سجلت السنة الماضية أزيد من 19 ألف زائرا
("منبع الحياة" كتاب ضخم يضم تعاليم المسيح في التعامل مع الآخر)
يحرص رجال الدين المسيحيين على فتح دور عبادتهم أمام الزوار و هذا في إطار تفعيل السياحة الدينية، للتعرف على الموروث المسيحي، هذا ما وقفنا عليه خلال تفقدنا لكنيسة القديس أغسطين بمدينة عنابة التي تعيش على مدار الساعة زيارة العائلات رفقة أولادهم و هم يلتقطون الصور، يحدث هذا في ظل تعمد السلطات العمومية في الجزائر على غلق المساجد خارج أوقات الصلاة تحسبا لأيّ طارئ قد يحدث بعد الأحداث التي عاشتها الجزائر في بداية التسعينيات ، حسب الأرقام المقدمة لنا فإن كنيسة القديس أوغسطين تسجل أزيد من 200 زائرا في اليوم في فصل الصيف، و قد أحصت السنة الماضية أكثر من 19 ألف زائرا، وقد تجاوب بعض الزوار مع اسئلتنا حول الدافع من زيارتهم الكنيسة و أجمعوا على أنها تدخل في إطار العلاقات الإنسانية و الاطلاع على عقيدة الآخر و ثقافته
("منبع الحياة" كتاب ضخم يضم تعاليم المسيح في التعامل مع الآخر)
يحرص رجال الدين المسيحيين على فتح دور عبادتهم أمام الزوار و هذا في إطار تفعيل السياحة الدينية، للتعرف على الموروث المسيحي، هذا ما وقفنا عليه خلال تفقدنا لكنيسة القديس أغسطين بمدينة عنابة التي تعيش على مدار الساعة زيارة العائلات رفقة أولادهم و هم يلتقطون الصور، يحدث هذا في ظل تعمد السلطات العمومية في الجزائر على غلق المساجد خارج أوقات الصلاة تحسبا لأيّ طارئ قد يحدث بعد الأحداث التي عاشتها الجزائر في بداية التسعينيات ، حسب الأرقام المقدمة لنا فإن كنيسة القديس أوغسطين تسجل أزيد من 200 زائرا في اليوم في فصل الصيف، و قد أحصت السنة الماضية أكثر من 19 ألف زائرا، وقد تجاوب بعض الزوار مع اسئلتنا حول الدافع من زيارتهم الكنيسة و أجمعوا على أنها تدخل في إطار العلاقات الإنسانية و الاطلاع على عقيدة الآخر و ثقافته
فالسياحة الدينية في السنوات الأخيرة أصبحت تلقى اهتماما لدى المسؤولين كونها من أكثر أنواع السياحة أهمية، خاصة بالنسبة للبلدان الإسلامية لأسباب كثيرة، ابرزها تفعيل التعايش السلمي مع الآخر و التعرف على موروثه الفكر الثقافي و ربط العلاقات مع الآخر خاصة و أن هذه الأخيرة أي السياحة الدينية يمكن أن تفتح آفاقا عديدة بين بل و آخر بحكم تواجد الجاليات التي على غير دين الإسلام ما جعل رجال الذين المسيح يستثمرون في هذا المجال من خلال استقبالهم للزوار دون إحداث أي معوقات ، و يمكن تعريف السياحة الدينية على أنها تلك التدفق المنظم من السواح القادمين من الداخل أو الخارج بهدف التعرف على الفضاءات الدينية و تاريخها و موروثها الديني و بما تمثله من قيم روحية لدين من الأديان، لاسيما و أن الإسلام و المسيحية يرتبط بينهما قاسم مشترك بحكم أن المسيحيين هم أهل كتاب و تربطهم علاقات تاريخية يغلفها العيش المشترك بدءا من عهد النبوة حينما أرسل النبيّ صلعم اصحابه إلى أرض الحبشة و قال لهم اذهبوا ففيها ملك لا يُظْلَمُ عنده أحدٌ .
و تذكر كتب التاريخ لقاءات عديد تمت بين رسل النبي و الملوك و كانوا في تجاوب كبير مع رسائل النبي محمد صلعم، خاصة لقاؤهم مع ملك نمصر ة الهدايات التي أرسلها الملك الى الرسول ، كانت أعظم هدية تلقاها الرسول امرأة و هي ماريا القبطية، كل ذلك يعبر عن التسامح و التآخي بين العقيدتين ( الإسلام و المسيحية) فكانت العلاقة بينهما علاقة جمع و تقارب، و ذلك في إطار حقوق الإنسان و تحقيق السلام، كما تشير البحوث التاريخية أن القرآن الكريم بيّن أنَّ العلاقة بين الإسلام والمسيحيَّة، أو بين الإسلام والدّيانات السّماويّة الأخرى، جاءت من منبعٍ واحد، وهي تقوم على مبدأ استمرار النبوّات والتَّكامل فيما بينها، قد حثَّ الإسلام على مدِّ جسور الحوار مع المسيحيّة، كقاعدة ثابتة، كما نقرأه في الآية الكريمة 125 من سورة النحل "و جادلهم بالتي هي أحسنُ " في إشارة إلى أهل الكتاب، و يفهم مما جاء في بعض البحوث الإسلامية أن القرآن الكريم حرص على نوعية الخطاب الديني بعيدا عن التعصب و الكراهية و الأحقاد و الالتزام بأخلاقية الإسلام و القيم الإسلامية في التعامل مع الآخر من غير المسلمين مهما كانت عقيدته، عكس ما نراه اليوم و ما حدث من تدهور في الخطاب فمن الخطاب المعتدل الى الخطاب المتطرف و ذلك نتيجة لعوامل عديدة أهمها عدم الاعتراف بالآخر.
و القديس أوغسطين من مواليد تاغستا thagast المعروفة حاليا بسوق اهراس الواقعة شرق الجزائر، ينحدر والده من أصول رومانية و والدته من أصول بربرية، و يعتبر القديس أوغسطين أعظم فيلسوف مسيحي في العصور الوسطى، إلا أن نظرته للعالم كانت تختلف عن فلاسفة عصره ، حسب النقاد ، كان تأثير وجهات نظره على الثقافة الغربية فيما يتعلق بالخطيئة، والنعمة الإلهية، والحرية، الإنسانية، الليبرالية، النسوية مبالغ فيها وقد أثارت هذه الآراء التي تختلف بشدة مع التقاليد الفلسفية والثقافية القديمة، انتقادات شديدة في حياة أوغسطين، إلى جانب هذه الفلسفة كان مشوار أوغسطين الروحي ثابتا لكن فوضويا و قد عبّر في مرحلة ما من الهرطقة المانوية و هو دين ثنائي أصوله فراسية ، تطور في شمال افريقيا إلى أشكال متنوعة من المسيحية و تم اضطهاده كهرطقة بعد مرحلة من التشكيك، بيد أن ما لبث أن تجلّت أمامه الحكمة التي لطالما سعى جاهدا لإيجادها في صورة الحقيقة و الحب، بعد اعتناقه المسيحية و تعمّده على يد القديس أمبروز من ميلانو عاد أوغسطين إلى سوق اهراس حيث اختار عيش حياة راهب علماني في خدمة الله و الكنيسة و الإنسان و أسّس مع رفاقه أوّل دير في شمال افريقيا، و في سنة 391 وصل إلى مدينة "هيبو" حيث رُسِّمَ كاهنا و من ثم أسقفا و قد حافظ على مركزه حتى وفاته، دون أن يحقق حلمه في ان يتوق إلى نور الهي داخلي.
كانت لنا زيارة إلى كنيسة القيس أغسطين و قد وقفنا على الكم الهائل من العائلات رفقة ابنائها و شباب ، يقفون على الهندسة المعمارية لهذه الكنيسة المتواجدة بمدينة عنابة التي كانت فيما مضى محطة توقف الملوك النوميديين الذين قصدوها للاستراحة في فصل الصيف، و شهدت مارك عديدة قام بها القديس أوغسطين دفاعا عن عقيدته و الحياة البشرية، حيث ساهمت كتاباته بإغناء التراث الثقافي و الديني، فكتاب "مدينة الله" مازال يحتل مكانة مميزة في الأدب العالمي ، حيث لقبت الكنيسة الكاثوليكية أوغسطين بـ: "طبيب الحب"، لقد أصبحت هذه البازيليك مقرا لمذهب الكنيسة الكاثوليكية التي تبغى أن تصبح مكانا للقاء و الحوار بين مختلف الأديان و الثقافات و الحضارات، و تتبعه الكنيسة منزل استقبال و دار العجزة، أما عن هندستها المعمارية فهي حسب المطوية جمعت بين الأسلوب العربي المغاربي و البيزنطي الروماني ما يعكس صفات القديس أوغسطين، الذي كن رجل حوار بامتياز، فمن داخل صدر الكنيسة يرتكز النور على المذبح الأساسي.
و المتأمل في الكتابات المعلقة يقف على قداس هذه الكنيسة حرصوا على استعمال الخطاب الديني المؤثر، فمثلا نقرأ العبارات التالية: " لأنك خلقتنا لأجلك و لن يهدأ قلب لنا حتى يسقر فيك"، "الله محبّة"، "راحة النفس العاقلة هي توافق منسجم بين الفكرة و العمل"، " راحة النفس و الجسد تكمن في الانضباط المحكم لحياة و صحة الكائن الحي" هذه العبارات كانت حِكَم تركها القديس أغسطين، و هي الآن تمثل مرجعية دينية، يمارسها المسيحيون في حياتهم اليومية، و لتكون الولادة الجديد للإنسان تجدر الإشارة أن الكنيسة بها مكتبة تضم أكثر من 3000 كتاب، هي كتب قديمة تدور كلها حول فلسفة القديس أوغسطين ، فضلا عن وجود عدد من الكتب المسيحية المقدسة (العهد الجديد) و هو كتاب باللغة العربية من الحجم الصغير، و كتاب مقدس آخر بعنوان "منبع الحياة" source de vie" باللغتين العربية و الفرنسية ، هو عبارة عن تعاليم المسيح في المعاملات لكي يلتزم بها المسيحيون في حياتهم اليومية ، ففي غلافه الخارجي صورة للطبيعة الخضراء و شلال متدفق، يعبر عن اشياء كثيرة و له دلالات كالخير و الحب و التسامح و الإخاء و التضامن مع الآخر ، أي أن حياة الإنسان هي عبارة عن شلال متدفق كله عطاء و إنسانية، فنقرا مثلا في رسالة أفسس Ephésiens رقم 5 صفحة 532 : "فاقتدوا بالله كأبناءٍ أحباءٍ و سِيرُوا في المحبّة سيرة المسيح".
استطلاع علجية عيش