( مصر - 1934)
حدثت وقائع هذه القصة فى محافظة الشرقية - تقع فى الجانب الشرقى من دلتا النيل ـ التى تبعد عن القاهرة 120 كم تقريباَ. بطلة القصة ومحور أحداثها.. زوجة - كان اسمها منيرة - هجرها زوجها، ولفظها، وتركها - وترك البيت كله - وذهب ليعيش عند الست ( أُمه)!
°°°
( القاهرة - 2020)
أمام هذا الهجر وهذا الترك.. ماذا فعلت الزوجة؟
هل فضحته على مواقع التواصل الاجتماعى؟ لا!!
هل ذهبت إلى مقر عمله وهتكت سره وستره ـ الذى كان هو سرها وسترها ـ فى يوم ما؟ لا!!
هل عايرته بالذى كان والذى مضى؟ لا!!
هل اتصلت بالشيخ مبروك عطية وقالت له ـ كما قالت الست " زينبو " -(زينب) - فى مداخلة هاتفية شهيرة لها معه فى برنامج تليفزيوني عندما قالت له بكل جدية وهدوء :" اسمعنى يا دكوتور ـ
هكذا نطقت الاسم أو اللقب ـ "اسمعنى بس"!
- " أيوه "!
سامعنى؟!
- أيوه"!
- ثم واصلت قولها:" شتمناه، وبهدلناه، وضربناه، وخدنا رجالة وكسرنا باب الشقة، وأخدنا العفش، وحرمناه من أنه يشوف ولاده"!
ثم سألته بكل ثقة:" وآيه رأي الدين فى ده بقى يا دوكتور"؟
رد قائلاً:" حرام عليك يا زينب.. وحرامين كمان يا أختى.. حرام عليك يا بت!" قال ذلك بطريقة كوميدية ساخرة!
الست منيرة...فى الثلاثينيات من القرن الماضى لم تفعل ما فعلته (الست - زينبو) فى هذا الزمان !
إذن ماذا فعلت ؟! وماذا فعل بنا الزمان؟!
°°°
( الشرقية - 1934 )
عندما نترك الست (زينبو ) والشيخ مبروك (وزمانهما) ونعود إلى بطلة قصتنا الست منيرة (وزمانها) سنجدها لم تفعل ذلك؟ ولا كل ذلك..وما فعلته يعنون بأنه درسّ من دروس ذلك الزمان - لزماننا هذا وكل زمان - فى الأدب، والذوق، والاحترام، والأخلاق الرفيعة.
ماذا فعلت؟
تقول أوراق التاريخ:
لقد قررت الست منيرة - عندما هجرها زوجها، وترك لها البيت، وقرر طلاقها - أن تكتب قصيدة ( تُحنن ) بها قلبه عليها وعلى أولادها. وقامت بكتابة قصيدة غرامية، عتابية، وأرسلتها إلى مجلة أدبية شهيرة فى ذلك الوقت ووقعت القصيدة باسمها وهو:( منيرة توفيق) حرم الصاغ - رائد - محمد ماهر رشدى - الاسم ثلاثى - مأمور بندر الزقازيق) وكان عنوان القصيدة" إلى زوجى الفاضل "!
°°°
مدينة الزقازيق - بعد أسبوع)
يقول مطلع مطلع القصيدة:
" طال السهاد وأرقت
عينى الكوارث والنوازل
لما جفانى من أُحب
وراح تشغله الشواغل
وطوي صحيفة حُبنا
وأصاغ سمعاَ للعوازل"
وبعد ساعات من نشر القصيدة الغريبة العجيبة انتشرت حكايتها فى كافة الأوساط الأدبية والاجتماعية والسياسية فى مصر خاصة فى مدينة الزقازيق. وبدأ الحديث بكل تداعياته يصل إلى عائلة وأسرة الزوج ويرددها عليه الأصدقاء والزملاء كلما تواجدوا معه!
°°°
( الزقازيق - بعد أسبوعين )
الحكاية تحولت إلى (تريند) بمصطلح هذه الأيام خاصة عندما تجاوبت فتاة - من القراء - وكتبت قصيدة تضامنا مع منيرة ضد زوجها ونشرتها فى الصحيفة.. قالت فيها:
"عجبنا لزوجك كيف غّير
عهده بعد التواصل
هل فى البرية للوفية
والحبيبة من معادل"
وبنفس الحماس للقصيدة الأولى تحمست المجلة للقصيدة الثانية ونشرتها ليشتعل الموقف ويبدأ الحصار ضد الزوج يشتد ويمتد من مدينة إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى!
°°°
( الزقازيق - الأسبوع الثالث )
فى الأسبوع الثالث جاءت للمجلة قصيدة جديدة تضامنا مع الزوجة من قارئة أعطت فيها درسّ ليس للست منيرة فقط بل لكل زوجة - خاصة من نوعية الست زينبو - قالت فيها فى ذلك العصر وفى كل عصر جاء فيها:
"وترفقى فى لومه
فالرفق من شيم الأماثل
وتساهلى فيما جنى
لا شء ينفع كالتساهل "
ونُشرت القصيدة الثالثة، ليشتعل الموقف ويتأزم ويٌصبح حديث الجار والدار فى كل شارع من شوارع المدينة!
•••
( الزقازيق - الأسبوع الرابع)
أمام هذه ( الخناقة ) الظريفة اللطيفة، والراقية، والمتحضرة من الزوجة وداعميها من قراء المجلة وتحت ضغط من الأصدقاء والأهل والجيران عاد الزوجة إلى بيته واستقبلته الزوجة وأولاده بكل حب وترحاب وفرحة. حدث ذلك بدون ( شتائم - بدون بهدلة - بدون ضرب - وبدون طرد - وبدون سرقة عفش الشقة ) كما حدث من ( الست زينبو) حسبما قالت وأقرت بذلك للشيخ مبروك عطية فى مداخلتها التليفزيونية الشهيرة.
°°°
(البيت - بعد أسبوع)
مرة جديدة أرسلت الست منيرة - تلك الزوجة المصرية الأصيلة، العاقلة،( الرايقة) الذكية، الهادئة - لنفس المجلة بقصيدة كان عنوانها:" الحمد لله " تشكر فيها الفتاتين الشاعرتين وكذلك تقول عن زوجها:
" ومضى يجدد عهدنا الماضى
وصفو العيش قائم
والحر يرجع حين يعلم
أنه فى الحق آثم
يا سيداتى الفضليات
لكنَّ حق الشكر دائم
قد عاد لى زوجى الكريم
وجاء يقرع سن نادم"
°°°
( القاهرة - 2023)
وبالعقل.. وبالحكمة..وبالهدوء عادت وعاشت الأسرة سنة 1934 .. وبالتسرع، وبالتوتر ، وبالجهل - رغم التعليم - مازالت( الست زينبو) تنتظر زوج ابنتها حتى تطرده، وتضربه، وتحرمه من أولاده، وتسرق عفش الشقة... وتسأل الشيخ بكل هدوء :" حرام ده يا دكوتور " ؟!
ومازال الشيخ يرد عليها بكل سخرية وهدوء :" حرام يا اختى..حرام يا بت..حرمين وحتة.. يا أختى"!
....ولله فى خلقه شؤون!
خيري حسن
----------------
• الأحداث حقيقة ...والسيناريو من خيال الكاتب.
المصادر:
- كتاب عباقرة ومجانين - رجاء النقاش - طبعة مركز الأهرام للترجمة والنشر - 1999
حدثت وقائع هذه القصة فى محافظة الشرقية - تقع فى الجانب الشرقى من دلتا النيل ـ التى تبعد عن القاهرة 120 كم تقريباَ. بطلة القصة ومحور أحداثها.. زوجة - كان اسمها منيرة - هجرها زوجها، ولفظها، وتركها - وترك البيت كله - وذهب ليعيش عند الست ( أُمه)!
°°°
( القاهرة - 2020)
أمام هذا الهجر وهذا الترك.. ماذا فعلت الزوجة؟
هل فضحته على مواقع التواصل الاجتماعى؟ لا!!
هل ذهبت إلى مقر عمله وهتكت سره وستره ـ الذى كان هو سرها وسترها ـ فى يوم ما؟ لا!!
هل عايرته بالذى كان والذى مضى؟ لا!!
هل اتصلت بالشيخ مبروك عطية وقالت له ـ كما قالت الست " زينبو " -(زينب) - فى مداخلة هاتفية شهيرة لها معه فى برنامج تليفزيوني عندما قالت له بكل جدية وهدوء :" اسمعنى يا دكوتور ـ
هكذا نطقت الاسم أو اللقب ـ "اسمعنى بس"!
- " أيوه "!
سامعنى؟!
- أيوه"!
- ثم واصلت قولها:" شتمناه، وبهدلناه، وضربناه، وخدنا رجالة وكسرنا باب الشقة، وأخدنا العفش، وحرمناه من أنه يشوف ولاده"!
ثم سألته بكل ثقة:" وآيه رأي الدين فى ده بقى يا دوكتور"؟
رد قائلاً:" حرام عليك يا زينب.. وحرامين كمان يا أختى.. حرام عليك يا بت!" قال ذلك بطريقة كوميدية ساخرة!
الست منيرة...فى الثلاثينيات من القرن الماضى لم تفعل ما فعلته (الست - زينبو) فى هذا الزمان !
إذن ماذا فعلت ؟! وماذا فعل بنا الزمان؟!
°°°
( الشرقية - 1934 )
عندما نترك الست (زينبو ) والشيخ مبروك (وزمانهما) ونعود إلى بطلة قصتنا الست منيرة (وزمانها) سنجدها لم تفعل ذلك؟ ولا كل ذلك..وما فعلته يعنون بأنه درسّ من دروس ذلك الزمان - لزماننا هذا وكل زمان - فى الأدب، والذوق، والاحترام، والأخلاق الرفيعة.
ماذا فعلت؟
تقول أوراق التاريخ:
لقد قررت الست منيرة - عندما هجرها زوجها، وترك لها البيت، وقرر طلاقها - أن تكتب قصيدة ( تُحنن ) بها قلبه عليها وعلى أولادها. وقامت بكتابة قصيدة غرامية، عتابية، وأرسلتها إلى مجلة أدبية شهيرة فى ذلك الوقت ووقعت القصيدة باسمها وهو:( منيرة توفيق) حرم الصاغ - رائد - محمد ماهر رشدى - الاسم ثلاثى - مأمور بندر الزقازيق) وكان عنوان القصيدة" إلى زوجى الفاضل "!
°°°
مدينة الزقازيق - بعد أسبوع)
يقول مطلع مطلع القصيدة:
" طال السهاد وأرقت
عينى الكوارث والنوازل
لما جفانى من أُحب
وراح تشغله الشواغل
وطوي صحيفة حُبنا
وأصاغ سمعاَ للعوازل"
وبعد ساعات من نشر القصيدة الغريبة العجيبة انتشرت حكايتها فى كافة الأوساط الأدبية والاجتماعية والسياسية فى مصر خاصة فى مدينة الزقازيق. وبدأ الحديث بكل تداعياته يصل إلى عائلة وأسرة الزوج ويرددها عليه الأصدقاء والزملاء كلما تواجدوا معه!
°°°
( الزقازيق - بعد أسبوعين )
الحكاية تحولت إلى (تريند) بمصطلح هذه الأيام خاصة عندما تجاوبت فتاة - من القراء - وكتبت قصيدة تضامنا مع منيرة ضد زوجها ونشرتها فى الصحيفة.. قالت فيها:
"عجبنا لزوجك كيف غّير
عهده بعد التواصل
هل فى البرية للوفية
والحبيبة من معادل"
وبنفس الحماس للقصيدة الأولى تحمست المجلة للقصيدة الثانية ونشرتها ليشتعل الموقف ويبدأ الحصار ضد الزوج يشتد ويمتد من مدينة إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى!
°°°
( الزقازيق - الأسبوع الثالث )
فى الأسبوع الثالث جاءت للمجلة قصيدة جديدة تضامنا مع الزوجة من قارئة أعطت فيها درسّ ليس للست منيرة فقط بل لكل زوجة - خاصة من نوعية الست زينبو - قالت فيها فى ذلك العصر وفى كل عصر جاء فيها:
"وترفقى فى لومه
فالرفق من شيم الأماثل
وتساهلى فيما جنى
لا شء ينفع كالتساهل "
ونُشرت القصيدة الثالثة، ليشتعل الموقف ويتأزم ويٌصبح حديث الجار والدار فى كل شارع من شوارع المدينة!
•••
( الزقازيق - الأسبوع الرابع)
أمام هذه ( الخناقة ) الظريفة اللطيفة، والراقية، والمتحضرة من الزوجة وداعميها من قراء المجلة وتحت ضغط من الأصدقاء والأهل والجيران عاد الزوجة إلى بيته واستقبلته الزوجة وأولاده بكل حب وترحاب وفرحة. حدث ذلك بدون ( شتائم - بدون بهدلة - بدون ضرب - وبدون طرد - وبدون سرقة عفش الشقة ) كما حدث من ( الست زينبو) حسبما قالت وأقرت بذلك للشيخ مبروك عطية فى مداخلتها التليفزيونية الشهيرة.
°°°
(البيت - بعد أسبوع)
مرة جديدة أرسلت الست منيرة - تلك الزوجة المصرية الأصيلة، العاقلة،( الرايقة) الذكية، الهادئة - لنفس المجلة بقصيدة كان عنوانها:" الحمد لله " تشكر فيها الفتاتين الشاعرتين وكذلك تقول عن زوجها:
" ومضى يجدد عهدنا الماضى
وصفو العيش قائم
والحر يرجع حين يعلم
أنه فى الحق آثم
يا سيداتى الفضليات
لكنَّ حق الشكر دائم
قد عاد لى زوجى الكريم
وجاء يقرع سن نادم"
°°°
( القاهرة - 2023)
وبالعقل.. وبالحكمة..وبالهدوء عادت وعاشت الأسرة سنة 1934 .. وبالتسرع، وبالتوتر ، وبالجهل - رغم التعليم - مازالت( الست زينبو) تنتظر زوج ابنتها حتى تطرده، وتضربه، وتحرمه من أولاده، وتسرق عفش الشقة... وتسأل الشيخ بكل هدوء :" حرام ده يا دكوتور " ؟!
ومازال الشيخ يرد عليها بكل سخرية وهدوء :" حرام يا اختى..حرام يا بت..حرمين وحتة.. يا أختى"!
....ولله فى خلقه شؤون!
خيري حسن
----------------
• الأحداث حقيقة ...والسيناريو من خيال الكاتب.
المصادر:
- كتاب عباقرة ومجانين - رجاء النقاش - طبعة مركز الأهرام للترجمة والنشر - 1999