تشير (فرجينيا وولف) إلى "إن الرغبة في القراءة، مثل جميع الأشواق التي تحيّر أرواحنا، قادرةٌ على التحليل"، وفي مثل هذا الشغف سعى (البرتو مانغويل) في كتابه (تاريخ القراءة، الساقي 2001) لاكتشاف رغبة القراءة، وتحليلها، والوقوف على مغاليقها، بما يفيد في النهاية، بتأمل هذا النشاط المؤثر عن قرب، ويعمل على إضاءة العلاقة بين الإنسان والكتاب في زمن تعالت فيه دعوات الدخول إلى منعطف القراءة الرقمية، لتغدو قراءتنا نوعاً من الأنشطة المتحفية الغابرة وقد غيبتها طبقات من تحولات القراءة وتغيرات سبلها، فهل يمكن لمثل هذه التصورات أن تتحقق بالفعل، وهل يمكن لمستجدات القراءة الالكترونية أن تزيح أشواقنا إلى الكتاب الورقي إلى الأبد؟
تُعدّ القراءة تاريخاً شخصياً لكلِّ قاريء، فهي، بتصوّر مانغويل، بدايةٌ عمليةٌ لاندماج الانسان في المجتمع، وإذا كان تعلّمها يهيئ السبيل للقاريء للتواصل مع عوالم بعيدة ولانهائية، واقعية ومتخيلة، وهي الخصيصة التي حافظت على دورها في تواصل القراءة في أشدّ ظروف القهر والاستلاب على امتداد التاريخ، مثلما منحت الانسان فرصة مؤثرة للحياة مع الأفكار، فالمرء يقرأ من أجل أن يطرح الأسئلة، كما يقول (كافكا)، لتتسع مجالات القراءة وتنفتح عوالمها عابرةً حدوداً مجازيةً وأخرى واقعية يُستعاد معها سؤال (دينيس ديدرو) الذي طرحه عام 1796 حول مَنْ سيكون السيد، في فاعلية القراءة، الكاتب أم القاريء؟ ليغدو التاريخ الحقيقي للقراءة تاريخاً لكلِّ قاريء، بما يكشف، ضمناً، عن أدوارنا، نحن القراء المجهولين، في تدوين هذا التاريخ وإضاءة وقائعه، فهو المجرى الذي لا يشكل التسلسل الزمني بالنسبة له الأهمية نفسها التي يشكلها للتاريخ السياسي، فالكاتب السومري الذي عُدّت القراءة امتيازاً من بين امتيازاته، كان يدرك مسؤوليته أكثر بكثير مما يفعله القاريء الحالي نظراً لأن كلَّ مادة من المواد القانونية وكلَّ عملية حسابية كانت تعتمد تفسيرات القاريء السومري، لكن الوقوف الفعلي على تاريخ القراءة بمعناه الشامل يتطلّب وقوفاً عند كلٍّ من القارئين، القاريء السومري والقاريء الحالي، بما يقدّمه كلٌّ منهما من أنموذج زمني بمتطلبات حضارية خاصة، فلا يعيّن كلٌّ منهما شكلاً من أشكال القراءة فحسب، بل يكشف قدرة القراءة على الاشارة إلى وظيفتها وهي تتحرّك في تاريخ المعرفة الانسانية.
وإذا تأملنا الدور المؤثر الذي حققته القراءة في تأكيد حرية الانسان، وفهمه لهذه الحرية والإحساس بها، يمكننا أن نثق بدور القراءة وهي تنتقل من عصر إلى عصر من دون أن تغيب أو تتراجع أو تنقطع أمام دعاوى الجهل ومواجهات الظلام، فالكتب بتعبير فولتير "تشتت الجهل، هذا الحارس الأمين والضامن الحريص للدول ذوات الأنظمة البوليسية"، علماً بأن تاريخ القراءة حاشد بالتجارب العظيمة للقرّاء الاستثنائيين، أصحاب الحكمة ورموزها في كلِّ عصر، وهي التجارب التي تقف مضيئةً أمام لحظات الارتكاس التي طالما مثّلتها تجارب حرق الكتب، من اللفائف الأولى حتى اليوم، وهذه التقابلات تكشف أهمية ما تؤديه القراءة من أدوار ومهمات.
تُعدّ القراءة تاريخاً شخصياً لكلِّ قاريء، فهي، بتصوّر مانغويل، بدايةٌ عمليةٌ لاندماج الانسان في المجتمع، وإذا كان تعلّمها يهيئ السبيل للقاريء للتواصل مع عوالم بعيدة ولانهائية، واقعية ومتخيلة، وهي الخصيصة التي حافظت على دورها في تواصل القراءة في أشدّ ظروف القهر والاستلاب على امتداد التاريخ، مثلما منحت الانسان فرصة مؤثرة للحياة مع الأفكار، فالمرء يقرأ من أجل أن يطرح الأسئلة، كما يقول (كافكا)، لتتسع مجالات القراءة وتنفتح عوالمها عابرةً حدوداً مجازيةً وأخرى واقعية يُستعاد معها سؤال (دينيس ديدرو) الذي طرحه عام 1796 حول مَنْ سيكون السيد، في فاعلية القراءة، الكاتب أم القاريء؟ ليغدو التاريخ الحقيقي للقراءة تاريخاً لكلِّ قاريء، بما يكشف، ضمناً، عن أدوارنا، نحن القراء المجهولين، في تدوين هذا التاريخ وإضاءة وقائعه، فهو المجرى الذي لا يشكل التسلسل الزمني بالنسبة له الأهمية نفسها التي يشكلها للتاريخ السياسي، فالكاتب السومري الذي عُدّت القراءة امتيازاً من بين امتيازاته، كان يدرك مسؤوليته أكثر بكثير مما يفعله القاريء الحالي نظراً لأن كلَّ مادة من المواد القانونية وكلَّ عملية حسابية كانت تعتمد تفسيرات القاريء السومري، لكن الوقوف الفعلي على تاريخ القراءة بمعناه الشامل يتطلّب وقوفاً عند كلٍّ من القارئين، القاريء السومري والقاريء الحالي، بما يقدّمه كلٌّ منهما من أنموذج زمني بمتطلبات حضارية خاصة، فلا يعيّن كلٌّ منهما شكلاً من أشكال القراءة فحسب، بل يكشف قدرة القراءة على الاشارة إلى وظيفتها وهي تتحرّك في تاريخ المعرفة الانسانية.
وإذا تأملنا الدور المؤثر الذي حققته القراءة في تأكيد حرية الانسان، وفهمه لهذه الحرية والإحساس بها، يمكننا أن نثق بدور القراءة وهي تنتقل من عصر إلى عصر من دون أن تغيب أو تتراجع أو تنقطع أمام دعاوى الجهل ومواجهات الظلام، فالكتب بتعبير فولتير "تشتت الجهل، هذا الحارس الأمين والضامن الحريص للدول ذوات الأنظمة البوليسية"، علماً بأن تاريخ القراءة حاشد بالتجارب العظيمة للقرّاء الاستثنائيين، أصحاب الحكمة ورموزها في كلِّ عصر، وهي التجارب التي تقف مضيئةً أمام لحظات الارتكاس التي طالما مثّلتها تجارب حرق الكتب، من اللفائف الأولى حتى اليوم، وهذه التقابلات تكشف أهمية ما تؤديه القراءة من أدوار ومهمات.