سألتني صديقة عن كتب إيروتيكية عربية حديثة، روايات أو نصوص أو سيرة أو غيره، فلم يخطر في بالي سوى اسم كتاب أو اثنين مما قرأتُ في السابق، ثم استعنتُ بمحرك البحث غوغل، لعله يسعفني بأسماء كتب أخرى، لكن حاله كحالي، إذ اقترح علي الكتابين نفسهما، إضافة إلى كتب عربية تراثية (وما أكثرها) جرى تصنيفها كتبا إيروتيكية، في مقدمتها "ألف ليلة وليلة" بأجزائه الأربعة (في طبعاته العربية الأولى في بدايات القرن الماضي كانت حكايات ليالي شهرزاد وشهريار قد وضعت كما هي، بما تحويه من ألفاظ ومسمّيات عديدة للأعضاء الجنسية ولفعل الجنس. لاحقا بدأت تصدر طبعات "مهذبة"، حذفت منها الكلمات التي "تخدش الحياء"، ليفقد معه الكتاب كثيرا من متعة قراءته). أما باقي الكتب التراثية التي اقترحها محرّك البحث فهي من الكثرة بحيث يصعب ذكرها هنا، وتحتوي عناوين بعضها ألفاظا لا تقبلها الرقابة العربية في أي مكان، ولا يقبلها قارئ عربي يستفزّ شرفه مشهدٌ إيحائي عن التعرّي أو عن الجنس في لقطة عابرة في فيلم سينمائي. .. أخبرتُ صديقتي بذاك، واقترحت عليها كتبا مترجمة، روايات وسير ذاتية لكاتباتٍ معروفاتٍ بقدرتهن على تحويل الإيروتيك إلى عمل فني بالغ المتعة والجدية في آن معا. وطبعا روايات مشهورة لكتاب معروفين، وكلها مما ترجمه العرب إلى لغتنا العربية الجميلة من دون أن تخدش حياء أحد، لا رقيب ولا قارئ، ومن دون أن تثير حفيظة مجتمعاتنا المؤمنة بطبعها.
والحال أن أشهر الكتب التراثية العربية المصنفة ضمن بند الإيروتيك ظهرت في العصرين الأموي والعباسي، حين كانت الخلافة الإسلامية في أوج مجدها. لم تكن تلك المخطوطات المتداولة تثير حفيظة أحد. وربما من المفيد التذكّر أن مرجعيات معظمها كانت كتب علماء دين، كالأصفهاني والإمام الغزالي وأبي إسحاق المصري، عدا عن القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة المتداولة. ومعظم الكتب الإيروتيكة تلك اكتشفها مستشرقون غربيون ونقلوها إلى لغاتهم، ثم أعيدت إلى العرب، وظلت، إلى وقت قريب، تُتداول بوصفها كتبا أدبية وتراثية بالغة القيمة والأهمية، وشاهدة على انفتاح العقل العربي الإسلامي في تلك المراحل من التاريخ، خصوصا ما يتعلق بحياة الخلفاء وحاشياتهم، حيث كل شيء كان مباحا للحديث عنه وتداوله من دون أي رقابةٍ أو حساب، وثمّة منها ما كان يُكتب بطلبٍ من هذا الخليفة أو ذاك، وأصبحت لاحقا كتبا مهمة من كتب التراث العربي. كما أن شعراء العصرين الأموي والعباسي تحدّثوا عن كل شيء تقريبا في قصائدهم، عن الخمر وعن النساء وعن الجنس وعن الغلمان، وعُرف بعضهم بميوله الجنسية المثلية العلنية، حتى إن الأحاديث والقصائد عن الجنة لا تخلو من ذكر الغلمان ووصف جمالهم، مثلها مثل وصف جمال الحوريات ووصف أجسادهن بالتفصيل. وطبعا تسمعون جميعا عن أنهار الخمر والعسل في الجنة، ما يؤكّد أن كل أوصاف الجنة ومباهجها المتداولة في الشعر وفي الأحاديث الشفوية وضعت نقلا عن واقعٍ معاش، فمن وضعها كان قد اختبر في الحياة كل تلك المباهج وأحالها إلى الجنة، كي يزيد في حبّ المؤمنين الإسلام.
ما الذي حدث لنا ولماذا أصبح الجسد البشري، وخصوصا الأنثوي، مخيفا إلى هذا الحد؟ كيف صار الحديث عن الجنس محرّما وممنوعا بكل الفظاظة التي نراها حاليا، وبكل العنف الذي يترافق مع أقل انزياحٍ يحاوله أحدٌ ما لفتح ثغرةٍ صغيرةٍ في قلب جدار المحرّمات والممنوعات؟ ربما ترافق هذا مع الانهزامات السياسية التي مُني بها العرب والمسلمون في العصور الحديثة، إذ يجرى العمل على توجيه غضب العامّة وسخطها نحو أشياء لا علاقة لها بالفشل السياسي والعسكري والاقتصادي، تفاصيل تتعلق بالغرائز البشرية الأساسية، حيث يجرى تسليط الضوء عليها وتضخيمها بوصف وجودها أنه هو سبب الهزائم، كونها تلهي عن القضايا الكبرى. وجرى لذلك تجنيد "دعاة وعلماء دين" متحالفين مع أنظمة سياسية فاشلة ومستبدّة، تلعب على وعي الشعوب من خلال الدين، وتوجهها نحو ما يبعد النظر عن الخطر الأساسي على المجتمع، وهو نظام استبدادٍ يعيق تطوّر المجتمع ويتحمّل المسؤولية الأولى عن الهزائم المتلاحقة. كانت دول الخلافة الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي قوية وناجحة على كل المستويات. لهذا كان الحديث فيها عن الجنس والجسد بكل تفاصيله أمرا عاديا لا يسترعي لا المنع ولا الترويج ولا يخيف أحدا ولا يستثير حفيظة أحد، كما هو اليوم في مجتمعاتنا ودولنا الفاشلة.
والحال أن أشهر الكتب التراثية العربية المصنفة ضمن بند الإيروتيك ظهرت في العصرين الأموي والعباسي، حين كانت الخلافة الإسلامية في أوج مجدها. لم تكن تلك المخطوطات المتداولة تثير حفيظة أحد. وربما من المفيد التذكّر أن مرجعيات معظمها كانت كتب علماء دين، كالأصفهاني والإمام الغزالي وأبي إسحاق المصري، عدا عن القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة المتداولة. ومعظم الكتب الإيروتيكة تلك اكتشفها مستشرقون غربيون ونقلوها إلى لغاتهم، ثم أعيدت إلى العرب، وظلت، إلى وقت قريب، تُتداول بوصفها كتبا أدبية وتراثية بالغة القيمة والأهمية، وشاهدة على انفتاح العقل العربي الإسلامي في تلك المراحل من التاريخ، خصوصا ما يتعلق بحياة الخلفاء وحاشياتهم، حيث كل شيء كان مباحا للحديث عنه وتداوله من دون أي رقابةٍ أو حساب، وثمّة منها ما كان يُكتب بطلبٍ من هذا الخليفة أو ذاك، وأصبحت لاحقا كتبا مهمة من كتب التراث العربي. كما أن شعراء العصرين الأموي والعباسي تحدّثوا عن كل شيء تقريبا في قصائدهم، عن الخمر وعن النساء وعن الجنس وعن الغلمان، وعُرف بعضهم بميوله الجنسية المثلية العلنية، حتى إن الأحاديث والقصائد عن الجنة لا تخلو من ذكر الغلمان ووصف جمالهم، مثلها مثل وصف جمال الحوريات ووصف أجسادهن بالتفصيل. وطبعا تسمعون جميعا عن أنهار الخمر والعسل في الجنة، ما يؤكّد أن كل أوصاف الجنة ومباهجها المتداولة في الشعر وفي الأحاديث الشفوية وضعت نقلا عن واقعٍ معاش، فمن وضعها كان قد اختبر في الحياة كل تلك المباهج وأحالها إلى الجنة، كي يزيد في حبّ المؤمنين الإسلام.
ما الذي حدث لنا ولماذا أصبح الجسد البشري، وخصوصا الأنثوي، مخيفا إلى هذا الحد؟ كيف صار الحديث عن الجنس محرّما وممنوعا بكل الفظاظة التي نراها حاليا، وبكل العنف الذي يترافق مع أقل انزياحٍ يحاوله أحدٌ ما لفتح ثغرةٍ صغيرةٍ في قلب جدار المحرّمات والممنوعات؟ ربما ترافق هذا مع الانهزامات السياسية التي مُني بها العرب والمسلمون في العصور الحديثة، إذ يجرى العمل على توجيه غضب العامّة وسخطها نحو أشياء لا علاقة لها بالفشل السياسي والعسكري والاقتصادي، تفاصيل تتعلق بالغرائز البشرية الأساسية، حيث يجرى تسليط الضوء عليها وتضخيمها بوصف وجودها أنه هو سبب الهزائم، كونها تلهي عن القضايا الكبرى. وجرى لذلك تجنيد "دعاة وعلماء دين" متحالفين مع أنظمة سياسية فاشلة ومستبدّة، تلعب على وعي الشعوب من خلال الدين، وتوجهها نحو ما يبعد النظر عن الخطر الأساسي على المجتمع، وهو نظام استبدادٍ يعيق تطوّر المجتمع ويتحمّل المسؤولية الأولى عن الهزائم المتلاحقة. كانت دول الخلافة الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي قوية وناجحة على كل المستويات. لهذا كان الحديث فيها عن الجنس والجسد بكل تفاصيله أمرا عاديا لا يسترعي لا المنع ولا الترويج ولا يخيف أحدا ولا يستثير حفيظة أحد، كما هو اليوم في مجتمعاتنا ودولنا الفاشلة.