويندرج هذا في سياق الإشارة المعرفيةconnectivité التي يجب أن يوَفرها سارد القصة أو الرواية لقرّاء عمله لأنّ الأحداث وحدها لا تكفي لوَضع المتلقي في الإطار المناسب الذي يبحث عنه . عندما شعر حسّان بالتعب والجوع والعطش أسند جسمه إلى عمود خشبي وأغمض عينيه طلبًا للراحة وبعد فتحهما سمع حفيف أجنحة وصوتا مُرْعبا يسأله عن اسمه وماذا يفعل في هذا المكان فأعلمه بأن اسمه حسّان وقد جاء إلى هذا المكان بحثا عن أبيه . وظنّ أن مخاطبه روحا من الأرواح الشريرة التي تُخيف العمال عندما يكونون فُرادى في هذا المكان ، وحاول إن يرى مصدر الصوت فلم يظهر أمامه إلا خفّاش صغير ، وعندما سأل المتكلم عن ماهيته أعلمه بأنه حارس المكان الذي استنفذ الآدميون كنزه الفسفاطي .وبعد تشنّج وظهور في شكل مرعب ومخيف تأكد حارس الكنز من أن الطفل لم يأت لغرض يقلقه وأنه برئ في ما جاء لأجله فتمثل إليه في هيئة مطمئنة واقترح عليه أن يمتطيَ ظهره للتحليق به نحو عوالم ساحرة في عهود سحيقة سالفة . اعتلي حسان ظهر الخفاش الذي عبر به الزمن وعاد إلى الماضي ليُطلعه كيف كان هذا المكان قبل أن يصله بنو جلده .. قبل حسّان العرض وانطلق التحليق فرأى الولد مكانا شاسعا ومدهشا يغمر البحرُ أغلب أنحائه.. كلّ شيء ضخم.. نباتاته كثّة.. حيواناته عظيمة .. شجره باسق.. آجامه كثيفة .طيوره كبيرة تكاد تغطي السماء بتحليقها ..لم تكن هناك مدن ولا بنايات ..ثمّة شاطئ نظيف يُغري بالسباحة لولا وجود حيوانات عملاقة ومخيفة بالقرب منه..
إنها حكاية مشهد لم تبدأ مع اكتشاف الفسفاط بل تعود إلى مائة مليون سنة خلت عندما كانت الديناصورات تعيش على سطح هذا الكوكب .. رأى حسّان أنواعا كثيرة منها عاشبة ولاحمة قبل أن تنقرض منذ ما يزيد عن ستين مليون سنة عندما اصطدمت الأرض بنيزك كبير صار بعده المناخ أكثر برودة .. كما لاحظ الطفل التيروصونات زواحف طائرة عاشت على هذه الأرض وقد كانت تتغذى على الأسماك قبل أن تنقرض بسبب ازدياد النشاط البركاني الذي أفناها .
وفي مكان آخر رأى التيرونوصورات وهي سحليات عملاقة أضخم من الدينصورات آكلة اللحوم ..واستنتج الولد أنّ ما أطّلع عليه إنما هو عالم غريب لا مكان فيه للضعفاء.، وعرف من الخفّاش أن الفسفاط يتكوّن من رواسب بحرية نشأت من تراكم مخلفات الطيور البحرية التي رآها أمامه ومن بقايا الأسماك والمواد العضوية الأخرى.
وفي الانتقال من العصر الجوراسى الطباشيري ( علْما بأن العصر الجوراسي يمتد من 201 مليون سنة إلى 145 مليون سنة ويعقبه العصر الطباشيري من 145 مليون سنة إلى 65,5 مليون سنة "1") إلى العصر الحجري الحديث ( وهو ينقسم إلى حقبتيْن أولاهما ما قبل الفخار من 10200 إلى 6400 سنة ق م وثانيتهما مع ظهور الفخار من6400 إلى 5000سنة ق م ومن مميزاتها اكتشاف الزراعة وتدجين الحيوانات وتطوير الأدوات الحجرية وتطويع الفخّار للاستعمال البشري والاستقرار وإنشاء القرى وبداية استغلال المعادن وتطوير النظام الغذائي).وهذا العصر الممطر المأهول بالناس نمتْ فيه الزراعات وعلتْ الأشجار الباسقة المثمرة برعاية غارسيها وقد تشابكت فروعها وأُثقلتْ بالغلال طعاما لبني البشر وترامت الحقول وانتشرت الأزهار العطِرة خلال الحضارة القبسية ( التي ظهرت بين 10.000 و6.000 سنة ق م ، أي في آخر العصر الحجري القديم وفي العصر الحجري الوسيط وفي العصر الحجري الحديث، في تونس وفي الجزائر وفي المغرب).وقد أنشِئتْ فيها إنجازات عظيمة تتناسب وضروريات البشر في ذلك الزمن .
بعد الرحلة المشوّقة والساحرة عاد الخفاش بحسّان إلى المكان الذي انطلق منه في المنجم فسلك الطفل الممرّات بين الأنفاق للخروج من الداموس فتم العثور عليه من طرف العم خليل وأبيه إذْ انقلبت ألأدوار، فبينما كان الولد يبحث عن أبيه أصبح الأب يبحث عن ابنه ..وتبيّن أن غياب الوالد مصطفى تلك الليلة كان ناجما عن تصدّع الجبل الذي انجَرّ عنه انهيار أحد الأنفاق فحالَ ما سقط منه دون تمكن العمال من الخروج فبقوْا عالقين هناك إلى أن فُتحتْ لهم فُرجات للخروج .
يعود حسان وأبوه إلى البيت فتفرح الأم خديجة بتلك العوْدة ، وخلال مغادرة الداموس والوصول إلى البيت هناك حوار مثير بين الولد ووالده لا أريد الكشف عن محتواه كما لا أريد الكشف عمّا حدث بعد ذلك الرجوع السعيد لأحرّض اليافعين وحتى من هم أصغر أو أكبر منهم على قراءة هذه القصة المشوّقة والمثيرة .
لذلك استنتجت مما قرأته أن نور الدين بن بوبكر قد ضرب عَشرَ طيور بحجر واحد فأمسك بها تباعا في قصة " حسان وحارس الكنز "
ـ الطائر الأول : القصة كُتِبت لليافعين إلاّ أنه من المناسب قراءتها من طرفهم ومن طرف الأطفال ما بين التاسعة والأربع عشرة سنة بكلّ بُسر وكذلك الشبّان والكهول وحتى الشيوخ من الجنسيْن .
ـ الطائر الثاني :اختار الكاتب أن يكون الطفل الوافد على مدينة الرديُف بعد حصول والده على عمل في منجمها ليؤكد أنّ مدينته غير منغلقة على سكُانها الأصليين بل هيّ مفتوحة لاستقبال واحتضان القادمين إليها من خارجها للاستقرار فيها ومعاملتهم بنفس الطّرق والأساليب التي تُعامِل بها بنو تربتها عكس ما يشعر به النازحون إلى المدن الكبرى التي تتجاهلهم وتشعرهم بأنهم غرباء عنها حتى عندما يعيشون فيها نصف قرن .
ـ الطائر الثالث : يكشف المؤلف عن سرعة التواصل بالصداقة وحسن الجوار بين الأسُر المنجمية رغم اختلاف انتماءاتهم العرقية وتعدّد مساقط رؤوسهم ، ويبرز ذلك من خلال صِلة التقارب المتين بين أسرة مصطفى وأسرة خليل التي امتدت إلى ابنهما حسان وابنتهما سحر.
ـ الطائر الرابع :لم يُثِر الكاتب شجون الأتعاب والمخاطر الناجمة عن ضراوة العمل المنجمي لأنه كان على يقين من أن الكتابة لمن هم دون سنّ الكبار لا يجوز أن تتسبّب في وجع الرؤوس والنقمة على ما هو موجود .
الطائر الخامس: تتبيّن المدينة المنجمية هادئة بما يدور فيها ومتدثّرة بأسمارها المنعشة التي تُروَى فيها الحكايات وتدُور فيها كؤوس الشاي على السّمار وفي ذلك انتصار للتفاؤل على التشاؤم وللتحدّي على اليأس رغم قسوَة مستلزمات العيش .
الطائر السادس : بناء القصة على قاعدتيْن مختلفيْن ولكنهما متآلفتيْن إذ ارتكزت لوْحاتها الست ألأولى على الإحاطة ببعض ما يحدث في المدينة المنجمية في وقتها الحاضر وتوَجّهتْ سبع لوحات باقية إلى مشاهدات في العصور الخوالي التي أفضت حِقبها الزمنية المتواترة إلى تكوّن مادة الفسفاط من طيور وأسماكها وحيتانها وحيواناتها الضخمة.
ـ الطائر السابع : التعريج على اهتمام سكّان هذه الربوع بالزراعة وغرس الأشجار وتطويع الفجار والأحجار والمعادن وترويض الحيوانات في عصر الحضارة الكبسية التي شملت نواحي تونس والجزائر والمغرب ، مع الإشارة إلى أنّ ذلك الاخضرار وتلك المزروعات و الغراسات قد اختفت وتركت الفضاء المنجمي أرضا جرداء جافة تتناثر أغبرة فسفاطها في الفضاء محدثة أرجال ضباب تحجب صفاء السماء ويصحّ فيها كلام المفكر والمصلح الاجتماعي الكبير الطاهر الحداد الذي وصف منطقة المتلوي المنجمية عندما زارها في ديسمبر 1924 صحبة النقيب محمد علي الحامي مؤسس جامعة عموم العمال، فقال عنها :
في مَهْمَهٍ مُغْبَّرّةٌ أرْجاؤُهُ
كَأنَّ لَوْنَ أرْضِهِ سَمَــاؤُهُ
الطائر الثامن : لم يعُد حسّان يُفكّر في العوْدة إلى مسقط رأسه المتميّز بالاخضرار والأزهار العطرة والهدوء والسكينة لأنه ألِف الحياة في المدينة المنجمية التي شدّته إليها أشياء كثيرة مُرَغّبة في الإقامة فيها وبذلك استطاع نور الدين بن بوبكر أن يقول إنّ أرضه الفسفاطية لا تترك لمَن يقصدها للإقامة فيها مجالا للتفكير في ما تركه وراءه وكأنه يريد إن يضيف شرطا يدعو إلى الالتفات إليها بتوفير المرافق الضرورية لحياة المقيمين فيها وعدم التأخر عن تنميتها لإبرازها في مظهر يليق بظروف الإقامة فيها .
