إن تراثنا العربي يزخر بعديد النماذج، في كافة المجالات، التي يفخر بهم الإنسان العربي ويزهو، بل إنه لواجب على عربي اليوم أن يتخذ من هؤلاء النماذج نبراسا يهتدي به ومثالا يقتدي به، فنحن لسنا منبتي الصلة بالعلم أو الثقافة، فلقد صنعنا حضارة شهد بها العالم وشهد لها حتى الأعداء؛ وما كان لنا أن نحقق تلك الحضارة ولا أن نسهم بحلقة من حلقات التطور الإنساني إلا بفضل علمائنا الذين برعوا في العلوم الصلبة وكان لهم فيها شأن عظيم، وظلوا مضرب مثل لا نقول عقودا بل قرونا.
إن عالم اليوم على ما توصل إليه من معرفة وعلم وتكنولوجيا لم يكن ليحقق شيئا من هذا لولا أن علماءه وقفوا على أكتاف علماء العصور الخالية الذين وضعوا الأسس ومهدوا الطريق وفتحوا العيون التي تبصرت ما صنعوا وبنوا عليه لنشهد هذا الصرح المعرفي الهائل ونعيش في هذا التقدم الذي لا مثيل له في عالم اليوم.
ومن بين المجالات التي أسهم فيها العرب والمسلمون بسهم لم تنكره الأقوام جميعا كان مجال الكيمياء الذي برع فيه العرب بفضل عقول فذة كان في مقدمتها أبو الكيمياء جابر بن حيان الذي يسعدنا أن نقدمه لقراء صحيفتنا المتميزة صحيفة الأمة العربية الجزائرية التي نفخر بما تقدمه من إعلام جاد وثقافة رصينة.
هو جابر ابن حيان بن عبد الله الأزدي الذي هاجرت أسرته من اليمن إلى الكوفة، وكانت ولادته فيها وعمل في الكوفة صيدلانياً. كان والده من المناصرين للعباسيين في ثورتهم ضد الأمويين، الذين أرسلوه إلى خراسان ليدعوا الناس لتأييدهم، حيث قُبض عليه وقتله الأمويون، فهربت أسرته إلى اليمن، حيث نشأ جابر ودرس القرآن والعلوم الأخرى ومارس مهنة والده. ثم عادت أسرته إلى الكوفة، بعد أن أزاح العباسيون الأمويين، لذا ينسب أحيانًا بالأزدي أو الكوفي أو الطوسي أو الصوفي.
قوميته
اختلفت بعض المصادر حول كونه عربيّاً أزديّاً أم فارسي. في حين يعتقد الفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربين أن جابر بن حيان لم يكن عربيًا وإنما كان من موالي قبيلة الأزد فإن الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود، وهو من المعاصرين، قد قرر أصله الأزدي العربي الصميم وذلك في كتابه "جابر بن حيان" الذي هو من أولى المُحاوَلات العلمية المنهجية للتأريخ لمسيرة هذا العالِم ودَوره؛ حيث يَعرض مُحاوَلة «جابر بن حيان» الترسيخ لقواعد البحث العلمي التي تعتمد على أُسس علمية؛ كالاستنباط والاستقراء، ويتطرَّق الكتابُ أيضًا إلى جهود «ابن حيان» وإسهاماته في مجال الفلك والطبيعيات وعلم الحيوان وعلم الكيمياء والفلسفة.
أساتذته
انضم جابر بن حيان إلى حلقة جعفر الصادق، فتلقى علومه الشرعية واللغوية والكيميائية على يديه، كما درس أيضًا على يد الحميري، رغم تشكك البعض في تتلمذ جابر على يد جعفر الصادق، ويرى بعض الباحثين أن جعفر الصادق نفسه التقى بخالد بن يزيد بن معاوية وأخذ عنه الكيمياء. ثم مارس جابر الطب في بداية حياته تحت رعاية الوزير جعفر البرمكي وبتوجيه من الخليفة العباسي هارون الرشيد.
هيئته وإقامته ووفاته
وصفه أنور الرفاعي في كتابه تاريخ العلوم في الإسلام: بأنه كان طويل القامة، كثيف اللحية. اشتهر بإيمانه وورعه، وكذلك بتصوفه. كان يعيش جابر بن حيان في مدينة دمشق القديمة، حيث كان يقضي معظم يومه في غرفة منعزلة يعكف على دراسة الكيمياء.
في عام 987م، ترجم ابن النديم لابن حيان في الفهرست بأنه كان من أصحاب جعفر الصادق، كما أشار إلى أن جماعة الفلاسفة ادعت أن جابر من أعضائها. كما قال عنه ابن وحشية أن «جابر بن حيان صوفي... وأن كتابه عن السموم عمل عظيم..». في حين شكَّ آخرون في نسبة كتابته إليه.
وتوفي جابر وقد جاوز التسعين من عمره في الكوفة بعدما فر إليها من العباسيين بعد نكبة البرامكة، سجن في الكوفة وظل في السجن حتى وفاته سنة 197هـ (813 م) وقيل أيضا 195 هـ/810 م.
مثار جدل
في بداية القرن العاشر الميلادي، كانت هوية وأعمال جابر بن حيان مثار جدل كبير في الأوساط الإسلامية. وكانت كتبه في القرن الرابع عشر من أهم مصادر الدراسات الكيميائية وأكثرها أثرًا في قيادة الفكر العلمي في الشرق والغرب، وقد انتقلت عدة مصطلحات علمية من أبحاث جابر العربية إلى اللغات الأوروبية عن طريق اللغة اللاتينية التي ترجمت أبحاثه إليها وعرف باسم "Geber".
ألقابه
أطلقت عليه العديد من الألقاب، منها «الأستاذ الكبير» و «شيخ الكيميائيين المسلمين» و «أبو الكيمياء» و «القديس السامي التصوف» و «ملك الهند». وكذلك لُقِّب علم الكيمياء نسبة إليه صنعة جابر.
من إسهاماته
ينسب له اختراعه لعدد من الحوامض وتحضيرها ومنها حمض الكبريتيك وسماه زيت الزاج، ولقد بلغ مجموع ما نسب إلى ابن حيان من مساهمات إلى ما يقرب من 3,000 مخطوطة، إلا أن المستعرب اليهودي بول كراوس رأى أن عدة مئات من تلك الأعمال ترجع إلى عدة أشخاص، وأن معظمها تعود إلى أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر، ويعتقد بعض العلماء أن العديد من تلك الأعمال ما هي إلا تعليقات وإضافات من تلاميذه. لكن رفض هذه الفكرة علماء آخرون وعلى رأسهم العالم والمؤرخ الأمريكي سيد نعمان الحق، الذي رأى أن بول كراوس قد أساء التقدير والاستنتاج في مراجعة أعمال جابر بن حيان، وذكر ثلاثة أخطاء في منهجية كراوس أدت به لهذا الخطأ. "
ولقد ضمت تلك المساهمات مؤلفات في علم الكونيات والموسيقى والطب والسحر والأحياء والتقنيات الكيميائية والهندسة والنحو وما وراء الطبيعة والمنطق والفلك. وقد ترجمت بعض أعماله في الكيمياء إلى اللغة اللاتينية في العصور الوسطى، وانتشرت على نطاق واسع بين الكيميائيين الأوروبيين في العصور الوسطى.
تأثره
وتأثر جابر بن حيان بكتابات الكيميائيين المصريين القدماء والإغريق أمثال زوزيموس الأخميمي وديموقريطس وهرمس الهرامسة وأغاثوديمون، بل وكتابات أفلاطون وأرسطو وجالينوس وفيثاغورث وسقراط وتعليقات ألكسندر من أفروديسياس وسمبليسوس وفرفريو وغيرهم.
كما كانت هناك مجموعة ضخمة من الكتابات شبه الأدبية في الكيمياء مكتوبة باللغة العربية، بأسماء كتّاب من الفرس أمثال جاماسب وأوستانس وماني، الذين ذكروا فيها تجاربهم على المعادن والمواد الأخرى. ويتضح ذلك أيضًا من العدد الكبير للكلمات ذات الجذور الفارسية كالزئبق والنشادر، والتي توضح اعتماد العرب على الخيمياء الفارسية. كما نقل ابن النديم حوار دار بين أرسطو والخيميائي أوستانس الفارسي، الذي أورده جابر بن حيان في كتابه «مصححات أرسطية». كما يعتقد المستشرق يوليوس روسكا أن المدارس الطبية الساسانية، لعبت دورًا هامًا في انتشار الاهتمام بالخيمياء.
إسهاماته
ومن أهم الإسهامات العلمية لجابر في الكيمياء، إدخال المنهج التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي (Alkali)، وماء الفضة، وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس، ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها. فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية. وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن وتحضير الفولاذ وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.
ولقد عرَّف ابن حيان الكيمياء في كتابه العلم الإلهي بأنه «الكيمياء هو الفرع من العلوم الطبيعية الذي يبحث في خواص المعادن والمواد النباتية والحيوانية وطُرق تولدها وكيفية اكتسابها خواص جديدة».
نظريته
وقد وضع جابر نظرية رائدة للاتحاد الكيميائي في كتابه «المعرفة بالصفة الإلهية والحكمة الفلسفية»، حيث قال: «يظن بعض الناس خطأً أنه عندما يتحد الزئبق والكبريت تتكون مادة جديدة في كُلِّيتها. والحقيقة أن هاتين المادتين لم تفقدا ماهيتهما، وكل ما حدث لهما أنهما تجزَّأتا إلى دقائق صغيرة، وامتزجت هذه الدقائق بعضها ببعض، فأصبحت العين المجردة عاجزة عن التمييز بينهما. وظهرت المادة الناتجة من الاتحاد متجانسة التركيب، ولو كان في مقدرتنا الحصول على وسيلة نفرق بين دقائق النوعين، لأدركنا أن كلاً منهما محتفظ بهيئته الطبيعية الدائمة، ولم تتأثر مطلقًا». ويمكن تشبيه هذه النظرية بالنظرية الذرية التي وضعها العالم الإنكليزي جون دالتون.
كتاب لم تحرقه النار
يعتبر اختراع جابر بن حيان لورقة لم تتأثر بالنار من أهم اختراعات جابر بن حيّان وذلك لوجود مركبات كيميائية ساعدت بشكل كبير في منع احتراق الورق، وهو الذي ساعد في عدم احتراق الورق بشكل كامل.
حيث كان قد طلب منه الإمام الفقيه جعفر الصادق أن يصنع له نوعًا من الورق، من أجل كتابة المخطوطات كاملة حتى لا تؤثر عليه النار. وتمكن من استكمال الاختراع وعرضه على الإمام جعفر الصادق ، خلال لقاء مع مجموعة من الضيوف والطلاب احتفلوا بانتهاء الكتابة، حيث جاء جابر بن حيان وألقى بنسخة من الكتاب في النار، لكن الكتاب لم تشتعل فيه النيران وحيان أخرجه من النار دون أن يحرقه بشكل دائم ، وبقي على حاله ولم يتأثر.
تكفيره
كما هي عادة الفقهاء المنغلقين، فإنهم يكفرون العلماء بل ويكفرون المادة العلمية ذاتها كما فعل ابن تيمية مع علم الكيمياء ولقد كان ابن تيمية الفقيه أحد هؤلاء الذين وقفوا حجر عثرة في طريق العلم عموما وطريق علم الكيمياء على وجه الخصوص فلقد كان واحدًا من علماء الدين، الذين استغلوا مؤامرة تكفير جابر بن حيان؛ فعن الكيمياء قال ابن تيمية " ما يصنعه بنو آدم من الذهب والفضة وغيرهما من أنواع الجواهر والطيب، وغير ذلك مما يشبهون به ما خلقه الله من ذلك؛ مثل ما يصنعونه من اللؤلؤ، والياقوت والمسك، والعنبر، وماء الورد، وغير ذلك: هذا كله ليس مثل ما يخلقه الله من ذلك؛ بل هو مشابه له من بعض الوجوه وليس هو مساويا له في الحد والحقيقة. وذلك كله محرم في الشرع بلا نزاع بين علماء المسلمين الذين يعلمون حقيقة ذلك !. ومن زعم أن الذهب المصنوع مثل المخلوق فقوله باطل في العقل والدين".
ويستكمل ابن تيمية، فتواه قائلًا: " وحقيقة الكيمياء إنما هي تشبيه المخلوق وهو باطل في العقل والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. وكل ما أنتجته الكيمياء من منتجات هي مضاهاة لخلق الله، وبالتالي هي محرمة"!.
اختص ابن تيمية، عالم الكيمياء جابر بن حيان بالحديث، قائلًا: "وأما جابر بن حيان صاحبُ المصنفات المشهورة عن الكيماوية، فمجهولٌ، لا يعرف، وليسَ له ذكرٌ بين أهل العلم، ولا بين أهل الدين.
بهجت العبيدي
إن عالم اليوم على ما توصل إليه من معرفة وعلم وتكنولوجيا لم يكن ليحقق شيئا من هذا لولا أن علماءه وقفوا على أكتاف علماء العصور الخالية الذين وضعوا الأسس ومهدوا الطريق وفتحوا العيون التي تبصرت ما صنعوا وبنوا عليه لنشهد هذا الصرح المعرفي الهائل ونعيش في هذا التقدم الذي لا مثيل له في عالم اليوم.
ومن بين المجالات التي أسهم فيها العرب والمسلمون بسهم لم تنكره الأقوام جميعا كان مجال الكيمياء الذي برع فيه العرب بفضل عقول فذة كان في مقدمتها أبو الكيمياء جابر بن حيان الذي يسعدنا أن نقدمه لقراء صحيفتنا المتميزة صحيفة الأمة العربية الجزائرية التي نفخر بما تقدمه من إعلام جاد وثقافة رصينة.
هو جابر ابن حيان بن عبد الله الأزدي الذي هاجرت أسرته من اليمن إلى الكوفة، وكانت ولادته فيها وعمل في الكوفة صيدلانياً. كان والده من المناصرين للعباسيين في ثورتهم ضد الأمويين، الذين أرسلوه إلى خراسان ليدعوا الناس لتأييدهم، حيث قُبض عليه وقتله الأمويون، فهربت أسرته إلى اليمن، حيث نشأ جابر ودرس القرآن والعلوم الأخرى ومارس مهنة والده. ثم عادت أسرته إلى الكوفة، بعد أن أزاح العباسيون الأمويين، لذا ينسب أحيانًا بالأزدي أو الكوفي أو الطوسي أو الصوفي.
قوميته
اختلفت بعض المصادر حول كونه عربيّاً أزديّاً أم فارسي. في حين يعتقد الفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربين أن جابر بن حيان لم يكن عربيًا وإنما كان من موالي قبيلة الأزد فإن الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود، وهو من المعاصرين، قد قرر أصله الأزدي العربي الصميم وذلك في كتابه "جابر بن حيان" الذي هو من أولى المُحاوَلات العلمية المنهجية للتأريخ لمسيرة هذا العالِم ودَوره؛ حيث يَعرض مُحاوَلة «جابر بن حيان» الترسيخ لقواعد البحث العلمي التي تعتمد على أُسس علمية؛ كالاستنباط والاستقراء، ويتطرَّق الكتابُ أيضًا إلى جهود «ابن حيان» وإسهاماته في مجال الفلك والطبيعيات وعلم الحيوان وعلم الكيمياء والفلسفة.
أساتذته
انضم جابر بن حيان إلى حلقة جعفر الصادق، فتلقى علومه الشرعية واللغوية والكيميائية على يديه، كما درس أيضًا على يد الحميري، رغم تشكك البعض في تتلمذ جابر على يد جعفر الصادق، ويرى بعض الباحثين أن جعفر الصادق نفسه التقى بخالد بن يزيد بن معاوية وأخذ عنه الكيمياء. ثم مارس جابر الطب في بداية حياته تحت رعاية الوزير جعفر البرمكي وبتوجيه من الخليفة العباسي هارون الرشيد.
هيئته وإقامته ووفاته
وصفه أنور الرفاعي في كتابه تاريخ العلوم في الإسلام: بأنه كان طويل القامة، كثيف اللحية. اشتهر بإيمانه وورعه، وكذلك بتصوفه. كان يعيش جابر بن حيان في مدينة دمشق القديمة، حيث كان يقضي معظم يومه في غرفة منعزلة يعكف على دراسة الكيمياء.
في عام 987م، ترجم ابن النديم لابن حيان في الفهرست بأنه كان من أصحاب جعفر الصادق، كما أشار إلى أن جماعة الفلاسفة ادعت أن جابر من أعضائها. كما قال عنه ابن وحشية أن «جابر بن حيان صوفي... وأن كتابه عن السموم عمل عظيم..». في حين شكَّ آخرون في نسبة كتابته إليه.
وتوفي جابر وقد جاوز التسعين من عمره في الكوفة بعدما فر إليها من العباسيين بعد نكبة البرامكة، سجن في الكوفة وظل في السجن حتى وفاته سنة 197هـ (813 م) وقيل أيضا 195 هـ/810 م.
مثار جدل
في بداية القرن العاشر الميلادي، كانت هوية وأعمال جابر بن حيان مثار جدل كبير في الأوساط الإسلامية. وكانت كتبه في القرن الرابع عشر من أهم مصادر الدراسات الكيميائية وأكثرها أثرًا في قيادة الفكر العلمي في الشرق والغرب، وقد انتقلت عدة مصطلحات علمية من أبحاث جابر العربية إلى اللغات الأوروبية عن طريق اللغة اللاتينية التي ترجمت أبحاثه إليها وعرف باسم "Geber".
ألقابه
أطلقت عليه العديد من الألقاب، منها «الأستاذ الكبير» و «شيخ الكيميائيين المسلمين» و «أبو الكيمياء» و «القديس السامي التصوف» و «ملك الهند». وكذلك لُقِّب علم الكيمياء نسبة إليه صنعة جابر.
من إسهاماته
ينسب له اختراعه لعدد من الحوامض وتحضيرها ومنها حمض الكبريتيك وسماه زيت الزاج، ولقد بلغ مجموع ما نسب إلى ابن حيان من مساهمات إلى ما يقرب من 3,000 مخطوطة، إلا أن المستعرب اليهودي بول كراوس رأى أن عدة مئات من تلك الأعمال ترجع إلى عدة أشخاص، وأن معظمها تعود إلى أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر، ويعتقد بعض العلماء أن العديد من تلك الأعمال ما هي إلا تعليقات وإضافات من تلاميذه. لكن رفض هذه الفكرة علماء آخرون وعلى رأسهم العالم والمؤرخ الأمريكي سيد نعمان الحق، الذي رأى أن بول كراوس قد أساء التقدير والاستنتاج في مراجعة أعمال جابر بن حيان، وذكر ثلاثة أخطاء في منهجية كراوس أدت به لهذا الخطأ. "
ولقد ضمت تلك المساهمات مؤلفات في علم الكونيات والموسيقى والطب والسحر والأحياء والتقنيات الكيميائية والهندسة والنحو وما وراء الطبيعة والمنطق والفلك. وقد ترجمت بعض أعماله في الكيمياء إلى اللغة اللاتينية في العصور الوسطى، وانتشرت على نطاق واسع بين الكيميائيين الأوروبيين في العصور الوسطى.
تأثره
وتأثر جابر بن حيان بكتابات الكيميائيين المصريين القدماء والإغريق أمثال زوزيموس الأخميمي وديموقريطس وهرمس الهرامسة وأغاثوديمون، بل وكتابات أفلاطون وأرسطو وجالينوس وفيثاغورث وسقراط وتعليقات ألكسندر من أفروديسياس وسمبليسوس وفرفريو وغيرهم.
كما كانت هناك مجموعة ضخمة من الكتابات شبه الأدبية في الكيمياء مكتوبة باللغة العربية، بأسماء كتّاب من الفرس أمثال جاماسب وأوستانس وماني، الذين ذكروا فيها تجاربهم على المعادن والمواد الأخرى. ويتضح ذلك أيضًا من العدد الكبير للكلمات ذات الجذور الفارسية كالزئبق والنشادر، والتي توضح اعتماد العرب على الخيمياء الفارسية. كما نقل ابن النديم حوار دار بين أرسطو والخيميائي أوستانس الفارسي، الذي أورده جابر بن حيان في كتابه «مصححات أرسطية». كما يعتقد المستشرق يوليوس روسكا أن المدارس الطبية الساسانية، لعبت دورًا هامًا في انتشار الاهتمام بالخيمياء.
إسهاماته
ومن أهم الإسهامات العلمية لجابر في الكيمياء، إدخال المنهج التجريبي إلى الكيمياء، وهو مخترع القلويات المعروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي (Alkali)، وماء الفضة، وهو كذلك صاحب الفضل فيما عرفه الأوربيون عن ملح النشادر وماء الذهب والبوتاس، ومن أهم إسهاماته العلمية كذلك، أنه أدخل عنصرَيْ التجربة والمعمل في الكيمياء وأوصى بدقة البحث والاعتماد على التجربة والصبر على القيام بها. فجابر يُعَدُّ من رواد العلوم التطبيقية. وتتجلى إسهاماته في هذا الميدان في تكرير المعادن وتحضير الفولاذ وصبغ الأقمشة ودبغ الجلود وطلاء القماش المانع لتسرب الماء، واستعمال ثاني أكسيد المنغنيز في صنع الزجاج.
ولقد عرَّف ابن حيان الكيمياء في كتابه العلم الإلهي بأنه «الكيمياء هو الفرع من العلوم الطبيعية الذي يبحث في خواص المعادن والمواد النباتية والحيوانية وطُرق تولدها وكيفية اكتسابها خواص جديدة».
نظريته
وقد وضع جابر نظرية رائدة للاتحاد الكيميائي في كتابه «المعرفة بالصفة الإلهية والحكمة الفلسفية»، حيث قال: «يظن بعض الناس خطأً أنه عندما يتحد الزئبق والكبريت تتكون مادة جديدة في كُلِّيتها. والحقيقة أن هاتين المادتين لم تفقدا ماهيتهما، وكل ما حدث لهما أنهما تجزَّأتا إلى دقائق صغيرة، وامتزجت هذه الدقائق بعضها ببعض، فأصبحت العين المجردة عاجزة عن التمييز بينهما. وظهرت المادة الناتجة من الاتحاد متجانسة التركيب، ولو كان في مقدرتنا الحصول على وسيلة نفرق بين دقائق النوعين، لأدركنا أن كلاً منهما محتفظ بهيئته الطبيعية الدائمة، ولم تتأثر مطلقًا». ويمكن تشبيه هذه النظرية بالنظرية الذرية التي وضعها العالم الإنكليزي جون دالتون.
كتاب لم تحرقه النار
يعتبر اختراع جابر بن حيان لورقة لم تتأثر بالنار من أهم اختراعات جابر بن حيّان وذلك لوجود مركبات كيميائية ساعدت بشكل كبير في منع احتراق الورق، وهو الذي ساعد في عدم احتراق الورق بشكل كامل.
حيث كان قد طلب منه الإمام الفقيه جعفر الصادق أن يصنع له نوعًا من الورق، من أجل كتابة المخطوطات كاملة حتى لا تؤثر عليه النار. وتمكن من استكمال الاختراع وعرضه على الإمام جعفر الصادق ، خلال لقاء مع مجموعة من الضيوف والطلاب احتفلوا بانتهاء الكتابة، حيث جاء جابر بن حيان وألقى بنسخة من الكتاب في النار، لكن الكتاب لم تشتعل فيه النيران وحيان أخرجه من النار دون أن يحرقه بشكل دائم ، وبقي على حاله ولم يتأثر.
تكفيره
كما هي عادة الفقهاء المنغلقين، فإنهم يكفرون العلماء بل ويكفرون المادة العلمية ذاتها كما فعل ابن تيمية مع علم الكيمياء ولقد كان ابن تيمية الفقيه أحد هؤلاء الذين وقفوا حجر عثرة في طريق العلم عموما وطريق علم الكيمياء على وجه الخصوص فلقد كان واحدًا من علماء الدين، الذين استغلوا مؤامرة تكفير جابر بن حيان؛ فعن الكيمياء قال ابن تيمية " ما يصنعه بنو آدم من الذهب والفضة وغيرهما من أنواع الجواهر والطيب، وغير ذلك مما يشبهون به ما خلقه الله من ذلك؛ مثل ما يصنعونه من اللؤلؤ، والياقوت والمسك، والعنبر، وماء الورد، وغير ذلك: هذا كله ليس مثل ما يخلقه الله من ذلك؛ بل هو مشابه له من بعض الوجوه وليس هو مساويا له في الحد والحقيقة. وذلك كله محرم في الشرع بلا نزاع بين علماء المسلمين الذين يعلمون حقيقة ذلك !. ومن زعم أن الذهب المصنوع مثل المخلوق فقوله باطل في العقل والدين".
ويستكمل ابن تيمية، فتواه قائلًا: " وحقيقة الكيمياء إنما هي تشبيه المخلوق وهو باطل في العقل والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. وكل ما أنتجته الكيمياء من منتجات هي مضاهاة لخلق الله، وبالتالي هي محرمة"!.
اختص ابن تيمية، عالم الكيمياء جابر بن حيان بالحديث، قائلًا: "وأما جابر بن حيان صاحبُ المصنفات المشهورة عن الكيماوية، فمجهولٌ، لا يعرف، وليسَ له ذكرٌ بين أهل العلم، ولا بين أهل الدين.
بهجت العبيدي