الطب الروحاني غير الطب البشري الجسماني، إذ إن الأول يعمد إلى تطبيب الروح أو التطبيب الجسماني بغير الوسائل والأسباب المادية المعروفة في الطب البشري.
ونستطيع القطع بأن الطب البشري هو ذلك الطب التجريبي التطبيقي المدروس المقيد بجرعات علاجية معروفة محفوظة مرهونة بشرائط وخصائص دوائية دقيقة فارماكولوجية حساسة مثل الحقن والأقراص وغيرها.
أما الطب الروحاني فهو الذي يعمد الى الروحانيات مثل الآيات القرآنية، والأدعية النبوية الماثورة، والتعوذات وغيرها من صدقة أو صلاة أو صيام.
يتطلب الطب البشري من الطبيب أن يكون حاذقاً ماهراً قارئاً محيطاً بعلم التطبيب والتداوي، ولابد أن يكون خبيراً أيضاً بفن الممارسة، وتقييم الظروف فلكل حالة ظروفها وتقديرها الخاص.
ولكن الطب الروحاني يقتضي من المعالجين شرائط روحية تناسبه مثل التطهر والنسك والتحرز من أوضار النجاسات .. قبل ذلك كله لابد أن يكون قائماً بالتوحيد الخالص بنوعيه من توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية فلا ينفصل أحدهما عن الآخر، مع براءة المعالج من لونات التدني ونزاهته من الفساد والضلال والزيغ والالحاد.
ولا يسوغ عاقل أن يكون هناك طبيب روحي على غير تلك القيم الأخلاقية من الطهر والنقاء.
------------------- [][][]
الروح كما ذكر القاضي أبو يعلي هو جسم، وهو الروح أي الريح التي تتردد في مخاريق البدن، ومحلها كل جزء فيه حياة، ولا تختص بجزء من دون جزء وليست النفس هي الروح وليست بجوهر ولا عرض.
قال علماؤنا : إن الرَّوح والرُّوح والرِيح
من أصل لغوي واحد، فالمادة واحدة قد
انضوت تحتها معان كثيرة شتى متقاربة
من بعضها البعض.
يقال للنفخ روح، لأنه ريح يخرج عن
الروح.
والروح في القرآن على ثمانية أوجه أو على ثمانية معان :
(۱) روح الحيوان .. في قوله تعالى : {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} الحجر - الآية ٢٩، وص - الآية ٧٢
(۲) جبريل عليه السلام .. في قوله تعالى : {نـزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ} الشعراء - الآية ۱۹۳.
(۳) الوحي .. كما ورد في سورة النحل -
الآية ٢ : {يُنَزِّلُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} .
(٤) ملك عظيم .. كما جاء في قوله تعالى : {ويَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} النبا - الآية ٣٨.
(٥) الريح .. التي تكون في النفخ، كما في
قوله ﷻ : {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} التحريم : الآية ۱۲.. وهذه هي نفخة جبريل في درعها.
(٦) الرحمة .. لقوله تعالى : {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ}المجادلة - الآية ٢٢ .. فروح الله عنها يعني رحمته.
(٧) الحياة .. في قوله تعالى : {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} الواقعة - الآية ٨٩.
(۸) الأمر .. من قوله تعالى : { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} النساء - الآية ١٧٠.
------------------- [][][]
خالق الأسباب والمسببات واحد أحد قيوم، وهو خالق المقدمات والنتائج. وقدرته غير المحدودة غير مقيدة بهذه الأسباب المخلوقة، فقد تكون الأسباب موصولة بالنتائج، وقد تتخطى القدرة على هذه الأسباب بطلاقتها فلا تتقيد بها، ولا تخضع لقاموس الطبيعة وما ينضوي تحته من ضوابط مادية محدودة.
وفي القرآن الكريم شفاء للصدور المعلولة، والقلوب المريضة، والطبائع المكدودة
المعتلة، قال تعالى : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}الاسراء - الآية ٨٢ ..
وقال أيضا : {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} فصلت - الآية ٤٤ .
لذلك فإن شفاء القرآن ليس مطلقاً، ولكنه مقيد مخصوص مشروط بالايمان والاخلاص فيه، وتجريد التوحيد وموافقة السنة في القول والفعل.
ثم إن ايراد كلمة «شفاء» نكرة وليست معرفة، حتى تشيع المدلول الموضوع لكلمة الشفاء على جميع الأمراض العضوية والنفسية كافة بغير استثناء، وليست «من» بعضية كما يتوهم واهم أو يزعم زاعم ولكنها جنسية.
إن الدليل العملي الصادق على فاعلية العلاج الرباني الروحاني هو ذلك الدواء الذي عولج به نبي الله أيوب - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - فإن الله تعالى اذا أراد شيئاً لم يمنعه شيء وكل مقدور انما يدور في اطار إجالته وتصريفه ولا يمكن أن يند أو يخرج مقدور عن قدر الله.
قال تعالى : {وأيّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ الأنبياء - الآية .. ٨٣ ٨٤.
استعمل أيوب سلاح الدعاء، وهو سلاح حاد مشحون مطرود قاطع، فقد قال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر - الآية ٦٠ .
من ثم لم يجد أيوب مفراً ولا محيصاً ولا مناصاً عن الرجوع اليه سبحانه وتعالى لكشف ما نابه ضر، وما عراه من سقم ووجع فتوجه اليه بالضراعة، ليرفع هذا البلاء المطبق.
قال تعالى : {قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ} الفرقان - الآية 77 .. والدعاء هنا يفسره أكثر العلماء بأنه الإيمان، أي إنه لولا ايمانكم ما كان ربكم ليعبأ بكم.
ثم إن سيدنا يونس بن متى - على نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام - وقع في محظور الابتلاءات العنيفة حيث وقع في ظلمات ثلاث اعتورته وتظاهرت عليه وهي ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، فلما رأى الأسباب مشلولة : عاجزة تماماً حيث إن طوق النجاة مفقود تماماً، وان أية بارقة مادية أمر عسير، لكنه بمشكاة النبوة، وبصيرة المؤمن، ويقين المخبت الخاشع أدرك أن مفتاح النجاة قريب منه، بل جد كثيب على الرغم من امتناع الأسباب .. وتابي الظروف والأحوال، ان المفتاح هو الدعاء، والذي هو مخ العبادة.
بيد أن يونس - عليه السلام - أدرك وعرف أنه دعاء مخصوص هو الذي يدفع عنه هذا البلاء، وينتاشه من كرب هذه المحنة المحدقة، والنائبة النازلة، وهو كلمة التوحيد وهي «لا إله إلا الله» ، فدعا لهِجاً مُلحاً مُلحناً : {لَا إِلهَ إلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنَّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنبياء - الآية ٨٧.
وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين.
لذلك فإننا نقطع ونكاد نجزم بأن طلاقة القدرة وتعدي الأسباب وتخطي المسببات خير دليل وادق برهان على فعالية وتأثير الجانب الروحي ولئن كان الجانب المادي مرهوناً وموقوفا على الأسباب مباشرة، فإن الروحيات غير مرهونة ولا موقوفة على ذلك ولا غيره.
من ذلك أيضا دعوة سيدنا زكريا - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام - عندما عاش من عمره ردحاً طويلاً من الزمان من غیر انجاب، فتوجه بقلبه إلى الله سبحانه وتعالى ضارعاً داعياً : {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} الأنبياء - الآية ۸۹ .. وكان سبب توجه زكريا بهذا الدعاء عندما رأى مريم عليها السلام يأتيها رزقها رغداً بكرة وعشيا من غير حول منها ولا قوة، فلما سألها عنه قالت : {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} آل عمران آية ۳۷.
إن حاجة الإنسان للتداوي بالطب الروحاني لا تقل أهمية ولا تقل حيوية عن التداوي بالطب البشري العملي المادي التطبيقي المدروس في الجامعة.
ثم إن حسن الظن بالله وصدق التوجه اليه والطاعة المطلقة لأوامره والانتهاء عن نواهيه مما يحدو بالانسان أن يكون مرضياً عنه في الآخرين.
إن التوكل عليه سبحانه وتعالى هو سبب كل خير، كما أن البعد عنه، وعن سواء المحجة فيه كل خسران وفساد وشقاء قال الرسول عليه الصلاة والسلام : «ادعو الله وأنتم موقنون بالاجابة» وبهذه الطرق يمكن علاج المصروع والمحسود والمسحور والمربوط عن زوجته.
والى مقال قريب لبسط البحث في هذا الموضوع إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تكملة المقال فى التعليقات
اللهم تقبل من أبى
صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين
ونستطيع القطع بأن الطب البشري هو ذلك الطب التجريبي التطبيقي المدروس المقيد بجرعات علاجية معروفة محفوظة مرهونة بشرائط وخصائص دوائية دقيقة فارماكولوجية حساسة مثل الحقن والأقراص وغيرها.
أما الطب الروحاني فهو الذي يعمد الى الروحانيات مثل الآيات القرآنية، والأدعية النبوية الماثورة، والتعوذات وغيرها من صدقة أو صلاة أو صيام.
يتطلب الطب البشري من الطبيب أن يكون حاذقاً ماهراً قارئاً محيطاً بعلم التطبيب والتداوي، ولابد أن يكون خبيراً أيضاً بفن الممارسة، وتقييم الظروف فلكل حالة ظروفها وتقديرها الخاص.
ولكن الطب الروحاني يقتضي من المعالجين شرائط روحية تناسبه مثل التطهر والنسك والتحرز من أوضار النجاسات .. قبل ذلك كله لابد أن يكون قائماً بالتوحيد الخالص بنوعيه من توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية فلا ينفصل أحدهما عن الآخر، مع براءة المعالج من لونات التدني ونزاهته من الفساد والضلال والزيغ والالحاد.
ولا يسوغ عاقل أن يكون هناك طبيب روحي على غير تلك القيم الأخلاقية من الطهر والنقاء.
------------------- [][][]
الروح كما ذكر القاضي أبو يعلي هو جسم، وهو الروح أي الريح التي تتردد في مخاريق البدن، ومحلها كل جزء فيه حياة، ولا تختص بجزء من دون جزء وليست النفس هي الروح وليست بجوهر ولا عرض.
قال علماؤنا : إن الرَّوح والرُّوح والرِيح
من أصل لغوي واحد، فالمادة واحدة قد
انضوت تحتها معان كثيرة شتى متقاربة
من بعضها البعض.
يقال للنفخ روح، لأنه ريح يخرج عن
الروح.
والروح في القرآن على ثمانية أوجه أو على ثمانية معان :
(۱) روح الحيوان .. في قوله تعالى : {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} الحجر - الآية ٢٩، وص - الآية ٧٢
(۲) جبريل عليه السلام .. في قوله تعالى : {نـزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ} الشعراء - الآية ۱۹۳.
(۳) الوحي .. كما ورد في سورة النحل -
الآية ٢ : {يُنَزِّلُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ} .
(٤) ملك عظيم .. كما جاء في قوله تعالى : {ويَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} النبا - الآية ٣٨.
(٥) الريح .. التي تكون في النفخ، كما في
قوله ﷻ : {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} التحريم : الآية ۱۲.. وهذه هي نفخة جبريل في درعها.
(٦) الرحمة .. لقوله تعالى : {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ}المجادلة - الآية ٢٢ .. فروح الله عنها يعني رحمته.
(٧) الحياة .. في قوله تعالى : {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} الواقعة - الآية ٨٩.
(۸) الأمر .. من قوله تعالى : { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} النساء - الآية ١٧٠.
------------------- [][][]
خالق الأسباب والمسببات واحد أحد قيوم، وهو خالق المقدمات والنتائج. وقدرته غير المحدودة غير مقيدة بهذه الأسباب المخلوقة، فقد تكون الأسباب موصولة بالنتائج، وقد تتخطى القدرة على هذه الأسباب بطلاقتها فلا تتقيد بها، ولا تخضع لقاموس الطبيعة وما ينضوي تحته من ضوابط مادية محدودة.
وفي القرآن الكريم شفاء للصدور المعلولة، والقلوب المريضة، والطبائع المكدودة
المعتلة، قال تعالى : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}الاسراء - الآية ٨٢ ..
وقال أيضا : {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} فصلت - الآية ٤٤ .
لذلك فإن شفاء القرآن ليس مطلقاً، ولكنه مقيد مخصوص مشروط بالايمان والاخلاص فيه، وتجريد التوحيد وموافقة السنة في القول والفعل.
ثم إن ايراد كلمة «شفاء» نكرة وليست معرفة، حتى تشيع المدلول الموضوع لكلمة الشفاء على جميع الأمراض العضوية والنفسية كافة بغير استثناء، وليست «من» بعضية كما يتوهم واهم أو يزعم زاعم ولكنها جنسية.
إن الدليل العملي الصادق على فاعلية العلاج الرباني الروحاني هو ذلك الدواء الذي عولج به نبي الله أيوب - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام - فإن الله تعالى اذا أراد شيئاً لم يمنعه شيء وكل مقدور انما يدور في اطار إجالته وتصريفه ولا يمكن أن يند أو يخرج مقدور عن قدر الله.
قال تعالى : {وأيّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ الأنبياء - الآية .. ٨٣ ٨٤.
استعمل أيوب سلاح الدعاء، وهو سلاح حاد مشحون مطرود قاطع، فقد قال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر - الآية ٦٠ .
من ثم لم يجد أيوب مفراً ولا محيصاً ولا مناصاً عن الرجوع اليه سبحانه وتعالى لكشف ما نابه ضر، وما عراه من سقم ووجع فتوجه اليه بالضراعة، ليرفع هذا البلاء المطبق.
قال تعالى : {قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ} الفرقان - الآية 77 .. والدعاء هنا يفسره أكثر العلماء بأنه الإيمان، أي إنه لولا ايمانكم ما كان ربكم ليعبأ بكم.
ثم إن سيدنا يونس بن متى - على نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام - وقع في محظور الابتلاءات العنيفة حيث وقع في ظلمات ثلاث اعتورته وتظاهرت عليه وهي ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، فلما رأى الأسباب مشلولة : عاجزة تماماً حيث إن طوق النجاة مفقود تماماً، وان أية بارقة مادية أمر عسير، لكنه بمشكاة النبوة، وبصيرة المؤمن، ويقين المخبت الخاشع أدرك أن مفتاح النجاة قريب منه، بل جد كثيب على الرغم من امتناع الأسباب .. وتابي الظروف والأحوال، ان المفتاح هو الدعاء، والذي هو مخ العبادة.
بيد أن يونس - عليه السلام - أدرك وعرف أنه دعاء مخصوص هو الذي يدفع عنه هذا البلاء، وينتاشه من كرب هذه المحنة المحدقة، والنائبة النازلة، وهو كلمة التوحيد وهي «لا إله إلا الله» ، فدعا لهِجاً مُلحاً مُلحناً : {لَا إِلهَ إلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنَّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} الأنبياء - الآية ٨٧.
وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين.
لذلك فإننا نقطع ونكاد نجزم بأن طلاقة القدرة وتعدي الأسباب وتخطي المسببات خير دليل وادق برهان على فعالية وتأثير الجانب الروحي ولئن كان الجانب المادي مرهوناً وموقوفا على الأسباب مباشرة، فإن الروحيات غير مرهونة ولا موقوفة على ذلك ولا غيره.
من ذلك أيضا دعوة سيدنا زكريا - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام - عندما عاش من عمره ردحاً طويلاً من الزمان من غیر انجاب، فتوجه بقلبه إلى الله سبحانه وتعالى ضارعاً داعياً : {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} الأنبياء - الآية ۸۹ .. وكان سبب توجه زكريا بهذا الدعاء عندما رأى مريم عليها السلام يأتيها رزقها رغداً بكرة وعشيا من غير حول منها ولا قوة، فلما سألها عنه قالت : {هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} آل عمران آية ۳۷.
إن حاجة الإنسان للتداوي بالطب الروحاني لا تقل أهمية ولا تقل حيوية عن التداوي بالطب البشري العملي المادي التطبيقي المدروس في الجامعة.
ثم إن حسن الظن بالله وصدق التوجه اليه والطاعة المطلقة لأوامره والانتهاء عن نواهيه مما يحدو بالانسان أن يكون مرضياً عنه في الآخرين.
إن التوكل عليه سبحانه وتعالى هو سبب كل خير، كما أن البعد عنه، وعن سواء المحجة فيه كل خسران وفساد وشقاء قال الرسول عليه الصلاة والسلام : «ادعو الله وأنتم موقنون بالاجابة» وبهذه الطرق يمكن علاج المصروع والمحسود والمسحور والمربوط عن زوجته.
والى مقال قريب لبسط البحث في هذا الموضوع إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تكملة المقال فى التعليقات
اللهم تقبل من أبى