أنفقت في ألمانيا أربع سنوات إلا شهرين ونصف الشهر. أقلعت إليها من مطار اللد في نهاية أيلول 1987، وأقلعت منها، من مطار فرانكفورت، في منتصف تموز تقريبا، وقد عدت منها، من المانيا بشهادة دكتوراه وبما لا يقل عن مائة وخمسين كتابا، وبعشرين الف مارك تساوي الآن عشرة آلاف يورو، وفوق هذا كله بلغة جديدة أجدتها نطقاً، فقد أديت امتحان الدكتوراه فيها، وقراءة، فأحياناً أقرأ بعض الدراسات بالالمانية، وقد أكتب، إذا اضطررت بها. كان هذا مند عشرين عاما، ومنذ عشرين عاماً أعيش، أحياناً كثيرة، على ذكريات السنوات الاربع التي أنفقتها هناك. هل كنت، أحياناً، مصطفى سعيد آخر؟ ومصطفى سعيد، لمن لا يعرف، هو بطل رواية الطيب صالح “موسم الهجرة الى الشمال” ذائعة الصيت، ولم أكن أقلده حين أنجزت أولى رواياتي. وأنا في ألمانيا واصلت ممارسة عاداتي فيما يخص الكتاب، في الأشهر الأولى لم أكن أجيد الألمانية، فقد كنت أتعلمها، وقد عانيت في ذلك الكثير كنت في الضفة أدرس العربية، وفي ألمانيا غدوت طالب صف أول ابتدائي، وأنا في الثالثة والثلاثين، ومثلي عشرون طبيباً ومهندساً، بدأنا نتعلم أبجديات اللغة الألمانية، وكم كان ذلك قاسيا!
الأشهر الستة الأولى، من بداية تشرين أول 1987 حتى نهاية آذار 1988، أنفقتها في معهد غوته. أذهب يوميا لأحضر حصص اللغة، وفي المساء أحل واجباتي، وفي نهايات الاسبوع قد نتجول في شوارع (فرايبورغ) أو يأخذنا المعهد رحلة الى الغابة السوداء أو الى مصنع للنبيذ او الى مدينة قريبة، وما زلت أذكر رحلة (برلين) في شباط 1988، قبل أن ينهدم السور. هل كان عليّ في تلك الأيام ان أشتري كتبا بالألمانية غير كتب تعلم اللغة؟ لم أكن أجيد الألمانية لأقرأ بها، فكيف أشتري كتباً أدبية لـ (برتولد بريخت) ولـ (كافكا)؟ ولكن كيف أقاوم ما أراه على رصيف مكتبات بيع الكتب؟ البروشورات اللامعة الأنيقة التي تفتح الشهية للقراءة، تعرف بهذا الأديب أو ذاك، البروشورات هذه كانت تدفعني دفعاً للدخول الى المكتبة وتصفح كتب (بريخت) و(كافكا). كيف أرى الكتب ولا اشتريها؟ وسيسخر مني أحد معارفي قائلا: ما زال الوقت مبكراً، وحين تتقن اللغة تشتري ما تريد. وما زلت أذكر كتاب (كافكا) “رسالة الى أبي” وما زلت أذكر كتاب (بريخت) “قصص السيد كونير”. أراد استاذ اللغة السيد (شيفر) أن يساعد في الامتحان الشفوي، ولما عرف أنني أدرس الأدب اقترح عليّ أن أختار نصاً أدبياً، وهذا ما كان وبدلاً من أن أفهم النص بسهولة حدث العكس، فالضمائر والدلالات الرمزية لقصص السيد (كونير) عقدت الأمر والامتحان ولم تسهله.
في ألمانيا كنت أزور المكتبات وأشتري من الكتب ما أريد، وما زالت هذه بحوزتي وعليها تواريخ اقتنائي لها، واحياناً ايصالات ثمنها، هل سرقت بعضها؟ ولكني لم أكن أزور المكتبات فقط، فقد كنت أنظر في بسطات الكتب على الرصيف؟ صباح كل سبت كنت أقطع الجسر الواصل بين المدينة القديمة في (بامبرغ) والمدينة الجديدة - طبعا الجديدة نسبياً، فقد شهدت المدينة صراعاً بين رجال الدين (الكنيسة) والطبقة البرجوازية الصاعدة، واختلفت الفئتان، في صراعهما، حول مكان مبنى البلدية، ثم وجدا حلا وسطا، فبني مبنى البلدية على النهر وعلى الجسر، صباح السبت، سبت أول الشهر، إن لم تخني الذاكرة، كانت الاشياء القديمة تعرض. الاشياء القديمة بالألمانية تعني (ألت ساخ) (altesache)-الكلمة التي لها رواج لدينا، وتحديداً في بعض مدننا، ويبدو أن اليهود القادمين من ألمانيا كانوا السبب في إشاعتها. ومن بين الاشياء القديمة: الملابس، والأواني، والأثاث، كان للكتب نصيب، وأذكر أني اشتريت مجموعتين قصصيتين لمجموعة كتاب ألمان من مكان بيع الـ(ألت ساخ). مجموعة قصص عن الحرب تحت عنوان “قصص زمننا” ومجموعة “قصص حديثة”. وأنا أنظر في التاريخ وجدته 3/9/1988. أتذكر الأجواء الآن: جو ماطر، وصباح برودته تلسع. والكتاب الواحد بماركين فقط-أي بيورو الآن، والكتاب عموماً صغير الحجم.
وستستوقفني بسطات الكتب هناك كثيراً. بسطات الكتب في الجامعة، وبسطات الكتب في مداخل بعض البنايات. في الجامعة يبيع بعض الطلاب كتبهم التي درسوا فيها بأسعار زهيدة-هل هذه العادة موجودة في جامعاتنا؟ لا أدري- وغالباً ما تكون في حالة جيدة يفيد الطلاب زملاءهم ويستفيدون ايضاً. ومن هذه البسطات اشتريت بعض الكتب. يكون سعر الكتاب أربعين ماركا فأشتريه بعشرة ماركات. ما زلت أحتفظ بكتاب: مدخل الى الأدب الألماني. لقد اشتريته من بسطة كتب جامعة (تونبغن). كنت زرت هذه الجامعة في آذار ونيسان من العام 1990 لأفيد من مكتبتها، وهناك تعرفت الى طلاب عرب وطالبات ألمانيات، كانت إحداهن تعد رسالة الدكتوراه وتعمل في مكتبة الجامعة. وفي (توبنغن) اشتريت بعض الكتب المهمة أيضاً. غير أن أهم كتاباً اشتريته هو كتاب “أفكار وموتيفات في الأدب” للسيدين (هيرست س. وانجويد (يمرش)، وقد أفدت منه، في دراساتي التي أنجزتها بعد عودتي، كثيراً. كنت اشتريت الكتاب من بسطة كتب تقع في مدخل عمارة. حين أتذكر مكتبة الجعبة في رام الله، أيام ما قبل (أوسلو)، أتذكر مدخل البناية الذي اشتريت منه كتاب (هيرست وديمرش). الكتاب منشور بالانجليزية وبالألمانية. اقتنيت أولاً النسخة الانجليزية، ولما رأيت النسخة الالمانية اشتريتها، ويا لحماقتي أعطيت-أو بعت-لم أعد أذكر-النسخة الانجليزية الى أحد الطلاب العرب الذين درسوا الأدب الانجليزي في ألمانيا، ولا أدري ان كان أفاد منها، فلم أعد أعرف عن نشاطه العلمي شيئاً. ولعله مثل كثيرين درسوا في البلدان الاوروبية ثم لم ينجزوا شيئاً يذكر بعد حصولهم على الشهادات العليا منها.
