كلّما قرأت اسم أبي القاسم الشابي أستحضر، في الوقت ذاته، اسم آرثر رامبو، والعكس كذلك. وكأن الاسمين، حسب نظري، يمثلان حالة توازي في سياق الحضارتين العربية والفرنسة، فإذا هم لديهم آرثر رامبو، فنحن لدينا أبو القاسم الشابي.
ربما يعود ذلك لعدّة نقاط التقى فيها الشاعران الكبيران، كمثل أنهما كتبا الشعر ولمع اسمهما في سن مبكرة ورحلا عن عالمنا في سن مبكرة كذلك. وأيضا تمردهما الجامح على تقاليد الشعر الجامدة والقديمة في ذلك الوقت، حسب التفاوت الزمني التجديدي والشكلي للقصيدة لدى الحضارتين، فكلاهما ساهم في إنشاء وإبراز أسلوب ونوع شعري جديد، قصيدة النثر لآرثر رامبو، والشعر الموزون الذي يأخذ الطابع التجديدي المنفتح على عوالم جديدة غير مطروقة عند أبي القاسم الشابي، فهو أحد أبرز رواد مدرسة أبولو الشعرية.
إلى جانب ما لاقاه كلاهما من ويلات المجتمع، المعنوية والحسية، ومحاولة تهميشهما من قبل أوساطهما الثقافية بأسمائها المهيمنة على الساحة حينذاك. فكلا الشاعرين عانى ما عانى في سن مبكرة، ما جعله يتوق إلى الهجرة والارتحال من مجتمعه، فرامبو شرع في الهجرة الفعلية، بيد أن الشابي هاجر بطريقته الخاصة، وهي الرومانسية، التي تجسدت بقوة في أغلب قصائده حيث التّغني بالطبيعة والمرأة المعشوقة حد الاندماج والالتحام بهما.
وكذلك فتكت بكلا الشاعرين أمراضٌ عضوية عضال، دهورت بصحتهما وبسببها فارقا الحياة في زهرة شبابهما، فضلا عن ما يتبع هذه الأمراض، وأيضا جوانب أخرى تخص المجتمع والأسرة والحياة، من أحزان مفرطة تتجسد في قصائدهما، وأعتقد أن هذه الأحزان والآلام والتجارب المبكرة هي من صنعت للشاعرين تلك الحكمة والنظرة الفلسفية النفّاذة الثاقبة. فإذا قرأنا قصائدهما سنشعر بتلك اللامعقولية والعجائبية، قياسا على سنّهما الأغر، في بناء أفكار وفلسفات خاصة بهما قاوما وأترعا قصائدهما بها، تقترب نوعا ما من النظرية، لكن بشكلها الأدبي والفني الجمالي، المفرغ تماما من صرامته العلمية والأكاديمية.
وهنا لا يمنع أن أخبركم، بأني لحظت بعض التشابه في الصورتين، أي الوجهين بوسامتهما الأمردة والشابة البكر، في حين يأخذ الشابي دكانته وملامحه العربية، بينما الإفرنجية البيضاء عند رامبو.
وهنا سأضع ما قاله أبو القاسم الشابي والذي يمثل رأيه في الأدب العربي القديم، وحقيقة كلامه هنا الذي ينحو إلى نوع من التمرد الجميل والنزوة الشبابية المتحمسة للفكرة، هو ما حفّزني لكتابة هذا التشابه والمفارقة بين هذين الشاعرين الكبيرين اللّذين أحبهما جدا. يقول الشابي:
"لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الأدب العربي كمَثَلٍ أعلى للأدب الذي ينبغي أن يكون، بل ينبغي أن نعده كأدب من الآداب القديمة التي نعجب بها ونحترمها، ليس غير. أما أن يسمو هذا الإعجاب إلى التقديس والعبادة والتقليد فهذا ما لا نسمح به لأنفسنا، لأن لكل عصر حياته التي يحياها، ولكل حياة أدبها الذي تنفخ فيه من روحها"
كُتبت هذه المقالة قبل
ربما يعود ذلك لعدّة نقاط التقى فيها الشاعران الكبيران، كمثل أنهما كتبا الشعر ولمع اسمهما في سن مبكرة ورحلا عن عالمنا في سن مبكرة كذلك. وأيضا تمردهما الجامح على تقاليد الشعر الجامدة والقديمة في ذلك الوقت، حسب التفاوت الزمني التجديدي والشكلي للقصيدة لدى الحضارتين، فكلاهما ساهم في إنشاء وإبراز أسلوب ونوع شعري جديد، قصيدة النثر لآرثر رامبو، والشعر الموزون الذي يأخذ الطابع التجديدي المنفتح على عوالم جديدة غير مطروقة عند أبي القاسم الشابي، فهو أحد أبرز رواد مدرسة أبولو الشعرية.
إلى جانب ما لاقاه كلاهما من ويلات المجتمع، المعنوية والحسية، ومحاولة تهميشهما من قبل أوساطهما الثقافية بأسمائها المهيمنة على الساحة حينذاك. فكلا الشاعرين عانى ما عانى في سن مبكرة، ما جعله يتوق إلى الهجرة والارتحال من مجتمعه، فرامبو شرع في الهجرة الفعلية، بيد أن الشابي هاجر بطريقته الخاصة، وهي الرومانسية، التي تجسدت بقوة في أغلب قصائده حيث التّغني بالطبيعة والمرأة المعشوقة حد الاندماج والالتحام بهما.
وكذلك فتكت بكلا الشاعرين أمراضٌ عضوية عضال، دهورت بصحتهما وبسببها فارقا الحياة في زهرة شبابهما، فضلا عن ما يتبع هذه الأمراض، وأيضا جوانب أخرى تخص المجتمع والأسرة والحياة، من أحزان مفرطة تتجسد في قصائدهما، وأعتقد أن هذه الأحزان والآلام والتجارب المبكرة هي من صنعت للشاعرين تلك الحكمة والنظرة الفلسفية النفّاذة الثاقبة. فإذا قرأنا قصائدهما سنشعر بتلك اللامعقولية والعجائبية، قياسا على سنّهما الأغر، في بناء أفكار وفلسفات خاصة بهما قاوما وأترعا قصائدهما بها، تقترب نوعا ما من النظرية، لكن بشكلها الأدبي والفني الجمالي، المفرغ تماما من صرامته العلمية والأكاديمية.
وهنا لا يمنع أن أخبركم، بأني لحظت بعض التشابه في الصورتين، أي الوجهين بوسامتهما الأمردة والشابة البكر، في حين يأخذ الشابي دكانته وملامحه العربية، بينما الإفرنجية البيضاء عند رامبو.
وهنا سأضع ما قاله أبو القاسم الشابي والذي يمثل رأيه في الأدب العربي القديم، وحقيقة كلامه هنا الذي ينحو إلى نوع من التمرد الجميل والنزوة الشبابية المتحمسة للفكرة، هو ما حفّزني لكتابة هذا التشابه والمفارقة بين هذين الشاعرين الكبيرين اللّذين أحبهما جدا. يقول الشابي:
"لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الأدب العربي كمَثَلٍ أعلى للأدب الذي ينبغي أن يكون، بل ينبغي أن نعده كأدب من الآداب القديمة التي نعجب بها ونحترمها، ليس غير. أما أن يسمو هذا الإعجاب إلى التقديس والعبادة والتقليد فهذا ما لا نسمح به لأنفسنا، لأن لكل عصر حياته التي يحياها، ولكل حياة أدبها الذي تنفخ فيه من روحها"
كُتبت هذه المقالة قبل