محمد فائد البكري - كان شاعراً بأمر الله، شاعراً قديراً وقديماً، ويحب الفاصوليا ! (1)

هو من الشعراء الذين كثر حولهم الغاوون، لم يكن من أصدقاء قصيدة النثر، ولا من جيرانها الطيبين، وكما قال نوعا ما يحب قصيدة التفعيلة، كما يحب التتبيلة ويحب المايونيز، ويكره الشعراء الذين يظهرون في النصف الثاني من القرن العشرين ويحدقون في النصف الفارغ من الكأس والنصف الأول من الهاوية.
أما هو فكان يرى أن القصيدة تبدأ خطوتها الأولى من الذات ولا يهم بعد ذلك أين تتوقف. لا يهم إن كانت ستقف على الناصية أو ستدخل إلى الحارات الجانبية والأزقة المظلمة أو ستعود إلى البيت مكسورة القلب والوزن والقافية.
لا يتحدث كثيراً عن نوع القصيدة التي يكتبها،لكنه لا يمانع من أن ينسب إلى القصيدة الجديدة، ولا يهتم بمقاسها أو لونها. المهم أن تكون قصيدة جديدة، وكل الذين لا تعجبه أشعارهم يصبحون لاشعراء أو شعراء قدماء جداً أو شعراء الزفة القومية، ويصف بعضهم بالهاربين من المتاحف أو الهاربين من كتب التاريخ
في الأمسية التي أعدت على شرفه في أحد المراكز الثقافية تنحنح طويلاً ذات اليمين وذات الشمال ثم قال بعد تنهيدة مثالية: أشعر أن الوطن لا يحتاج إلى شعراء ولا إلى روائيين فالثرثارون بالفطرة في كل مكان وهم أكثر من الفطريات، وكثيرٌ منهم صاروا سياسيين بالوراثة وقادة وطنيين وصرافين ومحللين سياسيين وأساتذة جامعات ومشعوذين ومعالجين بالقرآن، الوطن يحتاج إلى الصمت والكثير من العمل، قال ذلك وأوشك أن يبكي وكأنه يقرأ بيان نعي.
وبعد أن اشتعل التصفيق تنحنح ثانيةً ونظر في الوجوه واشرأب وقرأ عشرين قصيدة فقط وسبع عشرة مقطوعة من القطع الطويل ولم يبخل على أسماع الحاضرين بقصيدتين عن فلسطين التي أكلها الصدأ والعرب الذين يناضلون بالقصائد والبيانات والحماس الثوري. وقصيدتين عن ياسر عرفات الذي مات واقفاً كالشجر وقصيدة عن الأقصى الذي دنسه الصهاينة وقصيدة عن محمد الدرة البطل الذي حرر الوطن العربي من الخوف، أو هكذا قال.
كان شاعراً أصيلاً زاهداً في كل شيءٍ، وحريصاً على أن يقول إنه زاهد خشية أن يخطىء أحدٌ في وصفه أو في تقدير سبب عدم ظهوره على قنوات اليوتيوب وسبب اكتفائه بقنوات التلفزيون.
حين سأله أحدهم في تلك الأمسية عن نوع للشعر الذي يكتبه، قال: أكتب الشعر فقط.
هل الشعر أنواع وأصناف؟
صفقت الحاضرون بشدة وشعر بالنشوة وقال: هل هناك شعر درجة أولى وشعر درجة ثانية؟ هل هناك شعر فاخر وشعر فاتر؟ وتداعت الثنائيات فلم يتوقف عن التساؤل: هل هناك شعر بالمايونيز وشعر كامل الدسم؟
....إلخ ،إلخ.
وكانت إلخ تصدر بصوته الفخيم كما لو أنه يستعد للفظ نخامة في وجوه الحاضرين.
لم يكن صفيقاً او فيسبوكياً كان شاعراً فحسب وأحياناً يأخذه الحماس إلى أبعد مما تحتمل اللغة أو يحتمل الخيال الثوري.
في تلك المرة وهو على المنصة يستعيد بعض ذكرياته العابرة للقارات عن أول قصيدة كتبها، قال: أنا لاةاكتب القصيدة ، القصيدة هي التي تكتبني! وعاد إلى الخلف مسترخياً وانتظر التصفيق قليلاً ، فلما لم يسمع شيئاً، قضم نصف شفته وتنهد تنهيدة وطنية حرة، وقال: الشعر؟إلهامٌ ووحيٌ وهبةٌربانية.
وهنا قال أحد الحاضرين: إذن! أين الإبداع وأين التجديد في الشعر؟
وهنا لم يحتمل الشاعر القدير السؤال وهبَّ في وجه الميكرفون صارخاً: أنا لست من الشعراء الذين ينمقون الكلمات أنا شاعر قضية خلقني الله لأكون مدافعاً عنها، وهكذا صار شاعراً بأمر الله، وصارت له بفضل الله كل هذه الشهرة الطافحة.
في المناسبات التالية كان موقفه من شعراء ثمة وشعراء الري بالتقطير وشعراء الرز بالملوخية موقفاً معتدلاً ومليئاً بالحكمة والوطنية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى