عن مؤسسة المثقف في استراليا ، وتوزيع دار السرد ببغداد، صدرت الطبعة الاولى للجموعة الشعرية المعنونة اصطفيتك همسا، للشاعرة العراقية الناقدة والاديبة إنعام كمونة.
اختارت الشاعرة للمجموعة عنوانا مميزا، ووضعت بين دفتي الديوان ما يقارب اربعين قصيدة من قصائد النثر التي تساير الحداثة دون ان تتخطى مواطن الجمال، وبما يفوق غنائية قصائد العمود والتفعيلة.
ابتدأتها الشاعرة بقصيدة وجعهن وجعي، ثم يا انت يا بسملة القصيد.. استعجلت الرحيل يا ولدي.. اهازيج شعاع.. ضمني قيد فراق والنص الرائع ترنيمات سومرية، وسواها كثير .
من الملاحظ ايها القاريء الكريم، أن عناوين القصائد نفسها غير معتادة ومميزة، وأن مضمونها يتأرجح بين الرمزية المكثفة ، ووصف أعمق هواجس النفس، والجنوح نحو الفلسفة دون تكلف ، والميل في جميعها لوصف ما تصبو إليه من أهداف للإنسان والوطن ..
ان لكل عنوان منها مناسبة ولربما ذكرى، فقصيدة (وجعهن وجعي) تجسد معاناة الايزيديات عقب السبي على يد خوارج العصر الجدد، (وترنيمات سومرية) عند اعتبار اهوار العراق إرثا إنسانيا من قبل منظمة اليونسكو العالمية، وقصيدة صراط الشهادة، عن جهاد العراقيين في كل موضع ضد الظلام، داخل الوطن وخارجه، وسواها.....
يوشوشني عطر البردي
ترانيم جداول سومرية العبق
مزامير مشحوف
تحدوها غيد ملونة الجراغد
يغازل رشاقة موج طحلبي الوجنات
بمجداف ضوء ازرق.
تكتب الشاعرة بمستويين ، ظاهر للعيان يطربك إذا ما طالعت كلماته التي صيغت بجمال ورصانة، وبرمزية مستترة تكون اكبر مما تطالع ، فتلمح مشاحيف الاهوار، الفقر الممزوج بالجمال، والبساطة المعجونة بالسعادة، وحياة البداهة التي تمتد لعمق التاريخ وفجر السلالات،ووصف صادق لواقع الاهوار وكأنك تعيش فيها بعدما عاشت بقلب الشاعرة.
لقد كانت في كثير من القصائد مثل جبل الجليد في البحر ، لا يظهر منه سوى معشاره، ويظل الباقي رهنا لمن يغوص ويبحر ليكتشفه .
فقصيدتها (سأحتضن أسلاف طيني ) تبتدي بأبيات ستقف عندها مرغما حين تقول :
منذ نيف وفجر
احمل مآسي روحي
أسفارا مسندة
كاني نبض هياكل مشيدة
بغمد نسيان..
نلاحظ هنا كيف تجسد غربة من يملا نفسه الجمال وهو يعيش وسط عالم مكسو بالشر حتى أبته الوحوش ، لتكون أولى سمات شاعرتنا هي الإيجاز اللفظي والتكثيف والضربة الأدبية في قصائد نسجت بلغة رصينة عالية ، ذات صور الشعرية مذهلة، تترفّع عن كل لفظ تمجه الأسماع ، تحلق عاليا في سماء الشعر ، حتى لا تدرك أي القصائد أجمل وكأنهن زهورٌ بلون واحد ، وجمال واحد، وعطور شتى .
تقول في قصيدتها المعنونة ( مهد الروح) :
من اقصى قراطيس النور
تتشقشق بأريج التراب
نزهة أحلامي
يعزفني ربيع الهيام
على قيد ذكرى موشومة الاشتياق
اتنفس زعفران جروحي
بأهازيج منايا !!
وتقول في مطلع قصيدتها (سهر) :
تطل عتمة الليل
بكل هيبتها ووقارها
كأنها شبح استباح الازل
بعتمة الوجود...
مع جمال الإيقاع في القصيدتين كلتيهما ،الا انها وفي القصيدة الثانية تصف بجمال تام وتتفوق في التشبيه ، انها لا تقول بأن العيش صار بلا لون ولا ماء ولا رائحة سوى الموت، بل وصفته بان طعمه كطعم الماء فوهبت الوصف حقه، وبدلا عن تذكر مطلع الحضارة في بلاد الرافدين، أوجزت بالقول : كأنها شبح استباح الاجل... ، وهي كناية لطيفة شفيفة عن بداية عرس حياة جديدة ، لربما لم يسبقها اليها أحد .
وكما ابدعت في وصف الحياة، ابدعت كذلك في الرثاء ووصف فجيعة رحيل العظماء، فها هي ترثي الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عماره بكلمات من نور رغم نار الرحيل فتقول :
أنقول لميعة وداعا..
لا
فكيف يطل علينا بريق النجوم
وكيف يدور وجه القمر..
ايحل علينا قداح الفصول
بصوت يبغدد هدير الحروف
ويسرح فينا رميم الخيال...
وتصف بطريقة أخرى ذلك التوجس الذي ينتاب الإنسان ، الليل، الشمس العازبة، الظلام، الوحشة وتهب القلق صفة فريدة
ان جميع قصائد الشاعرة كمونة تمتاز بمتانة اللغة، سحر الصور الشعرية، تكثيف الرمز، والغموض الشفيف الذي يدفعك عنوة نحو التفكير،والتعمق واعادة قراءة كل قصيدة ملكت قلبك ومشاعرك كونها تلج الروح ولا تمكث عند الناظرين فحسب.
وهكذا نجد حتى آخر قصيدة في الديوان، نجد صورا شعرية في غاية الدهشة والغرابة ،قصائد شاهقة تستحق أكثر من مطالعة وأعمق من قراءة، تستحق الإبحار لأنها ضمت - وعبر براعة الشاعرة - كل هواجس النفس من فرح وحزن، وعشق وقلق، ونصرة للمظلوم وإدانة للظلم، ولعل الشيء الوحيد الذي لا يضمه الديوان هو البغض والحقد، لأنها آلت على نفسها إلا أن تنشر الحب والجمال بسمة على الشفاه، أو دمعة متلألئة تعكس الضياء، وكأن شمسا جديدة تولد منها، لا تعرف الخفوت .
اختارت الشاعرة للمجموعة عنوانا مميزا، ووضعت بين دفتي الديوان ما يقارب اربعين قصيدة من قصائد النثر التي تساير الحداثة دون ان تتخطى مواطن الجمال، وبما يفوق غنائية قصائد العمود والتفعيلة.
ابتدأتها الشاعرة بقصيدة وجعهن وجعي، ثم يا انت يا بسملة القصيد.. استعجلت الرحيل يا ولدي.. اهازيج شعاع.. ضمني قيد فراق والنص الرائع ترنيمات سومرية، وسواها كثير .
من الملاحظ ايها القاريء الكريم، أن عناوين القصائد نفسها غير معتادة ومميزة، وأن مضمونها يتأرجح بين الرمزية المكثفة ، ووصف أعمق هواجس النفس، والجنوح نحو الفلسفة دون تكلف ، والميل في جميعها لوصف ما تصبو إليه من أهداف للإنسان والوطن ..
ان لكل عنوان منها مناسبة ولربما ذكرى، فقصيدة (وجعهن وجعي) تجسد معاناة الايزيديات عقب السبي على يد خوارج العصر الجدد، (وترنيمات سومرية) عند اعتبار اهوار العراق إرثا إنسانيا من قبل منظمة اليونسكو العالمية، وقصيدة صراط الشهادة، عن جهاد العراقيين في كل موضع ضد الظلام، داخل الوطن وخارجه، وسواها.....
يوشوشني عطر البردي
ترانيم جداول سومرية العبق
مزامير مشحوف
تحدوها غيد ملونة الجراغد
يغازل رشاقة موج طحلبي الوجنات
بمجداف ضوء ازرق.
تكتب الشاعرة بمستويين ، ظاهر للعيان يطربك إذا ما طالعت كلماته التي صيغت بجمال ورصانة، وبرمزية مستترة تكون اكبر مما تطالع ، فتلمح مشاحيف الاهوار، الفقر الممزوج بالجمال، والبساطة المعجونة بالسعادة، وحياة البداهة التي تمتد لعمق التاريخ وفجر السلالات،ووصف صادق لواقع الاهوار وكأنك تعيش فيها بعدما عاشت بقلب الشاعرة.
لقد كانت في كثير من القصائد مثل جبل الجليد في البحر ، لا يظهر منه سوى معشاره، ويظل الباقي رهنا لمن يغوص ويبحر ليكتشفه .
فقصيدتها (سأحتضن أسلاف طيني ) تبتدي بأبيات ستقف عندها مرغما حين تقول :
منذ نيف وفجر
احمل مآسي روحي
أسفارا مسندة
كاني نبض هياكل مشيدة
بغمد نسيان..
نلاحظ هنا كيف تجسد غربة من يملا نفسه الجمال وهو يعيش وسط عالم مكسو بالشر حتى أبته الوحوش ، لتكون أولى سمات شاعرتنا هي الإيجاز اللفظي والتكثيف والضربة الأدبية في قصائد نسجت بلغة رصينة عالية ، ذات صور الشعرية مذهلة، تترفّع عن كل لفظ تمجه الأسماع ، تحلق عاليا في سماء الشعر ، حتى لا تدرك أي القصائد أجمل وكأنهن زهورٌ بلون واحد ، وجمال واحد، وعطور شتى .
تقول في قصيدتها المعنونة ( مهد الروح) :
من اقصى قراطيس النور
تتشقشق بأريج التراب
نزهة أحلامي
يعزفني ربيع الهيام
على قيد ذكرى موشومة الاشتياق
اتنفس زعفران جروحي
بأهازيج منايا !!
وتقول في مطلع قصيدتها (سهر) :
تطل عتمة الليل
بكل هيبتها ووقارها
كأنها شبح استباح الازل
بعتمة الوجود...
مع جمال الإيقاع في القصيدتين كلتيهما ،الا انها وفي القصيدة الثانية تصف بجمال تام وتتفوق في التشبيه ، انها لا تقول بأن العيش صار بلا لون ولا ماء ولا رائحة سوى الموت، بل وصفته بان طعمه كطعم الماء فوهبت الوصف حقه، وبدلا عن تذكر مطلع الحضارة في بلاد الرافدين، أوجزت بالقول : كأنها شبح استباح الاجل... ، وهي كناية لطيفة شفيفة عن بداية عرس حياة جديدة ، لربما لم يسبقها اليها أحد .
وكما ابدعت في وصف الحياة، ابدعت كذلك في الرثاء ووصف فجيعة رحيل العظماء، فها هي ترثي الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عماره بكلمات من نور رغم نار الرحيل فتقول :
أنقول لميعة وداعا..
لا
فكيف يطل علينا بريق النجوم
وكيف يدور وجه القمر..
ايحل علينا قداح الفصول
بصوت يبغدد هدير الحروف
ويسرح فينا رميم الخيال...
وتصف بطريقة أخرى ذلك التوجس الذي ينتاب الإنسان ، الليل، الشمس العازبة، الظلام، الوحشة وتهب القلق صفة فريدة
ان جميع قصائد الشاعرة كمونة تمتاز بمتانة اللغة، سحر الصور الشعرية، تكثيف الرمز، والغموض الشفيف الذي يدفعك عنوة نحو التفكير،والتعمق واعادة قراءة كل قصيدة ملكت قلبك ومشاعرك كونها تلج الروح ولا تمكث عند الناظرين فحسب.
وهكذا نجد حتى آخر قصيدة في الديوان، نجد صورا شعرية في غاية الدهشة والغرابة ،قصائد شاهقة تستحق أكثر من مطالعة وأعمق من قراءة، تستحق الإبحار لأنها ضمت - وعبر براعة الشاعرة - كل هواجس النفس من فرح وحزن، وعشق وقلق، ونصرة للمظلوم وإدانة للظلم، ولعل الشيء الوحيد الذي لا يضمه الديوان هو البغض والحقد، لأنها آلت على نفسها إلا أن تنشر الحب والجمال بسمة على الشفاه، أو دمعة متلألئة تعكس الضياء، وكأن شمسا جديدة تولد منها، لا تعرف الخفوت .