تتوقّفْ عند حضورها، تخفّفُ الوطء،ثمّ تمتلىءُ بالأسئلة،كأنها الموناليزا،تحدثك عن رقيّ الانسان،تعزفُ مشاعرها الجياشة فتتدفقُ آلامها كنبعِ وهي تبثّ لنا جرحها على ألحان(موطني..موطني)
لقلّما تتطابقُ الأسماء، ولطالما أورث الاسم صاحبه عناء التحقيق
حوارنا اليوم: مع الدكتوره المرهفة العالية والغالية Mada Saleh حاورتها أنا أليسار عمران
مدى صالح من مواليد دمشق. تنقلت في طفولتها بين سوريا وإيران والمجر ورومانيا، أنهت دراستها الإعدادية في بودابست والثانوية في دمشق.
حاصلة على إجازة في الآداب، مع دبلوم دراسات عليا من قسم اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق، أُوفِدت معيدةً من قِبل جامعة دمشق وتابعت دراساتها العليا في الآداب متخصصةً بالقصة القصيرة عامةً، وتأثير "ألف ليلة وليلة" على القصة القصيرة خاصةً، ونالت درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة نيوكاسل في بريطانيا.
تمارس عملها مُحاضِرةً في جامعة دمشق، كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية وآدابها، وتعمل في مجال البحث الأكاديمي.
خلال مسيرتها المهنية عملت رئيساً لقسم تعليم اللغة الإنكليزية في المعهد العالي للغات في جامعة دمشق.
لديها ترجمات لأعمال نثرية وشعرية ونقدية ومقالات متنوعة، من الإنكليزية وإليها
نرحب بكم دكتورتنا العالية والغالية
مدى صالح:كيف لا تكون الأسئلةُ شفّافةً، رقيقةً، حساسةً، وغير مألوفة وهي المنسابةُ من روحٍ تعرف كيف تلامس النفس بالخصوصية الفردية!؟ الكاتبة والشاعرة النبيلة، الأستاذة أليسار عمران، أشكرك على هذه الفرصة التي جعلتِ فيها السريرة تشارك العقل في الإجابة.
س1
اللغة الإنكليزية، ذلك البحر الذي تفكين أحجياته، ترى ما الأشياء التي تضيفها اللغة الأخرى إلى حياتنا؟
ج1
اللغاتُ عوالمُ وآفاقُ مفتوحةٌ ممتدةٌ؛ كل لغةٍ شخصيةٌ مختلفةٌ، مع الحفاظ على جوهر الذات. مع كل لغة تعلمتُها شعرت بإضافة إلى شخصيتي تتمثل بغنىً في معرفةِ ما وراء الباب الثقافي والسلوكي، الفردي والجمعي، لشعوبٍ نختلف عنها، لكن بالتأكيد هناك ما يجمعنا. أقدّس لغتي الأم، وهي العربية، وأعمل على إغنائها باستمرار، وأحاولُ أن أترجمَ هذا العشقَ حين أكتب نصاً بالعربية، أو أقوم، حرفياً، بالترجمة من لغاتٍ ثانية؛ لكن هناك ما لا يمكن لأي لغةٍ مهما كانت متقَنةً أن توصلَه كما يُقرأ في اللغة الأصلية. لا أتحدث هنا عن اللغة بصفاتها اللغوية والقاعدية والبنيوية، إنما أقصد التأثير الذي يحمل القارئ إلى مكان وزمان النص.. إلى عوالم تَمَسُّ السريرة، مع اختلاف التفاصيل والتأثير.
س2
حين تضيع مدى من أحضان نفسها، تلتقط أصابعها وتبدأ العزف، تراقص روحها وتحتضنها. أن تكون مبدعاً يشترط أن تكون وحيداً. ما صحة تلك المقولة في حياة الدكتورة مدى؟
ج2
لا أعتبر نفسي مبدعة، لكنني آمل أن أقدّم ما يمكن أن يكون له أهمية وفائدة للإنسانية، لذلك سأجيب على هذا السؤال من وجهة نظر المتعلِّم. أبدأ بالموسيقا التي أصادقها بالرغم من أنني لم أتعلمْها مدرسيّاً أو أكاديمياً، لكنني أسير معها في رحلة من التعلم الذاتي. وجدت فيها صديقاً يسمعك عندما لا تكونين قادرة على الكلام؛ تبوحين له بالكلمات حروفاً تنساب من أصابعك لتتلقاها أصابع البيانو مجيبةً ومحتضِنةً ومصغية.. بالتأكيد هي صداقة تستحق العناء، وبخاصة أنها مكملٌ لصداقة اللغة اللفظية. أما عن تجربة الإبداع والوحدة، أراها تجربةً فرديةً. ما تسمينه إبداعاً، أسميه عند مدى فوراتِ عاطفةٍ ما زالت بعيدةً بُعدَ أزمنةٍ عن الإبداع؛ قد تكون هذه العاطفة حزناً، غضباً، ترقّباً، إحباطاً، فرحاً، شغفاً... لا تأتيني الكتابة عندما أستدعيها، وهذه مشكلة، لكن يبدو أن الفكرة تحب أن تومض فقط عندما تكون هي جاهزة! بالنسبة لي، هناك فرق بين الوحدة والعزلة.. الشعور بالوحدة قاسٍ، ومحظوظ من يبدع من داخل قسوة الوحدة؛ لكن العزلة المؤقتة ضرورة لكل إنسان، وليس فقط للمنتِج الفكري، فهي علاج حقيقي من التلوث السمعي والبصري والروحي.
س3
لطالما تلبسنا أسماؤنا، إلى أي حد ارتديتِ اسمك يا مدى؟
ج3
علاقتي باسمي متأخرة التعانق. حين كنت طفلة، لم أحب اسمي. لم أكن أدري كيف أعبر حينها عما فهمته بعد أن كبرتُ، وهو الفجوة الواسعة بين هذا الاسم وتلقّيه عند الآخر، كبيراً وصغيراً، طفلاً وراشداً، سائلاً: "ما معنى اسمك؟" وهنا أنظر بِحيرةٍ وأشرد في ذهني قائلةً: "كيف أشرح اسمي!؟ كيف أختصره في كلمة أو اثنتين أو حتى ثلاث!؟" فأشعر بيأس المغلوب في معركة! بعد النضوج، أحببت هذا اليأس لأنه أراني المعاني اللامتناهية لهذا الاسم، وبدأت بمصادقتها وأحلم بتحقيق بعضها. المدى هو البعد والامتداد في كل شيء.. في المساحة والمسافة.. في الزمان والمكان.. في الفكر والحُلُم.. في الحب.. الآن، أُحبُّ هذه الامتداداتِ كلَّها.
س4
كتبتِ ذات مقال: أبي ليس نبياً، لكن عليه السلام! ما تعريف الأبوة الحقيقية من منظور الغالية مدى؟
ج4
أظنُّ أن كلَّ أبٍ في عين ابنتِه نبي. علاقتي بأبي صعبٌ وصفُها تفصيلاً، لأنها تشبه حقلاً ليس فيه مساحةٌ، تعادل النقطةَ، فارغةٌ؛ في هذا الحقلِ الماءُ العذبُ النقيّ.. فيه الحبق.. فيه القمح.. فيه الشجر.. فيه الورد والزهر.. فيه الفيء وفيه الدفء.. فيه الأرض الحانية... وفيه دَرَجٌ نحو النجوم..
منحني أبي أجنحةً أطير بها كل يوم..
س5
يُقال إن النقد البنّاء منحة غالية، ويُقال إن التغيير هو الثبات الوحيد في هذا العالم، وأرى مدى تخاطب الجموع: أنا أنثى دقة قديمة فاعذروني منتقدةً هالة الضوء حول المحتويات والكم الهائل من الإعلانات. نريد أن تنتقدي بكل شفافية ما يؤلم قلبك.
ج5
يسعدني النقد البنّاء، وأتعلم كل يوم.. أُقدِّر الجوهر الأصيل الثابت مهما تغيرت الظروف والأحوال، ويحزنني النفاق.
يؤلمني الظلم؛ يؤلمني الاستغلال؛ تؤلمني القسوة؛ يؤلمني النكران؛ تؤلمني الرؤية المنحازة؛ يؤلمني قتل الضمير؛ يؤلمني الزيف؛ يؤلمني الجحود... وأكثر ما يؤلمني، دمعة فاقدٍ أو مُسنّ أو طفل مقهور.
لقلّما تتطابقُ الأسماء، ولطالما أورث الاسم صاحبه عناء التحقيق
حوارنا اليوم: مع الدكتوره المرهفة العالية والغالية Mada Saleh حاورتها أنا أليسار عمران
مدى صالح من مواليد دمشق. تنقلت في طفولتها بين سوريا وإيران والمجر ورومانيا، أنهت دراستها الإعدادية في بودابست والثانوية في دمشق.
حاصلة على إجازة في الآداب، مع دبلوم دراسات عليا من قسم اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق، أُوفِدت معيدةً من قِبل جامعة دمشق وتابعت دراساتها العليا في الآداب متخصصةً بالقصة القصيرة عامةً، وتأثير "ألف ليلة وليلة" على القصة القصيرة خاصةً، ونالت درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة نيوكاسل في بريطانيا.
تمارس عملها مُحاضِرةً في جامعة دمشق، كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية وآدابها، وتعمل في مجال البحث الأكاديمي.
خلال مسيرتها المهنية عملت رئيساً لقسم تعليم اللغة الإنكليزية في المعهد العالي للغات في جامعة دمشق.
لديها ترجمات لأعمال نثرية وشعرية ونقدية ومقالات متنوعة، من الإنكليزية وإليها
نرحب بكم دكتورتنا العالية والغالية
مدى صالح:كيف لا تكون الأسئلةُ شفّافةً، رقيقةً، حساسةً، وغير مألوفة وهي المنسابةُ من روحٍ تعرف كيف تلامس النفس بالخصوصية الفردية!؟ الكاتبة والشاعرة النبيلة، الأستاذة أليسار عمران، أشكرك على هذه الفرصة التي جعلتِ فيها السريرة تشارك العقل في الإجابة.
س1
اللغة الإنكليزية، ذلك البحر الذي تفكين أحجياته، ترى ما الأشياء التي تضيفها اللغة الأخرى إلى حياتنا؟
ج1
اللغاتُ عوالمُ وآفاقُ مفتوحةٌ ممتدةٌ؛ كل لغةٍ شخصيةٌ مختلفةٌ، مع الحفاظ على جوهر الذات. مع كل لغة تعلمتُها شعرت بإضافة إلى شخصيتي تتمثل بغنىً في معرفةِ ما وراء الباب الثقافي والسلوكي، الفردي والجمعي، لشعوبٍ نختلف عنها، لكن بالتأكيد هناك ما يجمعنا. أقدّس لغتي الأم، وهي العربية، وأعمل على إغنائها باستمرار، وأحاولُ أن أترجمَ هذا العشقَ حين أكتب نصاً بالعربية، أو أقوم، حرفياً، بالترجمة من لغاتٍ ثانية؛ لكن هناك ما لا يمكن لأي لغةٍ مهما كانت متقَنةً أن توصلَه كما يُقرأ في اللغة الأصلية. لا أتحدث هنا عن اللغة بصفاتها اللغوية والقاعدية والبنيوية، إنما أقصد التأثير الذي يحمل القارئ إلى مكان وزمان النص.. إلى عوالم تَمَسُّ السريرة، مع اختلاف التفاصيل والتأثير.
س2
حين تضيع مدى من أحضان نفسها، تلتقط أصابعها وتبدأ العزف، تراقص روحها وتحتضنها. أن تكون مبدعاً يشترط أن تكون وحيداً. ما صحة تلك المقولة في حياة الدكتورة مدى؟
ج2
لا أعتبر نفسي مبدعة، لكنني آمل أن أقدّم ما يمكن أن يكون له أهمية وفائدة للإنسانية، لذلك سأجيب على هذا السؤال من وجهة نظر المتعلِّم. أبدأ بالموسيقا التي أصادقها بالرغم من أنني لم أتعلمْها مدرسيّاً أو أكاديمياً، لكنني أسير معها في رحلة من التعلم الذاتي. وجدت فيها صديقاً يسمعك عندما لا تكونين قادرة على الكلام؛ تبوحين له بالكلمات حروفاً تنساب من أصابعك لتتلقاها أصابع البيانو مجيبةً ومحتضِنةً ومصغية.. بالتأكيد هي صداقة تستحق العناء، وبخاصة أنها مكملٌ لصداقة اللغة اللفظية. أما عن تجربة الإبداع والوحدة، أراها تجربةً فرديةً. ما تسمينه إبداعاً، أسميه عند مدى فوراتِ عاطفةٍ ما زالت بعيدةً بُعدَ أزمنةٍ عن الإبداع؛ قد تكون هذه العاطفة حزناً، غضباً، ترقّباً، إحباطاً، فرحاً، شغفاً... لا تأتيني الكتابة عندما أستدعيها، وهذه مشكلة، لكن يبدو أن الفكرة تحب أن تومض فقط عندما تكون هي جاهزة! بالنسبة لي، هناك فرق بين الوحدة والعزلة.. الشعور بالوحدة قاسٍ، ومحظوظ من يبدع من داخل قسوة الوحدة؛ لكن العزلة المؤقتة ضرورة لكل إنسان، وليس فقط للمنتِج الفكري، فهي علاج حقيقي من التلوث السمعي والبصري والروحي.
س3
لطالما تلبسنا أسماؤنا، إلى أي حد ارتديتِ اسمك يا مدى؟
ج3
علاقتي باسمي متأخرة التعانق. حين كنت طفلة، لم أحب اسمي. لم أكن أدري كيف أعبر حينها عما فهمته بعد أن كبرتُ، وهو الفجوة الواسعة بين هذا الاسم وتلقّيه عند الآخر، كبيراً وصغيراً، طفلاً وراشداً، سائلاً: "ما معنى اسمك؟" وهنا أنظر بِحيرةٍ وأشرد في ذهني قائلةً: "كيف أشرح اسمي!؟ كيف أختصره في كلمة أو اثنتين أو حتى ثلاث!؟" فأشعر بيأس المغلوب في معركة! بعد النضوج، أحببت هذا اليأس لأنه أراني المعاني اللامتناهية لهذا الاسم، وبدأت بمصادقتها وأحلم بتحقيق بعضها. المدى هو البعد والامتداد في كل شيء.. في المساحة والمسافة.. في الزمان والمكان.. في الفكر والحُلُم.. في الحب.. الآن، أُحبُّ هذه الامتداداتِ كلَّها.
س4
كتبتِ ذات مقال: أبي ليس نبياً، لكن عليه السلام! ما تعريف الأبوة الحقيقية من منظور الغالية مدى؟
ج4
أظنُّ أن كلَّ أبٍ في عين ابنتِه نبي. علاقتي بأبي صعبٌ وصفُها تفصيلاً، لأنها تشبه حقلاً ليس فيه مساحةٌ، تعادل النقطةَ، فارغةٌ؛ في هذا الحقلِ الماءُ العذبُ النقيّ.. فيه الحبق.. فيه القمح.. فيه الشجر.. فيه الورد والزهر.. فيه الفيء وفيه الدفء.. فيه الأرض الحانية... وفيه دَرَجٌ نحو النجوم..
منحني أبي أجنحةً أطير بها كل يوم..
س5
يُقال إن النقد البنّاء منحة غالية، ويُقال إن التغيير هو الثبات الوحيد في هذا العالم، وأرى مدى تخاطب الجموع: أنا أنثى دقة قديمة فاعذروني منتقدةً هالة الضوء حول المحتويات والكم الهائل من الإعلانات. نريد أن تنتقدي بكل شفافية ما يؤلم قلبك.
ج5
يسعدني النقد البنّاء، وأتعلم كل يوم.. أُقدِّر الجوهر الأصيل الثابت مهما تغيرت الظروف والأحوال، ويحزنني النفاق.
يؤلمني الظلم؛ يؤلمني الاستغلال؛ تؤلمني القسوة؛ يؤلمني النكران؛ تؤلمني الرؤية المنحازة؛ يؤلمني قتل الضمير؛ يؤلمني الزيف؛ يؤلمني الجحود... وأكثر ما يؤلمني، دمعة فاقدٍ أو مُسنّ أو طفل مقهور.