يمثل هذا النص الملحمي نقلة نوعية في الأدب، فكت كتب على وتيرة الملاحم الأدبية الهلال الخصيب، إن كانت في العراق مثل ملحمة "عشتار ومأساة تموز، وملحمة في العلى عندما" أو في بلاد الشام كما هو الحال في ملحمة البعل وملحمة دانيال" وهذا الأمر يقربنا مما كتبه اسلافنا العظماء، فتركيبة النص وطريقة تناوله للأحدث وتعدد الأصوات فيه، ووجود "كاهنات الارجوان والساحرات السود والعذارى" كشارحات ومتحدثات عما يجري من أحداث، يتماثل مع ما جاء في الأب الإغريقي، الذي كان يستخدم هذا الشكل في الملاحم والمسرحيات الأدبية، وهذا التشكيل والتنوع في شكل ملحمة "أسطورة ليلو وحتن" يعد أحد الجوانب الفنية في النص.
وكما هو الحال في الملاحم الأبية في الهلال الخصيب نجد حضور الطبيعة بشكل ملفت للنظر، يفعل محمود موسى في ملحمته فيحدثنا عنها بهذا الشكل: "العذارى:
بنات الخزف
نحن عذارى شجر الجميز
بنات التين
نحن عذارى الجليل
بنات الشقائق
نحن عذارى المرج
بنات السهل (شفا الله|) نحن عذارى الحبق
بنات الريحان بنات النعنع
نحن عذارى عسل الزعتر
بنات السمسم
نحن عذارى الأرز بنات اللوز
نحن يمام الحقول
بنات الحجل
نحن عذارى الكروم
بنات الزبيب
لقاطات الزيتون
بنات العناب
نحن الحصادات العذارى
بنات حواره
مناجلنا أهله
قدودنا ملبن ممزوج بالصنوبر
الخصر خيزران رفيع
وسطنا حزمة في غمرة القمح
صدورنا كالسنابل
ونحن المغنيات
الراقصات
في أعراس الحصاد" ص10 و11، لا شكل أن الطبيعة وما فيها من جغرافيا وحياة حاضرة في النص، فنجد الأشجار والنباتات المتعددة التي يزرعها الإنسان في منطقتنا، فهي مصدر غذاء له، ومصدر فرح وبهجة، وإثبات وجوده كإنسان منتج، ونجد التفاعل بين ما بين الإنسان والطبيعية من خلال الاحتفالات وما فيها من رقص وغناء التي تقام في موسم الحصاد، فالعلاقية بين الجغرافيا والإنسان يعد أحد أهم عوامل التواصل بين أبناء المجتمع الواحد، وأيضا يؤكد حضور المجتمع وأثره على الجغرافيا، بهذه التفاعلات والتأثيرات ما بين الإنسان والإنسان يتكون مجتمع له خصائصه السلوكية المميزة، من جهة أخرى نجد تفاعل هذا المجتمع مع الجغرافيا، بحيث تكون هي التي تمده بعناصر البقاء والتطور، وأيضا الملهمة له في تشكيل أفكاره/طقوسه الخاصة المتعلقة بالفرح والبهجة.
ويحدد لنا الكاتب المكان باسمه "الجليل الفلسطيني ولبنان"، كتأكيد على حضور المكان، وكأنه بهذا الأمر يريد الربط بين الإنسان/المجتمع والجغرافيا، فهناك علاقة توحد تجمعهما والتي تتمثل في عملية الإنتاج والتفاعل، فهما كالجسد والروح، ولا يمكن الفصل بينهما.
عشتار تتماثل مع ليلو
هناك تماثل بين الربة "عشتار" والربة "ليلو" فكلاهما مصدر للخصب، ومصدر للبقاء والحياة، وكلاهما مفجر للجنس، وللمتعة التي يسعى إليها كل زوج، فمن صفات عشتار/ليلو الخصب
"طرزنا لك أرضك ثوبا
يا ربة الحرث" ص18.
وهي ساكنة العالي، إن كان المعبد على قمة الجبل/ أم في السماء :
"فهبطي يا ليلو من
برجك
يمامة
يزداد الفضاء بهجة
وأناقة" ص19.
وهي امرأة شبقة تفجر الشهوة، من خلال ما تقوم به،
" أهبطي يا ليلو امرأة
واغتسلي
على شاطئ طبريا
ثلاثة أيام بالماء المسخن
وتطهري
بما بانياس
ماء النهر الرخار
الأردن الكبير
اجلسي عارية كأي امرأة
ووجهك نحو الغرب
قوس الكرمل وجهه
نحو الشرق
الحراث
قام نحوك
سيراك حتن الحراث
ذو العينين البراقتين" ص20 و21، المشهد السابق يعد تحضيرا للعروس التي ستزف لعريسها، فنجد الاغتسال ولمدة ثلاثة أيام، وهذا الرقم ـ ثلاثة ـ ورقم ـ سبعة ـ ويعد مقدسا عند سكان الهلال الخصيب، ويحمل شيئا من العلاقة الروحية التي تربط الفرد بمعتقداته الدينية، وهذا المشهد يحاكي طقوس الزواج المقدس التي كانت تقام في الهلال الخصيب، فالربة/الكاهنة العظمى تهيئ نفسها للزواج من الإله/الملك، وهذه الطقوس تستمر لسبع الأيام، يعم الفرح والبهجة كل المدينة ويفرح كل الشعب.
هناك مشهد يحاكي تماما ما قالته الربة "عشتار" لجلجامش حينما تطلبت منه الزواج، سنقتبس نص الملحمة السومرية ثم نقارنه بما جاء في ملحمة "ليلو وحتن"
""تعال يا جلجامش وكن عريس
هبني ثمارك هدية
كن زوجا لي وأنا زوجا لك
سأمر لك بعربة من ألازورد، وذهب
عجلاتها من ذهب وقرونها من كهرمان
تشد إليها عفاريت العاصفة بغلا عظيمة
وملفوفا بشذى الأرز بيتا
قبلت المنصة قدميك والعتبة
وانحنى لك الملوك والحكام والأمراء
يضعون غلة السهل والجبل أمامك، تقدمة
ستحمل عنزاتك توائم ثلاثة، ونعاجك مثنى
سيبز حمارك أثقال البغال
وخيولك تطبق الآفاق شهرة جريها
أما ثيرانك فلن يكون لها تحت النير نظير" ملحمة جلجامش، فراس لسواح ص148
وما جاء في ملحمة "ليلو وحتن" ما يلي:
"دع رأسك تطير بعناقي
حتى العنان
وابلغ قمة الكون
أنا قوية بكاحلك
أنت في عنان العنان
النهر قادم إلي
سأغسل أصابع قدميك
جاء ماء الأردن
من أجل غسلهما
فتنشط روحك
سأجلب لك من النبع
ماء الغسيل
بإناء النذور" ص55، تتماثل "ليلو" مع "عشتار" في أغراء "حتن وجلجامش" فنجد الترغيب المتعلق بالمتعة، إن كانت مادية أم جسدية، فهي تعطي الرجل ما يريده من الحياة، فعند عشتار كان الحديث متعلق بملك يسعى للملك والظهور في المدن، وفي حالة "حتن" نجد الاغواء متعلق بما يطلبه الرجل من المرأة، فالتركيز تم على اغتسال المرأة وما يحمله من إثارة للرجل، فهي تعد نفسها للرجل، لكي يأخذ حاجته منها، وفي ذات الوقت يفرحها.
تماثل "ليلت" والربة "ارشكيجال" والإله يم
في المعتقدات الهلالية القديمة كانت هناك أربابا وربات للموت، للعالم السفلي، وكانت تعبد، لكن بأقل درجة وأهمية من آلهة الخصب، كما هو الحال في الإله بعل/تموزي أو الربة "عشتار/أنانا" "محمود موسى" استحضر في ملحمته هذه الآلهة فزاوج بين "اليم/الموت والحية التي أغوت "حواء وآدم" وأخرجتهما من الجنة، فيقول في ملحمته:
"تقمصت ليليت جسد الحية
وتحسست جوهرتها
اسودت الشامات
ليل اليل" ص60، هنا يتم الحديث عن عملية تخريب الفرح التي تعد له "ليلو" التي كانت تهيئ نفسها للزواج من "حتن" لكن إلهة العالم السفلي/الشر تعمل على عدم اكتمال فرحتها.
ونجد وصف دقيق لربة العالم السفلي "ارشكيجال" عندما قالت العذارى لها:
"أغربي
يا ليليت
الساتان ليس ملبسك
نحن بنات الساتان
أغربي
إلى أماكنك الخربة
عودي
إلى مسكنك المهجور
بين
الحيات والحداء
بين الغربان وأبناء آوى" ص67، أما وصف العيش في العالم السفلي فكان بهذا الشكل:
"أما الذين صاحبوه
344 صاحبوا دموزي
345 فقد كانوا مخلوقات لا تعرف الطعام، لا تعرف الماء
346 فهي لا تأكل طحينا مبثوثا
347 ولا تشرب ماء مسكوبا
351 وتخطف الابن من حضن أبيه" ملحمة عشتار ومأساة تموز، فاضل عبد الواحد
فالخراب وأكل الطين والتعري من الملابس، رمز التحضر والتمدن غير موجود في العالم السفلي، العالم الذي تحكمه "ليليت/ارشجيكال".
استحضار الثقافة الإسلامية والمسيحة
يعمل الكاتب في ملحمته على تأكيد عملية البناء الثقافي والحضاري لمنطقة الهلال الخصيب من ما سرده لنا من ملاحم وأساطير قديمة وها هو يتناول التأثيرات التي تبعت تلك الملاحم الأدبية والدينية بما جاء بعدها،
"حمل الطاسة التي فيها
اللقمة المغموسة
بريق الصليب
وماء الأردن" 83
حمل المعبد
الشمعدنات النحاسية
والآباريق
المذبح الصخري
والعمود المقدس
حمل المعبد" ص85، فكل هذه التأثيرات من الفكر الديني المسيحي، فكأن هذا المشهد يحاكي التهيئة التي تكون قبل قيام الصلاة، وبهذا أراد الكاتب التأكيد على التواصل الثقافي والفكري للإنسان في الهلال الخصيب.
أما الفكر الديني الإسلامي فقدمه لنا بطريقة أخرى، من خلال جعل بعض جزء من الآيات القرآنية الكريم جزء من النص الملحمي،
"ومن عليها فان" ص84
""بحبل المسد" ص95
وبهذا يكون الكاتب قد ربط نصه الملحمي بكل ما تشكل في المنطقة من أفكار دينية وثقافية.
نقول بكل تجرد بأننا أمام عمل ملحمي، مميز، يحاكي العديد من الملاحم والأساطير التي أنتجتها المنطقة إن كان بشكل أدب أو بصورة ملاحم، وقد استطاع الكاتب أن يجعلنا نتقدم أكثر من أدبنا القديم وما فيه من أفكار، ونجد في النص الريف/القرية الأولى التي أسست أول الحضارة الإنسانية على الأرض، وبداية تعلق الإنسان بالأرض وانتاجها حاضرا ومؤثرا، يكفي أن يكون النص تراثي بهذا البعد الزمني الطويل، وهذه اللغة التي تسحرنا وتجعلنا نستمتع بها.
الكلمات العامية والأصل الأرامي
وما يضاف من حسنات لهذا النص تعريفنا بالعديد من الكلمات العامية التي نستخدمها في بلادنا وإرجاعها إلى أصلها الأرامي، "دشرك: أترك" ص38، يتدندل: يتدلى" ص63، يجرجر: يجر" ص65، عفارة: ما يبقى في الحقل بعد الحصاد" ص70، "انقطع حيله: خارت قواه" ص82، "جهجه : انبلج الصبح" ص88، رص الزيتون : رض" ص94، زيتون الجوال: ما يتساقط من الشجر قبل قطف الزيتون" ص139، حعر: جأر" ص151، كل هذه الكلمات ما زلنا نستخدمها في حياتنا اليومية، ولم نكن نعرف بأن لها أصل لغوي أرامي يمتد إلى لآلاف السنين، وهذا يؤكد حضورنا وتوحدنا على هذه الجغرافيا.
وكما هو الحال في الملاحم الأبية في الهلال الخصيب نجد حضور الطبيعة بشكل ملفت للنظر، يفعل محمود موسى في ملحمته فيحدثنا عنها بهذا الشكل: "العذارى:
بنات الخزف
نحن عذارى شجر الجميز
بنات التين
نحن عذارى الجليل
بنات الشقائق
نحن عذارى المرج
بنات السهل (شفا الله|) نحن عذارى الحبق
بنات الريحان بنات النعنع
نحن عذارى عسل الزعتر
بنات السمسم
نحن عذارى الأرز بنات اللوز
نحن يمام الحقول
بنات الحجل
نحن عذارى الكروم
بنات الزبيب
لقاطات الزيتون
بنات العناب
نحن الحصادات العذارى
بنات حواره
مناجلنا أهله
قدودنا ملبن ممزوج بالصنوبر
الخصر خيزران رفيع
وسطنا حزمة في غمرة القمح
صدورنا كالسنابل
ونحن المغنيات
الراقصات
في أعراس الحصاد" ص10 و11، لا شكل أن الطبيعة وما فيها من جغرافيا وحياة حاضرة في النص، فنجد الأشجار والنباتات المتعددة التي يزرعها الإنسان في منطقتنا، فهي مصدر غذاء له، ومصدر فرح وبهجة، وإثبات وجوده كإنسان منتج، ونجد التفاعل بين ما بين الإنسان والطبيعية من خلال الاحتفالات وما فيها من رقص وغناء التي تقام في موسم الحصاد، فالعلاقية بين الجغرافيا والإنسان يعد أحد أهم عوامل التواصل بين أبناء المجتمع الواحد، وأيضا يؤكد حضور المجتمع وأثره على الجغرافيا، بهذه التفاعلات والتأثيرات ما بين الإنسان والإنسان يتكون مجتمع له خصائصه السلوكية المميزة، من جهة أخرى نجد تفاعل هذا المجتمع مع الجغرافيا، بحيث تكون هي التي تمده بعناصر البقاء والتطور، وأيضا الملهمة له في تشكيل أفكاره/طقوسه الخاصة المتعلقة بالفرح والبهجة.
ويحدد لنا الكاتب المكان باسمه "الجليل الفلسطيني ولبنان"، كتأكيد على حضور المكان، وكأنه بهذا الأمر يريد الربط بين الإنسان/المجتمع والجغرافيا، فهناك علاقة توحد تجمعهما والتي تتمثل في عملية الإنتاج والتفاعل، فهما كالجسد والروح، ولا يمكن الفصل بينهما.
عشتار تتماثل مع ليلو
هناك تماثل بين الربة "عشتار" والربة "ليلو" فكلاهما مصدر للخصب، ومصدر للبقاء والحياة، وكلاهما مفجر للجنس، وللمتعة التي يسعى إليها كل زوج، فمن صفات عشتار/ليلو الخصب
"طرزنا لك أرضك ثوبا
يا ربة الحرث" ص18.
وهي ساكنة العالي، إن كان المعبد على قمة الجبل/ أم في السماء :
"فهبطي يا ليلو من
برجك
يمامة
يزداد الفضاء بهجة
وأناقة" ص19.
وهي امرأة شبقة تفجر الشهوة، من خلال ما تقوم به،
" أهبطي يا ليلو امرأة
واغتسلي
على شاطئ طبريا
ثلاثة أيام بالماء المسخن
وتطهري
بما بانياس
ماء النهر الرخار
الأردن الكبير
اجلسي عارية كأي امرأة
ووجهك نحو الغرب
قوس الكرمل وجهه
نحو الشرق
الحراث
قام نحوك
سيراك حتن الحراث
ذو العينين البراقتين" ص20 و21، المشهد السابق يعد تحضيرا للعروس التي ستزف لعريسها، فنجد الاغتسال ولمدة ثلاثة أيام، وهذا الرقم ـ ثلاثة ـ ورقم ـ سبعة ـ ويعد مقدسا عند سكان الهلال الخصيب، ويحمل شيئا من العلاقة الروحية التي تربط الفرد بمعتقداته الدينية، وهذا المشهد يحاكي طقوس الزواج المقدس التي كانت تقام في الهلال الخصيب، فالربة/الكاهنة العظمى تهيئ نفسها للزواج من الإله/الملك، وهذه الطقوس تستمر لسبع الأيام، يعم الفرح والبهجة كل المدينة ويفرح كل الشعب.
هناك مشهد يحاكي تماما ما قالته الربة "عشتار" لجلجامش حينما تطلبت منه الزواج، سنقتبس نص الملحمة السومرية ثم نقارنه بما جاء في ملحمة "ليلو وحتن"
""تعال يا جلجامش وكن عريس
هبني ثمارك هدية
كن زوجا لي وأنا زوجا لك
سأمر لك بعربة من ألازورد، وذهب
عجلاتها من ذهب وقرونها من كهرمان
تشد إليها عفاريت العاصفة بغلا عظيمة
وملفوفا بشذى الأرز بيتا
قبلت المنصة قدميك والعتبة
وانحنى لك الملوك والحكام والأمراء
يضعون غلة السهل والجبل أمامك، تقدمة
ستحمل عنزاتك توائم ثلاثة، ونعاجك مثنى
سيبز حمارك أثقال البغال
وخيولك تطبق الآفاق شهرة جريها
أما ثيرانك فلن يكون لها تحت النير نظير" ملحمة جلجامش، فراس لسواح ص148
وما جاء في ملحمة "ليلو وحتن" ما يلي:
"دع رأسك تطير بعناقي
حتى العنان
وابلغ قمة الكون
أنا قوية بكاحلك
أنت في عنان العنان
النهر قادم إلي
سأغسل أصابع قدميك
جاء ماء الأردن
من أجل غسلهما
فتنشط روحك
سأجلب لك من النبع
ماء الغسيل
بإناء النذور" ص55، تتماثل "ليلو" مع "عشتار" في أغراء "حتن وجلجامش" فنجد الترغيب المتعلق بالمتعة، إن كانت مادية أم جسدية، فهي تعطي الرجل ما يريده من الحياة، فعند عشتار كان الحديث متعلق بملك يسعى للملك والظهور في المدن، وفي حالة "حتن" نجد الاغواء متعلق بما يطلبه الرجل من المرأة، فالتركيز تم على اغتسال المرأة وما يحمله من إثارة للرجل، فهي تعد نفسها للرجل، لكي يأخذ حاجته منها، وفي ذات الوقت يفرحها.
تماثل "ليلت" والربة "ارشكيجال" والإله يم
في المعتقدات الهلالية القديمة كانت هناك أربابا وربات للموت، للعالم السفلي، وكانت تعبد، لكن بأقل درجة وأهمية من آلهة الخصب، كما هو الحال في الإله بعل/تموزي أو الربة "عشتار/أنانا" "محمود موسى" استحضر في ملحمته هذه الآلهة فزاوج بين "اليم/الموت والحية التي أغوت "حواء وآدم" وأخرجتهما من الجنة، فيقول في ملحمته:
"تقمصت ليليت جسد الحية
وتحسست جوهرتها
اسودت الشامات
ليل اليل" ص60، هنا يتم الحديث عن عملية تخريب الفرح التي تعد له "ليلو" التي كانت تهيئ نفسها للزواج من "حتن" لكن إلهة العالم السفلي/الشر تعمل على عدم اكتمال فرحتها.
ونجد وصف دقيق لربة العالم السفلي "ارشكيجال" عندما قالت العذارى لها:
"أغربي
يا ليليت
الساتان ليس ملبسك
نحن بنات الساتان
أغربي
إلى أماكنك الخربة
عودي
إلى مسكنك المهجور
بين
الحيات والحداء
بين الغربان وأبناء آوى" ص67، أما وصف العيش في العالم السفلي فكان بهذا الشكل:
"أما الذين صاحبوه
344 صاحبوا دموزي
345 فقد كانوا مخلوقات لا تعرف الطعام، لا تعرف الماء
346 فهي لا تأكل طحينا مبثوثا
347 ولا تشرب ماء مسكوبا
351 وتخطف الابن من حضن أبيه" ملحمة عشتار ومأساة تموز، فاضل عبد الواحد
فالخراب وأكل الطين والتعري من الملابس، رمز التحضر والتمدن غير موجود في العالم السفلي، العالم الذي تحكمه "ليليت/ارشجيكال".
استحضار الثقافة الإسلامية والمسيحة
يعمل الكاتب في ملحمته على تأكيد عملية البناء الثقافي والحضاري لمنطقة الهلال الخصيب من ما سرده لنا من ملاحم وأساطير قديمة وها هو يتناول التأثيرات التي تبعت تلك الملاحم الأدبية والدينية بما جاء بعدها،
"حمل الطاسة التي فيها
اللقمة المغموسة
بريق الصليب
وماء الأردن" 83
حمل المعبد
الشمعدنات النحاسية
والآباريق
المذبح الصخري
والعمود المقدس
حمل المعبد" ص85، فكل هذه التأثيرات من الفكر الديني المسيحي، فكأن هذا المشهد يحاكي التهيئة التي تكون قبل قيام الصلاة، وبهذا أراد الكاتب التأكيد على التواصل الثقافي والفكري للإنسان في الهلال الخصيب.
أما الفكر الديني الإسلامي فقدمه لنا بطريقة أخرى، من خلال جعل بعض جزء من الآيات القرآنية الكريم جزء من النص الملحمي،
"ومن عليها فان" ص84
""بحبل المسد" ص95
وبهذا يكون الكاتب قد ربط نصه الملحمي بكل ما تشكل في المنطقة من أفكار دينية وثقافية.
نقول بكل تجرد بأننا أمام عمل ملحمي، مميز، يحاكي العديد من الملاحم والأساطير التي أنتجتها المنطقة إن كان بشكل أدب أو بصورة ملاحم، وقد استطاع الكاتب أن يجعلنا نتقدم أكثر من أدبنا القديم وما فيه من أفكار، ونجد في النص الريف/القرية الأولى التي أسست أول الحضارة الإنسانية على الأرض، وبداية تعلق الإنسان بالأرض وانتاجها حاضرا ومؤثرا، يكفي أن يكون النص تراثي بهذا البعد الزمني الطويل، وهذه اللغة التي تسحرنا وتجعلنا نستمتع بها.
الكلمات العامية والأصل الأرامي
وما يضاف من حسنات لهذا النص تعريفنا بالعديد من الكلمات العامية التي نستخدمها في بلادنا وإرجاعها إلى أصلها الأرامي، "دشرك: أترك" ص38، يتدندل: يتدلى" ص63، يجرجر: يجر" ص65، عفارة: ما يبقى في الحقل بعد الحصاد" ص70، "انقطع حيله: خارت قواه" ص82، "جهجه : انبلج الصبح" ص88، رص الزيتون : رض" ص94، زيتون الجوال: ما يتساقط من الشجر قبل قطف الزيتون" ص139، حعر: جأر" ص151، كل هذه الكلمات ما زلنا نستخدمها في حياتنا اليومية، ولم نكن نعرف بأن لها أصل لغوي أرامي يمتد إلى لآلاف السنين، وهذا يؤكد حضورنا وتوحدنا على هذه الجغرافيا.
رائد الحواري - استحضار الملاحم الهلالية في -أسطورة ليلو وحتن- محمود عيسى موسى
رائد الحواري - استحضار الملاحم الهلالية في -أسطورة ليلو وحتن- محمود عيسى موسى
www.ahewar.org