توطئة:
لعل ذلك الكتاب الجزيل المباحث والجم الفوائد الذي ألفه عن علم وفصّله عن ادراك الدكتور النابه محمد غنيمي هلال الذي بسط فيه علم الأدب المقارن بسطاً وافياً وتوسع في بيانه توسعاً شاملاً قد أرسى الدعائم التي نهض بها ذلك الضرب من العلوم في عالمنا العربي، ففي سفره المسهب الشرح والمشبع الفصول مدداً لا ينقطع من المعلومات ومنبعاً لا ينضب من المعرفة،رغم أن مؤلفه سدد الله خلته ووسد ضريحه الجنة قد تحيز لحزب، وتعصب لمذهب، فالدكتور هلال اقتصرت مادة كتابه الذائع الصيت على المدرسة الفرنسية الذي سار في حواشيها المترعة بالجمال ونهل من السوربون جامعتها المتوهجة بالفكر والمزدانة بالعلوم ولم يتعداها إلي المدرسة الأمريكية. والحقيقة التي يتحتم علينا بسطها هنا أن الكتاب الذي خطه يراع الدكتور هلال كتاب يبهر العيون ويخلب الأفئدة وأن الكتب التي أتت من بعده اقتبست من خلاله،واقتدت بخصاله فغنيمي نموذجاً احتداه اللاحقون. وحري بي قبل أن أدلف إلي تلك الدوحة الوارفة الظلال أن أتي بنبذة عن صاحبها رائد الأدب الطريف، وسيده الغطريف الدكتور محمد غنيمي هلال.
محمد غنيمي هلال في أسطر:
ولد الدكتور محمد غنيمي هلال "في قرية سلامنت من أعمال مركز بلبيس بمحافظة الشرقية. في الثامن عشر من مارس سنة 1916هـ، وتلقي تعليمه الابتدائي والثانوي في المعهد الديني التابع للأزهر الشريف بمدينة الزقازيق وفي سنة 1937 التحق بدار العلوم وتخرج فيها سنة 1941 وكان أصغر الخريجين سناً إذ لم تزد سنه يومئذ على الخامسة والعشرين". وعمل بعد تخرجه مباشرة معلماً للغة العربية لمدة أربعة سنوات، وفي "ديسمبر سنة 1945 سافر إلي فرنسا في أول بعثة مصرية إلي أوربا بعد الحرب الثانية".ومكث في باريس سبعة سنوات من عمره القصير حصل في غضونها من جامعة السوربون على درجة الليسانس في الآداب ثم على درجة الدكتوراة الدولة سنة 1952 في مادة جديدة على الجامعة المصرية هي الأدب المقارن. وفي مايو سنة 1952 عاد إلي مصر حيث عمل محاضراً ثم أستاذاً مساعداً للأدب المقارن والنقد الأدبي بكلية دار العلوم، وظل يؤدي رسالته العلمية في الكلية حتى سنة 1961 حيث انتدب في أثناء عمله بكلية دار العلوم للتدريس بالجامعة الأمريكية-قسم اللغات الشرقية- وفي سنة 1963 نقل إلي كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر أستاذا ورئيساً لقسم الدراسات العربية، وفي عام 1966 أعير لكلية الآداب بجامعة الخرطوم وظل يعمل بها حتى داهمه المرض في أواخر عام 1967 فلازم الفراش حوالي ثلاثة أشهر عاد بعدها للقاهرة في مارس عام 1968 ولما يتحقق شفاؤه في القاهرة قررت وزارة التعليم العالي علاجه على نفقة الدولة في الخارج ولكن علقته أوهاق المنية قبل أن يتحقق ذلك، ومضى إلي ربه في 26 يوليو 1968 مخلفاً ثروة فكرية ضخمة من الكتب المطبوعة والمخطوطة".
بعض من ثاره:
1-الحياة العاطفية بين العذرية والصوفية، القاهرة.
2-الأدب المقارن- الطبعة الأولى،القاهرة،سنة 1953.
3-دور الأدب المقارن في توجيه دراسات الأدب العربي المعاصر.
4-النماذج الإنسانية في الدراسات الأدبية المقارنة.
5-في النقد التطبيقي والمقارن.
6-دراسات أدبية مقارنة.
7-دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده
8-الرومانتكية- الطبعة الأولى، القاهرة،سنة 1956.
9-النقد الأدبي الحديث، الطبعة الثالثة، القاهرة، سنة 1964.
10-السكير-قصة للكاتب الألماني هانس فلادا، مراجعة الترجمة مع تقديم للقصة بتكليف من وزارة التربية والتعليم المصرية.
11-جون بول سارتر:"ما الأدب؟" ترجمة وتعليق وتقديم سنة 1961.
12-ليلى والمجنون: أو الحب الصوفي للشاعر الفارسي عبدالرحمن الجامي-ترجمة مع مقدمة وتعليق على الترجمة لشرح اشاراتها التاريخية والفلسفية وبيان مصادرها العربية.
8- الموافق الأدبية.
9- نماذج إنسانية من الأدب المقارن.
10-في النقد المسرحي.
الأدب المقارن:
الحقية التي لايغالي فيها أحد أن كتاب الأدب المقارن للدكتور هلال قد استوعب أصول هذا العلم واحاط بفروعه لأن ناظمه لا يطيش له سهم ولا يسقط له فهم في ذلك المجال الذي كان قوياً فيه بالطبع وأحكم صنعته بالدراسة، فإننا على ضوء ذلك نستطيع أن نقرر بإطمئنان رغم أنه قد مضت عدة عقود من تأليفه لتلك الدوحة الفينانة إلا أنه لايزال أهم الكتب في مجال الدراسات الأدبية المقارنة النظرية في العالم العربي عموماً، لأن مادة الدكتور هلال تختلف عن بقية المواد التي أخرجوها لنا تلك العقول التي اعتمدت على رصيدها الثقافي العام "وعلى هذا فهو أعمق الكتب تأثيراً في مسار الدراسات النظرية في حقل الأدب المقارن على الإطلاق، وكل الكتب التي عرضت بعده للنظرية الفرنسية اعتمدت عليه بصورة اساسية، وبعضها الآخر كان ينمى بعض أفكارة ومداخله، بعضها الثالث لم يكن أكثر من مجرد تخليص له أو لبعض ماجاء فيه مع تحويرات كثيرة أوقليلة فى الترتيب أو الصياغة." فلقد كانت فكرة الكتاب واضحة جلية في ذهن المؤلف الذي لم يجد عنتاً ولا مشقة في بسطها وتدعيمها بالأدلة والبراهين التي تؤكد صحة ما ذهب إليه، الأمر الذي هيأ للقارئ أن يلتقط أفكاره في يسر ويتداولها دون تعقيد، والكتاب في كنهه ومحتواه لوحة موشاة تضج ألقا وبهاء، تجد بين ثنياها أثراً يلهمك، أو فصلاً يكلمك، لوحة جلى لنا غامضها وقرر قواعدها وكشف لنا عن مفاتنها أستاذ كانت حياته مسرحاً تركض فيه المصائب ومرتعاً تتسابق إليه النكبات، أستاذ له أياد سابغات على كل من جمعته علائق ود شفيف بالأدب وهوى عنيف بالنقد، أستاذ وضع المنهج الدقيق الذي يجب أن يسلكه كل من أراد أن يمضي في طريق عبّده بجهوده المضنية، وزلله بذهنه الثاقب، ذهن يبحث، ويتقصى، وينقب في "مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة. وفي حاضرها أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر، أياً كانت مظاهر ذلك التأثير أو التأثر".
أهم الأفكار التي حواها الكتاب:
لقد حوى الأدب المقارن العديد من الحقائق على شاكلة أن قوام الأدب المقارن ونظامه هو الموضوعات والصلات الفنية التي تربط بين آداب الشعوب، وبرهن الدكتور أن "الحدود الفاصلة بين تلك الآداب هي اللغات، فالكاتب أو الشاعر إذا كتب كلاهما بالعربية عددنا أدبه عربياً مهما كان جنسه البشري الذي انحدر منه، فلغات الآداب هي ما يعتد به الأدب المقارن في دراسة التأثير والتأثر المتبادلين بينها. وأن الجدوى من الأدب المقارن هو الكشف عن مصادر التيارات الفنية والفكرية للأدب القومي، وكل أدب قومي يلتقي حتماً في عصور نهضاته بالآداب العالمية، ويتعاون معها في توجيه الوعي الإنساني أو القومي، ويكمل وينهض بهذا الإلتقاء؛ وذهب الدكتور إلي أن مناهج الأدب المقارن ومجالات بحثه مستقلة عن مناهج الأدب والنقد، لأنه يستلزم ثقافة خاصة بها يستطاع التعمق في مواطن تلاقي الآداب العالمية. وأكد أن أهمية الأدب المقارن لا تقف أهميته عند حدود دراسة التيارات الفكرية والأجناس الأدبية، والقضايا الإنسانية في الفن، بل لأنه يكشف عن جوانب تأثر الكتاب في الأدب القومي بالآداب العالمية. وما أغزر جوانب هذا التأثر، وما أعمق معناها لدى كبار الكتاب في كل دولة. ونبه إلي أن ميدان الأدب المقارن لا يقتصر على دراسة الاستعارات الصريحة وانتقال الأفكار والموضوعات والنماذج الأدبية للأشخاص من أدب إلى آخر، بل يشمل أيضاً دراسة نوع التأثير الذي اصطبغ به الكاتب في لغته التي يكتب بها بعد أن استفاد من آداب أخرى. وفند الدكتور هلال في سفره القيم أن تأثر كاتباً ما في دولة ما بكاتب آخر في دولة أخرى دلالة على ضعف غميزته وهشاشة حشاشته، ذاكراً أنه لن يضير كاتباً مهما بلغ شأؤه وعبقريته ومهما سما في كتاباته من أن يتأثر بانتاج الآخرين، فلكل فكرة ذات قيمة في العالم المتمدن جذورها في تاريخ الفكر الإنساني الذي هو ميراث الناس عامة، وتراث ذوي المواهب منهم بصفة خاصة. يقول "بول فاليري في كتابه choses vues: " لا شئ أدعى إلي ابراز أصالة الكاتب وشخصيته من أن يتغذى بآراء الأخرين؛ فما الليث إلا عدة خراف مهضومة".
وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نؤكد بيقين لا يخالطه ريب أو ينازعه شك، أن الأدب المقارن لا يقتصر دوره على عرض الحقائق؛ بل يشرحها شرحاً مدعماً بالبراهين والنصوص من الآداب التي يدرسها. والأدب المقارن يتناول الصلات العامة بين الآداب، ولكن لا غنى له من النفوذ إلي جوانب كل أدب ليتبين فيها ما هو قومي وما هو دخيل، وليبين جدوى اللقاح الأجنبي في اخصاب الأدب القومي وتكثير ثمراته.
إذن الأدب المقارن يرسم سير الآداب في علاقاتها بعضها ببعض ويشرح خطة ذلك السير، ويعضد من اذكاء الحيوية بينها، ويهدي إلي تفاهم الشعوب وتقاربها في تراثها الفكري. كما أنه يساعد الآداب القومية من الخروج على عزلتها".
المواضيع التي تطرق إليها المؤلف في كتابه:
كتاب الأدب المقارن يتألف في محتواه على محورين أساسين هما تاريخ الأدب المقارن، وميادين البحث فيه، ويحتوي كل اطار أو محور على عدة مباحث فرعية؛ "حيث يشمل المحور الأول محورين فرعيين: أولهما مفهوم الأدب المقارن الذي تبلور واستقر له عبر رحلته التاريخية في أوربا، والثاني عدة الباحث في الأدب المقارن، أما المحور العام الثاني فقد اشتمل على محور اضافي هو مناهج البحث في كل ميدان من ميادين البحث في الأدب المقارن. وجدير بالذكر أن المحور الثاني قد استحوذ على القدر الأكبر من اهتمام المؤلف وصفحات الكتاب، حيث احتل هذا المحور في جميع طبعات الكتاب ما يزيد على ثلاثة أرباع صفحات الكتاب". ونجد أن المؤلف وسد الله قبره الجنة قد أوفى الحديث عن عالمية الأدب وعواملها واستفاض في الأجناس الأدبية وتحدث باسهاب عن المواقف الأدبية والنماذج البشرية وأتى بالأمثلة والشواهد على تأثير الكُتاب في أدب ما على الآداب الأخرى، كما أنه درس المصادر واماط اللثام الآداب القومية للبلاد والشعوب الأخرى، لينهي سفره الذي لا غنى عنه لدراس الأدب بخاتمة عن الأدب المقارن والأدب العام مؤكداً أن" كل أدب لا يتسطيع أن يعيش بمعزل عما سواه من الأدب دون أن يصيبه الوهن والذبول، ومن أن أجمل نواحي الأدب القومي قد تعتمد في مصدرها على لقاح أجنبي تساعد على ازدهار تلك النواحي في الأدب القومي هذا إلي أن من فروع الأدب المقارن ما يساعد على فهم الأمة لنفسها، برؤيتها صورتها في آداب غيرها، وتلك دروس وعظات بالغات في تربية الشعب وتبوئه مكانته بين الشعوب".
خاتمة:
الدكتور محمد غنيمي هلال الذي استفاض ذكره على الألسنة قبل أن تهصره يد الردى وتطويه الغبراء سطر مدونات تلاقفتها الأيدي، والتهمتها العيون، وأصغت إليها الأفئدة، لأنها ترفع عن العقل آصار الجاهلية، وتدخل على النفس قبسا ً من نور المعرفة، وتلقئ في روع قارئها أن الإنسان لا يستطيع أن يشيح بوجهه عن آداب العالم، ولا يصم أذنيه عن دويها الذي تستك منه الأسماع، فمن بلادة الحس، وخمود العاطفة، أن ينذوي كل شعب على ذاته، ويتقوقع كل أدب على نفسه. حينها تغشى الأرض غيوم الجهل الداكنة، ويهيم في أصقاعها بوار العصبية والسخيمة الذي يلفظ كل خير، ويجلب كل شر.
الطيب عبدالرازق النقرعبدالكريم
الجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا
لعل ذلك الكتاب الجزيل المباحث والجم الفوائد الذي ألفه عن علم وفصّله عن ادراك الدكتور النابه محمد غنيمي هلال الذي بسط فيه علم الأدب المقارن بسطاً وافياً وتوسع في بيانه توسعاً شاملاً قد أرسى الدعائم التي نهض بها ذلك الضرب من العلوم في عالمنا العربي، ففي سفره المسهب الشرح والمشبع الفصول مدداً لا ينقطع من المعلومات ومنبعاً لا ينضب من المعرفة،رغم أن مؤلفه سدد الله خلته ووسد ضريحه الجنة قد تحيز لحزب، وتعصب لمذهب، فالدكتور هلال اقتصرت مادة كتابه الذائع الصيت على المدرسة الفرنسية الذي سار في حواشيها المترعة بالجمال ونهل من السوربون جامعتها المتوهجة بالفكر والمزدانة بالعلوم ولم يتعداها إلي المدرسة الأمريكية. والحقيقة التي يتحتم علينا بسطها هنا أن الكتاب الذي خطه يراع الدكتور هلال كتاب يبهر العيون ويخلب الأفئدة وأن الكتب التي أتت من بعده اقتبست من خلاله،واقتدت بخصاله فغنيمي نموذجاً احتداه اللاحقون. وحري بي قبل أن أدلف إلي تلك الدوحة الوارفة الظلال أن أتي بنبذة عن صاحبها رائد الأدب الطريف، وسيده الغطريف الدكتور محمد غنيمي هلال.
محمد غنيمي هلال في أسطر:
ولد الدكتور محمد غنيمي هلال "في قرية سلامنت من أعمال مركز بلبيس بمحافظة الشرقية. في الثامن عشر من مارس سنة 1916هـ، وتلقي تعليمه الابتدائي والثانوي في المعهد الديني التابع للأزهر الشريف بمدينة الزقازيق وفي سنة 1937 التحق بدار العلوم وتخرج فيها سنة 1941 وكان أصغر الخريجين سناً إذ لم تزد سنه يومئذ على الخامسة والعشرين". وعمل بعد تخرجه مباشرة معلماً للغة العربية لمدة أربعة سنوات، وفي "ديسمبر سنة 1945 سافر إلي فرنسا في أول بعثة مصرية إلي أوربا بعد الحرب الثانية".ومكث في باريس سبعة سنوات من عمره القصير حصل في غضونها من جامعة السوربون على درجة الليسانس في الآداب ثم على درجة الدكتوراة الدولة سنة 1952 في مادة جديدة على الجامعة المصرية هي الأدب المقارن. وفي مايو سنة 1952 عاد إلي مصر حيث عمل محاضراً ثم أستاذاً مساعداً للأدب المقارن والنقد الأدبي بكلية دار العلوم، وظل يؤدي رسالته العلمية في الكلية حتى سنة 1961 حيث انتدب في أثناء عمله بكلية دار العلوم للتدريس بالجامعة الأمريكية-قسم اللغات الشرقية- وفي سنة 1963 نقل إلي كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر أستاذا ورئيساً لقسم الدراسات العربية، وفي عام 1966 أعير لكلية الآداب بجامعة الخرطوم وظل يعمل بها حتى داهمه المرض في أواخر عام 1967 فلازم الفراش حوالي ثلاثة أشهر عاد بعدها للقاهرة في مارس عام 1968 ولما يتحقق شفاؤه في القاهرة قررت وزارة التعليم العالي علاجه على نفقة الدولة في الخارج ولكن علقته أوهاق المنية قبل أن يتحقق ذلك، ومضى إلي ربه في 26 يوليو 1968 مخلفاً ثروة فكرية ضخمة من الكتب المطبوعة والمخطوطة".
بعض من ثاره:
1-الحياة العاطفية بين العذرية والصوفية، القاهرة.
2-الأدب المقارن- الطبعة الأولى،القاهرة،سنة 1953.
3-دور الأدب المقارن في توجيه دراسات الأدب العربي المعاصر.
4-النماذج الإنسانية في الدراسات الأدبية المقارنة.
5-في النقد التطبيقي والمقارن.
6-دراسات أدبية مقارنة.
7-دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده
8-الرومانتكية- الطبعة الأولى، القاهرة،سنة 1956.
9-النقد الأدبي الحديث، الطبعة الثالثة، القاهرة، سنة 1964.
10-السكير-قصة للكاتب الألماني هانس فلادا، مراجعة الترجمة مع تقديم للقصة بتكليف من وزارة التربية والتعليم المصرية.
11-جون بول سارتر:"ما الأدب؟" ترجمة وتعليق وتقديم سنة 1961.
12-ليلى والمجنون: أو الحب الصوفي للشاعر الفارسي عبدالرحمن الجامي-ترجمة مع مقدمة وتعليق على الترجمة لشرح اشاراتها التاريخية والفلسفية وبيان مصادرها العربية.
8- الموافق الأدبية.
9- نماذج إنسانية من الأدب المقارن.
10-في النقد المسرحي.
الأدب المقارن:
الحقية التي لايغالي فيها أحد أن كتاب الأدب المقارن للدكتور هلال قد استوعب أصول هذا العلم واحاط بفروعه لأن ناظمه لا يطيش له سهم ولا يسقط له فهم في ذلك المجال الذي كان قوياً فيه بالطبع وأحكم صنعته بالدراسة، فإننا على ضوء ذلك نستطيع أن نقرر بإطمئنان رغم أنه قد مضت عدة عقود من تأليفه لتلك الدوحة الفينانة إلا أنه لايزال أهم الكتب في مجال الدراسات الأدبية المقارنة النظرية في العالم العربي عموماً، لأن مادة الدكتور هلال تختلف عن بقية المواد التي أخرجوها لنا تلك العقول التي اعتمدت على رصيدها الثقافي العام "وعلى هذا فهو أعمق الكتب تأثيراً في مسار الدراسات النظرية في حقل الأدب المقارن على الإطلاق، وكل الكتب التي عرضت بعده للنظرية الفرنسية اعتمدت عليه بصورة اساسية، وبعضها الآخر كان ينمى بعض أفكارة ومداخله، بعضها الثالث لم يكن أكثر من مجرد تخليص له أو لبعض ماجاء فيه مع تحويرات كثيرة أوقليلة فى الترتيب أو الصياغة." فلقد كانت فكرة الكتاب واضحة جلية في ذهن المؤلف الذي لم يجد عنتاً ولا مشقة في بسطها وتدعيمها بالأدلة والبراهين التي تؤكد صحة ما ذهب إليه، الأمر الذي هيأ للقارئ أن يلتقط أفكاره في يسر ويتداولها دون تعقيد، والكتاب في كنهه ومحتواه لوحة موشاة تضج ألقا وبهاء، تجد بين ثنياها أثراً يلهمك، أو فصلاً يكلمك، لوحة جلى لنا غامضها وقرر قواعدها وكشف لنا عن مفاتنها أستاذ كانت حياته مسرحاً تركض فيه المصائب ومرتعاً تتسابق إليه النكبات، أستاذ له أياد سابغات على كل من جمعته علائق ود شفيف بالأدب وهوى عنيف بالنقد، أستاذ وضع المنهج الدقيق الذي يجب أن يسلكه كل من أراد أن يمضي في طريق عبّده بجهوده المضنية، وزلله بذهنه الثاقب، ذهن يبحث، ويتقصى، وينقب في "مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة. وفي حاضرها أو في ماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر، أياً كانت مظاهر ذلك التأثير أو التأثر".
أهم الأفكار التي حواها الكتاب:
لقد حوى الأدب المقارن العديد من الحقائق على شاكلة أن قوام الأدب المقارن ونظامه هو الموضوعات والصلات الفنية التي تربط بين آداب الشعوب، وبرهن الدكتور أن "الحدود الفاصلة بين تلك الآداب هي اللغات، فالكاتب أو الشاعر إذا كتب كلاهما بالعربية عددنا أدبه عربياً مهما كان جنسه البشري الذي انحدر منه، فلغات الآداب هي ما يعتد به الأدب المقارن في دراسة التأثير والتأثر المتبادلين بينها. وأن الجدوى من الأدب المقارن هو الكشف عن مصادر التيارات الفنية والفكرية للأدب القومي، وكل أدب قومي يلتقي حتماً في عصور نهضاته بالآداب العالمية، ويتعاون معها في توجيه الوعي الإنساني أو القومي، ويكمل وينهض بهذا الإلتقاء؛ وذهب الدكتور إلي أن مناهج الأدب المقارن ومجالات بحثه مستقلة عن مناهج الأدب والنقد، لأنه يستلزم ثقافة خاصة بها يستطاع التعمق في مواطن تلاقي الآداب العالمية. وأكد أن أهمية الأدب المقارن لا تقف أهميته عند حدود دراسة التيارات الفكرية والأجناس الأدبية، والقضايا الإنسانية في الفن، بل لأنه يكشف عن جوانب تأثر الكتاب في الأدب القومي بالآداب العالمية. وما أغزر جوانب هذا التأثر، وما أعمق معناها لدى كبار الكتاب في كل دولة. ونبه إلي أن ميدان الأدب المقارن لا يقتصر على دراسة الاستعارات الصريحة وانتقال الأفكار والموضوعات والنماذج الأدبية للأشخاص من أدب إلى آخر، بل يشمل أيضاً دراسة نوع التأثير الذي اصطبغ به الكاتب في لغته التي يكتب بها بعد أن استفاد من آداب أخرى. وفند الدكتور هلال في سفره القيم أن تأثر كاتباً ما في دولة ما بكاتب آخر في دولة أخرى دلالة على ضعف غميزته وهشاشة حشاشته، ذاكراً أنه لن يضير كاتباً مهما بلغ شأؤه وعبقريته ومهما سما في كتاباته من أن يتأثر بانتاج الآخرين، فلكل فكرة ذات قيمة في العالم المتمدن جذورها في تاريخ الفكر الإنساني الذي هو ميراث الناس عامة، وتراث ذوي المواهب منهم بصفة خاصة. يقول "بول فاليري في كتابه choses vues: " لا شئ أدعى إلي ابراز أصالة الكاتب وشخصيته من أن يتغذى بآراء الأخرين؛ فما الليث إلا عدة خراف مهضومة".
وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نؤكد بيقين لا يخالطه ريب أو ينازعه شك، أن الأدب المقارن لا يقتصر دوره على عرض الحقائق؛ بل يشرحها شرحاً مدعماً بالبراهين والنصوص من الآداب التي يدرسها. والأدب المقارن يتناول الصلات العامة بين الآداب، ولكن لا غنى له من النفوذ إلي جوانب كل أدب ليتبين فيها ما هو قومي وما هو دخيل، وليبين جدوى اللقاح الأجنبي في اخصاب الأدب القومي وتكثير ثمراته.
إذن الأدب المقارن يرسم سير الآداب في علاقاتها بعضها ببعض ويشرح خطة ذلك السير، ويعضد من اذكاء الحيوية بينها، ويهدي إلي تفاهم الشعوب وتقاربها في تراثها الفكري. كما أنه يساعد الآداب القومية من الخروج على عزلتها".
المواضيع التي تطرق إليها المؤلف في كتابه:
كتاب الأدب المقارن يتألف في محتواه على محورين أساسين هما تاريخ الأدب المقارن، وميادين البحث فيه، ويحتوي كل اطار أو محور على عدة مباحث فرعية؛ "حيث يشمل المحور الأول محورين فرعيين: أولهما مفهوم الأدب المقارن الذي تبلور واستقر له عبر رحلته التاريخية في أوربا، والثاني عدة الباحث في الأدب المقارن، أما المحور العام الثاني فقد اشتمل على محور اضافي هو مناهج البحث في كل ميدان من ميادين البحث في الأدب المقارن. وجدير بالذكر أن المحور الثاني قد استحوذ على القدر الأكبر من اهتمام المؤلف وصفحات الكتاب، حيث احتل هذا المحور في جميع طبعات الكتاب ما يزيد على ثلاثة أرباع صفحات الكتاب". ونجد أن المؤلف وسد الله قبره الجنة قد أوفى الحديث عن عالمية الأدب وعواملها واستفاض في الأجناس الأدبية وتحدث باسهاب عن المواقف الأدبية والنماذج البشرية وأتى بالأمثلة والشواهد على تأثير الكُتاب في أدب ما على الآداب الأخرى، كما أنه درس المصادر واماط اللثام الآداب القومية للبلاد والشعوب الأخرى، لينهي سفره الذي لا غنى عنه لدراس الأدب بخاتمة عن الأدب المقارن والأدب العام مؤكداً أن" كل أدب لا يتسطيع أن يعيش بمعزل عما سواه من الأدب دون أن يصيبه الوهن والذبول، ومن أن أجمل نواحي الأدب القومي قد تعتمد في مصدرها على لقاح أجنبي تساعد على ازدهار تلك النواحي في الأدب القومي هذا إلي أن من فروع الأدب المقارن ما يساعد على فهم الأمة لنفسها، برؤيتها صورتها في آداب غيرها، وتلك دروس وعظات بالغات في تربية الشعب وتبوئه مكانته بين الشعوب".
خاتمة:
الدكتور محمد غنيمي هلال الذي استفاض ذكره على الألسنة قبل أن تهصره يد الردى وتطويه الغبراء سطر مدونات تلاقفتها الأيدي، والتهمتها العيون، وأصغت إليها الأفئدة، لأنها ترفع عن العقل آصار الجاهلية، وتدخل على النفس قبسا ً من نور المعرفة، وتلقئ في روع قارئها أن الإنسان لا يستطيع أن يشيح بوجهه عن آداب العالم، ولا يصم أذنيه عن دويها الذي تستك منه الأسماع، فمن بلادة الحس، وخمود العاطفة، أن ينذوي كل شعب على ذاته، ويتقوقع كل أدب على نفسه. حينها تغشى الأرض غيوم الجهل الداكنة، ويهيم في أصقاعها بوار العصبية والسخيمة الذي يلفظ كل خير، ويجلب كل شر.
الطيب عبدالرازق النقرعبدالكريم
الجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا