علجية عيش - فقه الإختلاف

حديث الجمعة.. فقه الإختلاف

سال كثير من الحبر حول مسألة الإختلاف و أسبابه و كيف ادى الإختلاف الى الانقسامية و حدوث الصراعات و فقدان عامل التسامح بين الأطراف ، و هذا واقع مر به المسلمون في زمن له سماته، في ظل ثورات الإتصال و التقنيات، أصبحت الحرب فيها رقمية، و وجب على الجميع أن يراجع أفكاره سلوكاته و هذا يحتاج إلى التعامل مع المسائل و القضايا و المشكلات برؤية فكرية منفتحة على الآخر حتى لا يكون هناك اختلاف في الجوهر، و أن يدرك كل واحد واقعه الذي يعيش فيه، إن الخلاف الواقع بين الضدّان هو محاولة تحويل المتغير إلى ثابت و العكس ، هو الصراع المستمر بين الأصالة و الحداثة، و ما ظهر من فتاوى حولهما و من يدلي بها؟ و ما هي النتائج المترتب عنها؟ خاصة و أن بعض المسائل أخذت لها بعدا خطيرا، إذ تجاوزت المنطق الاستهلاكي.

لقد تحول الصراع من صراع أفكار إلى صراع هويات، ليس من منطق هذا عربي و ذلك أمازيغي، بل من منطق هذا مسلم و ذلك كافر، حتى لو كان هذا الأخير ينطق بالشهادتين، يكشف لنا التراث الإسلامي أن أمما سبقتنا كان بينها اختلاف في الرؤى و المنهج، و كمثال ، قد اختلف الصحابة في مسألة الحروف السبعة التي تكتب بها القرآن و هذا راجع لتعدد اللهجات العربية وقت نزول القرآن الكريم، و اختلفوا حتى في طريقة النطق وفقا لاختلاف لغات القبائل و اختلفوا في من تؤول له القيادة بعد وفاة الرسول فيما عرف بيوم السقيفة، و اختلفوا في توجيه القِبلة و تغييرها و إن كانت القبلة في بيت المقدس حقيقة أم أكذوبة؟ و غيرها من الأمثلة التي رسمت صورة للاختلاف، حتى في الزيّ (إمّا إطلاق اللحية و تقصير السروال و إمّا العُرْيُ المفضوح) و طريقة العيش و ما شابه ذلك، وقد نجد الإختلاف حتى بين العلماء و الإصلاحيين فقد كان هناك اختلاف بين الطهطاوي والأفغاني في قضيَّة التسامح مثلا.

ما يمكن قوله هو أن هذا الإختلاف نابع من التعصب للرأي وصلت الأمور الى حد السبّ و الشتم و القذف و الطعن في عرض الآخر، بل الاعتداء عليه و ربما قتله للتخلص منه، إن هذه التجزئة التي نعيشها اليوم و في كل البلاد العربية ليست جديدة ، ففي وقت مضى كانت الدولة العباسية في المشرق و الدولة الأموية في الأندلس على اختلاف و خلاف و عدم توافق، فعندما يدرس الباحث عادات الشعوب يجد أنها مختلفة في كل شيئ و هذا الإختلاف راجع إلى خصوصية المكان و الزمان، كما أن ثقافة منطقة تختلف عن ثقافة المنطقة الأخرى، فحياة الغرب تختلف عن حياة الشرق و بالتالي هم مختلفون في الدين و في الفكر و في اللغة وطريقة العيش.

إن الإختلاف سببه التعصب للرأي و الفكر، و هذا ما وقع بين الأنظمة العربية و التيارات الإسلامية في مصر و تونس و العراق و سوريا و الجزائر ، حيث أدخل التعصب شعوبها في حرب أهلية أتت على الأخضر و اليابس، لابد إذن أن تكون لنا ثقافة إنسانية نفهم بها الآخر ، قد نختلف معه في الشكل لكن نتفق معه في الجوهر، و أذكر هنا مقولة أحد المفكرين حيث قال: " كنت أتمنى أن يكون ديننا متعقلا، أي يؤخذ بالعقل لكي يكون مقبولا لدى الآخر"، السؤال الذي طرحه المفكرون هو كيف يمكن إحداث الموازنة بين الثوابت و المتغيرات في ثقافتنا؟ و تكييفها مع المفاهيم الجديدة الوافدة إلينا كالعولمة؟، من الصعب إذًا أن يغير طرفٌ المتغير إلى ثابت و هذا يحتاج إلى صبر و اجتهاد و جهاد.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى