د. فالح نصيف الكيلاني - ملامح التجديد في الشعر العربي الحديث (1)

(1)

المقصود بالشعر العربي الحديث هو الشعر الذي كتب في العصر الحديث. وصفة (الحداثة) يُقصد بها الإطار الزمني المتسم بمعالم الحياة الحد يثة وميزاتها عن الأزمنة السابقة التي قيل فيها هذا الشعر . ويمثل بالوقت الحاضر الحلقة ما قبل الاخيرة من سلسلة زمنية قيل فيها هذا الشعر (المعاصرة – العصر الحديث – عصر النهضة – عصر الركود – العصر العباسي الثاني- العصرالعباسي الاول – العصر الأموي – صدر الإسلام – والعصر الجاهلي).
وقد اعتمد مؤرخو الأدب العربي على تصنيف الشعر العربي بحسب الفترات الزمنية المواكبة للعهود الزمنية السياسية للدول الحاكمة كل حسب وقتها وربما صنف ايضا حسب الأمصار التي قيل فيها هذا الشعر.
وقد اعتدنا ان نرى في الشعر الحديث تصنيفين اساسيين هما: الشعر القديم والمقصود به كل شعرعربي كتب قبل عصرالنهضة العربية الحديثة وربما قصد به بعضهم كل شعر كتب على نمط الشعر القديم حتى لو كان حديثا وهذا اراه تجاوزا على كثير من الشعراء الذين لايزالون يكتبون الشعرالتقليدي او الشعر العمودي وهو ما اسموه الشعرالتقليدي او( التقييدي) عند البعض الاخر لانهم يعتبرونه مقيد بالوزن والقافية كما يسمى بالشعر العمودي نسبة إلى نوعية كتابة هذا الشعر باستخدام الشطر والعجز في التنظيم النمطي لكتابته.
والشعر الحديث يقصد به كل شعر عربي كتب بعد النهضة العربية. وهو يختلف عن الشعر القديم في أساليبه وفي مضامينه، وفي بنياته الفنية، والموسيقية، وفي أغراضه وموضوعاته وفي كثير من أنواعه المستجدة والمستحدثة . ويشمل جميع قصائد الشعر والدواوين التي قيلت في العصر الحديث فهي شعر حديث بدءًا من أول قصيدة كُتِبَت قبيل الحملة الفرنسية على مصر بأقلام الشعراء الرواد الأوائل – وهم روا د النهضة العربية وعلى راسهم الشاعر محمود سامي البارودي وقبله ناصيف اليازجي وابنه ابراهيم القائل:
تَنَبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا أيُّهَا العَـرَبُ
فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ
فِيمَ التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال تَخْدَعُـكُم
وَأَنْتُـمُ بَيْنَ رَاحَاتِ القَنَـا سُلـبُ
اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا المَنَـامُ فَقَـدْ
شَكَاكُمُ المَهْدُ وَاشْتَاقَتْـكُمُ التُّـرَبُ
كَمْ تُظْلَمُونَ وَلَسْتُمْ تَشْتَكُونَ وَكَمْ
تُسْتَغْضَبُونَ فَلا يَبْدُو لَكُمْ غَضَـبُ
وانتهاءً بآخر قصيدة كتبها او يكتبها شاعر في الوقت الحاضر -راجع كتابي (شعراء النهضة العربية) .
ويمكنني ان اصنف الشعر العربي الحديث الى مجموعة من التصانيف كما موجودة في حالتها الحالية والمنكتوب بها هذا الشعر: وهي الشعر العمودي او التقليدي والشعرالحر او شعر التفعيلة او الشعرالمرسل واخيرا قصيدة النثر وهي اخر ما توصل اليه بعض الشعراء ويكتبون به الشعر .
ولكن هذه التقاسيم او التصنيفات لا تعني شيئا بالنسبة للشعر وكينونته وقد اثارت نزاعات واتهامات متبادلة بين الشعراء انفسهم وكذلك بين النقاد ومؤرخي الشعر لكن الأهم من كل هذا و ذا ك هو ايجاد الخصائص الفنية والموضوعات المختلفة للنصوص الشعرية وابتكار الاصلح والاسمى .
ان كثيرا مما كتبه الشعراء في هذا العصر والذي قبله كان على غير منهاج الشعر التقليدي او الكلاسيكي واقصد به الشعر الحر او شعرالتفعيلة وقد ظهر في الأدب العربي في النصف الأول من القرن العشرين، على يد امين الريحاني وصلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب و نازك الملائكة وشعراء المهجرمن الشعراء العرب في عدد من بلدان أوروبا وامريكا التي قصدوها للاستقرار فيها، وخاصة إيطاليا وفرنسا وبريطانيا ثم الولايات الأميركية والبرازيل . وكان من أبرزهذه الاختلافات التي أثارها هذا الاتجاه هو ما اثاروه حول الأصالة والحداثة على مدى عقود . فابتداءا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحتى الان يتجاذب الادباء والشعراء والنقاد ومؤرخو الادب العربي الاتهامات حول الأصالة والحداثة ثم اضيفت تجاذبات أخرى بينهم حول التقليدية والحداثة والمعاصرة .
وفي رايي الخاص ان هذه الامور هي التي اعاقت الشعرالعربي من التطور والالتحاق بالشعرالعالمي وهذا ما تؤكده أرقام مبيعات كتب الشعر التي صدرت خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى ضعف مستوى النتاج الشعري لدى كثير من الشعراء وتكاثر أدعياء الشعر وظهورأعداد كبيرة من الكتب الدواوين المطبوعة ذات قيمة فنية هابطة محسوبة على الشعر وهي لا تعني شيئا منه .
وحالة اخرى ارى انها اضعفت من نتاج الشعر العربي هو التقدم العلمي وانصراف الناشئة والطلبة وخريجي الجامعات إلى متابعة العلوم الحديثة في ظل الحركة الاقتصادية الهامة واتجاههم الى سوق العمل طلبا للمعاش وبما يحقق لهم مستوى معاشي افضل فأدى هذا الى بعض جمود في أفق الشعراء، وإلى إضعاف تأثير التجارب القليلة الجيدة التي لا يمكن إنكار ظهورها في حركة الشعر والثقافة العربية ككل .
ومراحل تطور الشعر العربي هو أنّ الشعر القديم يختلفُ في بعض جوانبه عن الشعر في الوقت الحاضر، وأهمّ ما يميّز الشعر القديم حِرصهِ على الوزن والقافية ونظم البيت على الصدر والعَجز، وكان كل شعر لا يتم نظمه على الوزن والقافية لا يعتبرُ شِعراً بل يعتبرونه نثرا أو فصاحة فِي العصر الحديث، فالشعر القديم يؤخذ عليه انه يعتبرونه رافدا من روافد الامتاعِ والمؤانسة والنفعِ الحسي ينقل مشاعر الشاعر ويعتبرُ مصدرَ طرب لدى العرب ويدعو إلى التحلّي بالأخلاقِ الكريمة والفضائل القيمة والنفورِ منَ الصفات السيئة غير الحميدة .
ظهور الشعرالحر على ايدي رواده الذين يعتبرون مِن أهمّ شعراءِ الحداثة لأنّهُم جمعوا بينَ الثقافة العربيّة الكلاسيكيّة والحداثة وربما المعاصرة ايضا . ووجد النقاد الذين وضعَوا أساسيّات لشعر التفعلية و شعر قصيدة النثر التي ظهرت حديثا (راجع كتابي: دراسات في الشعرالعربي المعاصر وقصيدة النثر) وهذا الأمر قَد غير مسار بعض قصائد الشعر من القافية والوزن إلى شعر للتفعيلة او الى شعر النثر فأوجد ت انواعا جديدة منه .
وقد تغيّرَ الشعر العربي عمّا كانَ سابقاً ليصبحَ في اغلبه عبارة عن شعر حُر او قصيدة نثر تتجسّد كلماتهُ باستخدامِ مفرداتٍ وكلماتٍ لها مَعنى ومغزى مختلف، وهذا النوع منَ الشعر قد إنتشر انتشارا كبيراً وسريعا في هذا الوقت خاصة في ظل التقنيات الجديدة من وسائل الاعلام والنشر الرخيصة مثل الصحف والمجلات والتلفزة والانترنيت والفيسبك وما اليها وفتح الباب واسعا ليكتب كل من هدب ودب ويصف نفسه شاعرا الا ان هؤلاء لا يخفون عن الادباء من الشعراء والنقاد ويبقى ناكصا مايكتبونه وسيندثرمايقولونه بمرور الزمن فالبقاء للاصلح والافضل وهذه سنة الحياة . .

يتبــــــــــــع

د. فالح نصيف الكيـــــــــلاني
العراق – ديالى – بلـــــدروز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...