يتم الحديث دائما عن دور "المثقف" في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية لبلد ما. وغالبا ما تنهال عليه الانتقادات بصفته ينتمي للنخبة التي عليها أن تكون حاضرة خاصة حينما يتعلق الأمر بمواجهات سياسية تتجاذبها مصالح أكثر براجماتية داخل البلاد. انتقادات تعيب عنه تملصه وإدارة ظهره للمجتمع وما يعيشه من مشاكل سياسية، أي في علاقة بتدبير الشؤون العامة للبلاد، سواء تلك الشؤون الداخلية أو الخارجية.
وبغض النظر عن مختلف التعاريف التي تعطى للمثقف، وبغض النظر عن مدى موضوعية هذه الانتقادات، ننطلق مما هو متداول، أي المثقف الحاصل على درجة مهمة في التعليم وهو ذلك الشخص الذي يمكنه، حسب اعتقاد المنتقدين، بفضل علمه مناقشة طرق تدبير تلك الشؤون التي تحدثنا عنها فيما يخص السياسة. من هنا ننطلق لمناقشة دور المثقف الذي غالبا ما تحمله العامة مسؤولية كبرى. وأول سؤال يتبادر للذهن هو :
هل يمكن للمثقف كيفما كان اختصاصه، أن يناقش ويساهم في بلورة التدابير اللازمة لتسيير الشؤون الداخلية والخارجية لبلد ما، انطلاقا فقط من قدرته الفكرية والمعرفية في ميدان الثقافة بشكل عام؟ أم وجب عليه أن يتوصل بالمعلومات الضرورية قبل أن يدخل غمار عالم التدبير، أي السياسة؟ علما أن الدساتير بشكل عام تضمن الحق في الولوج إلى المعلومة (بغض النظر عن صحة مدى تطبيق هذا البند).
أكيد ومن غير تردد نجيب بضرورة الحصول على المعلومة. لأن تدبير الشأن السياسي لا يقتصر على أن يكون المثقف عالما في الفيزياء الكلاسيكية أو الكمومية، ولا أن يكون شاعرا مرموقا أو روائيا أو مفكرا الخ... يحاضر هنا وهناك وتصغي إليه آذان طائفته. أن يشارك الفرد في تدابير الشؤون الداخلية والخارجية لبلده، عليه إذن أن يكون ملما بعالم السياسة قبل كل شيء. فما معنى السياسة إذن؟
السياسة بشكل عام، تُعرف بخصائص نجدها في "اهتمامها بمواضيع المدنيات والأنظمة القومية وتحليل السياسات ما بين الأمم والتطور السياسي والقانون الدولي وعلم السياسة وتاريخ الفكر السياسي والحريات العامة وحقوق الإنسان" الخ...، خصائص مختلفة ومتعددة كما وردت في ويكيبيديا. السياسة إذن بهذا المفهوم هي علم لابد من دراسته ولهذا وُجدت المدارس والكليات المتخصصة فيه. من هنا في نظري حينما نتحدث عن دور المثقف، يجب أن نفهم على أن المعني بالأمر هو هذا المثقف المتخصص في فن السياسة بالدرجة الأولى لأن تلك المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تثير هذا النقاش، من اختصاصه هو أولا قبل أن تصبح من اهتمام العامة (من بينها أيضا المثقف الشاعر والروائي والفنان الخ..) التي إن ساهمت فمن باب الديمقراطية التشاركية وليس من باب الاختصاص. فماذا يعني الاختصاص؟ حسب المختصين يتجلى ذلك في بعض الأسئلة التي وجب على السياسي طرحها والإجابة عليها، وهي:
لماذا ؟ مَن؟ أين؟ ومتى يجب الفعل؟ الخ... لأنها هي التي تعكس الرؤية والإرادة. وبطبيعة الحال كما سبق الذكر، لإيجاد أجوبة شافية لهذه التساؤلات، لا بد أن يكون السياسي على علم بعدة أمور. بمعنى لا بد أن يكون له الحق في الولوج إلى المعلومة. بدونها لا يمكن له صياغة البدائل. لا يمكنه فرز ما يستجيب لبرنامجه واعتمادها. وبدونها لا يمكنه اتخاذ القرارات النهائية والمتوخاة حسب غايات وأهداف تسطر بشكل دقيق انطلاقا مما تم رصده.
كخلاصة إذن، حينما نتحدث عن دور المثقف، وجب التدقيق في نوعية هذا المثقف. بمعنى أن الأمر يهم بالدرجة الأولى المثقف السياسي. فهل لدينا هذا النوع من المثقفين؟ أكيد لدينا. لكن ما يجب الإشارة إليه، وهو أنهم تقنيون أكثر. فينعتون قدحا بطبقة التقنوقراط. ما يؤدي بنا إلى التساؤل : ما الفرق بين مثقف تقني ومثقف عام ؟
بغض النظر عن الخوض في تفاصيل توضح الفرق بين هذين النوعين، نكتفي بالإشارة إلى أنه تمت مناقشة ذلك من قبل المتخصصين، حيث تحدثوا عن "المثقف الكوني"، الفيلسوف الفرنسي مثلا، سارتر، وعن المثقف التقني. فكانت الخلاصة أن المثقف الكوني، والذي يُنعت بالمشاغب الضروري، كما يراه عالم الاجتماع، بورديو، قد لا يتعدى مشاغبته ويظل متمركزا حول مثاليات، لا يمكن تجاوزها بدون مثقف تقني الذي يلعب دورا جوهريا في تنزيل الأفكار إلى الواقع.
