يعلم كل من تتبع حركة النشر والطبع في الأقطار الشرقية في العصر الحديث أن كثيراً من المصنفات العربية العظيمة الشأن إنما نشرت بوساطة العلماء المستشرقين؛ ومما لا شك فيه أن هذه العناية المفرطة إنما كانت من الأسباب المباشرة التي ساعدت على نمو النهضة العلمية في الديار العربية.
كلنا نعلم أن كتاب السيرة النبوية لمحمد بن أسحق من رواية عبد الملك بن هشام طبع للمرة الأولى سنة 1859 - 1860 بوساطة العالم ويستنفلد، وكذلك تولى العلامة دي غويه بمعونة علماء آخرين طبع كتاب تأريخ الأمم والسلوك لأبي جعفر محمد أبن جرير الطبري في ليدن من سنة 1876، وكذلك طبع نخبة من المستشرقين كتاب الطبقات الكبرى لأبن سعد من سنة 1905 - 1921.
وكذلك طبع كتاب (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) لمصطفى بن عبد الله المشهور باسم حاجي خليفة من سنة 1835 - 1858 بمدينتي ليدن وليبسيك، وكان ذلك تحت إشراف العالم فليجل، وهو الذي تولى طبع كتاب فهرس أبن النديم من سنة 1870 - 1871.
وليس هذا المقام مقام إحصاء كل ما طبع العلماء من المستشرقون، وإنما سردت بعض الكتب القيمة العظيمة القدر التي لا نتصور حركاتنا العلمية ونهضتنا الأدبية دون الرجوع إلى هذه المصادر الهامة.
وهناك أمر آخر له خطره في أمر نشر المصنفات العربية بوساطة المستشرقين وهو أنهم أساتذة لنا، معشر الشرقيين، في إخراج المطبوعات على الطريقة العلمية المجدية، إذ هم ليسوا طابعين وناشرين فحسب كما اعتدنا أن نرى من الناشرين للمؤلفات عندنا، بل هم يميلون إلى المراجعة بعناية، والمقابلة بما ورد في الكتاب الذي أمامهم بالمصادر والمراجع الأخرى، ويذيلون مطبوعاتهم بحواش هي غاية في الدقة والخطورة في أغلب الأحوال.
وقد لاحظنا أن بعض الناشرين عندنا عمدوا إلى إعادة طبع ما طبعه المستشرقو أوروبا، ولكن مع الأسف الشديد جاء عملهم ماسخاً لما عمله المستشرقون مشوهاً له؛ إذ كانت الطبعة الثانية غير مضبوطة، كثيرة الأغلاط، فاحشة الأخطاء.
على أن بعض الأفراد ممن تثقف في أوروبا، وممن أتصل بالحركة العلمية الأوروبية قد بدأ ينشر بعض المصنفات العربية على الطريقة المألوفة عند الأفرنج، وخصوصاً ما ظهر من الهمة والعزيمة في نشر الكتب تحت إشراف دار الكتب المصرية، فلا شك أن عمل دار الكتب يعد صفحة بيضاء جديدة في تأريخ نشر الكتب والعرفان في الشرق. على أننا نريد أن نقول لدار الكتب كلمة صريحة نؤجلها إلى فرصة أخرى إن شاء الله.
ذكرت ذلك بمناسبة تولي المعهد الشرقي بالجامعة العبرية بالقدس نشر كتاب أنساب الأشراف للبلاذري الذي ظهر منه في الآونة الأخيرة الجزء الخامس.
ذاع صيت أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في العصور الأخيرة بوساطة كتابه الصغير فتوح البلدان الذي أقدم العالم دي غويه على طبعه سنة 1866 بمدينة ليدن. أما مصنفه العظيم المذكور في معجم ياقوت الحموي باسم أنساب الأشراف (معجم الأدباء ج2 - ص131) أو كما سماه ابن النديم بكتاب الأخبار والأنساب (فهرس ص114) أو كما يقول الشريف المرتضى (الشافي ص260، 688) كتاب البلاذري، أو كما يشير أبن عساكر إلى البلاذري ويصفه بصاحب التأريخ (تأريخ دمشق ص131).
وهو الكتاب الذي ارتشف من منهله المتقدمون والمتأخرون ممن جاءوا بعد البلاذري من كبار الأدباء والمؤرخين والجغرافيين مثل الشريف المرتضى الذي توفي سنة 436، وابن عساكر الذي توفي سنة 571، وياقوت الحموي الرومي الذي توفي سنة 626، والنويري الذي توفي سنة 632، وأبن خلكان الذي توفي سنة 681، وأبن حجر الغسقلاني الذي توفي سنة 852، وأبن تغرى بردى الذي توفي سنة 874. أما هذا الكتاب فقد توارى عن العيون في العصور الأخيرة ومر عليه العلماء مر الكرام حتى أصبح نسياً منسياً إلى أن جاء العالم أهلوارت في سنة 1883 وأخرج جزءاً منه كان يشك في بعض العلماء في صحة نسبه إلى البلاذري. ثم حدث أن أعلن الأستاذ بيكر في مؤتمر المستشرقين الثالث عشر أنه عثر على نسخة كاملة من كتاب أنساب الأشراف في الآستانة ولم يحفظ الدهر لهذا الكتاب نسخة كاملة غيرها؛ وكان قد عقد النية على نشر الكتاب ولكن كبر حجمه من ناحية ومشاغل الأستاذ بيكر من ناحية أخرى عاقته عن المضي في تحقيق هذا المشروع إلى أن أقترح عليه الأستاذ جوتهلد الذي كان مديراً للقسم الشرقي من مكتبة برلين الكبرى على العلامة بيكر أن يعرض مشروع طبع أنساب الأشراف على هيئة تدريس اللغة العربية في الجامعة العبرية بالقدس ففعل.
أما المخطوط من هذا الكتاب فيشتمل على 1228 صفحة، وهو أكبر حجما من الطبقات الكبرى لأبن سعد أو أقل قليلاً من كتاب التأريخ لأبن جرير الطبري؛ وهو بحث مفصل في أنساب العرب يبدأ دراسته بالتأريخ القديم من عهد نوح وذريته إلى سيدنا إبراهيم خليل الله وأعياصه، ثم ينتقل إلى قريش وبني هاشم ويبحث في أصلهم وفصله من ثم يقص سيرة الرسول وأخبار علي بن أبي طالب وما جرى في عهد الخلفاء الراشدين، ويفصل تفصيلاً كثيراً مطولاً تأريخ بني أمية حتى تشتمل أخبارهم على ثلث الكتاب بأجمعه. ومع أنه كان من الموالين لبني العباس وكان يشغل منصباً رفيعاً عند خلفائهم فان ما ورد بشأنهم من الحوادث والأخبار لا يتجاوز سبعين صفحة من المخطوط الكبير.
وكذلك يوجه عناية شديدة إلى قبائل مضر الآخرين فيتعرض لأنساب كنانة وأسد وهذيل وعبد مناة ومزينة وتميم وقيس وذبيان وفزارة وعبس وهوازن وسليم وثقيف.
ولم يذكر قبائل ربيعة واليمن لأن المنية عاجلته عن إتمام كتابه إذ لقي حتفه في أوائل عهد الخليفة المعتضد سنة 279 (كشف الظنون جـ1 ص 274).
ومع أن هناك مصنفات في أنساب العرب قبل البلاذري إذ كان محمد بن هشام الكلبي الذي توفي سنة 204 قد وضع كتابه جمهرة الأنساب والهيثم بن عدي ألَّف مصنفاً في تأريخ الأشراف وهو ممن توفي في أوائل القرن الثالث فان كتاب أنساب الأشراف للبلاذري يعد من الذروة مما وصل إليه الأدب التاريخي عند العرب في الأنساب.
والبلاذري لم يكتف بجمع الأخبار من مصنفات من سبقه بل جمع كثيراً من الأخبار من المسجلات الرسمية التي كانت في خزائن الدولة؛ وهو على ميله إلى العباسيين لا يظلم بني أمية بل يقص عنهم أخباراً كثيرة تدل على أن حنكة المؤرخ الذي يتغلب على شعوره ويتجرد عن أهوائه، وذلك أمر لا بد للمؤرخ المنصف منه.
والكتاب الذي طبع الآن ليس الجزء الأول بل الخامس منه، إذ وزعت صفحات المخطوط على جملة من العلماء لم يتمكنوا إلى الآن من إتمام العمل الذي كلفوا أن يقوموا به.
وكان الجزء الخامس قد وكل أمر العناية به إلى الأستاذ س. د. جويتاين وهو الآن في العقد الرابع من العمر تخرج من جامعة فرنكفورت بألمانيا وكان من خيرة تلاميذ الأستاذ المرحوم يوسف هورفيتس واختاره للتدريس بالجامعة العبرية بالقدس.
وقد بذل الأستاذ جوبتاين جهده مدة سنين كثيرة في مراجعة صفحات المخطوط وأخرجه بعد عناء ومشقة على النسق المألوف عند كبار المؤلفين من المستشرقين مع مقدمة علمية بحث فيها الناشر في أصل تسمية الكتاب وما يحتوي عليه مع مقارنة بين من سبقه وبين من أتى بعده من المؤرخين وبيّن ما أخذه ممن كان قبله ومن أخذ عنه ممن جاء بعده.
ومما يؤسف له أن هذه المقدمة النفيسة قد وضعت بالعبرية من ناحية، وبالترجمة الإنجليزية من ناحية أخرى، وقد أكتفي الناشر بكلمة موجزة بالعربية. كان من الواجب أن يصدر بالمقدمة العربية قبل كل شيء، لأن الكتاب عربي موجه إلى الناطقين بالضاد قبل غيرهم، وإذا كان جمهرة من العلماء الإفرنج يدرسون كتاب أنساب الأشراف فهم يستطيعون أن يدرسوا المقدمة بالعربية أيضاً.
وكذلك أقول عن الذيل الذي وضع بالإنجليزية كأن الكتاب إنما كان موجهاً إلى الغربيين لا للأندية المثقفة من أبناء الشرق أيضاً.
وإني أوجه أنظار الأساتذة العاملين على إخراج بقية أجزاء الكتاب ألا يتورطوا فيما تورط الأستاذ جويتاين من مسألة المقدمة والذيل التي أغفل فيهما العربية إغفالاً يكاد يكون تاماً
والذي نتمناه من صميم الفؤاد أن يبادر بقية العلماء القائمين بمراجعة الكتاب بإخراج الأجزاء الأخرى حتى يستفيد العالم العربي عاجلاً من كتاب أنساب الأشراف الذي يعد بحق من أمهات المصادر لكل من يبحث في عصر ظهور الإسلام وفجره وضحاه
مجلة الرسالة - العدد 180
تاريخ: 14 - 12 - 1936
للدكتور إسرائيل ولفنسون
أستاذ اللغات السياسية بدار العلوم
كلنا نعلم أن كتاب السيرة النبوية لمحمد بن أسحق من رواية عبد الملك بن هشام طبع للمرة الأولى سنة 1859 - 1860 بوساطة العالم ويستنفلد، وكذلك تولى العلامة دي غويه بمعونة علماء آخرين طبع كتاب تأريخ الأمم والسلوك لأبي جعفر محمد أبن جرير الطبري في ليدن من سنة 1876، وكذلك طبع نخبة من المستشرقين كتاب الطبقات الكبرى لأبن سعد من سنة 1905 - 1921.
وكذلك طبع كتاب (كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون) لمصطفى بن عبد الله المشهور باسم حاجي خليفة من سنة 1835 - 1858 بمدينتي ليدن وليبسيك، وكان ذلك تحت إشراف العالم فليجل، وهو الذي تولى طبع كتاب فهرس أبن النديم من سنة 1870 - 1871.
وليس هذا المقام مقام إحصاء كل ما طبع العلماء من المستشرقون، وإنما سردت بعض الكتب القيمة العظيمة القدر التي لا نتصور حركاتنا العلمية ونهضتنا الأدبية دون الرجوع إلى هذه المصادر الهامة.
وهناك أمر آخر له خطره في أمر نشر المصنفات العربية بوساطة المستشرقين وهو أنهم أساتذة لنا، معشر الشرقيين، في إخراج المطبوعات على الطريقة العلمية المجدية، إذ هم ليسوا طابعين وناشرين فحسب كما اعتدنا أن نرى من الناشرين للمؤلفات عندنا، بل هم يميلون إلى المراجعة بعناية، والمقابلة بما ورد في الكتاب الذي أمامهم بالمصادر والمراجع الأخرى، ويذيلون مطبوعاتهم بحواش هي غاية في الدقة والخطورة في أغلب الأحوال.
