جميل أن يكون الكاتب ذا تأثير خاص، وذا نكهة تخصه وحده دون سواه، فإذا ما شرعت أن تقرأ سطورا كتبها عرفته من فورك، بل وشعرت كأن حروفه تصافح عينك في ترحيب، فتشدها عبر قصته التي خطها كي تمر عليها مر المستمتع بها، فلا تكاد تجد وعورة في السرد، أو غموضا في الأطروحات، أو تكلفا في الأسلوب، وإنما يجد القاريء نفسه يدلف إلى قصص شعيشع عبر طريق ممهد سهل، يقرأ من البداية دون تعب أو مشقة، ثم يصل إلى النهاية مغتبطا بما وجد من متعة.
ورأيي أن بساطة الأسلوب التي اختارها الكاتب أداة لإيصال أفكاره عبر ما يخط من قصص، إنما يرجع إلى الأمكنة التي يختارها كفضاء لقصصه، فالمكان عند شعيشع غالبا هو القرية المصرية، بما يسكنها من أناس طيبين، مع ذكر كلمات مثل الترعة والزرع، وذكر الشجر والزهر، وحيوان كالقط أو طير كالغراب، كل ذلك يجعل القاريء مستقبلا لمادته في هدوء، بل وشعور جميل بالألفة والود. فكان أسلوبه البسيط الممهد متماشيا مع تلك الأمكنة الجميلة والساحرة التي يجعلها مسرحا للحدث لديه.
ورأيي أن كاتبنا يميل إلى المدرسة الكلاسيكية في القصة، بل وأجده يتقنها إتقان الملم بها، فهو يبدأ بوصف للمكان والزمن، مع وجود حدث مسيطر، ثم يسترسل في الحدث حتى يصل إلى ذروته عبر النهاية التي يختارها. ولا يهتم الكاتب بما يوصف بالقفلة المدهشة، أو بتكلف حلول غريبة، ذلك أن الغاية لديه وصف الحدث بيسر وسهولة، ومن ثم الوصول إلى النهاية في هدوء الحاذق الواثق.
والمكان في قصة (قط أم طلعت) هو القرية المصرية كعادة الكاتب، حيث يصف لنا المكان عبر رسم تفصيلي، فيجعله كازينو، ومطعم، وجزارة، كما يصف قاطنة المكان (أم طلعت) فيجعلها امرأة كبيرة في العمر نسبيا، فتافيت امرأة، مكتنزة دون ترهل، ذات أساور، وهو يزينها بأوصاف تحمل إمارات الكرم، والبساطة، كأغلب السيدات المصريات في الريف. ثم يصف تلك العلاقة المضطربة بين الراوي طفلا، وبين قط أسود، كانت تعطف عليه تلك السيدة الجميلة (أم طلعت) مع مجموعات أخرى من القطط. وبخيال الطفل البريء، يتخيل الراوي حديثا أشبه بالشجار مع ذلك القط، ويبدو أنه صراع حول المكانة، أو ربما أحقية الوجود في بيت أم طلعت ذاك. والقط عند الراوي روح متعجرفة، بل لنقل طماعة جشعة، لا تحب الخير إلا لنفسها هي، ولا تريد لأحد أن يتواجد عند تلك المرأة الكريمة سواها غير أن الراوي الطفل لا يجد عند تلك الروح الشريرة أي أحقية، فهو عنده قط لقيط، أراد له حظه أن يعيش في بيت امرأة ريفية كريمة، ولو كان في مكان آخر لعاش طريدا مثل باقي جنسه من الحيوانات. . وأراد الكاتب أن يشير إلى طمع تلك الروح وشرها الوبيل، بأن استعار تعبيرا قرآنيا فريدا، حيث قال إن فتحة تلك العلبة قد استعصت عليه كسم الخياط في وجه الجمل، ومعلوم أن ذلك التعبير قد استخدمه القرآن في حق أهل النار حين يطمعون في دخول الجنة، كما استخدمه العهد الجديد كذلك في حق الثري الفاحش حين يطمع في بلوغ الفردوس.
ويختار الكاتب لذلك القط نهاية مأساوية، حيث يدفعه جشعه وطمعه، ونهمه الذي لا يشبع، إلى أن ينحشر رأسه عبر فتحة علبة صفيح حادة الطرف، فتكون بمثابة المقصلة التي تحز رقبة الشرير، فينال عقابه الذي يستحق، وهو وإن مات تلك الميتة الشنيعة، فإن الراوي الطفل لم يسع إلى قتله أو إيذائه، وإنما هو طمع القط نفسه، وعدل الأقدار ما سام ذلك الشرير مثل هذا الصنف من العذاب، وسوء الخاتمة!
وإن القاريء ليسأل: ولماذا القط؟ ولماذا أسود؟
وظني أن الكاتب أراد أن يجعل خصم الراوي من ذلك النوع خفيف الحركة، سريع الوثب، والمعروف بخطفه للأشياء حوله، ومن ثم الجري بعيدا والاختفاء، كما شاع بين الناس أن القط لا يتسم بالوفاء والإخلاص، ومن ثم كان اختياره مقبولا نوعا. وأما عن سواده فهو في رأيي إشارة إلى شر تلك الروح ودناءتها. وهو مثال قديم بين العامة مفاده أن الروح الشريرة تتمثل في أشكال قطط سود، وهو مثال ساذج بالطبع، غير أن الكاتب عبر خيال الطفل الراوي ، وجده مناسبا في طرح فكرته، كما نلاحظ وصفه بالمعبود الفرعوني، والذي كان يحمل رأس قط، إشارة إلى تلك المكانة التي أرادت تلك الروح النهمة أن تجعلها لنفسها.
والقصة تحمل عبر سطورها حكمة وعظة، لم يجعلها الكاتب مسطورة في صراحة مبتذلة، وإلا لفقدت قصته مدلولها الفني، وإنما ضمنها عبر أحداث قصته، والنهاية التي اختارها، ليقول إن الطمع لا ينتهي إلا لسوء وندم، وأن استغلال الكرماء يعقبه سود الخواتيم، كما تحمل القصة في نظري حكمة أجل وأكبر، وهي أن الأرض الطيبة تلفظ شرارها عبر تصاريف أقدارها، وأنها لا تبقي إلا على الطيبين!
أشكر في الأخير كاتب قصتنا هذه، حيث حملنا عبر حروفه إلى ربوع الريف المصري الجميل، وإلى بيت أم طلعت، تلك السيدة الفاضلة الكريمة، وسرد لنا قصته في غير تكلف أو تصنع، حتى وصل بنا إلى نهاية ماتعة.
د./ خالد عجماوي.
www.facebook.com
ورأيي أن بساطة الأسلوب التي اختارها الكاتب أداة لإيصال أفكاره عبر ما يخط من قصص، إنما يرجع إلى الأمكنة التي يختارها كفضاء لقصصه، فالمكان عند شعيشع غالبا هو القرية المصرية، بما يسكنها من أناس طيبين، مع ذكر كلمات مثل الترعة والزرع، وذكر الشجر والزهر، وحيوان كالقط أو طير كالغراب، كل ذلك يجعل القاريء مستقبلا لمادته في هدوء، بل وشعور جميل بالألفة والود. فكان أسلوبه البسيط الممهد متماشيا مع تلك الأمكنة الجميلة والساحرة التي يجعلها مسرحا للحدث لديه.
ورأيي أن كاتبنا يميل إلى المدرسة الكلاسيكية في القصة، بل وأجده يتقنها إتقان الملم بها، فهو يبدأ بوصف للمكان والزمن، مع وجود حدث مسيطر، ثم يسترسل في الحدث حتى يصل إلى ذروته عبر النهاية التي يختارها. ولا يهتم الكاتب بما يوصف بالقفلة المدهشة، أو بتكلف حلول غريبة، ذلك أن الغاية لديه وصف الحدث بيسر وسهولة، ومن ثم الوصول إلى النهاية في هدوء الحاذق الواثق.
والمكان في قصة (قط أم طلعت) هو القرية المصرية كعادة الكاتب، حيث يصف لنا المكان عبر رسم تفصيلي، فيجعله كازينو، ومطعم، وجزارة، كما يصف قاطنة المكان (أم طلعت) فيجعلها امرأة كبيرة في العمر نسبيا، فتافيت امرأة، مكتنزة دون ترهل، ذات أساور، وهو يزينها بأوصاف تحمل إمارات الكرم، والبساطة، كأغلب السيدات المصريات في الريف. ثم يصف تلك العلاقة المضطربة بين الراوي طفلا، وبين قط أسود، كانت تعطف عليه تلك السيدة الجميلة (أم طلعت) مع مجموعات أخرى من القطط. وبخيال الطفل البريء، يتخيل الراوي حديثا أشبه بالشجار مع ذلك القط، ويبدو أنه صراع حول المكانة، أو ربما أحقية الوجود في بيت أم طلعت ذاك. والقط عند الراوي روح متعجرفة، بل لنقل طماعة جشعة، لا تحب الخير إلا لنفسها هي، ولا تريد لأحد أن يتواجد عند تلك المرأة الكريمة سواها غير أن الراوي الطفل لا يجد عند تلك الروح الشريرة أي أحقية، فهو عنده قط لقيط، أراد له حظه أن يعيش في بيت امرأة ريفية كريمة، ولو كان في مكان آخر لعاش طريدا مثل باقي جنسه من الحيوانات. . وأراد الكاتب أن يشير إلى طمع تلك الروح وشرها الوبيل، بأن استعار تعبيرا قرآنيا فريدا، حيث قال إن فتحة تلك العلبة قد استعصت عليه كسم الخياط في وجه الجمل، ومعلوم أن ذلك التعبير قد استخدمه القرآن في حق أهل النار حين يطمعون في دخول الجنة، كما استخدمه العهد الجديد كذلك في حق الثري الفاحش حين يطمع في بلوغ الفردوس.
ويختار الكاتب لذلك القط نهاية مأساوية، حيث يدفعه جشعه وطمعه، ونهمه الذي لا يشبع، إلى أن ينحشر رأسه عبر فتحة علبة صفيح حادة الطرف، فتكون بمثابة المقصلة التي تحز رقبة الشرير، فينال عقابه الذي يستحق، وهو وإن مات تلك الميتة الشنيعة، فإن الراوي الطفل لم يسع إلى قتله أو إيذائه، وإنما هو طمع القط نفسه، وعدل الأقدار ما سام ذلك الشرير مثل هذا الصنف من العذاب، وسوء الخاتمة!
وإن القاريء ليسأل: ولماذا القط؟ ولماذا أسود؟
وظني أن الكاتب أراد أن يجعل خصم الراوي من ذلك النوع خفيف الحركة، سريع الوثب، والمعروف بخطفه للأشياء حوله، ومن ثم الجري بعيدا والاختفاء، كما شاع بين الناس أن القط لا يتسم بالوفاء والإخلاص، ومن ثم كان اختياره مقبولا نوعا. وأما عن سواده فهو في رأيي إشارة إلى شر تلك الروح ودناءتها. وهو مثال قديم بين العامة مفاده أن الروح الشريرة تتمثل في أشكال قطط سود، وهو مثال ساذج بالطبع، غير أن الكاتب عبر خيال الطفل الراوي ، وجده مناسبا في طرح فكرته، كما نلاحظ وصفه بالمعبود الفرعوني، والذي كان يحمل رأس قط، إشارة إلى تلك المكانة التي أرادت تلك الروح النهمة أن تجعلها لنفسها.
والقصة تحمل عبر سطورها حكمة وعظة، لم يجعلها الكاتب مسطورة في صراحة مبتذلة، وإلا لفقدت قصته مدلولها الفني، وإنما ضمنها عبر أحداث قصته، والنهاية التي اختارها، ليقول إن الطمع لا ينتهي إلا لسوء وندم، وأن استغلال الكرماء يعقبه سود الخواتيم، كما تحمل القصة في نظري حكمة أجل وأكبر، وهي أن الأرض الطيبة تلفظ شرارها عبر تصاريف أقدارها، وأنها لا تبقي إلا على الطيبين!
أشكر في الأخير كاتب قصتنا هذه، حيث حملنا عبر حروفه إلى ربوع الريف المصري الجميل، وإلى بيت أم طلعت، تلك السيدة الفاضلة الكريمة، وسرد لنا قصته في غير تكلف أو تصنع، حتى وصل بنا إلى نهاية ماتعة.
د./ خالد عجماوي.
مجدي شعيشع
مجدي شعيشع is on Facebook. Join Facebook to connect with مجدي شعيشع and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.