قشرتُ برتقالةً كما يقشر الأسى قلباً ويأكل لبّه،
على الشاشةِ جماهير تحتشد في الساحات
بين أكتافها نُصبت رايات ولافتات وشواهد قبور.
الكلمات تسيلُ من الشاشة
وتجفّ على أرض الغرفة.
عليّ أن أسرع بمغادرة هذه البلدة
كل شيء فيها متشابهٌ،
والملل عقرب للساعة.
سكانها يعلّقون الراية نفسها على أبوابهم ونوافذهم،
ومستعدون للقتال في أية جبهة يُساقون إليها
من أجل حلم له كلمة سر وباب من الفولاذ.
فجأة سمعتُ صوتَ إطلاق نارٍ
وسيارات إسعافٍ تُسرع بجنون.
رائحةُ الجريمة تفوح في الشوارع،
والمٍجرمون يُسْتنسخون في أحياء الصفيح
أو يُربَّون كالحيوانات في السجون.
اسألني وسأحدّثكَ عن أسباب العنف،
أعْطني منبراً ولا تقاطعْني حين أتحدث
لا تُعد تأليف كلامي.
أو ربما من الأفضل أن أحتفظ بكلماتي لا لأنني لا أريد قولها
بل لأنني لا أريد أن أضيفها إلى عفن ينمو على الصفحات الأولى،
أو إلى قمامة تخرج من أفواه المذيعين.
اسألني، وسأهمسُ في أذنيكَ ما لا تقوله الشاشاتُ والجرائد.
أتشمُّ رائحة الكذب تفوحُ من الهواء؟
شربْنا من هذه الكأس،
مرّتْ طلقاتٌ خطّاطة فوق رؤوسنا،
واخترقت الطائراتُ جدار الصوت في عقولنا.
المسيّرات حلقت عابرةً فوق وجوهنا ونحن نائمون.
سمعنا الصراخ في الليل،
وهربنا، نافدين بجلودنا،
كي لا نموت كالأرقام لكن الدم لطخنا،
ولوّثنا الصمت.
عبرت حشرجاتُ الموتى الحدود معنا
نسمعها في النوم واليقظة.
على الشاشة جماهير تتدفّق
تتحول إلى ماء يتسرب من شقوق في بلورها.
البرتقالةُ على عَرْش قشورها أكثر جلالاً من ملك،
وعلى شاشة ذهني امرأةٌ لا تكفّ عن الظهور
كانت أحياناً تقرع باب بيتي في الليل،
وحين أفتحه تقول إنها تريد أن تملأ إناءها من نبْع الموسيقى.
هل تريدين ماء؟ أسألها.
فترد: "كلا، نبع الموسيقى هنا، أسمعه يتدفق في الداخل،
ألا تسمع الألحان؟“
فأتركها تدخل، كي تملأ إناءها بالموسيقى.
كانت كل يوم تقرع باباً مختلفاً في بنايتنا وتسأل عن نبع الموسيقى،
فيُدْخلها الجميع، تفتح الصنبور وتصغي إلى أن يمتلىء الإناء
ويفيض بين يديها.
ثم ماتت من الكورونا وحيدة في مستشفى.
أختها التي بقيت في الشقة رفضت أن تستأصل ثديها
وماتت من السرطان.
كنت أسمع صراخها يخرجُ من حنجرة الحي
ويضيع في تجاعيد الليل.
مرّ الوقت بعربات تطفح بالجثث وسط الأنقاض
وغادر جيراني إلى بلدان أخرى.
من كان يسكن في الطابق الأرضي هاجر إلى برلين،
وفي الشقة المقابلة هاجر إلى تركيا،
من كان في الطابق الثاني اختفى في بغداد،
من كان في الرابع رحل إلى مدريد،
من كان في الشقة المقابلة فُقد على الحدود في اليونان،
وقيل إن أحد أفراد عائلته يعيش في قاع البحر الأبيض المتوسط.
غادر الجميع إلا أشباحنا
فقد بقيت في البيوت،
وكانت تنظر إلى بعضها بعضاً بريبة
وهي تنزل أو تصعد الدرج.
كنا نأتي من الظلام
أو نخرج إلى الظلام
لا نعرف من أين أو إلى أين
لم تكن هناك مدينة
يتعاقب فيها الليل والنهار.
(نيسان، ٢٠٢٣)
على الشاشةِ جماهير تحتشد في الساحات
بين أكتافها نُصبت رايات ولافتات وشواهد قبور.
الكلمات تسيلُ من الشاشة
وتجفّ على أرض الغرفة.
عليّ أن أسرع بمغادرة هذه البلدة
كل شيء فيها متشابهٌ،
والملل عقرب للساعة.
سكانها يعلّقون الراية نفسها على أبوابهم ونوافذهم،
ومستعدون للقتال في أية جبهة يُساقون إليها
من أجل حلم له كلمة سر وباب من الفولاذ.
فجأة سمعتُ صوتَ إطلاق نارٍ
وسيارات إسعافٍ تُسرع بجنون.
رائحةُ الجريمة تفوح في الشوارع،
والمٍجرمون يُسْتنسخون في أحياء الصفيح
أو يُربَّون كالحيوانات في السجون.
اسألني وسأحدّثكَ عن أسباب العنف،
أعْطني منبراً ولا تقاطعْني حين أتحدث
لا تُعد تأليف كلامي.
أو ربما من الأفضل أن أحتفظ بكلماتي لا لأنني لا أريد قولها
بل لأنني لا أريد أن أضيفها إلى عفن ينمو على الصفحات الأولى،
أو إلى قمامة تخرج من أفواه المذيعين.
اسألني، وسأهمسُ في أذنيكَ ما لا تقوله الشاشاتُ والجرائد.
أتشمُّ رائحة الكذب تفوحُ من الهواء؟
شربْنا من هذه الكأس،
مرّتْ طلقاتٌ خطّاطة فوق رؤوسنا،
واخترقت الطائراتُ جدار الصوت في عقولنا.
المسيّرات حلقت عابرةً فوق وجوهنا ونحن نائمون.
سمعنا الصراخ في الليل،
وهربنا، نافدين بجلودنا،
كي لا نموت كالأرقام لكن الدم لطخنا،
ولوّثنا الصمت.
عبرت حشرجاتُ الموتى الحدود معنا
نسمعها في النوم واليقظة.
على الشاشة جماهير تتدفّق
تتحول إلى ماء يتسرب من شقوق في بلورها.
البرتقالةُ على عَرْش قشورها أكثر جلالاً من ملك،
وعلى شاشة ذهني امرأةٌ لا تكفّ عن الظهور
كانت أحياناً تقرع باب بيتي في الليل،
وحين أفتحه تقول إنها تريد أن تملأ إناءها من نبْع الموسيقى.
هل تريدين ماء؟ أسألها.
فترد: "كلا، نبع الموسيقى هنا، أسمعه يتدفق في الداخل،
ألا تسمع الألحان؟“
فأتركها تدخل، كي تملأ إناءها بالموسيقى.
كانت كل يوم تقرع باباً مختلفاً في بنايتنا وتسأل عن نبع الموسيقى،
فيُدْخلها الجميع، تفتح الصنبور وتصغي إلى أن يمتلىء الإناء
ويفيض بين يديها.
ثم ماتت من الكورونا وحيدة في مستشفى.
أختها التي بقيت في الشقة رفضت أن تستأصل ثديها
وماتت من السرطان.
كنت أسمع صراخها يخرجُ من حنجرة الحي
ويضيع في تجاعيد الليل.
مرّ الوقت بعربات تطفح بالجثث وسط الأنقاض
وغادر جيراني إلى بلدان أخرى.
من كان يسكن في الطابق الأرضي هاجر إلى برلين،
وفي الشقة المقابلة هاجر إلى تركيا،
من كان في الطابق الثاني اختفى في بغداد،
من كان في الرابع رحل إلى مدريد،
من كان في الشقة المقابلة فُقد على الحدود في اليونان،
وقيل إن أحد أفراد عائلته يعيش في قاع البحر الأبيض المتوسط.
غادر الجميع إلا أشباحنا
فقد بقيت في البيوت،
وكانت تنظر إلى بعضها بعضاً بريبة
وهي تنزل أو تصعد الدرج.
كنا نأتي من الظلام
أو نخرج إلى الظلام
لا نعرف من أين أو إلى أين
لم تكن هناك مدينة
يتعاقب فيها الليل والنهار.
(نيسان، ٢٠٢٣)