الطائر التاسع : قدّم الكاتب معلومات علمية وجيولوجية من شأنها أن تحرّض القارئ على فتح الكتب أو مواقع التواصل الاجتماعي لمزيد التعمّق في معرفتها وفي ذلك توسيع لاطلاعه المعرفي .
الطائر العاشر : أعطى صاحب القصة أوصافا دقيقة ومُسْهبة لِما يوجد داخل الداموس من أنفاق ووسائل عمل ومعابر ضيقة ومُبللة بالطمي وسطوح كهوف واطئة وظلمة مخيفة وهواء خانق يتسبب في ضِيق التنفس وعربات صغيرة مملوءة بالمادة المنجمية المستخرجة وأشياء أخرى يطول سردها وفي ذلك سعْي إلى وضع القارئ في إطار حقيقي لما هو معروض للإطلاع عليه وكأنه ـ السادر ـ يريد أن يقول إن المعايشة الحقيقية للشيء أبلغ في وصفها ممّا تعرضه لقطات الكاميرا أحيانا .
ما تبقت ملاحظته من طرفي تنكشف في ما يلي :
1 ) إنّ وضع النص المذكور تحت يافطة " قصة " يثير سؤالا يقول إنّ القصة تنقسم إلى صنفيْن فإحداهما قصيرة وأخرتاهما طويلة .. وإذا اقتنعنا بأنّ القصة الطويلة تطرح ما لا يمكن أنْ تسرده القصة القصيرة من أحداث يطول حكْيُها فإننا نصِرّ على أن هيكلها ينحرف عن هيكل الأولى (فحجم القصَّة القصيرةِ وإشكال التلقي حصره النقاد حصرا زمنيا محددا غالبا في ساعة من القراءة تزيد أو تنقص قليلاـ كما يقول الناقد محمد عزام ) وما كتبه نور الدين بن بوبكر لا يمكن إنهاء قراءته المستعجلة في أقلّ من ساعتين ونصف الساعة فكيف إذا كانت القراءة متأنّية؟
ويضيف محمد عزام القول ( إنّ النقاد إصطلحوا على تسميّة القصة الطويلة بالرواية عندما تعددت أجزاؤها ...) لذلك يمكن اعتبارها كتبه بن بوبكر قصة طويلة .. فلماذا لم يدرج نصّه تحت هذه التعريفة ؟
أنه معذور على ذلك لأنّ الأثر قد تمّت المشاركة به في مسابقة مطصفى عزوز للقصة في تونس وفاز فيها بالجائزة ( هكذا سمّتها لجنة المسابقة ولم توَضّح أهي القصة القصيرة أو الطويلة.
وكان من الممكن أيضا أن يضع المؤلف نصّه في إطار الرواية لأنّ له جزءًا ثانيًا يحمل عنوان ( عفوا أيها الجبل ) وقد فاز بجائزة كتارا.
وخارج أيّة تسمِيّة تظل ( حسان وحارس الكنز) عملا متميّزا يسحقّ القراءة الناقدة والعاشقة والمتأملة إذ جاءت فكرته موَزعة بين سردية الواقعية التشخيصية التي تشي بها الواقعية الطبيعية ـ وهي التي ركّزت مشاهدها وتحركاتها على ما حدث وشُوهد في الرديف مدينة ومنجَمًا بأمانة وصفية وتصويرية لا يتسرّب إليها شكّ أو خيال ـ وسردية واقعية سحرية تتراءى فيها مخلوقات ساحرة ولكنها ليست عجيبة لأنها حقيقية وقد كان لها وجود على كوكب الأرض منذ عشرات الملايين من الأعوام ، ذلك أن هناك فرق كبير بين السحري والعجائبي أو الغرائبي فالأول حقيقي ولكنه قد خرق العادة لاختفائه وندرته اللتيْن أحاطتاه بهالة من الإبهار والثاني بارز بهيئات وأشكال غريبة لا يمكن تُظِهر مخلوقة في أحسن تقويم كالغول ذي القرون والعفريت ذي السبعة رؤوس والبيضة التي تتراءى في حجم جبل والحذاء الذي يطير بصاحبه ،وقد ظهرت كلها في قصص موجهة للأطفال بالخصوص واقتبس من مرْويّاتها كتّاب وواضعو قصص وسيناريوات سينمائية بصِيَغ تتماشى وتقنيات أعمالهم وهي مشروعة لتطوير وتنويع حطاباتهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" المعلومات التاريخية والجيولوجبة والعلمية مستقاة من الموقع الفايسبوكي الذي يحمل عنوان (الأحقاب الزمنية حسب السلم الستراتيغرافي) من منتدى الدراسة نت
ا