لعل العنوان "قطة فوق صفيح ساخن" أول ما يلفت النظر بهذه الرواية والتي هي الأولى للكاتب مراد سارة والصادرة عن جفرا ناشرون وموزعون في مئة وثلاثون صفحة من القطع المتوسط، بالطبعة الثانية 2022م والتي أشار الكاتب أنها "مزيدة ومنقحة" وإن لم تخني الذاكرة فالطبعة الأولى صدرت عن دار نشر أخرى وتمت اعادة الطباعة بعد ان أنشأ المؤلف جفرا ناشرون وموزعون في عمَّان عاصمة الأردن، ومن تصميم الغلاف يمكننا أن نعرف حول ماذا تدور الرواية ونعرف معنى العنوان، فالغلاف الأمامي ويمتد الى الغلاف الخلفي عبارة عن مشاهد متداخلة لأطفال ونساء في أزقة مخيم يضم النازحين واللاجئين الفلسطينيين باللون الموحد القريب من لون الأرض، وتتصدر الغلاف صورة امرأة فلسطينية ترتدي الثوب المطرز وتضع على رأسها الشال الأبيض، وواضح أنها تمثل المعاناة فالألم على وجهها ومعاناة الأعوام، والثوب قديم يؤكد على الفقر والمعاناة، بينما الغلاف الأخير حمل صورة ملونة للكاتب وفقرات تتحدث عن الرواية.
يلاحظ أن الكاتب كتب اهداء مطول من 434 كلمة لخص فكرة الكتاب والحياة في مخيم حطين للنازحين واللاجئين النازحين والذي تم انشاؤه بعد هزيمة حزيران 1967م والذي اعتاد الناس على تسميته مخيم شنلر نسبة لقربه من معهد شنلر والذي أخذ اسمه نسبة للقس يوحنا لودفك شنلر والمعهد مسجل وقفا خيريا في الاردن منذ وضع حجر الأساس عام 1959، وقد أرفق بالرواية عدد من الصور للمخيم بالأبيض والأسود، كي يرافق ذائقة القراءة مع الذائقة البصرية، ويحيل أحداث الرواية من خيال الكاتب لواقع المخيم، كما وضع تحت عنوان "البداية" وعلى صفحتين حالة وصفية ليوم من حياة النزوح في الغرفة اليتيمة ذات السقف من الصفيح وأخبار عن غارة لطيران الاحتلال واستشهاد عدد من الفلسطينيين، حيث بتلك اللحظة "وُلِدَت قطةٌ فوق صفيحٍ ساخنٍ"، فكان العنوان للرواية والمسرح الذي تبدأ منه الأحداث.
من بداية الرواية نلاحظ أن الكاتب أنسن الهرة وجعلها الشخصية الرئيس في الكتاب وأعاد لذاكرتي كتاب كليلة ودمنة الذي كان على لسان الحيوانات، وبالتالي أصبحت القطة راوية الحكاية بعد أن تمردت على مراد وأخذت منه دور الراوي حيث أورد الكاتب على لسان القطة قولها: "أريد أن أحملَ معاناةَ لاجئةٍ شُرّدتْ وتقطّعتْ بها السُبُل حتى سكنتْ مركزَ توزيعِ المؤنِ، أشقّ طريقَ الحروفِ وحيدةً دون أن يكون (لمراد) دور في نبش أحداثِ النهاية."، وإن سمحت له أن يتحدث في بعض المواقع التي لا يمكن للهرة أن تتحدث عنها، كما حديث مراد عن السينما والقراءة، والقطة أصبحت وكأنها لاجئة حقيقية من المخيم، تروي حكايات الناس وتفكر وتقول: "من الذي يحبُّ الحزنَ ويقدّس العذابَ غير أمريكا وإسرائيل؟!" وتوجه النصائح بالكتابة للكاتب بإسمه وكأنها تخاطب صديقا.
