نعم أيها السادة فديناميكا الهواء هي من العلم العجيب، ظواهر طبيعية تراها كل يوم وتدرك مظاهرها، ولكنك لا تجد تفسيرا لها، ظواهر لفتت انظار الانسان منذ قديم الازل وتعلم كيف يتعامل معها وكيف يستفيد منها لكن دون أن يستطيع أن يفهم أساسها النظري.
فلماذا كانت قوارب قدماء المصريين بهذا الشكل؟ هل هي مجرد تقليد للكائنات السابحة أم أن الخبرة العملية قادتهم لاكتشاف الاشكال الملائمة؟ وهل كان تقليد الطبيعة هو مفتاح البداية كي يفهم أن التقليد وحدة لا يكفي؟
والغريب أن تعليمنا الجامعي كان هو أيضا غريبا، فهل فهم العلم الغريب هو التعامل مع المعادلات الرياضية التي تعبر عن ظواهر هذا العلم؟ دون فهم وأدراك طبيعة الظواهر الطبيعية؟ ومن أن يأتي هذا الفهم؟
أستطيع أن أدعى، وأنا طالب متفوق، أن العلم الذي تلقيته في الجامعة ليس في حقيقته علما، بل مجموعة من المعادلات الرياضية التي لا تمكن طالب الهندسة من فهم الطبيعة والتعامل معها، ناهيك بالطبع لعدم منهجية التعلم لعدم وجود خطة كاملة تبدأ من المفاهيم الأساسية الى التعامل معها رياضيا.
وأستطيع أن أدعى أن ما تعلمته من الكتب التي تتحدث عن موضوع علمي معين، دون التعبير الرياضي عنها، هو أكثر بكثير مما تعلمته من المحاضرات الجامعية النظامية، رغم انى كنت من أوائل دفعتي.
وسأحكى لكم عن وقائع تمثل هذا الواقع
ففي السنة الدراسية الثالثة في كليه الهندسة كانت بدايات دراسة هذا العلم العجيب، علم ديناميكا الهواء، فتبدء الدراسة بأسوأ طريقة ممكنة، أي بدراسة سلوك الهواء الملامس لسطح الجسم المتحرك في طبقة الهواء الرفيعة جدا الملامسة له (Boundary layer) دون البدء بالفهم الكلى لتأثير الهواء على الجسم المتحرك، لاكتشف أن الطبيعة قد اختفت خلف المعادلات الرياضة المعقدة التي لا يمكن حلها إلا بأساليب تجريبية لأنها من نوع المعادلات المسماة Empirical.
لقد أصاب الطلاب هم عظيم من إمكانية فهم هذه المادة التي حولها الأستاذ الدكتور من فهم للطبيعة الى معادلات رياضية معقدة جدا، لذلك كانت نتيجة الامتحان مؤسفة فمن بين 50 طالبا من المتفوقين لم يحصل إلا أثنين على تقدير جيد جدا، كنت أحدهما، رغم أنى لم أبذل جهدا كبيرا في الدراسة لإدراكي ان المعادلات الرياضية من هذا النوع لا يمكن حلها بوسائل رياضية وان السبيل الوحيد لفهم هذه المادة، التي حولها الأستاذ الدكتور الى مادة بغيضة، هو فهم طبيعتها، أي فهم الطبيعة وليس التعبير الرياضي عنها.
ويتكرر الامر في السنة النهائية اثناء مشروع التخرج، فالأستاذ الدكتور المسؤول عن تدريس مواد المشروع النظرية لا يمتلك الخبرة العلمية او العملية عن مشروع التخرج، ويزداد الطين بلة أنه لا يبذل جهدا في التعرف على طبيعته المتوفرة في كتب كثيرة متوفرة للعامة، أي على المعلومات العامة ، فيقترح حلولا هندسية لا يمكن تنفيذها ولا حتى في البلدان المتقدمة ، ولسوء حظة انى كنت امتلك هذه المعلومات في كتب عامة ومنها سلسلة الكتب الشهيرة Guinness، ومنها الكتاب الذى يتحدث عن موضوع الدراسة ، وكنت مضطرا الى استخدامه لتعديل فتاويه برغم إحساسي بالخجل من إضراري للقيام بذلك وبرغم انه لم يشعر بأي خجل من قصوره وجهلة .
و لقصور فهمه لطبيعة الموضوع من وجهة نظر الطبيعة (Physical behavior ) فلقد تحول النقاش النهائي للمشروع الى نقاش ثنائي بيني وبينة دون الطلاب الاخرين ، وانتابتني الشكوك حول موقفي، ولكن بعد ما يزيد عن 15 عاما قابلت عالما جليلا صاحب خبرة عملية وعلمية حول نفس الموضوع ، فسالته حول نقاط الخلاف ، فأكد لي سلامة موقفي وصحته ، أنا المفعوص الذى كانت له فرصة التعرف على العلم بدون المعادلات الرياضية ، كل هذا بصرف النظر عن أن هذا الأستاذ الدكتور كان أحد البصاصين !.
ويتكرر الامر مرة ثانية حين كلفت بتدريس جهاز التصويب للطائرة الميج 21 اثناء خدمتي الاجبارية في القوات المسلحة، وهو جهاز معقد يقوم بعمليات حسابية كثيرة كي تخرج في النهاية في شكل حلقة أمام الطيار وما علية إلا أن يضبط وضع طائرته بحيث يصبح الهدف في منتصف الحلقة ويطلق النيران، ولذلك كانت المعضلة كيف أقوم بتدريس هذا الجهاز لطلاب في مستوى الثانوية العامة؟
لقد كان الحل بسيطا وهو العودة للطبيعة، أي لما يراه الطلاب كل يوم في حياتهم اليومية، فلكى يفهم الطالب كيف يرفع الهواء جسم متحرك علية أن ينظر الى لنش يتحرك في الماء، فكلما زادت سرعته ارتفعت مقدمته نتيجة لزيادة رفع الماء مع زيادة السرعة وهى نفس الظاهرة التي تحدث في الهواء، ولقد نلت مكافئة كبيرة نتيجة للتفتيش المفاجئ من أدارة التدريب في القوات المسلحة حين حضر المفتش واستطاع فهم موضوع الدرس ، فنلت خطاب شكر ومكافئة مالية .
لذلك فإن التعليم الهندسي يعاني في بلادنا من مشاكل خطيرة حين لا يدرك القائمون علية أن الهندسة هي في حقيقتها دراسة الطبيعة (Physics) باستخدام أدوات رياضية (Mathematics)، وهو الفارق الأساسي بين مهندس رفيع المستوى يفهم الطبيعة وبين مهندس يتحول الى فني إذا كان جادا.
مرفق لينك لكتاب عظيم تعلمت منة، بدون رياضيات ، واسمة Flight without formula
فلماذا كانت قوارب قدماء المصريين بهذا الشكل؟ هل هي مجرد تقليد للكائنات السابحة أم أن الخبرة العملية قادتهم لاكتشاف الاشكال الملائمة؟ وهل كان تقليد الطبيعة هو مفتاح البداية كي يفهم أن التقليد وحدة لا يكفي؟
والغريب أن تعليمنا الجامعي كان هو أيضا غريبا، فهل فهم العلم الغريب هو التعامل مع المعادلات الرياضية التي تعبر عن ظواهر هذا العلم؟ دون فهم وأدراك طبيعة الظواهر الطبيعية؟ ومن أن يأتي هذا الفهم؟
أستطيع أن أدعى، وأنا طالب متفوق، أن العلم الذي تلقيته في الجامعة ليس في حقيقته علما، بل مجموعة من المعادلات الرياضية التي لا تمكن طالب الهندسة من فهم الطبيعة والتعامل معها، ناهيك بالطبع لعدم منهجية التعلم لعدم وجود خطة كاملة تبدأ من المفاهيم الأساسية الى التعامل معها رياضيا.
وأستطيع أن أدعى أن ما تعلمته من الكتب التي تتحدث عن موضوع علمي معين، دون التعبير الرياضي عنها، هو أكثر بكثير مما تعلمته من المحاضرات الجامعية النظامية، رغم انى كنت من أوائل دفعتي.
وسأحكى لكم عن وقائع تمثل هذا الواقع
ففي السنة الدراسية الثالثة في كليه الهندسة كانت بدايات دراسة هذا العلم العجيب، علم ديناميكا الهواء، فتبدء الدراسة بأسوأ طريقة ممكنة، أي بدراسة سلوك الهواء الملامس لسطح الجسم المتحرك في طبقة الهواء الرفيعة جدا الملامسة له (Boundary layer) دون البدء بالفهم الكلى لتأثير الهواء على الجسم المتحرك، لاكتشف أن الطبيعة قد اختفت خلف المعادلات الرياضة المعقدة التي لا يمكن حلها إلا بأساليب تجريبية لأنها من نوع المعادلات المسماة Empirical.
لقد أصاب الطلاب هم عظيم من إمكانية فهم هذه المادة التي حولها الأستاذ الدكتور من فهم للطبيعة الى معادلات رياضية معقدة جدا، لذلك كانت نتيجة الامتحان مؤسفة فمن بين 50 طالبا من المتفوقين لم يحصل إلا أثنين على تقدير جيد جدا، كنت أحدهما، رغم أنى لم أبذل جهدا كبيرا في الدراسة لإدراكي ان المعادلات الرياضية من هذا النوع لا يمكن حلها بوسائل رياضية وان السبيل الوحيد لفهم هذه المادة، التي حولها الأستاذ الدكتور الى مادة بغيضة، هو فهم طبيعتها، أي فهم الطبيعة وليس التعبير الرياضي عنها.
ويتكرر الامر في السنة النهائية اثناء مشروع التخرج، فالأستاذ الدكتور المسؤول عن تدريس مواد المشروع النظرية لا يمتلك الخبرة العلمية او العملية عن مشروع التخرج، ويزداد الطين بلة أنه لا يبذل جهدا في التعرف على طبيعته المتوفرة في كتب كثيرة متوفرة للعامة، أي على المعلومات العامة ، فيقترح حلولا هندسية لا يمكن تنفيذها ولا حتى في البلدان المتقدمة ، ولسوء حظة انى كنت امتلك هذه المعلومات في كتب عامة ومنها سلسلة الكتب الشهيرة Guinness، ومنها الكتاب الذى يتحدث عن موضوع الدراسة ، وكنت مضطرا الى استخدامه لتعديل فتاويه برغم إحساسي بالخجل من إضراري للقيام بذلك وبرغم انه لم يشعر بأي خجل من قصوره وجهلة .
و لقصور فهمه لطبيعة الموضوع من وجهة نظر الطبيعة (Physical behavior ) فلقد تحول النقاش النهائي للمشروع الى نقاش ثنائي بيني وبينة دون الطلاب الاخرين ، وانتابتني الشكوك حول موقفي، ولكن بعد ما يزيد عن 15 عاما قابلت عالما جليلا صاحب خبرة عملية وعلمية حول نفس الموضوع ، فسالته حول نقاط الخلاف ، فأكد لي سلامة موقفي وصحته ، أنا المفعوص الذى كانت له فرصة التعرف على العلم بدون المعادلات الرياضية ، كل هذا بصرف النظر عن أن هذا الأستاذ الدكتور كان أحد البصاصين !.
ويتكرر الامر مرة ثانية حين كلفت بتدريس جهاز التصويب للطائرة الميج 21 اثناء خدمتي الاجبارية في القوات المسلحة، وهو جهاز معقد يقوم بعمليات حسابية كثيرة كي تخرج في النهاية في شكل حلقة أمام الطيار وما علية إلا أن يضبط وضع طائرته بحيث يصبح الهدف في منتصف الحلقة ويطلق النيران، ولذلك كانت المعضلة كيف أقوم بتدريس هذا الجهاز لطلاب في مستوى الثانوية العامة؟
لقد كان الحل بسيطا وهو العودة للطبيعة، أي لما يراه الطلاب كل يوم في حياتهم اليومية، فلكى يفهم الطالب كيف يرفع الهواء جسم متحرك علية أن ينظر الى لنش يتحرك في الماء، فكلما زادت سرعته ارتفعت مقدمته نتيجة لزيادة رفع الماء مع زيادة السرعة وهى نفس الظاهرة التي تحدث في الهواء، ولقد نلت مكافئة كبيرة نتيجة للتفتيش المفاجئ من أدارة التدريب في القوات المسلحة حين حضر المفتش واستطاع فهم موضوع الدرس ، فنلت خطاب شكر ومكافئة مالية .
لذلك فإن التعليم الهندسي يعاني في بلادنا من مشاكل خطيرة حين لا يدرك القائمون علية أن الهندسة هي في حقيقتها دراسة الطبيعة (Physics) باستخدام أدوات رياضية (Mathematics)، وهو الفارق الأساسي بين مهندس رفيع المستوى يفهم الطبيعة وبين مهندس يتحول الى فني إذا كان جادا.
مرفق لينك لكتاب عظيم تعلمت منة، بدون رياضيات ، واسمة Flight without formula