وقد لاحظنا أن بعض الناشرين عندنا عمدوا إلى إعادة طبع ما طبعه المستشرقو أوروبا، ولكن مع الأسف الشديد جاء عملهم ماسخاً لما عمله المستشرقون مشوهاً له؛ إذ كانت الطبعة الثانية غير مضبوطة، كثيرة الأغلاط، فاحشة الأخطاء.
على أن بعض الأفراد ممن تثقف في أوروبا، وممن أتصل بالحركة العلمية الأوروبية قد بدأ ينشر بعض المصنفات العربية على الطريقة المألوفة عند الأفرنج، وخصوصاً ما ظهر من الهمة والعزيمة في نشر الكتب تحت إشراف دار الكتب المصرية، فلا شك أن عمل دار الكتب يعد صفحة بيضاء جديدة في تأريخ نشر الكتب والعرفان في الشرق. على أننا نريد أن نقول لدار الكتب كلمة صريحة نؤجلها إلى فرصة أخرى إن شاء الله.
ذكرت ذلك بمناسبة تولي المعهد الشرقي بالجامعة العبرية بالقدس نشر كتاب أنساب الأشراف للبلاذري الذي ظهر منه في الآونة الأخيرة الجزء الخامس.
ذاع صيت أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في العصور الأخيرة بوساطة كتابه الصغير فتوح البلدان الذي أقدم العالم دي غويه على طبعه سنة 1866 بمدينة ليدن. أما مصنفه العظيم المذكور في معجم ياقوت الحموي باسم أنساب الأشراف (معجم الأدباء ج2 - ص131) أو كما سماه ابن النديم بكتاب الأخبار والأنساب (فهرس ص114) أو كما يقول الشريف المرتضى (الشافي ص260، 688) كتاب البلاذري، أو كما يشير أبن عساكر إلى البلاذري ويصفه بصاحب التأريخ (تأريخ دمشق ص131).
وهو الكتاب الذي ارتشف من منهله المتقدمون والمتأخرون ممن جاءوا بعد البلاذري من كبار الأدباء والمؤرخين والجغرافيين مثل الشريف المرتضى الذي توفي سنة 436، وابن عساكر الذي توفي سنة 571، وياقوت الحموي الرومي الذي توفي سنة 626، والنويري الذي توفي سنة 632، وأبن خلكان الذي توفي سنة 681، وأبن حجر الغسقلاني الذي توفي سنة 852، وأبن تغرى بردى الذي توفي سنة 874. أما هذا الكتاب فقد توارى عن العيون في العصور الأخيرة ومر عليه العلماء مر الكرام حتى أصبح نسياً منسياً إلى أن جاء العالم أهلوارت في سنة 1883 وأخرج جزءاً منه كان يشك في بعض العلماء في صحة نسبه إلى البلاذري. ثم حدث أن أعلن الأستاذ بيكر في مؤتمر المستشرقين الثالث عشر أنه عثر على نسخة كاملة من كتاب أنساب الأشراف في الآستانة ولم يحفظ الدهر لهذا الكتاب نسخة كاملة غيرها؛ وكان قد عقد النية على نشر الكتاب ولكن كبر حجمه من ناحية ومشاغل الأستاذ بيكر من ناحية أخرى عاقته عن المضي في تحقيق هذا المشروع إلى أن أقترح عليه الأستاذ جوتهلد الذي كان مديراً للقسم الشرقي من مكتبة برلين الكبرى على العلامة بيكر أن يعرض مشروع طبع أنساب الأشراف على هيئة تدريس اللغة العربية في الجامعة العبرية بالقدس ففعل.
أما المخطوط من هذا الكتاب فيشتمل على 1228 صفحة، وهو أكبر حجما من الطبقات الكبرى لأبن سعد أو أقل قليلاً من كتاب التأريخ لأبن جرير الطبري؛ وهو بحث مفصل في أنساب العرب يبدأ دراسته بالتأريخ القديم من عهد نوح وذريته إلى سيدنا إبراهيم خليل الله وأعياصه، ثم ينتقل إلى قريش وبني هاشم ويبحث في أصلهم وفصله من ثم يقص سيرة الرسول وأخبار علي بن أبي طالب وما جرى في عهد الخلفاء الراشدين، ويفصل تفصيلاً كثيراً مطولاً تأريخ بني أمية حتى تشتمل أخبارهم على ثلث الكتاب بأجمعه. ومع أنه كان من الموالين لبني العباس وكان يشغل منصباً رفيعاً عند خلفائهم فان ما ورد بشأنهم من الحوادث والأخبار لا يتجاوز سبعين صفحة من المخطوط الكبير.
