علجية عيش - حديث الجمعة : في المَشْيَخَة و الزَّعَامَة..

"نحن اليوم نعيش أزمة "رجال" و الزعيم الحقيقي هو من يصلح العود المعوج دون كسره"
------------------------------------------------------------------------------------------------
366510978_6522779291143707_6215504555706254617_n.jpg

أشارت كثير من الدراسات ان المشيخة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالذهنية القبلية، فزعيم القبيلة أو العشيرة أو القرية هو من يكون الأكبر سنا و الأكثر تعقلا، يتعايش مع كل الأزمات و المواقف، فهو العقل المدبر و العقل الجامع بين أفراد القبيلة أو القرية و هو الحاكم و الآمر و الناهي فيها، و الكل يأتمر بأوامره ، و هو الوجيه بالقول و الفعل، فصلاحيته تشمل مختلف جوانب الحياة، و لذا يلقبونه بـ: "الشيخ" ، فالشيخ كما تقول البحوث هو المسؤول الأول على القبيلة أو العشيرة و مع الدولة المركزية و هو الوحيد المطالب على الحفاظ على العلاقات الإجتماعية، أو كما يسمى عندنا في الجزائر بـ: "تاجماعت" TAJMA3T في منطقة القبائل، فقد كان أعيان المنطقة و أبناؤها يمتثلون لكل القرارات التي تصدر عن تاجماعت، و من بين الباحثين الذي سلطوا الضور على ظاهرة المشيخة نجد الدكتور غسان الخالد لبناني مختص في العلوم الإجتماعية، ارتكزت بحوثه على التحليل الإجتماعي بالتركيز على النظريات الخلدونية ( نسبة الى المؤرخ و عالم الإجتماع عبد الرحمان ابن خلدون)، يقول الدكتور غسان الخالد أن مفهوم المشيخة أو الشيخ أنيطت بها مسؤوليات لابد على أن يتحلى بها.

أول هذه المسؤوليات هي حل الخلافات داخل العشيرة و ذلك للمحافظة على عملية الضبط الداخلي ، أي تجنب الوقوع في الفوضى التي من شأنها أن تؤدي الى اشتباكات بين أفراد العشيرة، أي نبذ الاندفاعية و التهور في الممارسة و اتخاذ القرارات من أجل إحلال السلام، حل الخلافات مع العشائر الأخرى أو إقرار التحالفات معها، و الشيخ هو ممثل العشيرة في حالة الإعلان عن الحرب أو التفاوض، إلا أنه في هذه الحالات يشترط على الشيخ استشارة شيوخ الأفخاذ و وجهاء العشيرة ( الأعيان) في إطار احترام مبدأ "الشورى" قبل اتخاذ أي قرار، كما أن هناك صلاحيات أخرى لها علاقة بالزواج و العلاقات بين الأفراد و غيرها من الصلاحيات التي لا تحق إلا لهذا الشيخ الذي يملك ما لا يملكه ابناء العشيرة من الحكمة و الفِراسة و السياسة و التدبر و التعقل و المثالية ما تجعله يحافظ على أمن و استقرار العشيرة أو القبيلة، فلا يكون هناك عنف و لا تطرف و لا فوضى، فهذه الصفات لا تتوفر إلا في رجل يدرك معنى القيادة و المسؤولية، و بالتالي يستحق وصفه بالزعيم.

فالزعامة لها معاييرها و قوانينها و قزاعدها ، و الزعيم وحده الذي يجعل الأفراد أكثر انضباطا ، يمشون في صف واحد و يخضعون للقوانين الداخلية فلا يميلون مع الرياح و العواصف مهما كانت قوتها ، و هو وحده الذي يصلح العود المعوج دون كسره، و نظرا لأهمية المشيخة في حياة الأفراد و الجماعات عرف هذا المفهوم تطورا، و أعطيت له صبغة سياسية، جعلته يخرج من الإطار الإجتماعي التقليدي إلى الإطار السياسي، فظهر ما يسمى بـ: التيار "المشيخي" و تيارات أخرى، أخرجت مفهوم المشيخة من قالبه الأصلي، و اختلفت هذه التيارات في توظيف المصطلحات كالشرعية و الديمقراطية و الحكامة و العدالة كما اختلفت في تحديد العلاقات بين الناس، و قد ساهمت التكنولوجيا الحديثة و ظهور مواقع التواصل الإجتماعي في تشويه صورة "الشيخ" ، و إعطائه أبعادا أخرى باسم الحرية في الكلام و الحركة و تحت شعارات مختلفة لا تخدم مصلحة الجماعة ، شعارات حولوها إلى عقيدة ( عقيدة الولاء و البراء) .

فنحن نرى اليوم كل تيار يرى نفسه هو الزعيم و وجب على الجماعة أن تطيعه و لا تناقشه، تمتثل لأوامره بعينين معصوبتان، و من يعترض فهو خارج عن الجماعة و وجب إقامة عليه الحد، أو كما قال الحديث: من خرج عن الطاعة و خالف الجماعة فمات، مات ميتة الجاهلية، و من قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة... إلى أن يقول و من خرج عن أمّتي يضرب برّها و فاجرها و لا يتحاشى من مؤمنها و لا يفي ذا عهد عهده فلي سمني و لست منه ( فيما معناه)، هو ما يحدث الآن بين السلطة و المعارضة و التطورات المجتمعية المختلفة، دون أن يولي كل واحد منهما أولوية القضايا المطروحة اهتماما فوقع الشرخ، لأن كل واحد يرى نفسه على صواب و أنه هو صاحب الحق و له الشرعية .

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى