من مساوئ القراءة غير العميقة هي ان القارئ ينتظر (الناقد) كي يفسر له ما هو غامضا بالسردية، كما ان الكاتب هو الاخر يتشوق اكثر من القارئ لمعرفة تقييم النقاد لمنجزه الابداعي! وكما قال افلاطون “إن الناقد هو الأب الذي تحتاج إليه الكلمة المكتوبة من أجل حماية نفسها ..لأن النص يساق إلى هؤلاء الذين يفهمونه وأولئك الذين لا يفهمونه”
السهل الممتنع
رواية (الجريدة) للروائي “رياض داخل” الصادرة من دار السرد للطباعة والنشر والتوزيع سنة الاصدار 2021 وتقع في 152 صفحة استخدم فيها الروائي اسلوب التداعي المتصاعد للاحداث وتطور مواقف ومصير الشخصيات، وعلى الرغم من بساطة الاسلوب – كما جاء في المقدمة التي كتبتها الروائية والناقدة التونسية حبيبة محرزي بأنها (راوية بأسلوب سلس لا يتعمد التضخيم اللفظي ولا التراكيب المعقدة) لكنني اجد نفسي امام نص يحتاج الى التفسير بما يحتويه من رمزية في الشخصية وبعض مفاصل السرد الذي طابعه السخرية السوداء ” لا زلت على عادتك القديمة تحارب المرارة بالسخرية”ص16 ، قدرة المؤلف على خلق شخصيات درامية تصلح ان تتحول الرواية الى عمل درامي ناجح ، فشخصية سهير شخصية مليئة بالرمزية وهي تعبر عن (الوطن) بما تملك من جمال وغنى وشخصية قوية تجعل كل الرجال المحيطين بها يتمنون وصالها (يونس رئيس تحرير صفحة دين ودنيا ..لم يكن متدينا ولا فقيها.. هو منافق يتلاعب بمشاعر الناس، معتمدا على قراءات محدودة لبعض الشيوخ المتزمتين وهو يقول ما لايفعل وبشهادة كل من عرفه عن قرب..كان ينصب شراكه ليل نهار للظفر بفائقة الجمال سهير! مازن القراء يرونه إنسانا يدعو إلى التحرر وهو مثقف كوني..لكنه في الواقع، كذاب ومنافق..همه الوحيد جمال سهير وبيتها في المنصور.. حتى البطل(رياض) سائق التكسي على الرغم من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية فهو يمني النفس بالحصول على سهير “كانت جميلة جدا. غزت كياني. دمرت غلافي، أربكت سكينتي. أفاقت غلا عاطفيا شاعريا.لم أجد تفسيرا. عقلي ضاع مني. صورتها اقتحمتني، استبدت بي، كبلتني. وفي لحظة صحوت. عاتبت نفسي أية حماقة تجعلني أعشق امرأة من أول لحظة؟ أهو الحرمان؟ أهو الفراغ والضياع؟ لست أدري..”ص22
محاكاة الايجابية
ad
عناصر الكتابة تأخذ منحى (السيرة الذاتية) لشخصية رياض ، وهناك تشابه بالاسم مع الروائي رياض داخل وهو يملك خبرة كبيرة في مجال السرد كقاص وروائي لذا استخدمت مصطلح (المحاكاة) وليس التقليد ، لأن اجواء رواية الجريدة والشخصيات ورمزية الامرأة في رواية الجريدة جعلتني استرجع رواية (زينب والعرش) للروائي المصري “فتحي غانم” واحداث الرواية تجري في مقر جريدة ، وزينب التي جسدت شخصيتها في الدراما (سهير رمزي) تنتقل بين مجموعة من الرجال تباعا وكلا منهم يدعي حمايتها من دون ان يأخذ رأيها! وتفشل كل علاقاتها مع الرجال لأنهم يريدونها جسديا ولا يهتمون بمعاناتها وهمومها ومشاعرها وهو اشارة الى فشل السلطة بحكم مصر! “المهم يا رياض ستتعب كثيرا مع الوغدين الذين ينتظران الفرصة لالتهام سهير التهاما”ص42 الامكنة في الرواية اشكالية فهناك (المدينة) هكذا يطلق عليها رياض وهو يقصد (مدينة الصدر او مدينة صدام او الثورة) وكرس لها الوصف المتنوع ” كل شيء يمر سريعا في المناطق