مصطفى عبد الله المنتسب إلى مبدعي الثغر
كان مصطفى عبد الله – المحرر الأدبي لجريدة الأخبار - صديقًا لكتاب ومثقفي، الإسكندرية، قريبًا من شعرائها: عبد المنعم الأنصاري وعبد العليم القباني وأحمد السمرة وإدوار حنا سعد ومحمد برهام ومحمد مكيوي وفؤاد طمان وعزبزة كاطو وغيرهم. لكن انحيازه الأكبر كان لكتاب القصة؛ فكان يرى أن أفضل مجموعة في مصر من القصاصين والروائيين هم كتاب الإسكندرية، فراهن عليهم.
ومما يؤكد هذا، إنه عندما تقابل مع القاص محمد عبد الله عيسى في الإسماعيلية- حيث كان يعمل بهيئة قناة السويس- نصحه بالاتصال بكتاب القصة في الساحة السكندرية، فأجابه عيسى: إنني سكندري الأصل، وكلهم أصدقائي.
كان هو الصحفي الأكثر نشاطًا في صفحة " أخبار الأدب " التي تصدر صباح كل أربعاء وتشرف عليها المرحومة الأستاذة حُسن شاه.
يأتي مصطفى عبد الله إلى الإسكندرية، فيقابل الكتاب الأكثر شهرة – في ذلك الوقت – دكتور يوسف عز الدين عيسى والأنصاري ومحمد الجمل وسعيد سالم ..وغيرهم.
وكنا نحن كتاب القصة نفاجأ بتسليط الأضواء عليهم دون أن يذكرنا أحد بشيء! رغم دورنا المهم في إصدار "مجلة القصة" بطريقة الماستر، وإقامة ندوة ناجحة مستمرة منذ أواخر الستينيات بقصر ثقافة الحرية.
وقد أدى ذلك التجاهل إلى إصابة الكثير منا بالأسى والحزن.
لكن بعد مرور سنوات طويلة على ما حدث، اكتشفت أن هذا كان طبيعيًا ومنطقيًا؛ فمجموعتنا، تستطيع أن تطلق عليها تسمية "البلوريتاريا " أمام مجموعة " البرجوازية "، المؤهلة للدعاية والظهور؛ فقد كنا نجتمع في قصر ثقافة الحرية، كل يوم إثنين، ونجتمع في بيت صديقنا عبد الله هاشم بباكوس، كل يوم جمعة. بينما المجموعة الأكثر رقيًا تجتمع في "بترو" مع: توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وثروت أباظة وغيرهم من كبار الكتاب. ثم في حديقة "سان استفانو" بعد رحيل الحكيم وهدم "بترو"، أو في كازينو "رشدي" على البحر مع الدكتور يوسف عز الدين عيسى. فمن الطبيعي أن يلتقي محررو الصفحات الأدبية بهم. كما أن أفراد مجموعتنا لم تكن لديهم القدرة على الدعاية والانتشار مثل الآخرين.
00
ركزت صفحة " أخبار الأدب " بجريدة الأخبار على شخصيات بعينها، راهنت عليها، وجعلتها نجومًا مشهورة، وأزعم أن الدكتور يوسف عز الدين عيسى لم يكن معروفًا ككاتب قصة أو كروائي، وقت أن بدأ مصطفى عبد الله عمله كمحرر أدبي بصفحة " أخبار الأدب ". إنما اشتهر ككاتب تمثيليات إذاعية، فحتى وصول عمره للخامسة والستين؛ لم يكن قد أصدر كتابًا أدبيًا واحدًا، فقد أصدر أول كتبه الأدبية، وهو روايته الرجل الذي باع رأسه عام 1979. لكن جريدة " الأخبار" قامت بحملة ناجحة ونشطة جعلت منه نجمًا، وحصل بسببها على جوائز الدولة.
ما أقصده هو أن تجاهل الصحافة لمجموعتنا، كان أحد أسبابه تقصيرنا في الوصول إلى الإعلام.
لكن قبل أن تنقل السيدة حُسن شاه إلى "دار الهلال" لترأس تحرير مجلة "الكواكب"، صدرت لي روايتان: "جبل ناعسة" و" الجهيني". فحققتا القليل من الشهرة ولفتتا الأنظار إلىّ، وتحدث مصطفى عبد الله في ندوة بمدينة الإسماعيلية، في غيابي، قائلًا ما معناه: إن الصفحة لم تمنح الاهتمام المستحق لكتاب يستحقون الاهتمام بهم، وفي مقدمتهم مصطفى نصر في الإسكندرية، ولكن ذلك لم يكن قط عن قصد أو سوء نية.
وبالفعل تحمست الصفحة لي وسلطت الأضواء على كتاباتي.
في ذلك الوقت تعرفت على جمال الغيطاني. فقد قرأ روايتي "الجهيني" وأعجب بها وكتب عنها في ملحق " آخر الأسبوع " الذي كان يشرف عليه الأستاذ الراحل أحمد الجندي – زوج الكاتبة سكينة فؤاد – فقد كان الغيطاني لا يتعامل مع صفحة " أخبار الأدب " في زمن حسن شاه.
تقابلت مع الغيطاني في الإسكندرية بعيدًا عن الصحافة الأدبية، كنا نتقابل في " قهوة الإسعاف " بالمنشية، وكان الساقي وأصحاب القهوة يعرفونه معرفة شخصية، ويبدون اهتمامًا خاصًا به. واقتربت من مصطفى عبد الله لقربه من محمد عبد الله عيسى - أقرب الأصدقاء المبدعين إلي - وقت أن كان يعمل بهيئة قناة السويس مسئولًا عن محطة مياه الشرب بالإسماعيلية. وقتها خلا منصب المشرف على الصفحة الأدبية، وبحث رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، ورئيس تحرير الأخبار الكاتب موسى صبري عمن يشغل هذا المنصب. وكانت التوقعات كلها تتجه إلى أن يعين مصطفى عبد الله مشرفًا على هذه الصفحة، التي أسهم مع حسن شاه في تأسيسها، لكنهم اختاروا جمال الغيطاني الأديب الكبير، والمعروف عالميًا، فقد ترجمت رواياته إلى الفرنسية، ثم الإنجليزية وغيرهما.
ومن المؤكد أن ذلك الأمر أثر في نفسية مصطفى، وكان رأي – صديقه - محمد عبد الله عيسى أن يتعاون مع الغيطاني، خاصة وأن مصطفى الأصغر سنًا، وسوف تأتيه الفرصة بعد ذلك. وحدث هذا، عمل مصطفى مع الغيطاني بحماس وصدق لمسناهما جميعًا، تمامًا كما كان يعمل مع حُسن شاه، بل واشترك مع الغيطاني في تأسيس جريدة " أخبار الأدب "، التي أصبح أول رئيس لتحريرها بعد تقاعد الغيطاني، وهو الذي كان له دور واضح في اختيار كوادرها من المحررين الشباب من أقاصي الصعيد ومن المناطق المهمشة التي لم تكن الصحافة تضعها في اعتبارها، فدربهم بإخلاص وبروح مخلوقة للنجاح.
كان مصطفى عبد الله يدرك ببصيرته الثاقبة إنني أعاني من أشياء تبعدني عن الوصول إلى الشهرة التي أستحقها؛ ومنها خجلي الزائد عن الحد. وإمكاناتي المادية التي لا تتيح لي التردد على الأماكن التي تسهم في تحقيق الانتشار للمبدع، فأذكر إنه طلب مقابلتي لأمر يهمني، ولم يجد وسيلة لذلك سوى أن يتصل هاتفيًا بسعيد سالم الذي كان يعمل معي في شركة واحدة، فلم يكن في بيتي تليفون!
وعندما قابلت مصطفى عبد الله بقصر ثقافة الحرية، قال لي:
- هو فيه أديب في مصر دلوقي ما عندوش تليفون؟!
كنت أذهب – كعادة كتاب الأقاليم – إلى مقار الجرائد والمجلات في زيارتي للقاهرة. فأقف أمام مكتب الاستقبال وأقول:
- زيارة للأستاذ مصطفى عبد الله.
وأصعد إلى القسم الأدبي، لأجلس إلى مصطفى عبد الله في صالة كبيرة تفتح على حجرة جمال الغيطاني، الذي خرج من باب حجرته فجأة. وقال لمصطفى:
- فين صورة مصطفى نصر؟
فابتسم له قائلًا:
- مصطفى نصر قدامك أهه.
فأخذني الغيطاني إلى حجرته وقال:
- أنت تجيني أنا.
لم يقدم لي كاتب ما قدمه جمال الغيطاني لي، (وهذا موضوع طويل يستحق مقالة مستقلة ) لكنني كنت أخجل منه، وأخجل من زوار حجرته الكثيرين.
00
وأعتقد أن مصطفى عبد الله يعتبر خبيرًا في التعامل مع الأدباء، والمسئولين عن العمل الثقافي.
وقد اجتمعنا معًا في مقر إقامة محمد عبد الله عيسى بالإسماعيلية وقت إنعقاد مؤتمر أدباء الأقاليم هناك: صبري موسى ومحمد السيد عيد وإبراهيم عبد المجيد وعبد العال الحمامصي ود. سيد حامد النساج وعبد الرحمن أبو عوف ومحمد الجمل وغيرهم. وتحدث النساج عن رأيه في الثقافة والأدب، وكان مصطفى، كعادته، يسجل الحوار، وعندما انتهى الشريط، تنبه النساج للتسجيل. فقال:
- أبقى وريني إللى حاتكتبه قبل النشر.
وهنا ثار مصطفى وسحب جهاز تسجيله في حدة وغضب، قائلًا:
- مش حانشره، هو أنا صغير علشان تقول لي كده؟!
وانتهت الأزمة بتدخل الحضور، ليستمر النساج في حديثه، ويكمل مصطفى تسجيله.
تحمس مصطفى عبد الله للكثيرين من الكتاب في الإسكندرية، وكان يتعامل معنا جميعًا وكأنه سكندري مثلنا، فقد كان أقرب الصحفيين للكتاب ولمسئولي الثقافة في الإسكندرية، وأذكر العمود الذي كان ينشره على صفحات جريدة " الأخبار" كل خميس، بعنوان " كاتب جديد" وكتب فيه عن كتاب لأول مرة يُكتبْ عنهم في الجرائد، أو تنشر صورهم بها .
وقدم خدمات إنسانية جليلة للجميع؛ كان يتصل به أديب سكندري، يطلب منه مساعدته لأنه قدم للحصول على منحة تفرغ، أو يطلب منه كاتب مساعدته في عرض إبداعه على شركة إنتاج تلفزيونيه لإنتاج مسلسله، أو يتصل به عدد كبير من السكندريين طالبين دعمه لهم لنيل الجوائز المصرية أو العربية التي تقدموا لنيلها. وقد كان محل ثقة كافة رؤساء قطاع الثقافة في الإسكندرية. فما أن تواجههم مشكلة، حتى يسرعون بالاتصال به لمساعدتهم في حلها لدى رؤسائهم في القاهرة، ولم يخذلهم مرة واحدة، لأنه كان مؤمنًا بالثغر وبأهمية من يقيمون به من مبدعين.
كان مصطفى عبد الله – المحرر الأدبي لجريدة الأخبار - صديقًا لكتاب ومثقفي، الإسكندرية، قريبًا من شعرائها: عبد المنعم الأنصاري وعبد العليم القباني وأحمد السمرة وإدوار حنا سعد ومحمد برهام ومحمد مكيوي وفؤاد طمان وعزبزة كاطو وغيرهم. لكن انحيازه الأكبر كان لكتاب القصة؛ فكان يرى أن أفضل مجموعة في مصر من القصاصين والروائيين هم كتاب الإسكندرية، فراهن عليهم.
ومما يؤكد هذا، إنه عندما تقابل مع القاص محمد عبد الله عيسى في الإسماعيلية- حيث كان يعمل بهيئة قناة السويس- نصحه بالاتصال بكتاب القصة في الساحة السكندرية، فأجابه عيسى: إنني سكندري الأصل، وكلهم أصدقائي.
كان هو الصحفي الأكثر نشاطًا في صفحة " أخبار الأدب " التي تصدر صباح كل أربعاء وتشرف عليها المرحومة الأستاذة حُسن شاه.
يأتي مصطفى عبد الله إلى الإسكندرية، فيقابل الكتاب الأكثر شهرة – في ذلك الوقت – دكتور يوسف عز الدين عيسى والأنصاري ومحمد الجمل وسعيد سالم ..وغيرهم.
وكنا نحن كتاب القصة نفاجأ بتسليط الأضواء عليهم دون أن يذكرنا أحد بشيء! رغم دورنا المهم في إصدار "مجلة القصة" بطريقة الماستر، وإقامة ندوة ناجحة مستمرة منذ أواخر الستينيات بقصر ثقافة الحرية.
وقد أدى ذلك التجاهل إلى إصابة الكثير منا بالأسى والحزن.
لكن بعد مرور سنوات طويلة على ما حدث، اكتشفت أن هذا كان طبيعيًا ومنطقيًا؛ فمجموعتنا، تستطيع أن تطلق عليها تسمية "البلوريتاريا " أمام مجموعة " البرجوازية "، المؤهلة للدعاية والظهور؛ فقد كنا نجتمع في قصر ثقافة الحرية، كل يوم إثنين، ونجتمع في بيت صديقنا عبد الله هاشم بباكوس، كل يوم جمعة. بينما المجموعة الأكثر رقيًا تجتمع في "بترو" مع: توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وثروت أباظة وغيرهم من كبار الكتاب. ثم في حديقة "سان استفانو" بعد رحيل الحكيم وهدم "بترو"، أو في كازينو "رشدي" على البحر مع الدكتور يوسف عز الدين عيسى. فمن الطبيعي أن يلتقي محررو الصفحات الأدبية بهم. كما أن أفراد مجموعتنا لم تكن لديهم القدرة على الدعاية والانتشار مثل الآخرين.
00
ركزت صفحة " أخبار الأدب " بجريدة الأخبار على شخصيات بعينها، راهنت عليها، وجعلتها نجومًا مشهورة، وأزعم أن الدكتور يوسف عز الدين عيسى لم يكن معروفًا ككاتب قصة أو كروائي، وقت أن بدأ مصطفى عبد الله عمله كمحرر أدبي بصفحة " أخبار الأدب ". إنما اشتهر ككاتب تمثيليات إذاعية، فحتى وصول عمره للخامسة والستين؛ لم يكن قد أصدر كتابًا أدبيًا واحدًا، فقد أصدر أول كتبه الأدبية، وهو روايته الرجل الذي باع رأسه عام 1979. لكن جريدة " الأخبار" قامت بحملة ناجحة ونشطة جعلت منه نجمًا، وحصل بسببها على جوائز الدولة.
ما أقصده هو أن تجاهل الصحافة لمجموعتنا، كان أحد أسبابه تقصيرنا في الوصول إلى الإعلام.
لكن قبل أن تنقل السيدة حُسن شاه إلى "دار الهلال" لترأس تحرير مجلة "الكواكب"، صدرت لي روايتان: "جبل ناعسة" و" الجهيني". فحققتا القليل من الشهرة ولفتتا الأنظار إلىّ، وتحدث مصطفى عبد الله في ندوة بمدينة الإسماعيلية، في غيابي، قائلًا ما معناه: إن الصفحة لم تمنح الاهتمام المستحق لكتاب يستحقون الاهتمام بهم، وفي مقدمتهم مصطفى نصر في الإسكندرية، ولكن ذلك لم يكن قط عن قصد أو سوء نية.
وبالفعل تحمست الصفحة لي وسلطت الأضواء على كتاباتي.
في ذلك الوقت تعرفت على جمال الغيطاني. فقد قرأ روايتي "الجهيني" وأعجب بها وكتب عنها في ملحق " آخر الأسبوع " الذي كان يشرف عليه الأستاذ الراحل أحمد الجندي – زوج الكاتبة سكينة فؤاد – فقد كان الغيطاني لا يتعامل مع صفحة " أخبار الأدب " في زمن حسن شاه.
تقابلت مع الغيطاني في الإسكندرية بعيدًا عن الصحافة الأدبية، كنا نتقابل في " قهوة الإسعاف " بالمنشية، وكان الساقي وأصحاب القهوة يعرفونه معرفة شخصية، ويبدون اهتمامًا خاصًا به. واقتربت من مصطفى عبد الله لقربه من محمد عبد الله عيسى - أقرب الأصدقاء المبدعين إلي - وقت أن كان يعمل بهيئة قناة السويس مسئولًا عن محطة مياه الشرب بالإسماعيلية. وقتها خلا منصب المشرف على الصفحة الأدبية، وبحث رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، ورئيس تحرير الأخبار الكاتب موسى صبري عمن يشغل هذا المنصب. وكانت التوقعات كلها تتجه إلى أن يعين مصطفى عبد الله مشرفًا على هذه الصفحة، التي أسهم مع حسن شاه في تأسيسها، لكنهم اختاروا جمال الغيطاني الأديب الكبير، والمعروف عالميًا، فقد ترجمت رواياته إلى الفرنسية، ثم الإنجليزية وغيرهما.
ومن المؤكد أن ذلك الأمر أثر في نفسية مصطفى، وكان رأي – صديقه - محمد عبد الله عيسى أن يتعاون مع الغيطاني، خاصة وأن مصطفى الأصغر سنًا، وسوف تأتيه الفرصة بعد ذلك. وحدث هذا، عمل مصطفى مع الغيطاني بحماس وصدق لمسناهما جميعًا، تمامًا كما كان يعمل مع حُسن شاه، بل واشترك مع الغيطاني في تأسيس جريدة " أخبار الأدب "، التي أصبح أول رئيس لتحريرها بعد تقاعد الغيطاني، وهو الذي كان له دور واضح في اختيار كوادرها من المحررين الشباب من أقاصي الصعيد ومن المناطق المهمشة التي لم تكن الصحافة تضعها في اعتبارها، فدربهم بإخلاص وبروح مخلوقة للنجاح.
كان مصطفى عبد الله يدرك ببصيرته الثاقبة إنني أعاني من أشياء تبعدني عن الوصول إلى الشهرة التي أستحقها؛ ومنها خجلي الزائد عن الحد. وإمكاناتي المادية التي لا تتيح لي التردد على الأماكن التي تسهم في تحقيق الانتشار للمبدع، فأذكر إنه طلب مقابلتي لأمر يهمني، ولم يجد وسيلة لذلك سوى أن يتصل هاتفيًا بسعيد سالم الذي كان يعمل معي في شركة واحدة، فلم يكن في بيتي تليفون!
وعندما قابلت مصطفى عبد الله بقصر ثقافة الحرية، قال لي:
- هو فيه أديب في مصر دلوقي ما عندوش تليفون؟!
كنت أذهب – كعادة كتاب الأقاليم – إلى مقار الجرائد والمجلات في زيارتي للقاهرة. فأقف أمام مكتب الاستقبال وأقول:
- زيارة للأستاذ مصطفى عبد الله.
وأصعد إلى القسم الأدبي، لأجلس إلى مصطفى عبد الله في صالة كبيرة تفتح على حجرة جمال الغيطاني، الذي خرج من باب حجرته فجأة. وقال لمصطفى:
- فين صورة مصطفى نصر؟
فابتسم له قائلًا:
- مصطفى نصر قدامك أهه.
فأخذني الغيطاني إلى حجرته وقال:
- أنت تجيني أنا.
لم يقدم لي كاتب ما قدمه جمال الغيطاني لي، (وهذا موضوع طويل يستحق مقالة مستقلة ) لكنني كنت أخجل منه، وأخجل من زوار حجرته الكثيرين.
00
وأعتقد أن مصطفى عبد الله يعتبر خبيرًا في التعامل مع الأدباء، والمسئولين عن العمل الثقافي.
وقد اجتمعنا معًا في مقر إقامة محمد عبد الله عيسى بالإسماعيلية وقت إنعقاد مؤتمر أدباء الأقاليم هناك: صبري موسى ومحمد السيد عيد وإبراهيم عبد المجيد وعبد العال الحمامصي ود. سيد حامد النساج وعبد الرحمن أبو عوف ومحمد الجمل وغيرهم. وتحدث النساج عن رأيه في الثقافة والأدب، وكان مصطفى، كعادته، يسجل الحوار، وعندما انتهى الشريط، تنبه النساج للتسجيل. فقال:
- أبقى وريني إللى حاتكتبه قبل النشر.
وهنا ثار مصطفى وسحب جهاز تسجيله في حدة وغضب، قائلًا:
- مش حانشره، هو أنا صغير علشان تقول لي كده؟!
وانتهت الأزمة بتدخل الحضور، ليستمر النساج في حديثه، ويكمل مصطفى تسجيله.
تحمس مصطفى عبد الله للكثيرين من الكتاب في الإسكندرية، وكان يتعامل معنا جميعًا وكأنه سكندري مثلنا، فقد كان أقرب الصحفيين للكتاب ولمسئولي الثقافة في الإسكندرية، وأذكر العمود الذي كان ينشره على صفحات جريدة " الأخبار" كل خميس، بعنوان " كاتب جديد" وكتب فيه عن كتاب لأول مرة يُكتبْ عنهم في الجرائد، أو تنشر صورهم بها .
وقدم خدمات إنسانية جليلة للجميع؛ كان يتصل به أديب سكندري، يطلب منه مساعدته لأنه قدم للحصول على منحة تفرغ، أو يطلب منه كاتب مساعدته في عرض إبداعه على شركة إنتاج تلفزيونيه لإنتاج مسلسله، أو يتصل به عدد كبير من السكندريين طالبين دعمه لهم لنيل الجوائز المصرية أو العربية التي تقدموا لنيلها. وقد كان محل ثقة كافة رؤساء قطاع الثقافة في الإسكندرية. فما أن تواجههم مشكلة، حتى يسرعون بالاتصال به لمساعدتهم في حلها لدى رؤسائهم في القاهرة، ولم يخذلهم مرة واحدة، لأنه كان مؤمنًا بالثغر وبأهمية من يقيمون به من مبدعين.