حين أتذكر النسخة الانجليزية-المكتوبة بالانجليزية-أشعر بالندم لأنني فرطت فيها، فقد كان يمكن ان يفيد منها طلابي في الدراسات العليا، حين يريدون ان يكتبوا أبحاثا او رسائل، فهم يعرفون الانجليزية ولو معرفة بسيطة لكن ماذا يمكن أن يفيدوا من النسخة الألمانية التي أملكها.
عدا بسطات الكتب هذه، هناك في المانيا مكتبات متخصصة ببيع كتب تعتبر مستعملة، علماً بأنها ليست كذلك، وتباع هذه بأسعار زهيدة أيضاً. قد يكون هناك خلل طفيف في نسخة الكتاب. قد تكون هناك طبعة حديثة لافتة، قد يعاني الكتاب من الكساد وعدم الرواج وقد.. وقد.. وقد؟؟ ومن هذه اشتريت بعض الكتب. وأحيانا أتذكر هذه المكتبات حين أمر بمكتبات مدننا. ترى الكتاب في مكتبات مدننا رثا بائسا لفحته الريح وضربته الشمس وانتفخ، ومع ذلك يصر صاحب المكتبة على بيعه بالسعر الحقيقي للكتاب.
سأتذكر بسطات الكتب في المانيا، وأنا أقرأ مقالي “بسطات الكتب” منشوراً، ولسوف أمد يدي إلى بعض الكتب التي اشتريتها من بسطات الكتب في ألمانيا: سأقارن وسأتذكر، وسأتذكر أشياء حميمة أخرى، وسأقول: صباح الخير يا (توبنغن).
بعيداً عن السياق: فبركة نجوان درويش
في احتفالية فلسطين للأدب، في ربيع هذا العام، أصغيت الى قراءات أدبية لأدباء عرب وأجانب، ولأدباء فلسطينيين، أصغيت لأهداف سويف ولسعاد العامري ولنجوان درويش. كانت الأجواء رومانسية، ففي حمام الشفاء في نابلس قرأت سعاد وآخرون، وفي أحد القصور المرممة في بيت وزن قرأ نجوان وآخرون. قرأ نجوان قصيدة نشرت في الشهر الماضي في أيام الثقافة، وهي قصيدة “فبركة” إن لم تخني الذاكرة. لم تدرج القصيدة في كتاب الاحتفالية، وقررت أن أحتفظ بها في صفحة أيام الثقافة، ولا أدري ما الذي حدث ففرطت بنسخة الجريدة. وللحقيقة فقد استمتعت وأنا أصغي الى نجوان يقرأها أكثر من استمتاعي وأنا أقرأها منشورة. هذا وارد وممكن، فالشعر ايقاع وطريقة الانشاد تضفي على القصيدة بريقا قد لا يبدو لنا ونحن نقرأها؟ فبركة.. فبركة.. فبركة.. كل شيء مفبرك. وعد بلفور فبركة. قيام دولة إسرائيل فبركة. أوسلو فبركة. انتفاضة الأقصى فبركة. سخرية لاذعة لا شك تفوح بين أسطر القصيدة. وربما تذكرت قصيدة محمود درويش في رثاء إميل حبيبي وقد ظهرت في الديوان الأخير: لا أريد لهذي القصيدة ان تنتهي. يورد درويش في نهايتها عبارة إميل حبيبي الساخرة: “سينما.. سينما” هل كل ما مررنا به مفبرك؟ وهل كل ما يجري أفلام سينمائية؟ يقول مثلنا الشعبي: شر البلية ما يضحك.
صباح الاربعاء الماضي يخبرني أحد إخوتي في الساعة السابعة صباحاً، أن جيش الدفاع الاسرائيلي كان منتصف الليلة في دارنا، وقد اعتقل ابني أخي. هل كان أخي يمزح؟ لقد ذهبت تلك الليلة الى الفراش في الحادية عشرة، بعد مشاهدة مسلسل “الجماعة”، ويبدو أنني غططت في نوم عميق فلم أصح. ولقد جنبني إشكال الايقاظ مدخل شقتي، فأنا لا أشترك مع إخوتي في مدخل شققهم، وإلا لكان أبناء العمومة أيقظوني وأجلسوني مع بقية أفراد العائلة.
طوال النهار وأنا أصغي الى من أعرف يتحدث عن اعتقال الشقيقين، وأحدهما سائق ولا أظن أن له نشاطاً سياسياً او عسكرياً إطلاقاً. هل صدقت اعتقاله؟ ستلح قصيدة نجوان درويش عليّ، وسأكرر: فبركة.. فبركة، وسأتذكر عبارة إميل حبيبي: سينما.. سينما.
عادل الأسطة
2010-12-05
الأشهر الستة الأولى، من بداية تشرين أول 1987 حتى نهاية آذار 1988، أنفقتها في معهد غوته. أذهب يوميا لأحضر حصص اللغة، وفي المساء أحل واجباتي، وفي نهايات الاسبوع قد نتجول في شوارع (فرايبورغ) أو يأخذنا المعهد رحلة الى الغابة السوداء أو الى مصنع للنبيذ او الى مدينة قريبة، وما زلت أذكر رحلة (برلين) في شباط 1988، قبل أن ينهدم السور. هل كان عليّ في تلك الأيام ان أشتري كتبا بالألمانية غير كتب تعلم اللغة؟ لم أكن أجيد الألمانية لأقرأ بها، فكيف أشتري كتباً أدبية لـ (برتولد بريخت) ولـ (كافكا)؟ ولكن كيف أقاوم ما أراه على رصيف مكتبات بيع الكتب؟ البروشورات اللامعة الأنيقة التي تفتح الشهية للقراءة، تعرف بهذا الأديب أو ذاك، البروشورات هذه كانت تدفعني دفعاً للدخول الى المكتبة وتصفح كتب (بريخت) و(كافكا). كيف أرى الكتب ولا اشتريها؟ وسيسخر مني أحد معارفي قائلا: ما زال الوقت مبكراً، وحين تتقن اللغة تشتري ما تريد. وما زلت أذكر كتاب (كافكا) “رسالة الى أبي” وما زلت أذكر كتاب (بريخت) “قصص السيد كونير”. أراد استاذ اللغة السيد (شيفر) أن يساعد في الامتحان الشفوي، ولما عرف أنني أدرس الأدب اقترح عليّ أن أختار نصاً أدبياً، وهذا ما كان وبدلاً من أن أفهم النص بسهولة حدث العكس، فالضمائر والدلالات الرمزية لقصص السيد (كونير) عقدت الأمر والامتحان ولم تسهله.
في ألمانيا كنت أزور المكتبات وأشتري من الكتب ما أريد، وما زالت هذه بحوزتي وعليها تواريخ اقتنائي لها، واحياناً ايصالات ثمنها، هل سرقت بعضها؟ ولكني لم أكن أزور المكتبات فقط، فقد كنت أنظر في بسطات الكتب على الرصيف؟ صباح كل سبت كنت أقطع الجسر الواصل بين المدينة القديمة في (بامبرغ) والمدينة الجديدة - طبعا الجديدة نسبياً، فقد شهدت المدينة صراعاً بين رجال الدين (الكنيسة) والطبقة البرجوازية الصاعدة، واختلفت الفئتان، في صراعهما، حول مكان مبنى البلدية، ثم وجدا حلا وسطا، فبني مبنى البلدية على النهر وعلى الجسر، صباح السبت، سبت أول الشهر، إن لم تخني الذاكرة، كانت الاشياء القديمة تعرض. الاشياء القديمة بالألمانية تعني (ألت ساخ) (altesache)-الكلمة التي لها رواج لدينا، وتحديداً في بعض مدننا، ويبدو أن اليهود القادمين من ألمانيا كانوا السبب في إشاعتها. ومن بين الاشياء القديمة: الملابس، والأواني، والأثاث، كان للكتب نصيب، وأذكر أني اشتريت مجموعتين قصصيتين لمجموعة كتاب ألمان من مكان بيع الـ(ألت ساخ). مجموعة قصص عن الحرب تحت عنوان “قصص زمننا” ومجموعة “قصص حديثة”. وأنا أنظر في التاريخ وجدته 3/9/1988. أتذكر الأجواء الآن: جو ماطر، وصباح برودته تلسع. والكتاب الواحد بماركين فقط-أي بيورو الآن، والكتاب عموماً صغير الحجم.
وستستوقفني بسطات الكتب هناك كثيراً. بسطات الكتب في الجامعة، وبسطات الكتب في مداخل بعض البنايات. في الجامعة يبيع بعض الطلاب كتبهم التي درسوا فيها بأسعار زهيدة-هل هذه العادة موجودة في جامعاتنا؟ لا أدري- وغالباً ما تكون في حالة جيدة يفيد الطلاب زملاءهم ويستفيدون ايضاً. ومن هذه البسطات اشتريت بعض الكتب. يكون سعر الكتاب أربعين ماركا فأشتريه بعشرة ماركات. ما زلت أحتفظ بكتاب: مدخل الى الأدب الألماني. لقد اشتريته من بسطة كتب جامعة (تونبغن). كنت زرت هذه الجامعة في آذار ونيسان من العام 1990 لأفيد من مكتبتها، وهناك تعرفت الى طلاب عرب وطالبات ألمانيات، كانت إحداهن تعد رسالة الدكتوراه وتعمل في مكتبة الجامعة. وفي (توبنغن) اشتريت بعض الكتب المهمة أيضاً. غير أن أهم كتاباً اشتريته هو كتاب “أفكار وموتيفات في الأدب” للسيدين (هيرست س. وانجويد (يمرش)، وقد أفدت منه، في دراساتي التي أنجزتها بعد عودتي، كثيراً. كنت اشتريت الكتاب من بسطة كتب تقع في مدخل عمارة. حين أتذكر مكتبة الجعبة في رام الله، أيام ما قبل (أوسلو)، أتذكر مدخل البناية الذي اشتريت منه كتاب (هيرست وديمرش). الكتاب منشور بالانجليزية وبالألمانية. اقتنيت أولاً النسخة الانجليزية، ولما رأيت النسخة الالمانية اشتريتها، ويا لحماقتي أعطيت-أو بعت-لم أعد أذكر-النسخة الانجليزية الى أحد الطلاب العرب الذين درسوا الأدب الانجليزي في ألمانيا، ولا أدري ان كان أفاد منها، فلم أعد أعرف عن نشاطه العلمي شيئاً. ولعله مثل كثيرين درسوا في البلدان الاوروبية ثم لم ينجزوا شيئاً يذكر بعد حصولهم على الشهادات العليا منها.
حين أتذكر النسخة الانجليزية-المكتوبة بالانجليزية-أشعر بالندم لأنني فرطت فيها، فقد كان يمكن ان يفيد منها طلابي في الدراسات العليا، حين يريدون ان يكتبوا أبحاثا او رسائل، فهم يعرفون الانجليزية ولو معرفة بسيطة لكن ماذا يمكن أن يفيدوا من النسخة الألمانية التي أملكها.
عدا بسطات الكتب هذه، هناك في المانيا مكتبات متخصصة ببيع كتب تعتبر مستعملة، علماً بأنها ليست كذلك، وتباع هذه بأسعار زهيدة أيضاً. قد يكون هناك خلل طفيف في نسخة الكتاب. قد تكون هناك طبعة حديثة لافتة، قد يعاني الكتاب من الكساد وعدم الرواج وقد.. وقد.. وقد؟؟ ومن هذه اشتريت بعض الكتب. وأحيانا أتذكر هذه المكتبات حين أمر بمكتبات مدننا. ترى الكتاب في مكتبات مدننا رثا بائسا لفحته الريح وضربته الشمس وانتفخ، ومع ذلك يصر صاحب المكتبة على بيعه بالسعر الحقيقي للكتاب.
سأتذكر بسطات الكتب في المانيا، وأنا أقرأ مقالي “بسطات الكتب” منشوراً، ولسوف أمد يدي إلى بعض الكتب التي اشتريتها من بسطات الكتب في ألمانيا: سأقارن وسأتذكر، وسأتذكر أشياء حميمة أخرى، وسأقول: صباح الخير يا (توبنغن).
بعيداً عن السياق: فبركة نجوان درويش
في احتفالية فلسطين للأدب، في ربيع هذا العام، أصغيت الى قراءات أدبية لأدباء عرب وأجانب، ولأدباء فلسطينيين، أصغيت لأهداف سويف ولسعاد العامري ولنجوان درويش. كانت الأجواء رومانسية، ففي حمام الشفاء في نابلس قرأت سعاد وآخرون، وفي أحد القصور المرممة في بيت وزن قرأ نجوان وآخرون. قرأ نجوان قصيدة نشرت في الشهر الماضي في أيام الثقافة، وهي قصيدة “فبركة” إن لم تخني الذاكرة. لم تدرج القصيدة في كتاب الاحتفالية، وقررت أن أحتفظ بها في صفحة أيام الثقافة، ولا أدري ما الذي حدث ففرطت بنسخة الجريدة. وللحقيقة فقد استمتعت وأنا أصغي الى نجوان يقرأها أكثر من استمتاعي وأنا أقرأها منشورة. هذا وارد وممكن، فالشعر ايقاع وطريقة الانشاد تضفي على القصيدة بريقا قد لا يبدو لنا ونحن نقرأها؟ فبركة.. فبركة.. فبركة.. كل شيء مفبرك. وعد بلفور فبركة. قيام دولة إسرائيل فبركة. أوسلو فبركة. انتفاضة الأقصى فبركة. سخرية لاذعة لا شك تفوح بين أسطر القصيدة. وربما تذكرت قصيدة محمود درويش في رثاء إميل حبيبي وقد ظهرت في الديوان الأخير: لا أريد لهذي القصيدة ان تنتهي. يورد درويش في نهايتها عبارة إميل حبيبي الساخرة: “سينما.. سينما” هل كل ما مررنا به مفبرك؟ وهل كل ما يجري أفلام سينمائية؟ يقول مثلنا الشعبي: شر البلية ما يضحك.
صباح الاربعاء الماضي يخبرني أحد إخوتي في الساعة السابعة صباحاً، أن جيش الدفاع الاسرائيلي كان منتصف الليلة في دارنا، وقد اعتقل ابني أخي. هل كان أخي يمزح؟ لقد ذهبت تلك الليلة الى الفراش في الحادية عشرة، بعد مشاهدة مسلسل “الجماعة”، ويبدو أنني غططت في نوم عميق فلم أصح. ولقد جنبني إشكال الايقاظ مدخل شقتي، فأنا لا أشترك مع إخوتي في مدخل شققهم، وإلا لكان أبناء العمومة أيقظوني وأجلسوني مع بقية أفراد العائلة.
طوال النهار وأنا أصغي الى من أعرف يتحدث عن اعتقال الشقيقين، وأحدهما سائق ولا أظن أن له نشاطاً سياسياً او عسكرياً إطلاقاً. هل صدقت اعتقاله؟ ستلح قصيدة نجوان درويش عليّ، وسأكرر: فبركة.. فبركة، وسأتذكر عبارة إميل حبيبي: سينما.. سينما.
عادل الأسطة
2010-12-05