الفقيرة- وقد نختلف مع الكاتب فالوقت يتوقف او يسير ثقيلا وبطيئا في المناطق الفقيرة- ربما بسبب الطيبين، لكي تمضي الأيام ويمر العمر، قرب مستنقع للمياه الآسنة يقع بيتنا الذي تزين جدرانه الخربة صور فيالق الذئاب أيام الحملات الانتخابية فيصبح برائحة العفن جزاء الرطوبة العالية والوعود الكاذبة”ص15 هذه المنغصات لا يمر فيها الوقت سريعا بينما نقرأ في مقطع آخر كيف يمر الوقت سريعا – حقا- مع رياض وهو يتكلم عن سهير “ما الذي شدني إليها وأنا أول مرة ألتقي بها وأعرف أنها مختلفة عني فكرا وثقافة ومستوى ماديا، وكيف مر الوقت سريعا؟”ص32 وتتابع الامكنة في الظهور لكن لا تأخذ نصيبها الكامل من الوصف كما هو الحال مع (المدينة)
السرد على أرضية الطبقات المسحوقة
حاول الروائي رياض داخل في روايته الجريدة ان يحلل اللحظة التاريخية بكل تناقضتها معتمدا على الصراع الحتمي بين الشخصيات المتقابلة والمتناقضة بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي ، وانتقل بجوهر الصراع الطبقي من الاخرين ضد حبه لسهير الى دواخله مشككا بجدوى تلك العلاقة غير المتوازنة اجتماعيا ناهيك عن الوهم بإن سهير يمكن ان تكسر كل القيود وتجعله حبيبا وحيدا لها وليس صديقا تستغله، ودائما يذكر رياض داخل القارئ بان الفقر هو مهنة العراقي في هذا البلد الغني الذي افقرته السياسة والحروب!
” لم تتبق لي إلا الأحلام، أسافر بها إلى كل العالم فأعشق وأحب وأتيه بين البراري أو أغرق في عباب المحيطات وأجنح بعيدا بعيدا عن واقعي الرث، واقع يفرضه جيب فارغ ومجتمع قاس لا يرحم:ص56 .
الهروب من الواقع
اسلوب التداعي الحر ، جعل شخصية رياض يلجأ الى طابع المذكرات المخضبة بذكرياته عن الحروب في العراق كسبب لمأساته الشخصية والاسرية فقد اخذت الحرب شقيقه من قبل وجعلت علاقة امه به علاقة عاطفية استحواذية مملؤة بالخوف من تكرار الفقدان والحرمان” ناديت على والدتي وبحرج شديد فهي لن تتحمل فراقي لأربعة أيام متتالية وتخاف الوعود، فقد واعدها أخي سيعود ويأتي لها بقطعة قماش هدية لها رغم أنها دبرت له المال للذهاب إلى ساحة الحرب الطاحنة… ذهب أخي إلى معركة نهر جاسم وعاد مقطعا..وإلى الآن وأمي تنتظر أن يعود. لم تصدق أنه بحيويته وضحكاته المجلجلة يحويه صندوق خشبي، ويمنعه من رؤية أمه والى اليوم تنادي (يمه، ما اريد قماش، أريدك ترجع يا حسن، يا حبيبي)… يمه شتريدين \ لا لا يمه لا تعدني، اذهب سالما غانما فأنت في عمل ولست في حرب”ص ص91
ويبدو رحلة رياض مع سهير وبنت شقيقتها الصغيرة (لارسا) خلقت اجواء من الفرح وفرصة لتنشيط حلم رياض في تحقيق المستحيل، نسى الصحفيين (المتدين المزيف والعلماني المدعي) – يونس وبشار- ليكون في احضان الطبيعة بأربيل بعد ان كان متأملا للحضارة في اثار بابل واحسن الروائي استخدم تلك الامكنة لتناول التاريخ وغموض الاثار في قصة اسد بابل ” سعدت جدا بحديثي مع سهير. شكرت الأسد والمنقب الألماني الذي اكتشفه ولم أشكر حمورابي ” ص82 وتحدث عن الاثر الذي تتركه الطبيعة في نفوسنا ” شعرت بسعادة عارمة، خصوصا عندما فتحت الشباك وظهرت لي الجبال الشامخة الجميلة، وملأت رئتي بالهواء النقي، علي ان أنسى الحرارة والضيق ولو لأيام قليلة. على أن أنعم بحياة البذخ والراحة والأنعام”ص97 .
حالة عدم التوافق
حركة الرواية سريعة من البداية يمكن ان نتعرف على كل الشخصيات بوضوح من خلال حدث واحد وفي الجريدة، يلتقط الروائي الموقف ويقوم في بنائه الروائي على أساس شخصية مقابل شخصية لكي يجعل الصراع يحتدم وكان مقطع لقاء رياض مع يونس وبشار بحضور صديقه (باسم) صوت العقل في الرواية كان متقنا ، يقول باسم لرياض قبل اللقاء “رياض، أنا أكثر منك خبرة، نحن أدنى منهما مستوى حسب معاييرهما المبنية على المادة وحدها دون اعتبار لأخلاق أو تربية أو قيم”ص120 وحينما يشتد النقاش وتفشل المساومة بين الطرفين عندما يطلبا يونس وبشار من رياض ترك العمل بالجريدة والرحيل بعيدا عن سهير مقابل مغريات مادية “لقد لعبت لعبة الفقراء الذين يحملون شباكهم لأهل الأصول للظفر بذات المال والجاه ومن ثم ترمي في الشارع بعد أن تنسنزفوا كل ما تملك الضحية، اعرفكم أيها المتسلقون”ص122
النهاية الحزينة والمؤلمة
لم يكن الرفض فقط من يونس وبشار لعلاقة رياض مع سهير بل يكتشف رياض ان وجهة نظر سهير لا تختلف عنهما برفض الارتباط العاطفي به لوجود الفوارق الطبقية، فحينما يفاتحها بحبه تكون اجابتها ” رياض، انت صديقي العزيز جدا ولا أريد أن أخسرك، عليك أن تبقى صديقي، بمعنى أخي لا غير”ص142
ويأتي مشهد جثمان الشهيد في نهاية الرواية وكما تقول الناقدة حبيبة محرزي هو دعوة الى التلاحم ضد العدو الحقيقي (هذا هو العدو الحقيقي الذي يدعو الكاتب الجميع إلى محاربته كي يحافظوا على وطن مهدد بالخراب والفناء) ص12 لنقرأ المشهد كما سجلته عدسة الروائي رياض ” أتت سيارة إسعاف مسرعة لكنها خفضت سرعتها بقربي.. لا أعرف لماذا ربما لتريني مصيبة أو لتهون على مصائبي المتتالية.. قد يكون مصابا في إحدى معارك الدفاع عن سهير أو بغداد. أعادوه جثة إلى بيته”ص149 ونحن لا نذهب الى الاستنتاج الذي ذهبت اليه الناقدة حبيبة محرزي فالصراع مع الارهاب لا يلغ الصراع الطبقي وقد لا تتحقق العدالة الاجتماعية في الانتصار بالحروب ، وجملة رياض الذكية تدل على ذلك (الفقراء وقودا وحطبا يأكله اللهب المستعر) ولا تحل مشكلة الصراع الطبقي بالعواطف وعلاقات الحب العذري فقد لا نتفق مع الكاتب في جعل هذه الجملة نهاية لروايته (والتفت إلى حيث سهير وقلت لها: متى تقبلين الفقراء؟ أنت تحتاجينهم فقط عندما يهجم عليك الذئاب، فتقدمين دمهم قربانا لتحمي مجدك الغابر)ص152 وكأنني اقرأ استغاثة شداد بأبنه الاسود(العبد) عنتر حينما تشتد الحروب فيقول له (كر وانت حر)!! الا اذا سلمنا برمزية سهير بانها (العراق)
الخاتمة
تطور البناء الروائي في رواية الجريدة ودلالة الزمن الروائي واستحداث اشكال تجريبية قد تحقق جزءا منها في رواية رياض داخل (الجريدة) وهي رواية تستحق القراءة.
العراق
www.raialyoum.com
السهل الممتنع
رواية (الجريدة) للروائي “رياض داخل” الصادرة من دار السرد للطباعة والنشر والتوزيع سنة الاصدار 2021 وتقع في 152 صفحة استخدم فيها الروائي اسلوب التداعي المتصاعد للاحداث وتطور مواقف ومصير الشخصيات، وعلى الرغم من بساطة الاسلوب – كما جاء في المقدمة التي كتبتها الروائية والناقدة التونسية حبيبة محرزي بأنها (راوية بأسلوب سلس لا يتعمد التضخيم اللفظي ولا التراكيب المعقدة) لكنني اجد نفسي امام نص يحتاج الى التفسير بما يحتويه من رمزية في الشخصية وبعض مفاصل السرد الذي طابعه السخرية السوداء ” لا زلت على عادتك القديمة تحارب المرارة بالسخرية”ص16 ، قدرة المؤلف على خلق شخصيات درامية تصلح ان تتحول الرواية الى عمل درامي ناجح ، فشخصية سهير شخصية مليئة بالرمزية وهي تعبر عن (الوطن) بما تملك من جمال وغنى وشخصية قوية تجعل كل الرجال المحيطين بها يتمنون وصالها (يونس رئيس تحرير صفحة دين ودنيا ..لم يكن متدينا ولا فقيها.. هو منافق يتلاعب بمشاعر الناس، معتمدا على قراءات محدودة لبعض الشيوخ المتزمتين وهو يقول ما لايفعل وبشهادة كل من عرفه عن قرب..كان ينصب شراكه ليل نهار للظفر بفائقة الجمال سهير! مازن القراء يرونه إنسانا يدعو إلى التحرر وهو مثقف كوني..لكنه في الواقع، كذاب ومنافق..همه الوحيد جمال سهير وبيتها في المنصور.. حتى البطل(رياض) سائق التكسي على الرغم من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية فهو يمني النفس بالحصول على سهير “كانت جميلة جدا. غزت كياني. دمرت غلافي، أربكت سكينتي. أفاقت غلا عاطفيا شاعريا.لم أجد تفسيرا. عقلي ضاع مني. صورتها اقتحمتني، استبدت بي، كبلتني. وفي لحظة صحوت. عاتبت نفسي أية حماقة تجعلني أعشق امرأة من أول لحظة؟ أهو الحرمان؟ أهو الفراغ والضياع؟ لست أدري..”ص22
محاكاة الايجابية
ad
عناصر الكتابة تأخذ منحى (السيرة الذاتية) لشخصية رياض ، وهناك تشابه بالاسم مع الروائي رياض داخل وهو يملك خبرة كبيرة في مجال السرد كقاص وروائي لذا استخدمت مصطلح (المحاكاة) وليس التقليد ، لأن اجواء رواية الجريدة والشخصيات ورمزية الامرأة في رواية الجريدة جعلتني استرجع رواية (زينب والعرش) للروائي المصري “فتحي غانم” واحداث الرواية تجري في مقر جريدة ، وزينب التي جسدت شخصيتها في الدراما (سهير رمزي) تنتقل بين مجموعة من الرجال تباعا وكلا منهم يدعي حمايتها من دون ان يأخذ رأيها! وتفشل كل علاقاتها مع الرجال لأنهم يريدونها جسديا ولا يهتمون بمعاناتها وهمومها ومشاعرها وهو اشارة الى فشل السلطة بحكم مصر! “المهم يا رياض ستتعب كثيرا مع الوغدين الذين ينتظران الفرصة لالتهام سهير التهاما”ص42 الامكنة في الرواية اشكالية فهناك (المدينة) هكذا يطلق عليها رياض وهو يقصد (مدينة الصدر او مدينة صدام او الثورة) وكرس لها الوصف المتنوع ” كل شيء يمر سريعا في المناطق الفقيرة- وقد نختلف مع الكاتب فالوقت يتوقف او يسير ثقيلا وبطيئا في المناطق الفقيرة- ربما بسبب الطيبين، لكي تمضي الأيام ويمر العمر، قرب مستنقع للمياه الآسنة يقع بيتنا الذي تزين جدرانه الخربة صور فيالق الذئاب أيام الحملات الانتخابية فيصبح برائحة العفن جزاء الرطوبة العالية والوعود الكاذبة”ص15 هذه المنغصات لا يمر فيها الوقت سريعا بينما نقرأ في مقطع آخر كيف يمر الوقت سريعا – حقا- مع رياض وهو يتكلم عن سهير “ما الذي شدني إليها وأنا أول مرة ألتقي بها وأعرف أنها مختلفة عني فكرا وثقافة ومستوى ماديا، وكيف مر الوقت سريعا؟”