الهرة التي دللها مراد سارة بلقب هرهورة والتي فقأت عينها بسقوط مخرز الغجرية موزة عليها والتي رمزت اليها القطة أنها دولة الكيان المغتصب للوطن من خلال قولها: "والأممُ تبارِك لموزةَ استعمارَها وغضِّ البصر عنها"، فالهرة كانت تمثل المراقب لمعاناة المخيم وتنقل الأحداث بدون تدخل فيها، فلو كان الراوي بشرا فلم يكن بالامكان أن يراقب فقط ولا يتدخل، وكون الهرة أصبحت بعين واحدة فقد أصبحت ترى المعاناة في كل بيت تتسلل اليه وتروي بعض من حكاياته، ترويها برؤية عين واحدة تنقل الواقع كما هو، لذا نجدها تروي حكايات شخوص الرواية بتجرد وبدون مؤثرات ولكنها تسقط بين الحين والآخر بهدوء وجهات نظر سياسية أو اجتماعية، فالكتاب بأكمله يروي حكايات المخيم وشخوصه ومعاناتهم والفقر والحالة الإجتماعية وكما ورد بالرواية: "في المخيّم الكلُّ ينظرُ إليكَ بنظراتٍ موجعة، تحدثّك بسكينةِ الألم عن انسحاقِ القلوبِ داخلَ الصدورِ المظلمةِ، أجسادٌ لا تستطيعُ أن تخفي نحولَها وقد حاولتْ مراراً أن تنفصل عن الموت الذي كان ملاصقاً لكآبتهم، ليالٍ سوداء سلبت من الوجوه ما جمعتَه في الأيام البيضاء، وطمستْ بالنكبة بشاشتهم".
من الشخصيات الثانوية المهمة بالسرد شهلا التي تعيش بغرفة قذرة وكذلك أبو هاشم يسكن بجوار مركز توزيع المؤن ويعمل حلاقا وتاجرا ولا يأخذ أجرة الحلاقة من الفقراء ويرفض أن يشتري أرض قرب المخيم وينتظر أن يعود لقريته المحتلة، وهذه اشارة لمسألتين وهما التمسك بحق العودة ورفض فكرة أن يكون هناك وطن بديل، وأيضا وداد زوجة الشهيد التي تدعو الله ان يحفظ اطفالها من الجوع ويرحمها من ذل السؤال، والتي تهتم بها شهلا حين تجدها خرجت بالبرد لتبحث عن لقمة خبز لأطفالها، وأيضا وصف حالة اجتماعية نجد بسمة ويوسف وحكاية حب رغم كل ظروف المخيم، وحين يمسك والدها رسالة منه معها ينتقل بأسرته الى مخيم البقعة ليبعدها عن يوسف، و سعاد من سكان المخيم تمثل اللذة المصطنعة في العلاقة مع زوجها في بيوت تفتقد الخصوصية لتلاصقها، إضافة لعشرات الأسماء التي حفلت بها الرواية بحيث يشعر القارئ أن الكاتب لم يترك شخصا من المخيم له حكاية ولو بسيطة الا أورد اسمه ومنها على سبييل المثال لا الحصر موزة الغجرية وأبو ابراهيم البهلول والحاج المصري حلاق المخيم وأبو خضر بائع الكاز وأم عبد الله الداية وأبو عثمان مجبر الكسور ودنيا الطباخة في مخيم الوكالة وأبو ناصر الذي كسر أقفال بيت المؤن لصالح الجياع وكان يحرضهم على الثورة ويخطب بهم:"هم اليومَ كالخراف ونحنُ الذئاب فما عليكم إلا أن تذهبوا إليهم وتسترجعوا أرضكم"، وهذه النماذج التي اخترتها من ضمن العشرات من الأسماء توضح كيف يتحول المخيم من شتات اللاجئين والنازحين إلى مجتمع متكامل. إضافة للإشارة للمستنقع الذي عرف بإسم "بركة البيبسي والحديث عنه بالقول: "وجلبتْ البعوضَ والحشراتِ القاتلِةِ وهوايةَ الموتِ السريعِ بدونِ تذاكرَ عبورٍ إلى السماءِ أو حواجزَ تحرِمُ القتيلَ ركوب الماء" .
الكاتب استخدم حكايات أسطورية من التراث مثل حكايات ابو رجل مسلوخة وغيرها، وأما قصة قط مخبز جبل الجوفة الذي كان من الجن فهي قصة تتكرر في مناطق مختلفة وقد استمعت لها أنها جرت في مدينة نابلس بجوار المقبرة من شاعر من نابلس وسكانها بنفس الكلمات وسياق آخر، وفي الجانب الاجتماعي نجد الكاتب أشار للتكاتف الاجتماعي رغم الفقر فهم يهبون للنجدة ومد يد العون لإعادة بناء سقف الحاجة خضرة وجدار بيت أبو أسامة، وفي المقابل أشار الكاتب لسلوكيات اجتماعية شاذة كحادثتي اغتصاب وهيبة المشلولة وحرق أم العبد التي كانت تجمع المال لترسل زوجها السكير والذي لم يعرف الدين يوما للحج، فيلفها بالبطانية ويحرقها وهو في لحظات غياب للعقل بسبب الخمر، فتموت هي ويسجن زوجها ويرسل الأطفال الى مبرة أم الحسين للأيتام.
وجهات نظر سياسية تسللت كعبارات في ثنايا الكتاب حيث انتقد الفصائل الفلسطينية بعبارة "لدرجةِ أنَّ الثلجَّ لم يتماسك، وأعلن الانفصالَ كحال كلِّ الكتائبِ والحركاتِ الثوريّةِ الفلسطينيةِ"، كما هاجم منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية بقوله: "تأخرَ البريدُ القادمُ من السماءِ وسرقَتْ منظمةُ التحريرِ كُلَّ الهباتِ والعطايا، ولم يتجرأَ أحدٌ على (رشيدة مهران) و(أم ناصر) ، وبقيت (أم حسين) تحتسبُ إلى الله حتى فقدتْ لقمةَ الخبز"، وهذه الانتقادات السياسية تكررت في الكتاب ما بين المباشرة والايماء.
كما تكرر الإنتقاد للهيئة التي أنشأتها الأمم المتحدة تحت مسمى هيئة اغاثة وتشغيل اللاجئين والمتعارف عليها باختصار حروف البدء في كلماتها باللغة الانجليزية "أونروا"، ومن هذه الانتقادت على سبيل المثال العبارة التالية: "أعمدةٍ تعودُ للخيمةِ التي صُرِفتْ بدلَ فاقدٍ لوطن ، واعتبرتها (الإونروا) حقاً مشروعاً لكلِّ لاجئٍ بغضّ النظرِ عن فلسطينِ ."، وأشار لاغتصاب فلسطين والوضع الذي أصبح عليه المهجرين إلى المخيم بإستخدام إسم وهيبة المشلولة والتي جرى اغتصابها فيقول "جسدٌ تبادلَ على نهشِهِ الإنسانُ والقوارضُ بعد مصيبةٍ حلّت عليها باغتصابها وفلسطين."، كما أشار لذلك بعبارة قوية وتحمل دلالات بالقول: ""الفقرَ كان كبيراً، وهذا هو سلاحُ إسرائيل.. الفقرُ ما يميت شرفَ المرأة، ويحيي شهوتَها"، كما كان هناك تساؤل مهم على لسان الهرة الراوية للحكاية وهي تشير فيها إلى دولة الإحتلال بالقول: "هل أشنُّ حرباً غير متكافئة على (موزه) والعالم يقبع تحتَ الظلم والاستعمار؟".
ونجد أن الرواية في محتواها العام تعتمد على رواية حكايات المخيم واستخدام نماذج كثيرة فيها من سكان المخيم، وتروي حكايات وحكايات بحيث نجد أحيانا أن الحكايات منفصلة عن بعضها ولا يربطها ببعضها سوى أنها حكايات الناس بالمخيم، بحيث أنه لو جرى شطب بعض الحكايات التي كانت عناوين الفصول فلن يتأثر السرد الروائي ولن يشعر القارئ أنه قد نقص شيء من الكتاب، ويلاحظ أن الكاتب لجأ أحيانا لاستخدام اللهجة المحكية لإضفاء طابع مختلف على الرواية، لكن من وجهة نظري لا أحب الخلط بين الفصحى والعامية وأشعر أنه أسلوب يضعف الرواية أو القصة، إضافة أن الكاتب خرج عن مفهوم الرواية بشكلها التقليدي وخرج عن المألوف فيها، فروايته سرد لحكايات وافتقدت التصاعد من البداية للوصول إلى نقطة التأزم للوصول الى النهاية سواء كانت نهاية مفتوحة أو مغلقة، وكانت النهاية المفتوحة بعد الحكايات عبارة عن وجهات نظر وإشارات مختلفة وخاصة الإشارات السياسية، وعدم انهاء الكتاب بنهاية مغلقة تسجل لصالح الكاتب فحكاية المخيم مكان الإقامة الإجبارية تبقى قائمة ومستمرة حتى العودة للوطن.
وافتقدت الرواية الحبكة القصصية التي تحتوي على السرد والحوار والمناجاة وإن حافظ على التعليق برأي الكاتب، وإن حافظ على المكان والزمان كفضاء للرواية اضافة للشخصيات الرئيسة وهي الهرة ومراد إضافة للشخصيات الثانوية والتي تختلف وتتباين بدورها في الرواية بين ثانوية رئيسة وثانوية عابرة، وحافظ الكاتب على الأبعاد الاجتماعية والسياسية ووحدة الفكرة في روايته بصور بسيطة أحيانا وصور عميقة في أحيان أخرى.
وأنهي الحديث بعبارة وردت في الرواية على لسان الرواية تلخص الفكرة بالقول: "هل تسمعُ السماءُ مَنْ وقف أمامها متظلماً شاكياً ..؟".
"عمَّان 5/8/2023"
يلاحظ أن الكاتب كتب اهداء مطول من 434 كلمة لخص فكرة الكتاب والحياة في مخيم حطين للنازحين واللاجئين النازحين والذي تم انشاؤه بعد هزيمة حزيران 1967م والذي اعتاد الناس على تسميته مخيم شنلر نسبة لقربه من معهد شنلر والذي أخذ اسمه نسبة للقس يوحنا لودفك شنلر والمعهد مسجل وقفا خيريا في الاردن منذ وضع حجر الأساس عام 1959، وقد أرفق بالرواية عدد من الصور للمخيم بالأبيض والأسود، كي يرافق ذائقة القراءة مع الذائقة البصرية، ويحيل أحداث الرواية من خيال الكاتب لواقع المخيم، كما وضع تحت عنوان "البداية" وعلى صفحتين حالة وصفية ليوم من حياة النزوح في الغرفة اليتيمة ذات السقف من الصفيح وأخبار عن غارة لطيران الاحتلال واستشهاد عدد من الفلسطينيين، حيث بتلك اللحظة "وُلِدَت قطةٌ فوق صفيحٍ ساخنٍ"، فكان العنوان للرواية والمسرح الذي تبدأ منه الأحداث.
من بداية الرواية نلاحظ أن الكاتب أنسن الهرة وجعلها الشخصية الرئيس في الكتاب وأعاد لذاكرتي كتاب كليلة ودمنة الذي كان على لسان الحيوانات، وبالتالي أصبحت القطة راوية الحكاية بعد أن تمردت على مراد وأخذت منه دور الراوي حيث أورد الكاتب على لسان القطة قولها: "أريد أن أحملَ معاناةَ لاجئةٍ شُرّدتْ وتقطّعتْ بها السُبُل حتى سكنتْ مركزَ توزيعِ المؤنِ، أشقّ طريقَ الحروفِ وحيدةً دون أن يكون (لمراد) دور في نبش أحداثِ النهاية."، وإن سمحت له أن يتحدث في بعض المواقع التي لا يمكن للهرة أن تتحدث عنها، كما حديث مراد عن السينما والقراءة، والقطة أصبحت وكأنها لاجئة حقيقية من المخيم، تروي حكايات الناس وتفكر وتقول: "من الذي يحبُّ الحزنَ ويقدّس العذابَ غير أمريكا وإسرائيل؟!" وتوجه النصائح بالكتابة للكاتب بإسمه وكأنها تخاطب صديقا.
الهرة التي دللها مراد سارة بلقب هرهورة والتي فقأت عينها بسقوط مخرز الغجرية موزة عليها والتي رمزت اليها القطة أنها دولة الكيان المغتصب للوطن من خلال قولها: "والأممُ تبارِك لموزةَ استعمارَها وغضِّ البصر عنها"، فالهرة كانت تمثل المراقب لمعاناة المخيم وتنقل الأحداث بدون تدخل فيها، فلو كان الراوي بشرا فلم يكن بالامكان أن يراقب فقط ولا يتدخل، وكون الهرة أصبحت بعين واحدة فقد أصبحت ترى المعاناة في كل بيت تتسلل اليه وتروي بعض من حكاياته، ترويها برؤية عين واحدة تنقل الواقع كما هو، لذا نجدها تروي حكايات شخوص الرواية بتجرد وبدون مؤثرات ولكنها تسقط بين الحين والآخر بهدوء وجهات نظر سياسية أو اجتماعية، فالكتاب بأكمله يروي حكايات المخيم وشخوصه ومعاناتهم والفقر والحالة الإجتماعية وكما ورد بالرواية: "في المخيّم الكلُّ ينظرُ إليكَ بنظراتٍ موجعة، تحدثّك بسكينةِ الألم عن انسحاقِ القلوبِ داخلَ الصدورِ المظلمةِ، أجسادٌ لا تستطيعُ أن تخفي نحولَها وقد حاولتْ مراراً أن تنفصل عن الموت الذي كان ملاصقاً لكآبتهم، ليالٍ سوداء سلبت من الوجوه ما جمعتَه في الأيام البيضاء، وطمستْ بالنكبة بشاشتهم".
من الشخصيات الثانوية المهمة بالسرد شهلا التي تعيش بغرفة قذرة وكذلك أبو هاشم يسكن بجوار مركز توزيع المؤن ويعمل حلاقا وتاجرا ولا يأخذ أجرة الحلاقة من الفقراء ويرفض أن يشتري أرض قرب المخيم وينتظر أن يعود لقريته المحتلة، وهذه اشارة لمسألتين وهما التمسك بحق العودة ورفض فكرة أن يكون هناك وطن بديل، وأيضا وداد زوجة الشهيد التي تدعو الله ان يحفظ اطفالها من الجوع ويرحمها من ذل السؤال، والتي تهتم بها شهلا حين تجدها خرجت بالبرد لتبحث عن لقمة خبز لأطفالها، وأيضا وصف حالة اجتماعية نجد بسمة ويوسف وحكاية حب رغم كل ظروف المخيم، وحين يمسك والدها رسالة منه معها ينتقل بأسرته الى مخيم البقعة ليبعدها عن يوسف، و سعاد من سكان المخيم تمثل اللذة المصطنعة في العلاقة مع زوجها في بيوت تفتقد الخصوصية لتلاصقها، إضافة لعشرات الأسماء التي حفلت بها الرواية بحيث يشعر القارئ أن الكاتب لم يترك شخصا من المخيم له حكاية ولو بسيطة الا أورد اسمه ومنها على سبييل المثال لا الحصر موزة الغجرية وأبو ابراهيم البهلول والحاج المصري حلاق المخيم وأبو خضر بائع الكاز وأم عبد الله الداية وأبو عثمان مجبر الكسور ودنيا الطباخة في مخيم الوكالة وأبو ناصر الذي كسر أقفال بيت المؤن لصالح الجياع وكان يحرضهم على الثورة ويخطب بهم:"هم اليومَ كالخراف ونحنُ الذئاب فما عليكم إلا أن تذهبوا إليهم وتسترجعوا أرضكم"، وهذه النماذج التي اخترتها من ضمن العشرات من الأسماء توضح كيف يتحول المخيم من شتات اللاجئين والنازحين إلى مجتمع متكامل. إضافة للإشارة للمستنقع الذي عرف بإسم "بركة البيبسي والحديث عنه بالقول: "وجلبتْ البعوضَ والحشراتِ القاتلِةِ وهوايةَ الموتِ السريعِ بدونِ تذاكرَ عبورٍ إلى السماءِ أو حواجزَ تحرِمُ القتيلَ ركوب الماء" .
الكاتب استخدم حكايات أسطورية من التراث مثل حكايات ابو رجل مسلوخة وغيرها، وأما قصة قط مخبز جبل الجوفة الذي كان من الجن فهي قصة تتكرر في مناطق مختلفة وقد استمعت لها أنها جرت في مدينة نابلس بجوار المقبرة من شاعر من نابلس وسكانها بنفس الكلمات وسياق آخر، وفي الجانب الاجتماعي نجد الكاتب أشار للتكاتف الاجتماعي رغم الفقر فهم يهبون للنجدة ومد يد العون لإعادة بناء سقف الحاجة خضرة وجدار بيت أبو أسامة، وفي المقابل أشار الكاتب لسلوكيات اجتماعية شاذة كحادثتي اغتصاب وهيبة المشلولة وحرق أم العبد التي كانت تجمع المال لترسل زوجها السكير والذي لم يعرف الدين يوما للحج، فيلفها بالبطانية ويحرقها وهو في لحظات غياب للعقل بسبب الخمر، فتموت هي ويسجن زوجها ويرسل الأطفال الى مبرة أم الحسين للأيتام.
وجهات نظر سياسية تسللت كعبارات في ثنايا الكتاب حيث انتقد الفصائل الفلسطينية بعبارة "لدرجةِ أنَّ الثلجَّ لم يتماسك، وأعلن الانفصالَ كحال كلِّ الكتائبِ والحركاتِ الثوريّةِ الفلسطينيةِ"، كما هاجم منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية بقوله: "تأخرَ البريدُ القادمُ من السماءِ وسرقَتْ منظمةُ التحريرِ كُلَّ الهباتِ والعطايا، ولم يتجرأَ أحدٌ على (رشيدة مهران) و(أم ناصر) ، وبقيت (أم حسين) تحتسبُ إلى الله حتى فقدتْ لقمةَ الخبز"، وهذه الانتقادات السياسية تكررت في الكتاب ما بين المباشرة والايماء.
كما تكرر الإنتقاد للهيئة التي أنشأتها الأمم المتحدة تحت مسمى هيئة اغاثة وتشغيل اللاجئين والمتعارف عليها باختصار حروف البدء في كلماتها باللغة الانجليزية "أونروا"، ومن هذه الانتقادت على سبيل المثال العبارة التالية: "أعمدةٍ تعودُ للخيمةِ التي صُرِفتْ بدلَ فاقدٍ لوطن ، واعتبرتها (الإونروا) حقاً مشروعاً لكلِّ لاجئٍ بغضّ النظرِ عن فلسطينِ ."، وأشار لاغتصاب فلسطين والوضع الذي أصبح عليه المهجرين إلى المخيم بإستخدام إسم وهيبة المشلولة والتي جرى اغتصابها فيقول "جسدٌ تبادلَ على نهشِهِ الإنسانُ والقوارضُ بعد مصيبةٍ حلّت عليها باغتصابها وفلسطين."، كما أشار لذلك بعبارة قوية وتحمل دلالات بالقول: ""الفقرَ كان كبيراً، وهذا هو سلاحُ إسرائيل.. الفقرُ ما يميت شرفَ المرأة، ويحيي شهوتَها"، كما كان هناك تساؤل مهم على لسان الهرة الراوية للحكاية وهي تشير فيها إلى دولة الإحتلال بالقول: "هل أشنُّ حرباً غير متكافئة على (موزه) والعالم يقبع تحتَ الظلم والاستعمار؟".
ونجد أن الرواية في محتواها العام تعتمد على رواية حكايات المخيم واستخدام نماذج كثيرة فيها من سكان المخيم، وتروي حكايات وحكايات بحيث نجد أحيانا أن الحكايات منفصلة عن بعضها ولا يربطها ببعضها سوى أنها حكايات الناس بالمخيم، بحيث أنه لو جرى شطب بعض الحكايات التي كانت عناوين الفصول فلن يتأثر السرد الروائي ولن يشعر القارئ أنه قد نقص شيء من الكتاب، ويلاحظ أن الكاتب لجأ أحيانا لاستخدام اللهجة المحكية لإضفاء طابع مختلف على الرواية، لكن من وجهة نظري لا أحب الخلط بين الفصحى والعامية وأشعر أنه أسلوب يضعف الرواية أو القصة، إضافة أن الكاتب خرج عن مفهوم الرواية بشكلها التقليدي وخرج عن المألوف فيها، فروايته سرد لحكايات وافتقدت التصاعد من البداية للوصول إلى نقطة التأزم للوصول الى النهاية سواء كانت نهاية مفتوحة أو مغلقة، وكانت النهاية المفتوحة بعد الحكايات عبارة عن وجهات نظر وإشارات مختلفة وخاصة الإشارات السياسية، وعدم انهاء الكتاب بنهاية مغلقة تسجل لصالح الكاتب فحكاية المخيم مكان الإقامة الإجبارية تبقى قائمة ومستمرة حتى العودة للوطن.
وافتقدت الرواية الحبكة القصصية التي تحتوي على السرد والحوار والمناجاة وإن حافظ على التعليق برأي الكاتب، وإن حافظ على المكان والزمان كفضاء للرواية اضافة للشخصيات الرئيسة وهي الهرة ومراد إضافة للشخصيات الثانوية والتي تختلف وتتباين بدورها في الرواية بين ثانوية رئيسة وثانوية عابرة، وحافظ الكاتب على الأبعاد الاجتماعية والسياسية ووحدة الفكرة في روايته بصور بسيطة أحيانا وصور عميقة في أحيان أخرى.
وأنهي الحديث بعبارة وردت في الرواية على لسان الرواية تلخص الفكرة بالقول: "هل تسمعُ السماءُ مَنْ وقف أمامها متظلماً شاكياً ..؟".
"عمَّان 5/8/2023"