د. فالح الحجية الكيلاني. - أسس بناء القصيدة العربية المعاصرة

مما لاشك فيه أن بناء القصيدة العربية المعاصرة من موجبات الحداثة الشعرية إذ توحي إلى تعزيز وتأسيس وعي جديد هذه التجربة لدى الشاعر والناقد على حد سواء إذ أن بنية القصيدة العربية المعاصرة تؤكد لنا أنها القصيدة التي يبرز فيها الإنسان في الشاعر، وموضوعاتها مستمدة فيما يخص الشاعر ذاته وتتضح فيها حالتان أولاهما : ظاهرة والأخرى مضمرة . ونجد في الحالة الظاهرة البينة الواضحة للشاعر والمتلقي والناقد في سيرة لشخصية الشاعر ونستشف من الحالة الثانية غير الواضحة الدلالة أو المضمرة كل العلاقات والدلالات التي يتوخاها الشاعر دون أن يصرح بها، والوصول إلى ذلك هو الأهم في قراءة هذه القصيدة، كما يتبين أيضا أن بنية القصيدة المعاصرة المتكاملة تتميز بالبناء الدرامي الذي يقوم على التعبير بالشخوص الواضحة أو المقنعة او شبه الرمزية وبالحدث والصراع، وقد هذب هذا البناء العناصر الغنائية التي لا بد من حضورها في بنية القصيدة بصفتها إحدى العناصر الشعرية التي لا بد منها، فغد ت بعيدة عن التقرير والمباشرة والنغمية التي لا تستهدف سوى نفسها وتسيء الى النمو العضوي ومفهوم التكامل في بنية القصيدة المعاصرة. . . والقصيدة المتكاملة تكمن في كونها إحدى مظاهر التجديد بل أهمها ،وهي متصلة بالتراث تتعامل معه من منظار جد لية الحداثة الشعرية، فتستمد منه شخوصها وأقنعتها وبعض أحداثها، لكن الشاعر لايعيد صياغتها، كما جاءت في القصيدة الشعرية القديمة، وإنما يستعير حركة او موقفاً أو حدثاً مناسباً ويحاول بواسطة الإسقاط الفني أن يوظف ما استعاره توظيفاً ينسجم مع المعاصرة الشعرية وفنيتها ،ولذلك تبدو القصيدة المتكاملة أشبه بحالة او بمركبة يتداخل فيها الماضي بالحاضر وتتلاقى فيها الأصالة والمعاصرة الإيجابية والسلبية ، والذات والموضوع للتعبير عن تجربة معاصرة إيجابية . .
.
إن القصيدة المتكاملة تعبير بالتراث عن المعاصرة وبالماضي عن الحاضر. وتكون العلاقة بين الشاعر وتراثه علاقة صميمية جدلية، يتبادل فيها الشاعر والتراث، التأثر والتأثير وان مفهوم الحداثة غير متناقض مع مفهوم التراث . فالحداثة تكون حتما من التراث ، وهي تنبثق منه كانبثاق الغصن من الساق و انبثاق الساق من الجذور ر وكذلك التجديد فالتجديد الشعري ذو ثلاثة أطوار متلازمة متفاعلة هي: - موهبة الشاعر -المؤثرات الخارجية المساعدة - المكونات التراثية وان التأثر سمة إنسانية مشروعة تشترك فيها الشعوب وهي لا تعني النقل عن الآخر وإنما تعني المعرفة والاطلاع وبذلك سيفضي الى الإبداع والأصالة حيث كان للمدارس الأدبية المختلفة ولبعض الشعراء الغربيين تأثير في بنية القصيدة العربية الحديثة، فالرومانسية ساهمت في إحياء النزعة الغنائية،واتساع مدياتها واستلهام جمالية الطبيعة وسحرها ونسجها من خلال الكلام والشعور والخيال إلى شعر جميل وساحر . والرمزية ساهمت في تعميق الإحساس الداخلي واستخدام الإسقاط الفني في الأغلب وأضيف ان الرمزية في الشعر العربي غير مكتسبة إنما هي نابعة من تراثنا الشعري واستحدثت تبعا للتطور والتجديد وحاجة الإلهام الشعري إليها ،وأما السريالية فقد عمقت غنائية اللغة والصورة الشعرية والموضوع وحرية الكشف والتعبير. وتجلت التأثيرات الكلية العميقة بالانتقال في بنية اسس القصيدة من وحدة البيت الى الشكل العام ، ومن الذاتية الى الموضوعية، ومن الغنائية الى الدرامية، ضمن المكونات الغربية في بنية القصيدة العربية المعاصرة، وأهمها ثلاثة: المكون الأسطوري والمكون التاريخي والمكون الأدبي. كما نرى أن القصيدة - استفادت في بنيتها وشكلها العضوي من القصيدة شكلا ومضمونا - والنقد الأوروبيين اللذين كان لهما دور مباشر في توجيه بعض شعرائنا إلى الاستفادة من تراثنا والالتفات الى التراث الغربي بأسـاطيره وأشكاله الفنية للتعبير عن تجارب معاصرة وهذا سبب من أسباب الغموض في القصيدة المتكاملة ،وهو في الوقت ذاته سبب من أسباب ثرائها وتعدد اصواتها ودلالاتها. وتطورها نحو الأفضل.
. أما الموضوعات الغنائية، وأولها غنائية التعبير في بنية القصيدة المتكاملة فقد لقِّحت بالعناصر الدرامية لتخاطب الأحاسيس والعقل معاً وتمتزج فيها الذات بالموضوع ويتعادل التعبير والإحساس وتغدو اللغة والصورة والإيقاع أدوات موظفة جديدة ثابتة وان القصيدة المتكاملة كانت نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأ ت على مجتمعنا منذ منتصف القرن العشرين ،فالمجتمع الاستهلاكي افرز موضوعات افتراضية الموت والاغتراب كما انها ناجمة عن جهود الشعراء المتواصلة منذ بدايات القرن العشرين للنهوض بالقصيدة المعاصرة. لاحظ بدر شاكر السياب يقول: في كلِّ قطرةٍ من المطرْ حمراء أو صفراءَ من أجنةِ الزَهَرْ و كُلُّ دمعةٍ من الجياعِ و العُراةْ و كلُّ قطرةِ تُراقُ من دمِ العبيدْ فهي ابتسامٌ في انتظار مَبْسِمٍ جديدْ أو حلْمةٌ تَوَرَّدتْ في فم الوليدْ في عالمِ الغدِ الفتيِّ , واهبِ الحياةْ ! كما ان بنية القناع في القصيدة العربية المعاصرة، و مجالات استخدامه ومصادره، فهو وسيلة درامية للتخفيف من حدة الغنائية والمباشرة وهو تقنية جديدة في الشعر الغنائي لخلق موقف درامي او رمز فني يضفي على صوت الشاعر نبرة موضوعية من خلال شخصية من الشخصيات ، يستعيرها الشاعر من التراث او من الواقع، وقد استعارها بعض الشعراء من الأساطير او الشخوص الدينية او من شخوص التاريخ العربي او من التراث الأدبي كما فعل بعض شعراء الحداثة حين استعاروا أقنعة لوجوه شعراء قدامى كطرفة بن العبد وابي نواس والحلاج وغيرهم. . . .
.
وان هذا الشاعر لابد ان يكون مثقفا ثقافة عالية بالضرورة حيث انها تظهر في شعره واضحة المعالم، فهو يطوف في التاريخ القديم والأساطير والتراث للبحث عن متكأ او مرفعا او وسيلة او موقفا لتحمل افكاره وآرؤه، وان هذه القصيدة ربما تميل إلى الطول فهي في بعض أعمال الشعراء يعتبرها كتاب كامل، لما فيها من أمور متكاملة.ان بعض الشعراء المعاصرين استفادوا من العناصر الدرامية في خلق شخصية غنية معقدة، فاتجهوا إلى التراث بأنواعه يبحرون فيه للتعبير عن تجارب معاصرة، وهذا يؤكد أصالة القصيدة المتكاملة، وسنكتشف ان الشخصيات الدرامية التي ابتدعها هؤلاء الشعراء ذات خلفيات مختلفة، فبعضها من الماضي والآخر من الحاضر وبعضها من الدين او الأدب او الواقع الاجتماعي، وبعض هذه الشخصيات ذات منبت اجتماعي طبقي أو ذات مهن اجتماعية وضيعة ا و ذات هموم معيشية صعبة وهذا ما يثبت ارتباط القصيدة المتكاملة بواقعها الاجتماعي. ان عناصر البناء العام وتكامل القصيدة وهي: الحكاية والحدث وصلاته بالشخصية وسماتها من جهة، وبالحتمية الناجمة عن تكوينها من جهة ثانية مبيناً من خلال الحكاية والحدث الدرامي والصراع والحوار الدرامي وبناء الحدث ان الحكاية تكتسب أهميتها الفنية حين يمتلك الشاعر المقدرة على توظيفها توظيفا معاصراً، وان الحوار الجيد والصراع المتين يؤديان دوراً بارزاً في بناء الحدث ورسم أبعاد الشخصية الدرامية في بناء القصيدة المتكاملة، وان العناصر الغنائية تغتني بالعناصر الدرامية فيتلون الإيقاع والصورة بتلون إحساسات الشخوص ليشكلا الإيقاع والصورة ، كما ان القصيدة المتكاملة تكوّن شبكة من العلاقات التماثلية والسلبية المتفاعلة، فهي ذات أصوات وأبعاد ومستويات ينجم عنها التكافؤ بين الدلالة التراثية والدلالة المعاصرة. .
.
وقد تظهر الخاتمة ونكتشف مدى عمق البحث وأصالته فهو يقف عند بنية القصيدة المتكاملة، يحللها ويدرس جوانبها المختلفة بل ويعيد تعريف جملة من المصطلحات النقدية التي تقربنا من القصيدة الحديثة بل وتقربها منا .ولعل في ذلك جهد يود لو يوضح الحقيقة ويفكك كل تفصيلاتها كي يقيم منارات يهتدي بها الباحثون والمنقبون عن الحداثة وتطوراتها وتجلياتها ، وتؤكد ان اتجاه الشعراء الى التراث الثقافي او المعرفي كي يختارون منه الشخوص والحكايات،هو أشبه بردة الى الماضي للانطلاق منه الى الحاضر فنسمع من خلاله أصواتنا ونرى اونتلمس إحساساتنا ونعي مشكلاتنا، من خلال رؤية معاصرة تقوم بإحياء التراث الماضي وتوظيفه توظيفا ًمعاصراً على نقيض ما كان يفعله شعراء حركة الاحياء في عودتهم الى بعض عناصر التراث. .
.
لقد كان الماضي بالنسبة لأعضاء حركة الإحياء هدفاً لهم يعودون اليه لبيان جمالياته وتقديسه والوقوف عنده متلمسين الأفضل والأسمى. وهكذا تجمع القصيدة المعاصرة المتكاملة الأصالة والحداثة فهي لا تتخلى عن الأصالة بحجة الحداثة ، ولا تتخلى عن الحداثة بحجة التمسك بالتراث كما في الطريقة المثلى في رسم الشخوص والاتجاه نحو التعبير الدرامي وقدرة الشاعر على الإمساك بالخيوط الدرامية والخيوط الشعرية التي تنسج منها حلة القصيدة المعاصرة . إ



أمير البيــــــان العربي د. فالح نصيف الكيلاني العراق - ديالى - بلــــدروز















https://www.facebook.com/groups/152...XGxpBCs3LCOQj5TkKZRU0H8gsCsWQ2Sg&__tn__=<,P-R
[HEADING=2]Mehdi Naqos[/HEADING]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...