وختاما يمكن أن ندلي بتساؤلين حول عالمنا العربي الإسلامي: هل لدينا مثقفين تقنيين بهذا المعنى، أم ما زلنا في مرحلة المثقف الكوني الذي تجاوزته الظروف؟ ماذا إستفدنا من مثقفينا الكونيين أمثال إبن رشد والجابري والعروي ومحمد أركون وفرج فودة وجورج طرابيشي، واللائحة طويلة... ؟
أ*+*+*+
محمد العرجوني
وبغض النظر عن مختلف التعاريف التي تعطى للمثقف، وبغض النظر عن مدى موضوعية هذه الانتقادات، ننطلق مما هو متداول، أي المثقف الحاصل على درجة مهمة في التعليم وهو ذلك الشخص الذي يمكنه، حسب اعتقاد المنتقدين، بفضل علمه مناقشة طرق تدبير تلك الشؤون التي تحدثنا عنها فيما يخص السياسة. من هنا ننطلق لمناقشة دور المثقف الذي غالبا ما تحمله العامة مسؤولية كبرى. وأول سؤال يتبادر للذهن هو :
هل يمكن للمثقف كيفما كان اختصاصه، أن يناقش ويساهم في بلورة التدابير اللازمة لتسيير الشؤون الداخلية والخارجية لبلد ما، انطلاقا فقط من قدرته الفكرية والمعرفية في ميدان الثقافة بشكل عام؟ أم وجب عليه أن يتوصل بالمعلومات الضرورية قبل أن يدخل غمار عالم التدبير، أي السياسة؟ علما أن الدساتير بشكل عام تضمن الحق في الولوج إلى المعلومة (بغض النظر عن صحة مدى تطبيق هذا البند).
أكيد ومن غير تردد نجيب بضرورة الحصول على المعلومة. لأن تدبير الشأن السياسي لا يقتصر على أن يكون المثقف عالما في الفيزياء الكلاسيكية أو الكمومية، ولا أن يكون شاعرا مرموقا أو روائيا أو مفكرا الخ... يحاضر هنا وهناك وتصغي إليه آذان طائفته. أن يشارك الفرد في تدابير الشؤون الداخلية والخارجية لبلده، عليه إذن أن يكون ملما بعالم السياسة قبل كل شيء. فما معنى السياسة إذن؟
السياسة بشكل عام، تُعرف بخصائص نجدها في "اهتمامها بمواضيع المدنيات والأنظمة القومية وتحليل السياسات ما بين الأمم والتطور السياسي والقانون الدولي وعلم السياسة وتاريخ الفكر السياسي والحريات العامة وحقوق الإنسان" الخ...، خصائص مختلفة ومتعددة كما وردت في ويكيبيديا. السياسة إذن بهذا المفهوم هي علم لابد من دراسته ولهذا وُجدت المدارس والكليات المتخصصة فيه. من هنا في نظري حينما نتحدث عن دور المثقف، يجب أن نفهم على أن المعني بالأمر هو هذا المثقف المتخصص في فن السياسة بالدرجة الأولى لأن تلك المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تثير هذا النقاش، من اختصاصه هو أولا قبل أن تصبح من اهتمام العامة (من بينها أيضا المثقف الشاعر والروائي والفنان الخ..) التي إن ساهمت فمن باب الديمقراطية التشاركية وليس من باب الاختصاص. فماذا يعني الاختصاص؟ حسب المختصين يتجلى ذلك في بعض الأسئلة التي وجب على السياسي طرحها والإجابة عليها، وهي:
لماذا ؟ مَن؟ أين؟ ومتى يجب الفعل؟ الخ... لأنها هي التي تعكس الرؤية والإرادة. وبطبيعة الحال كما سبق الذكر، لإيجاد أجوبة شافية لهذه التساؤلات، لا بد أن يكون السياسي على علم بعدة أمور. بمعنى لا بد أن يكون له الحق في الولوج إلى المعلومة. بدونها لا يمكن له صياغة البدائل. لا يمكنه فرز ما يستجيب لبرنامجه واعتمادها. وبدونها لا يمكنه اتخاذ القرارات النهائية والمتوخاة حسب غايات وأهداف تسطر بشكل دقيق انطلاقا مما تم رصده.
كخلاصة إذن، حينما نتحدث عن دور المثقف، وجب التدقيق في نوعية هذا المثقف. بمعنى أن الأمر يهم بالدرجة الأولى المثقف السياسي. فهل لدينا هذا النوع من المثقفين؟ أكيد لدينا. لكن ما يجب الإشارة إليه، وهو أنهم تقنيون أكثر. فينعتون قدحا بطبقة التقنوقراط. ما يؤدي بنا إلى التساؤل : ما الفرق بين مثقف تقني ومثقف عام ؟
بغض النظر عن الخوض في تفاصيل توضح الفرق بين هذين النوعين، نكتفي بالإشارة إلى أنه تمت مناقشة ذلك من قبل المتخصصين، حيث تحدثوا عن "المثقف الكوني"، الفيلسوف الفرنسي مثلا، سارتر، وعن المثقف التقني. فكانت الخلاصة أن المثقف الكوني، والذي يُنعت بالمشاغب الضروري، كما يراه عالم الاجتماع، بورديو، قد لا يتعدى مشاغبته ويظل متمركزا حول مثاليات، لا يمكن تجاوزها بدون مثقف تقني الذي يلعب دورا جوهريا في تنزيل الأفكار إلى الواقع.
وختاما يمكن أن ندلي بتساؤلين حول عالمنا العربي الإسلامي: هل لدينا مثقفين تقنيين بهذا المعنى، أم ما زلنا في مرحلة المثقف الكوني الذي تجاوزته الظروف؟ ماذا إستفدنا من مثقفينا الكونيين أمثال إبن رشد والجابري والعروي ومحمد أركون وفرج فودة وجورج طرابيشي، واللائحة طويلة... ؟
أ*+*+*+
محمد العرجوني