علجية عيش - من هم الإموسناون؟ ..

"الأموسناو " رجل الأزمات

هم جيل الشعراء الشعبيين الذين غالبا ما يكون إنتاجهم الشعري عفويا وتلقائيا لا يخضع لقواعد موضوعية علمية معروفة، ويسمونهم بشعراء "التّاموسني"، و يلقبون أيضا بـ: الأموسْنِيوَنْ، هو فنٌّ وفنُّ الحياة، وقال ابن خلدون أن البربر لديهم من الشعر ما يملأ عددا هائلا من المكتبات إذا ما حاولنا كتابته، ويؤكد ايضا أن الثقافة الشفوية كانت جد متطورة في الفترة التي سبقت نفوذ المرابطين على منطقة القبائل في القرن السادس عشر، و التاموسني هو اسم مشتق من فعل " إسين" بمعنى التعرف، والمقصود هنا المعرفة العلمية والممارسة الميدانية، و يتميز الإموسناون بموهبة فن الخطابة وإجادة الكلام، فقد كانت الخطابة سلاحا في ايدي من يجيدها، وهو بذلك نوع من الفلسفة البربرية (الأمازيغية) ويلقبون أيضا بالإموسناون، جمع أموسناو، بمعنى الحكماء

والأموسناو يعني رجل الأزمات ويعتبر سيدي الوناس آخر الشعراء الذي توقف عنده التاموسني بعد وفاته، وقد تحدث الأديب الجزائري مولود معمري عن الإموسناون بشيئ من التفصيل، في حوار دار بينه وبين الأديب فرنسي بيار بورديو، وشعر التاموسني لا يفهمه إلا قلة من الناس، إذ يصعب فهمه لدى عامة الناس، يقول مولود معمري أن التاموسني هو نوع من الثقافة الباطنية المتخصصة، لكنها تطورت على نحو آخر،
4-%D9%85%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AF_%D9%85%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%8A.jpg

ويعتبر الأديب مولود معمري أول من كشف عن هذا النوع من الشعر، فقد كان والده من شعراء التاموسني الذين كانوا يشغلون حيزا كبيرا من قبيلة آيت ينّي بمنطقة القبائل الكبرى، لكنه يفرق بين الشعراء المؤلفين " الأفصيح" والذين يرددونه " المداح"، بحيث يكون الشخص الذي يبلغ درجة عالية في التاموسني في اعلى السُّلَّمِ، وكان الإموسناون يتبادلون الزيارات من قبيلة إلى أخرى من أجل التمرُّسِ على التاموسني، يقول مولود معمري أن فن التاموسني توارثته العائلة ابا عن جد وسلم هذا الفن إلى مرابطي القرية، ويختص مجلس القرية " تاجماعت" بالتدريب العفوي، وكان الأطفال يحضرون هذه المجالس، حيث كانت تعتبر مدرسة حقيقية للتدريب على التاموسني، وما يميز هذه الجماعة أن الإموسناون يختارون معلمهم كما يختار التاموسني تلامذته، من الشعراء الذين عرفوا في القرن الثامن عشر الشاعر يوسف أوقاسي المنحدر من قبيلة آث جناد بسواحل البحر، وكان من الحكماء، حيث كانت القبيلة تعتمد عليه في التفاوض مع الخليفة العثماني لحكمته، كلما توتر الجو بينهما، فكان يتخذ القرارات السياسية، وكانت له مفاوضات مع الأتراك، فكان موضع ثقة بين أهله والقبائل المجاورة، ومن الشعراء أيضا محند السعيد أمليكش، تعلم على يديه كثير من الشعراء.

وتكمن سلطة الأموسناو في قدرته على التحكم البالغ في التعبير والخطاب، وتستمد التاموسني جذورها من الدين الإسلامي وهي امتداد له في الواقع المعيشي، إلا أن التاموسني غالبا ما يقع في تصادم مع المرابط باعتبار أن هذا الأخير شخصية دينية، فقد كان المرابطون يحرصون على إثارة الجانب الديني من القرآن فقط ، بحكم أنه يتوافق مع القواعد الإجتماعية، حتى لا يزرعوا الفتنة في المجتمع الذي قد ينقلب عليهم، أمنا الأموسناو فيتمثل دورهم ايضا في شرح وتفسير العادات والتقاليد القديمة وتفسير الواقع وفقا لما يتماشى ومنطق العادات والتقاليد، للإشارة أن الأموسناو شخصية مختارة من طرف المجتمع، أما المرابط فهو شخصية مفروضة كما توجد منافسة بين المرابطين واختلاف بينهم، فالشيخ محند كان في خلاف مع معلمه الشيخ الحداد، متهما إياه بالتشدد والصرامة في تطبيق القواعد الدينية دون أدنى اجتهاد.

من الأمثلة التي ذكرها الأديب الجزائري مولود معمري أن الشاعر يوسف أوقاسي جاءه رجل من منطقة آيت يني من أجل أن يساعدة في إتقان تأليف الشعر، فحينما رأى الرجل الشاعر قادما توجه إليه بهذه الأبيات قائلا ( و قد ترجمها مولود معمري من الأمازيغية إلى العربية)
يا ددّا يوسف، يا أخي الأكبر.. يا معلم كل الشعراء
إنك كشيخ الزاوية.. الذي درس بأودريس
قلبي معلول لأجلك.. يتمناك معلما له
فاجابه الشاعر بنفس القافية:
أقول عن الفتى غير الشجاع.. كم هو قبيح ، غمد سلاحه
إنه كمن يخرج قصبة.. و يجعل منها سيفا له
كذلك هو الشاعر الذي.. يرددأبياتا لم يؤلفها بنفسه
و كأنه يقول له: يمكنني أن أعلمك أشياء بإمكان أي معلم آخر أن يعلمك إياها ،فلا داعي لأن تقصدني انا بالذات، و هذا يعني حسب مولود معمري أن المتفق عليه هو وجود تقنية معينة و قواعد خاصة بالشعر، بل أكثر من ذلك لابد من توفر الحكمة لدى الشاعر و هذا ما قصده الشاعر يوسف أوقاسي في رده على مطلب الرجل بعدما أضاف للأبيات طابعا تعليميا و لمسة من الحكمة.
https://alantologia.com/javascript:void(0);
مقطع من قصيدة للشاعر أوقاسي بعد ترجمتها إلى اللغة العربية

بالله يا طير علّي... في السماء
إلى آث يني، أعز القرى... بلغ سلامي لثوارها
يوم الخميس موعد اللقاء.... طار الغبار كثيفا
بدا البارود... ينفجر
خمسة و سبعين سقطوا.. من أجل ثاوريث الحجاج
إنهم لازاوا هناك.. على ميدان الحرب
إلى حاملي المؤونة.. كل يوم سراجهم
لا للهدنة، إمّا... الفنا في الخلا أو النفي
يا طير رفرف عاليا... و هز جناحيك
دفن الجواد.. و غابوا عن النظر
يومها انهزم السلام... و تحارب الثوار
حسبتهم ثلاثون بالتمام... غسلوا و تجمدوا
سقطوا ببنادقهم الطويلة... من أجل الشرف القبايلي
كل ما ناداه الموعد.... ابتلعته الحرب ، يا مسكين
أتوسل إليك الواحد الحد... الحي القيوم
أدعوك باسم الصحابة.. باسم علي و رفاقه
و الأعيان أجعل مأوانا الجنة.. لنا و لكل المستمعين
----------
ملاحظات/
- في هذه القصيدة هناك من اتهم الشاعر بالتشيّع لأنه ذكر علي و أصحابه و استثني الباقي
و الملاحظة الثانية هي / أن القصيد الشفهي أقصر من القصيدة المكتوبة، و حسب الحوار الذي دار بين الأديب مولود معمري و الأديب الفرنسي بيار بوردوا ، الأمر متعلق بقضية التقليص اللغوي للشعر، كما أن شعر التاموسني لا يفهمه إلا قلة من الناس الذين يتميزون بالحكمة
- عبارة ددّا هي كلمة عامية يقولها الصغير للكبير كالأب و الأخ الكبير و الخال و العم، و حتى للجار الكبير و هذا من باب الطاعة و الإحترام
- التمثال للأديب الجزائري مولود معمري مجسدا ببهو دار الثقافة مولود معمري بمنطقة القبائل ( تيزي وزو) الجزائر

ورقة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى