علاء الدين حسو - المجتمع الخامس..

سمة المرحلة التي نعيشها ثنائية . فهي من جهة تشهد انعدام الأمن وعدم الاستقرار. تتعدد وتتنوع فيها الأزمات وكذلك الحروب بالوكالة. ومن ناحية أخرى، تتميز هذه المرحلة بالتطورات السريعة جدا، حيث نعيش مرحلة الثورة الصناعية الرابعة الكبرى على حد قول المفكر اللبناني مصطفى حجازي، والتي تتمثل بمرحلة التكنولوجيا و الرقمنة والابتكارات، مما اكسبها سرعة غير مسبوقة يكاد المرء لا ينتبه لشيء حتى بات قديما بكلمة موجزة "تطور و قلق".
لقد غيرت الابتكارات و التكنولوجيا التي تطورت بفضل البحث العلمي حياة الناس على مستوى غير عادي، أصبحت الحواسيب والهواتف المحمولة وأجهزة التلفزيون الذكية والألعاب الإلكترونية التفاعلية جزء لا يتجزأ من حياتنا. لقد تجاوزت التطبيقات القائمة على التكنولوجيا الفائقة الذكاء الاصطناعي والتعليم وتحليل البيانات ومعالجتها توقعات أكبر المتوقعين بالمستقبل.

بات الطبيب والمهندس والفنان والاديب والمحامي والإعلامي والطالب والمدرس وحتى الميكانيكي والكهربائي والطباخ وغيرها من المهن اعتماد كامل على التكنولوجيا حسب إمكانياته.

لم يعد مصادر تجميع المعلومة عبر الحواس البشرية مباشرة عبر وسيط وهو ما يعرف اليوم بالعالم الرقمنة . وهذا جعل الفرد يبتعد عن الفرد . عن الحوار البشري. بفضل التقنية والتكنولوجيا. لم تعد هناك فرصة للحوار المطول عبر المواصلات العادية . ولم تعد حاجة للسفر الطويل . وبات العالم الرقمي هو الوسيط . وهو وإن حقق سرعة كبيرة لكنه في ذات الوقت انتهك خصوصية الانسان . لم تعد خصوصية.


في رواية فهرنهايت ٤٥١ وضمن حوار بطل الرواية مع شابة مراهقة غيرت من نمط حياته، تقول له "نحن في عصر السرعة، لذلك أعتقد أن المتسابقين محرمون من الاستمتاع ما على أطراف الطريق لأنهم مشغولون فقط بالفوز والوصول أولا".

مع ان الرواية كتبت قبل خمسين أو ستين عاماً لكنها تجعلنا نفهم اليوم بشكل أفضل. فعصر السرعة تضاعف مع تطور التطبيقات وجائحة كوفيد عملت حرق مراحل بحيث وصلنا التعامل مع العالم الافتراضي بأسرع ما كان سيكون.


مع هذا التغير، بدأت العلاقات مع الأشياء ومع البشر تتطور وتتغير. إذا نحن في مرحلة إعادة تعريف علاقة الإنسان بالأشياء وعلاقة الأشياء به. مرحلة تحدي لا تكتفي بصراع الرزق، كما كان سابقا حيث كل تطور يقضي على مهن ما، ولكن بالمقابل كانت تظهر مهن أخرى. حين تم اختراع التلفاز تم القضاء على مهنة الحكواتي. وحين انتشرت أجهزة الفيديو قضت على صالات السينما واليوم شبكة الإنترنت تستوعب وتهضم وتسحق ولكن بالمقابل تمنح وظائف وفرص .
الخطورة اليوم أن مرحلة الصراع بدأت تنتقل الى صراع وجود في حال هيمنت على الإنسان وهذا ما استشرفته الأفلام والروايات والمحاضرات التي تتناول هذا الجانب.

المفهوم الجديد للقوة يمكن أن نعبر عنه بالعبارة التالية (الدولة القوية هي ذات اقتصاد قوي وهذا يعني حتما انك قوي في عالم الرقمنة). ولكن هل يمكن بناء هذه القوة دون دون مجتمع واع متفهم وقادر على احتواء النكسات والتغيرات السريعة دون أن ينهار؟

ما حدث من تطور وتقدم سريع جعلنا ندخل مايعرف بالمجتمع الخامس، ففي هذا المجتمع يتم اعتماد كامل على البيانات الضخمة والتي يتم الحصول عليها من المجتمع ذاته. التغذية العكسية مهمة جدا.لها دور في إمداد الحركة . هذا المجتمع الرقمي سيكون أكبر تحدي للمجتمع المدني إن لم يقدر على مواكبته.

وهنا السؤال بأن المجتمع المدني الذي بات اليوم أكثر قوة، وبات رافدا مهما للقطاع الخاص والحكومي على كافة المصعد، ماذا سيكون مصيره مع عالم الرقمنة ؟ يقول السيد تورغاي : " سيتغير هو أيضا لاشك، سيتغير مفهوم التطوع، وسيتغير مفهوم التنظيم، وحتى معالجة البيانات" ولكن التحدي هو عملية الضبط ، ما هو النظام للعلاقة بين الرقمنة والمجتمع المدني ؟

عملية الضبط تقودنا الى الدولة الرقمية. صحيح أن الرقمنة توفر فرص متكافئة للناس، حيث يمكن لأي شخص له فكرة أو مشروع أو منتج، حتى ولو كان في قرية جبلية، يمكن تسويقه للعالم كله بسهولة . فانت لست بحاجة لان تكون في وادي السيليكون لكي تقوم بما ترغب. بالمقابل، رفعت كل الحواجز لنشر فكرك وقيمك الروحية والدينية، وهنا دور الأخلاق .

وهنا نقتبس من خاتمة كلمة السيد تورغاي الدمير " فكما يقول أحدهم: نعم صحيح ، فالصلاة خمس مرات في اليوم، لكن الأخلاق واجب على مدار الساعة ".

فالأخلاق مفهوم لا يغطي الوقت فقط، ولكن يشمل جميع الان في نفسه وفي كل مكان وفي كل زمان وفي كل شريحه يجب ان يكون لها اخلاق وكلمه الاخلاق تدل على ان لا بد ان يكون هناك قانون للعالم الرقمي ومحاسبة الجريمة، وحماية الخصوصيات.

الجيل القادم يكون أكثر التصاقا بالرقمنة ، وستكون علاقته امتن واقوى مع الروبوتات التي ستكون قريبا هي الشرطة في الشمال الصناعي ، ولذلك هذا يتطلب منا جهدا مضاعفا للجلوس مع اطفالنا وشبابنا ومساعدتهم على الفصل بين الفائدة والإدمان، والتحذير من مخاطر التقنية التي تدمر الطبيعة البشرية، وهذا يتطلب استنفارا من المجتمع المدني لأن المستقبل يخصه أكثر مما يخص الشركات أو الدول .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...