ص32 وتتابع الامكنة في الظهور لكن لا تأخذ نصيبها الكامل من الوصف كما هو الحال مع (المدينة)
السرد على أرضية الطبقات المسحوقة
حاول الروائي رياض داخل في روايته الجريدة ان يحلل اللحظة التاريخية بكل تناقضتها معتمدا على الصراع الحتمي بين الشخصيات المتقابلة والمتناقضة بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي ، وانتقل بجوهر الصراع الطبقي من الاخرين ضد حبه لسهير الى دواخله مشككا بجدوى تلك العلاقة غير المتوازنة اجتماعيا ناهيك عن الوهم بإن سهير يمكن ان تكسر كل القيود وتجعله حبيبا وحيدا لها وليس صديقا تستغله، ودائما يذكر رياض داخل القارئ بان الفقر هو مهنة العراقي في هذا البلد الغني الذي افقرته السياسة والحروب!
” لم تتبق لي إلا الأحلام، أسافر بها إلى كل العالم فأعشق وأحب وأتيه بين البراري أو أغرق في عباب المحيطات وأجنح بعيدا بعيدا عن واقعي الرث، واقع يفرضه جيب فارغ ومجتمع قاس لا يرحم:ص56 .
الهروب من الواقع
اسلوب التداعي الحر ، جعل شخصية رياض يلجأ الى طابع المذكرات المخضبة بذكرياته عن الحروب في العراق كسبب لمأساته الشخصية والاسرية فقد اخذت الحرب شقيقه من قبل وجعلت علاقة امه به علاقة عاطفية استحواذية مملؤة بالخوف من تكرار الفقدان والحرمان” ناديت على والدتي وبحرج شديد فهي لن تتحمل فراقي لأربعة أيام متتالية وتخاف الوعود، فقد واعدها أخي سيعود ويأتي لها بقطعة قماش هدية لها رغم أنها دبرت له المال للذهاب إلى ساحة الحرب الطاحنة… ذهب أخي إلى معركة نهر جاسم وعاد مقطعا..وإلى الآن وأمي تنتظر أن يعود. لم تصدق أنه بحيويته وضحكاته المجلجلة يحويه صندوق خشبي، ويمنعه من رؤية أمه والى اليوم تنادي (يمه، ما اريد قماش، أريدك ترجع يا حسن، يا حبيبي)… يمه شتريدين \ لا لا يمه لا تعدني، اذهب سالما غانما فأنت في عمل ولست في حرب”ص ص91
ويبدو رحلة رياض مع سهير وبنت شقيقتها الصغيرة (لارسا) خلقت اجواء من الفرح وفرصة لتنشيط حلم رياض في تحقيق المستحيل، نسى الصحفيين (المتدين المزيف والعلماني المدعي) – يونس وبشار- ليكون في احضان الطبيعة بأربيل بعد ان كان متأملا للحضارة في اثار بابل واحسن الروائي استخدم تلك الامكنة لتناول التاريخ وغموض الاثار في قصة اسد بابل ” سعدت جدا بحديثي مع سهير. شكرت الأسد والمنقب الألماني الذي اكتشفه ولم أشكر حمورابي ” ص82 وتحدث عن الاثر الذي تتركه الطبيعة في نفوسنا ” شعرت بسعادة عارمة، خصوصا عندما فتحت الشباك وظهرت لي الجبال الشامخة الجميلة، وملأت رئتي بالهواء النقي، علي ان أنسى الحرارة والضيق ولو لأيام قليلة. على أن أنعم بحياة البذخ والراحة والأنعام”ص97 .
حالة عدم التوافق
حركة الرواية سريعة من البداية يمكن ان نتعرف على كل الشخصيات بوضوح من خلال حدث واحد وفي الجريدة، يلتقط الروائي الموقف ويقوم في بنائه الروائي على أساس شخصية مقابل شخصية لكي يجعل الصراع يحتدم وكان مقطع لقاء رياض مع يونس وبشار بحضور صديقه (باسم) صوت العقل في الرواية كان متقنا ، يقول باسم لرياض قبل اللقاء “رياض، أنا أكثر منك خبرة، نحن أدنى منهما مستوى حسب معاييرهما المبنية على المادة وحدها دون اعتبار لأخلاق أو تربية أو قيم”ص120 وحينما يشتد النقاش وتفشل المساومة بين الطرفين عندما يطلبا يونس وبشار من رياض ترك العمل بالجريدة والرحيل بعيدا عن سهير مقابل مغريات مادية “لقد لعبت لعبة الفقراء الذين يحملون شباكهم لأهل الأصول للظفر بذات المال والجاه ومن ثم ترمي في الشارع بعد أن تنسنزفوا كل ما تملك الضحية، اعرفكم أيها المتسلقون”ص122
النهاية الحزينة والمؤلمة
لم يكن الرفض فقط من يونس وبشار لعلاقة رياض مع سهير بل يكتشف رياض ان وجهة نظر سهير لا تختلف عنهما برفض الارتباط العاطفي به لوجود الفوارق الطبقية، فحينما يفاتحها بحبه تكون اجابتها ” رياض، انت صديقي العزيز جدا ولا أريد أن أخسرك، عليك أن تبقى صديقي، بمعنى أخي لا غير”ص142
ويأتي مشهد جثمان الشهيد في نهاية الرواية وكما تقول الناقدة حبيبة محرزي هو دعوة الى التلاحم ضد العدو الحقيقي (هذا هو العدو الحقيقي الذي يدعو الكاتب الجميع إلى محاربته كي يحافظوا على وطن مهدد بالخراب والفناء) ص12 لنقرأ المشهد كما سجلته عدسة الروائي رياض ” أتت سيارة إسعاف مسرعة لكنها خفضت سرعتها بقربي.. لا أعرف لماذا ربما لتريني مصيبة أو لتهون على مصائبي المتتالية.. قد يكون مصابا في إحدى معارك الدفاع عن سهير أو بغداد. أعادوه جثة إلى بيته”ص149 ونحن لا نذهب الى الاستنتاج الذي ذهبت اليه الناقدة حبيبة محرزي فالصراع مع الارهاب لا يلغ الصراع الطبقي وقد لا تتحقق العدالة الاجتماعية في الانتصار بالحروب ، وجملة رياض الذكية تدل على ذلك (الفقراء وقودا وحطبا يأكله اللهب المستعر) ولا تحل مشكلة الصراع الطبقي بالعواطف وعلاقات الحب العذري فقد لا نتفق مع الكاتب في جعل هذه الجملة نهاية لروايته (والتفت إلى حيث سهير وقلت لها: متى تقبلين الفقراء؟ أنت تحتاجينهم فقط عندما يهجم عليك الذئاب، فتقدمين دمهم قربانا لتحمي مجدك الغابر)ص152 وكأنني اقرأ استغاثة شداد بأبنه الاسود(العبد) عنتر حينما تشتد الحروب فيقول له (كر وانت حر)!! الا اذا سلمنا برمزية سهير بانها (العراق)
الخاتمة
تطور البناء الروائي في رواية الجريدة ودلالة الزمن الروائي واستحداث اشكال تجريبية قد تحقق جزءا منها في رواية رياض داخل (الجريدة) وهي رواية تستحق القراءة.
العراق
حمدي العطار: رياض داخل يقدم: شخصيات تتصف بالسهولة و(السلاسة) في رواية (الجريدة) “1”
حمدي العطار من مساوئ القراءة غير العميقة هي ان القارئ ينتظر (الناقد) كي يفسر له ما هو غامضا بالسردية، كما ان الكاتب هو الاخر يتشوق اكثر من القارئ لمعرفة تقييم النقاد لمنجزه الابداعي! وكما قال افلاطون "إن الناقد هو الأب الذي تحتاج إليه الكلمة المكتوبة من أجل حماية نفسها ..لأن النص يساق إلى هؤلاء...