وكذلك يوجه عناية شديدة إلى قبائل مضر الآخرين فيتعرض لأنساب كنانة وأسد وهذيل وعبد مناة ومزينة وتميم وقيس وذبيان وفزارة وعبس وهوازن وسليم وثقيف.
ولم يذكر قبائل ربيعة واليمن لأن المنية عاجلته عن إتمام كتابه إذ لقي حتفه في أوائل عهد الخليفة المعتضد سنة 279 (كشف الظنون جـ1 ص 274).
ومع أن هناك مصنفات في أنساب العرب قبل البلاذري إذ كان محمد بن هشام الكلبي الذي توفي سنة 204 قد وضع كتابه جمهرة الأنساب والهيثم بن عدي ألَّف مصنفاً في تأريخ الأشراف وهو ممن توفي في أوائل القرن الثالث فان كتاب أنساب الأشراف للبلاذري يعد من الذروة مما وصل إليه الأدب التاريخي عند العرب في الأنساب.
والبلاذري لم يكتف بجمع الأخبار من مصنفات من سبقه بل جمع كثيراً من الأخبار من المسجلات الرسمية التي كانت في خزائن الدولة؛ وهو على ميله إلى العباسيين لا يظلم بني أمية بل يقص عنهم أخباراً كثيرة تدل على أن حنكة المؤرخ الذي يتغلب على شعوره ويتجرد عن أهوائه، وذلك أمر لا بد للمؤرخ المنصف منه.
والكتاب الذي طبع الآن ليس الجزء الأول بل الخامس منه، إذ وزعت صفحات المخطوط على جملة من العلماء لم يتمكنوا إلى الآن من إتمام العمل الذي كلفوا أن يقوموا به.
وكان الجزء الخامس قد وكل أمر العناية به إلى الأستاذ س. د. جويتاين وهو الآن في العقد الرابع من العمر تخرج من جامعة فرنكفورت بألمانيا وكان من خيرة تلاميذ الأستاذ المرحوم يوسف هورفيتس واختاره للتدريس بالجامعة العبرية بالقدس.
وقد بذل الأستاذ جوبتاين جهده مدة سنين كثيرة في مراجعة صفحات المخطوط وأخرجه بعد عناء ومشقة على النسق المألوف عند كبار المؤلفين من المستشرقين مع مقدمة علمية بحث فيها الناشر في أصل تسمية الكتاب وما يحتوي عليه مع مقارنة بين من سبقه وبين من أتى بعده من المؤرخين وبيّن ما أخذه ممن كان قبله ومن أخذ عنه ممن جاء بعده.
ومما يؤسف له أن هذه المقدمة النفيسة قد وضعت بالعبرية من ناحية، وبالترجمة الإنجليزية من ناحية أخرى، وقد أكتفي الناشر بكلمة موجزة بالعربية. كان من الواجب أن يصدر بالمقدمة العربية قبل كل شيء، لأن الكتاب عربي موجه إلى الناطقين بالضاد قبل غيرهم، وإذا كان جمهرة من العلماء الإفرنج يدرسون كتاب أنساب الأشراف فهم يستطيعون أن يدرسوا المقدمة بالعربية أيضاً.
وكذلك أقول عن الذيل الذي وضع بالإنجليزية كأن الكتاب إنما كان موجهاً إلى الغربيين لا للأندية المثقفة من أبناء الشرق أيضاً.
وإني أوجه أنظار الأساتذة العاملين على إخراج بقية أجزاء الكتاب ألا يتورطوا فيما تورط الأستاذ جويتاين من مسألة المقدمة والذيل التي أغفل فيهما العربية إغفالاً يكاد يكون تاماً
والذي نتمناه من صميم الفؤاد أن يبادر بقية العلماء القائمين بمراجعة الكتاب بإخراج الأجزاء الأخرى حتى يستفيد العالم العربي عاجلاً من كتاب أنساب الأشراف الذي يعد بحق من أمهات المصادر لكل من يبحث في عصر ظهور الإسلام وفجره وضحاه
مجلة الرسالة - العدد 180
تاريخ: 14 - 12 - 1936
للدكتور إسرائيل ولفنسون
أستاذ اللغات السياسية بدار العلوم