هناك محطات/ أحداث /شخصيات تاريخية تراثية مهم جدا التوقف عندها، وذلك لكونها تعد نوابغ عصرها وتركتها أثرا ما زال حاضرا حتى كتابة هذه المداخلة، أجزم لو أن العرب بنوا على ما تم إنجازه فكريا ومعرفيا لتجاوزنا ما نحن فيه من بؤس، وتقدمنا إلى ما كانا عليه من رفعة وكرامة، لكن التيار الديني السياسي لعب دورا تخريبيا منذ بداية النزاع على السلطة وحتى الآن، وجعل كل من لا يتفق مع ما هو سائد (زنديق/كافر/ملحد) ويجب قتله أو نفيه، وهذا ما حصل ويحصل.
في كاتب "زوبعة الدهر" يتوقف "مارون عبود" عند فكر وفلسفة "أبو العلاء المعري" مشيرا إلى أنه من وضع أسس العقيدة الدرزية، مستندا على ما جاء في شعره، فنجد رؤيته للحياة وللكون وللعلاقات الاجتماعية والسياسية السائدة، وكيف يرى الحياة، فالكتاب فيه مجموعة كبيرة من أشعار المعري، وهذا ما يجعل الكتاب جامع لفلسفة المعري.
بداية ننوه إلى أن أبو العلاء المعري شخص ضرير، لهذا كان يعاني من نقص أحد أهم الحواس، النظر، لكنه في الوقت ذاته كان صاحب بصيرة، وكان صريحا في حدثيه عما يعانيه المجتمع من فساد:
"قد ترامت إلى الفساد البرايا = واستوت في الضلالة الأديان
أنا أعمى، فكيف أهدي إلى المنهج = والناس كلهم عميان" ص11.
من خلال هاذين البيتين يمكننا الوصول إلى واقع الأديان في عصر المعري، وكيف أنها انحرف عن مسارها الأخلاقي وأمست مجرد طقوس شكلية لا تقدم شيئا للناس، فحجم الخراب والفساد الاجتماعي جعل "المعري" يعتزلهم:
"وما احتجبت عن الأقوام من نسك = وإنما أنت للنكراء محتجب" ص 13.
وهذا الاهتمام بتناول مشاكل المجتمع يشير إلى أن "المعري" كان اجتماعيا، منتميا لبيئته ولأهلة، وإلا ما تحدث عنهم بهذا الشكل.
من المظاهر السلبية التي عانى منها "المعري" (النقاش البيزنطي) بين المتدينين:
"في اللاذقية ضجة = ما بين أحمد والمسيح
قس يعالج دلبه = والشيخ من حنق يصيح
كل يصحح دينه = يا ليت شعري ما الصحيح؟" ص45.
نلاحظ أن "المعري" يركز على كشف عيوب المجتمع، وهذا يأخذنا إلى دوره الاجتماعي الذي لم يتوانى عن القيام به، رغم ما في ذلك من خطر على حياته ووجوده، ومع هذا كان حادا في نقده، لا يحابي أحدا: "أن الناس قلدوا سفلتهم، وأطاعوا سادتهم وكبراءهم، واتباعا للملوك وطلبا للدنيا التي هي في أيدي متبعي الإثم وأجناد الظلمة، وأعوان الفسقة الذي يحبون العاجلة ويجتهدون في طلب الرئاسة على الضعفاء ومكايدة رسول الله" ص53، نلاحظ الحدية في معارضته للمجتمع وكشف ما به من عيوب، وهذا يشير إلى وجود نوع من الحرية، أو ضعف الدولة المركزية التي كانت شبه غائبة، لهذا جاء تألق "المعري" الذي أكيد دور الحرية في وجود أفكار/تعاليم تصحيحية ونهج فكري فلسفي يمثل ثورة وتمرد على ما هو سائد من أفكار/ أديان:
"عجبت لكسرى وأشياعه = وغسل الوجوه ببول البقر
وقول اليهود إله محب = رشاش الدماء وريح القتر
وقول النصارى إله يضام = ويظلم حقا ولا ينتصر
وقوم أتوا من أقاصي البلاد = لرمي الجمار ولثم الحجر
فيا عجبا من مقالاتهم = أيعمى عن "الحق" كل البشر؟" ص57.
هذا الموقف من الأديان السابقة والحالية يؤكد أن المعري أخذ نهجا خاصا به، يتجاوز الأفكار والأديان السائدة، وبدأ نهجا جديدا يعتمد على العقل وليس عن النقل/التقليد، من هنا نجده يركز على العقل دون سواه، فهو الوسيلة للوصول إلى الحقيقة، وتحقيق العدل والحق للناس كافة، من هنا (قدس) الفلاسفة وجعلهم أنبياء العصر: "إن الفلاسفة هم أنبياء حكمة الخاصة" ص63، وهذا ما جعله يتبنى نهجا جديدا غير ما هو سائد في مجتمعه، وأخذ يفكر ويبحث إلى أن وصل إلى ما وصل إليه من حكم وأفكار حاول بها تصحيح مسار المجتمع وبناء منظومة فكرية جديدة تقدم الناس من بالجوهر وتبعدهم عن المظهر/ الشكل.
التوجه نحو العقل نجدها في أكثر من موضوع في الكتاب منها:
"يترجى الناس أن يقوم "إمام = ناطق" في الكتيبة الخرساء
كذب الظن لا إمام سوى العقل = مشيرا في صبحة ومساء"ص106.
فهو بهذا يريد من الناس أن يعتمدوا على أنفسهم/عقولهم في الوصول للحقيقة ولا يعتمدوا على ذلك الشيخ/الكاهن/الراهب في تفسير أو تحليل ما يجري:
"وينفر عقلي مغضبا إن تركته = سدى واتبعت الشافعي ومالكا" ص111.
فالعقل هو (النبي) الذي يجب أن يتبعه الفرد/الناس/المجتمع ليصلوا إلى الحقيقة، وما دونه باطل ويجب هجره:
"يقولون إن الجسم ينقل روحه = إلى غيره حتى يهذ بها الصقل
فلا تقبلن ما يخبرونك ضلة= إذا لم يؤيد ما أتوك بع العقل" ص118.
ولا يكتفي بنقد من يقولون بالتقمص بل تعداه إلى نقد كافة الأديان:
"هفت الحنفية، والنصارى ما اهتدت = ويعود حارت، والمجوس مضللة
أثنان أهل الأرض ذو "عقل" بلا = دين وآخر دين لا عقل له" ص125.
موقف "المعري" من أصحاب الأديان ناتج عن ممارستهم السلبية وفهمهم التقليدي للدين:
"يا ظالما عقد اليدين مصليا = من دون ظلمك يعقد الزنار
أتظن أنك للمحاسن كاسب = وخبيء أمرك شرع وشنار
توهمت يا مغرور أنك دين = علي يمين الله ما لك دين
تسير إلى البيت الحرام تنسكا = ويشكوا جار بائس وخدين
سبح وصل وطف بمكة زائرا = سبعين لا سبعا فلست بناسك" ص130.
من هنا نجده يعارض التمسك بالشكل وترك الجوهر/المضمون، فهو يرى الدين مقرونا بالأخلاق، والأخلاق هنا ليست أخلاق شخصية/ فردية فحسب، بل أخلاق اجتماعية/جمعية تقود إلى تحقيق العدالة اجتماعيا، لهذا التجأ إلى العقل، لأنه الوسيلة للوصول إلى الحق وتحقيق العدالة التي ينشدها:
تستروا بأمور في ديانتهم = وإنما دينهم دين الزناديق
تكذب العقل في تصديق كذبهم = والعقل أولى بإكرام وتصديق" ص139.
هذا على مستوى العقل وأهميته في الوصول لحقيقة، لحق، أما عن نظرته إلى أمور أخرى، يحدثنا عن الشباب ودورهم، حيث وجدهم شعلة الأمل نحو المستقبل، يقول "المعري" مبينا أهيمتهم ودورهم في بناء المستقبل بقوله:
"أن الشبيبة نار إن أردت بها = امرأ فبادره أن الدهر مطفئها" ص17.
وعن المرأة وتعدد الزوجات يقول:
"إذا بلغ الوليد لديك عشرا = فلا يدخل على الحرم الوليد
فإن خالفتني وعصيت أمري = فأنت وإن رزقت حجي بليد
ومن جمع الضرات يطلب لذة = فقد بات في الأضرار غير سديد
وإن يلتمس أخرى جديدا لحاجة= فلا يأمنن منها ابتغاء جديد" ص132.
نلاحظ أن هناك جانب أخلاقي يتمثل في عدم الدخول الرجل على النساء، وأيضا الاهتمام بالمرأة وتأكيد أنها إنسانة تشعر وتحس كالرجل تماما، لهذا نبه من يفكر بالزواج من الثانية بما سيصيبه من الأضرار ويصيب زوجتيه، ونجده يتحدث بوضوح عن الشهوة وكيف أن من يسعى إليها عليه أن يفكر بالطرف الثاني، حيث أن الزوجة أيضا لها شهوة وستبحث عن تبليتها هي الأخرى.
وعن نظرته للجسد يقول:
"والجسم كالثوب في روحه = ينزع إن يخلق أو يتسخ" ص124.
فهو يرى الجسد وعاء ليس أكثر، بينما الجوهر هي الروح التي تسمو وتترفع عن كل ما هو خبيث وفاني.
وعن مفهوم الصوم: " جسدي، ويكون في التعفف عن المآكل والمشارب، ونفسي، وهو ترك المعاصي والمآثم" ص182.
ويتحدث بصراحة عن العمى وما يسببه له من ألم: "العمى محنة ولست أحمد الله عليه كما ادعى بشار، فمن لي أن أبصر ساعة واحدة لأرى عجائب خالقي التي أتخيلها ولا أدركها تمام الإدراك، تتوهم أني أدرك الأشياء، ولكني أقول لك أنني أدرك المرئيات أدراكا ناقصا، أتخيلها من كلام العارفين بها، ولكن الكلمة، يا إسماعيل لا تؤدي المعنى تماما غير منقوص... سيان عندي الليل والنهار، والقصر والكوخ، أتظن أن رحلتي إلى الحاكم تزيدني معرفة به؟ لقد وصفته لي ، فتخليته جسمانيا، وما يبلغني عنه من النزاهة والزهد ومقاومة الشر يرضيني به" ص96. بهذه الصراحة يتحدث فاقد ابصر وصاحب البصيرة، مؤكد أهمية أن يكون الإنسان بكامل حواسه، عارفا بنظره وبصره، وليس بسمعه فقط.
الكتاب من منشورات دار مارون عبود، لبنان، الطبعة الثالثة، 1970.
في كاتب "زوبعة الدهر" يتوقف "مارون عبود" عند فكر وفلسفة "أبو العلاء المعري" مشيرا إلى أنه من وضع أسس العقيدة الدرزية، مستندا على ما جاء في شعره، فنجد رؤيته للحياة وللكون وللعلاقات الاجتماعية والسياسية السائدة، وكيف يرى الحياة، فالكتاب فيه مجموعة كبيرة من أشعار المعري، وهذا ما يجعل الكتاب جامع لفلسفة المعري.
بداية ننوه إلى أن أبو العلاء المعري شخص ضرير، لهذا كان يعاني من نقص أحد أهم الحواس، النظر، لكنه في الوقت ذاته كان صاحب بصيرة، وكان صريحا في حدثيه عما يعانيه المجتمع من فساد:
"قد ترامت إلى الفساد البرايا = واستوت في الضلالة الأديان
أنا أعمى، فكيف أهدي إلى المنهج = والناس كلهم عميان" ص11.
من خلال هاذين البيتين يمكننا الوصول إلى واقع الأديان في عصر المعري، وكيف أنها انحرف عن مسارها الأخلاقي وأمست مجرد طقوس شكلية لا تقدم شيئا للناس، فحجم الخراب والفساد الاجتماعي جعل "المعري" يعتزلهم:
"وما احتجبت عن الأقوام من نسك = وإنما أنت للنكراء محتجب" ص 13.
وهذا الاهتمام بتناول مشاكل المجتمع يشير إلى أن "المعري" كان اجتماعيا، منتميا لبيئته ولأهلة، وإلا ما تحدث عنهم بهذا الشكل.
من المظاهر السلبية التي عانى منها "المعري" (النقاش البيزنطي) بين المتدينين:
"في اللاذقية ضجة = ما بين أحمد والمسيح
قس يعالج دلبه = والشيخ من حنق يصيح
كل يصحح دينه = يا ليت شعري ما الصحيح؟" ص45.
نلاحظ أن "المعري" يركز على كشف عيوب المجتمع، وهذا يأخذنا إلى دوره الاجتماعي الذي لم يتوانى عن القيام به، رغم ما في ذلك من خطر على حياته ووجوده، ومع هذا كان حادا في نقده، لا يحابي أحدا: "أن الناس قلدوا سفلتهم، وأطاعوا سادتهم وكبراءهم، واتباعا للملوك وطلبا للدنيا التي هي في أيدي متبعي الإثم وأجناد الظلمة، وأعوان الفسقة الذي يحبون العاجلة ويجتهدون في طلب الرئاسة على الضعفاء ومكايدة رسول الله" ص53، نلاحظ الحدية في معارضته للمجتمع وكشف ما به من عيوب، وهذا يشير إلى وجود نوع من الحرية، أو ضعف الدولة المركزية التي كانت شبه غائبة، لهذا جاء تألق "المعري" الذي أكيد دور الحرية في وجود أفكار/تعاليم تصحيحية ونهج فكري فلسفي يمثل ثورة وتمرد على ما هو سائد من أفكار/ أديان:
"عجبت لكسرى وأشياعه = وغسل الوجوه ببول البقر
وقول اليهود إله محب = رشاش الدماء وريح القتر
وقول النصارى إله يضام = ويظلم حقا ولا ينتصر
وقوم أتوا من أقاصي البلاد = لرمي الجمار ولثم الحجر
فيا عجبا من مقالاتهم = أيعمى عن "الحق" كل البشر؟" ص57.
هذا الموقف من الأديان السابقة والحالية يؤكد أن المعري أخذ نهجا خاصا به، يتجاوز الأفكار والأديان السائدة، وبدأ نهجا جديدا يعتمد على العقل وليس عن النقل/التقليد، من هنا نجده يركز على العقل دون سواه، فهو الوسيلة للوصول إلى الحقيقة، وتحقيق العدل والحق للناس كافة، من هنا (قدس) الفلاسفة وجعلهم أنبياء العصر: "إن الفلاسفة هم أنبياء حكمة الخاصة" ص63، وهذا ما جعله يتبنى نهجا جديدا غير ما هو سائد في مجتمعه، وأخذ يفكر ويبحث إلى أن وصل إلى ما وصل إليه من حكم وأفكار حاول بها تصحيح مسار المجتمع وبناء منظومة فكرية جديدة تقدم الناس من بالجوهر وتبعدهم عن المظهر/ الشكل.
التوجه نحو العقل نجدها في أكثر من موضوع في الكتاب منها:
"يترجى الناس أن يقوم "إمام = ناطق" في الكتيبة الخرساء
كذب الظن لا إمام سوى العقل = مشيرا في صبحة ومساء"ص106.
فهو بهذا يريد من الناس أن يعتمدوا على أنفسهم/عقولهم في الوصول للحقيقة ولا يعتمدوا على ذلك الشيخ/الكاهن/الراهب في تفسير أو تحليل ما يجري:
"وينفر عقلي مغضبا إن تركته = سدى واتبعت الشافعي ومالكا" ص111.
فالعقل هو (النبي) الذي يجب أن يتبعه الفرد/الناس/المجتمع ليصلوا إلى الحقيقة، وما دونه باطل ويجب هجره:
"يقولون إن الجسم ينقل روحه = إلى غيره حتى يهذ بها الصقل
فلا تقبلن ما يخبرونك ضلة= إذا لم يؤيد ما أتوك بع العقل" ص118.
ولا يكتفي بنقد من يقولون بالتقمص بل تعداه إلى نقد كافة الأديان:
"هفت الحنفية، والنصارى ما اهتدت = ويعود حارت، والمجوس مضللة
أثنان أهل الأرض ذو "عقل" بلا = دين وآخر دين لا عقل له" ص125.
موقف "المعري" من أصحاب الأديان ناتج عن ممارستهم السلبية وفهمهم التقليدي للدين:
"يا ظالما عقد اليدين مصليا = من دون ظلمك يعقد الزنار
أتظن أنك للمحاسن كاسب = وخبيء أمرك شرع وشنار
توهمت يا مغرور أنك دين = علي يمين الله ما لك دين
تسير إلى البيت الحرام تنسكا = ويشكوا جار بائس وخدين
سبح وصل وطف بمكة زائرا = سبعين لا سبعا فلست بناسك" ص130.
من هنا نجده يعارض التمسك بالشكل وترك الجوهر/المضمون، فهو يرى الدين مقرونا بالأخلاق، والأخلاق هنا ليست أخلاق شخصية/ فردية فحسب، بل أخلاق اجتماعية/جمعية تقود إلى تحقيق العدالة اجتماعيا، لهذا التجأ إلى العقل، لأنه الوسيلة للوصول إلى الحق وتحقيق العدالة التي ينشدها:
تستروا بأمور في ديانتهم = وإنما دينهم دين الزناديق
تكذب العقل في تصديق كذبهم = والعقل أولى بإكرام وتصديق" ص139.
هذا على مستوى العقل وأهميته في الوصول لحقيقة، لحق، أما عن نظرته إلى أمور أخرى، يحدثنا عن الشباب ودورهم، حيث وجدهم شعلة الأمل نحو المستقبل، يقول "المعري" مبينا أهيمتهم ودورهم في بناء المستقبل بقوله:
"أن الشبيبة نار إن أردت بها = امرأ فبادره أن الدهر مطفئها" ص17.
وعن المرأة وتعدد الزوجات يقول:
"إذا بلغ الوليد لديك عشرا = فلا يدخل على الحرم الوليد
فإن خالفتني وعصيت أمري = فأنت وإن رزقت حجي بليد
ومن جمع الضرات يطلب لذة = فقد بات في الأضرار غير سديد
وإن يلتمس أخرى جديدا لحاجة= فلا يأمنن منها ابتغاء جديد" ص132.
نلاحظ أن هناك جانب أخلاقي يتمثل في عدم الدخول الرجل على النساء، وأيضا الاهتمام بالمرأة وتأكيد أنها إنسانة تشعر وتحس كالرجل تماما، لهذا نبه من يفكر بالزواج من الثانية بما سيصيبه من الأضرار ويصيب زوجتيه، ونجده يتحدث بوضوح عن الشهوة وكيف أن من يسعى إليها عليه أن يفكر بالطرف الثاني، حيث أن الزوجة أيضا لها شهوة وستبحث عن تبليتها هي الأخرى.
وعن نظرته للجسد يقول:
"والجسم كالثوب في روحه = ينزع إن يخلق أو يتسخ" ص124.
فهو يرى الجسد وعاء ليس أكثر، بينما الجوهر هي الروح التي تسمو وتترفع عن كل ما هو خبيث وفاني.
وعن مفهوم الصوم: " جسدي، ويكون في التعفف عن المآكل والمشارب، ونفسي، وهو ترك المعاصي والمآثم" ص182.
ويتحدث بصراحة عن العمى وما يسببه له من ألم: "العمى محنة ولست أحمد الله عليه كما ادعى بشار، فمن لي أن أبصر ساعة واحدة لأرى عجائب خالقي التي أتخيلها ولا أدركها تمام الإدراك، تتوهم أني أدرك الأشياء، ولكني أقول لك أنني أدرك المرئيات أدراكا ناقصا، أتخيلها من كلام العارفين بها، ولكن الكلمة، يا إسماعيل لا تؤدي المعنى تماما غير منقوص... سيان عندي الليل والنهار، والقصر والكوخ، أتظن أن رحلتي إلى الحاكم تزيدني معرفة به؟ لقد وصفته لي ، فتخليته جسمانيا، وما يبلغني عنه من النزاهة والزهد ومقاومة الشر يرضيني به" ص96. بهذه الصراحة يتحدث فاقد ابصر وصاحب البصيرة، مؤكد أهمية أن يكون الإنسان بكامل حواسه، عارفا بنظره وبصره، وليس بسمعه فقط.
الكتاب من منشورات دار مارون عبود، لبنان، الطبعة الثالثة، 1970.