إذا كانت مقولة التحديد المصنفة ترتبط بانبثاق الحكاية، وتبرر وجودها ووجود الذات السردية، وتسمح بتكون الخيط السردي الضامن لجريان الصيرورة الحدثية، فإن مقولة التوجه المصنفة تُعَد ملازمة لها، لكنها تالية عليها في الزمان، بيد أنها تُعَد مكملة لها، وهي من طبيعة ذهنية مجردة أيضًا؛ فإذا كانت مقولة التحديد تتصل بالإرادة- التي تتحدد بتحديد موضوعها؛ إذ من المتعذر الحديث عن إرادة بدون وجود موضوع يُراد الحصول عليه، وعن واقعية الإرادة بدون تحديد موضوعها (إرادة الوجود في مكانين في الزمان نفسه)- فإن مقولة التوجه المصنفة تتصل بجانب من الإرادة يتجلى في العمل، بوصفه قوة داخلية دافعة لا بد منها للفعل، أي أنها ترتبط بما يُمْكِن تسميته بالطاقة التي تحتاجها كل حركة (الفعل) في الزمان والمكان.
وسميناها بمقولة التوجه لأنها تحدد من جهة مبررات الفعل الساعي إلى تحقق المراد (موضوع الإرادة)، وتحدد من جهة ثانية المسير الذي يتخذه هذا الفعل والوسائلَ المستخدمة لإنجازه. وليست المبررات إلا الطاقة الإرشادية التي تحدد طبيعة الاختيارات التي تجد الإرادة نفسها معنية بها. وليست هذه الطاقة الإرشادية سوى المبررات الفكرية أو الأيديولوجية التي تُسوغ الإرادة والاختيارات والموضوع، وتُرشد الذات السردية الفاعلة إلى ما ينبغي انتهاجه من كيفيات الفعل، وتملكه من وسائل للقيام بالمهام. ولا تتحد مقولتا التحديد والتوجه إلا في مستوى أعلى يشملهما معًا هو مستوى الإرادة.
يُمْكِن عد مقولة التوجه المصنفة بمثابة ضرورة لا بد منها لكي تكُون الإرادة أكثر فاعلية؛ ومن ثمة لا تقبل مقولة التحديد المصنفة التمظهر إلا بفعل الطاقة الإرشادية لمقولة التوجه، إذ إن نجاح إرادة ما- كيفما كان الموضوع الذي تختاره- غير ممكِن من دون وجود مبرر نفعي أو معرفي يحدد الدافع القوي الحاث على الفعل. بيد أن مقولة التحديد مختلفة عن مقولة التوجه في ما يخص تظهير الإرادة أو التعبير عنها؛ فالأولى تجعل من الإرادة فردية شخصية في حالة الفاعل السردي الفردي، بينما تسمح الثانية بإدخال الآخر في بنية الإرادة، بوصفه معرفة إرشادية تلعب دور الحاث على الفعل أو بوصفه منظومة رمزية (قواعد- سنن- أوفاق). ويحدث- هنا- الاختلاف مع بول ريكور في كونه يَعُد الإرادة كلها فردية في مقابل الفعل (لا العمل كما تصور) الذي يجعله مجالًا للتفاعل مع الآخر. وحين نتحدث عن كون حضور مقولة التوجه المصنفة يسمح بورود الآخر في سريان الهوية السردية، فإننا نلح على كون هذا الأخير لا يعمل إلا في هيئة توسط رمزي؛ ما معنى هذا؟ إن الآخر ليس هو الشخص الملموس الفيزيقي (سعيد أو مصطفى أو توفيق)، بل الحضور الرمزي لثقافة ما، وهذا الحضور يتخذ في الأغلب هيئة قواعد مقننة للفعل والعلاقة بالموضوعات والاختيارات (الشرعي وغير الشعري- المقدس والمدنس- الحرام والحلال…الخ). والمقصود بالتوسط أن هذه القواعد الدالة على الآخر الرمزي تقع بين إرادة الذات وموضوعها؛ إذ إن العلاقة بين الاثنين ليست مباشرة. ومن دون الإلمام بهذا الاتصاف الذي تعمل بموجبه مقولة التوجه المصنفة على إدخال الآخر في بنية الإرادة لا يُمْكِن فهم استثنائية الهوية السردية التي تختلف عن الهوية الواقعية في الحياة اليومية. وهذا ما سنراه في نهاية المقال.
ما أن يحضر الآخر الرمزي بفعل مقولة التوجه المصنفة تصير هذه الأخيرة مكتسبة طابعًا تعاونيا أو صراعيا؛ حيث تُفحص الإرادة في ضوء التطابق مع الرمز المقنن أو خرقه. وفي الحالتين معًا يكُون الآخر الواقعي المشخص مجرد مَعْبَر للرمز- السنَن أو لافظًا له. وينتج عن الطابع التعاوني أو الصراعي نمطان من الهوية الكلية الضامة للهويات الثلاث المتمظهرة سرديا (الهوية المتصورة- الهوية المتخللة- الهوية المتحققة): أ- الهوية الكلية المتطابقة التي تترجم هوية ثقافة جماعية (الملحمة- الحكاية الشعبية)، ب- الهوية الكلية المجاوِزة الفردية (الرواية) التي تترجم بُعْدًا يوتوبيا يستند إلى تحيز فكري مثالي محدد. وكل من الهويتين الكليتيْن يقوم على مقولات موجهة مصنفة مختلفة؛ فما يُسرد في الهوية الكلية المتطابِقة هو القوة الإرشادية الدافعة التي تجد أسسها في صلاحية ما يقدمه المجتمع من رؤيات فكرية- اعتقادية حول الإنسان ووجوده في العالم؛ ومن ثمة تتجه الذات السردية الفاعلة- في ما تبذله من جهد (فعل)- نحو إثبات نفع هذه الرؤيات وشرعيتها؛ ومن ثمة تعبر عن إثبات صلاحيتها بوصفها ذاتًا جاهزة لتمثيل النظام القيمي الرمزي للجماعة، كما أنها تبرر وجودها بمهمة ترميم نقص طارئ يُهدد بقاء عالم موجود سلفًا؛ وهكذا يكُون التخييل قائمًا- في هذه الصدد- على تنشيط هوية كلية متطابقة تتضمن في صلبها أسباب خمولها أو فتورها. أما ما يُسرد في الهوية الكلية المجاوِزة الفردية، فهو القوة الإرشادية الدافعة التي تجد أسسها في اليوتوبي الذي يتنافى مع ما يُقدمه المجتمع من رؤى فكرية- اعتقادية حول الإنسان ووجوده في العالم؛ ولهذا تعمل مقولة التوجه المصنفة في هذه الهوية السردية على جعل الذات السردية الفاعلة تترجم عدم كفاية العالم، لا بوصفه حاجات فحسب، بل بوصفه أيضًا تأويلًا للبقاء في العالم (ينبغي أن أُبرهن على أن العالم ليس كما هو)؛ ومن ثمة لا يُمْكِن الفصل في السرد الحديث بين الجهد (الفعل) والمفكر فيه، وبينهما وأشكال الصراع حول تملك الحقيقة، وما يستدعيه هذا التملك من تعلم وتجربة، لأن اليوطوبي بوصفه قوة إرشادية لا يمتلك من صلاحية سوى اختبار ممكناته في عالم متصف بعدم طواعيته له.
تختص مقولة التوجه في أثناء الهوية المتصورة بجانب العمل في الإرادة، لكنها لا تبقى في حدودها، بل تتجاوزها أيضًا إلى الهوية المتخللة، لأنها تُعَد مقولة مرجعية أيضًا؛ بحيث أن الذات السردية الفاعلة تعود إليها باستمرار كي تحدد فعلها في ضوء التوجيهات الفكرية – الاعتقادية التي تتضمنها، وكي تجعله منسجمًا معها. غير أن مقولة التوجه المصنفة ليست ثابتة، إذ قد تصير عرضة للمراجعة في إثناء سريان الهوية المتخللة؛ فهناك عديد من الشخصيات الروائية التي راجعت منطلقاتها المرجعية في منتصف الطريق. لكن أهم ما يُميز مقولة التوجه المصنفة هو كونها تُعطي للهوية في السرد خاصيتها التخييلية التي تميزها عن الهوية العادية في الحياة اليومية. وهذه الخاصية تتمثل في الشخص الاستثنائي غير المتماثل مع الشخص العادي. وتتمثل هذه الاستثنائية في اختيار الموضوع، وفي استثنائية الفعل. ومصدر هذه الاستثنائية ماثل في طبيعة التوجه بوصفه مرجعية مغايرة محددة.
وسميناها بمقولة التوجه لأنها تحدد من جهة مبررات الفعل الساعي إلى تحقق المراد (موضوع الإرادة)، وتحدد من جهة ثانية المسير الذي يتخذه هذا الفعل والوسائلَ المستخدمة لإنجازه. وليست المبررات إلا الطاقة الإرشادية التي تحدد طبيعة الاختيارات التي تجد الإرادة نفسها معنية بها. وليست هذه الطاقة الإرشادية سوى المبررات الفكرية أو الأيديولوجية التي تُسوغ الإرادة والاختيارات والموضوع، وتُرشد الذات السردية الفاعلة إلى ما ينبغي انتهاجه من كيفيات الفعل، وتملكه من وسائل للقيام بالمهام. ولا تتحد مقولتا التحديد والتوجه إلا في مستوى أعلى يشملهما معًا هو مستوى الإرادة.
يُمْكِن عد مقولة التوجه المصنفة بمثابة ضرورة لا بد منها لكي تكُون الإرادة أكثر فاعلية؛ ومن ثمة لا تقبل مقولة التحديد المصنفة التمظهر إلا بفعل الطاقة الإرشادية لمقولة التوجه، إذ إن نجاح إرادة ما- كيفما كان الموضوع الذي تختاره- غير ممكِن من دون وجود مبرر نفعي أو معرفي يحدد الدافع القوي الحاث على الفعل. بيد أن مقولة التحديد مختلفة عن مقولة التوجه في ما يخص تظهير الإرادة أو التعبير عنها؛ فالأولى تجعل من الإرادة فردية شخصية في حالة الفاعل السردي الفردي، بينما تسمح الثانية بإدخال الآخر في بنية الإرادة، بوصفه معرفة إرشادية تلعب دور الحاث على الفعل أو بوصفه منظومة رمزية (قواعد- سنن- أوفاق). ويحدث- هنا- الاختلاف مع بول ريكور في كونه يَعُد الإرادة كلها فردية في مقابل الفعل (لا العمل كما تصور) الذي يجعله مجالًا للتفاعل مع الآخر. وحين نتحدث عن كون حضور مقولة التوجه المصنفة يسمح بورود الآخر في سريان الهوية السردية، فإننا نلح على كون هذا الأخير لا يعمل إلا في هيئة توسط رمزي؛ ما معنى هذا؟ إن الآخر ليس هو الشخص الملموس الفيزيقي (سعيد أو مصطفى أو توفيق)، بل الحضور الرمزي لثقافة ما، وهذا الحضور يتخذ في الأغلب هيئة قواعد مقننة للفعل والعلاقة بالموضوعات والاختيارات (الشرعي وغير الشعري- المقدس والمدنس- الحرام والحلال…الخ). والمقصود بالتوسط أن هذه القواعد الدالة على الآخر الرمزي تقع بين إرادة الذات وموضوعها؛ إذ إن العلاقة بين الاثنين ليست مباشرة. ومن دون الإلمام بهذا الاتصاف الذي تعمل بموجبه مقولة التوجه المصنفة على إدخال الآخر في بنية الإرادة لا يُمْكِن فهم استثنائية الهوية السردية التي تختلف عن الهوية الواقعية في الحياة اليومية. وهذا ما سنراه في نهاية المقال.
ما أن يحضر الآخر الرمزي بفعل مقولة التوجه المصنفة تصير هذه الأخيرة مكتسبة طابعًا تعاونيا أو صراعيا؛ حيث تُفحص الإرادة في ضوء التطابق مع الرمز المقنن أو خرقه. وفي الحالتين معًا يكُون الآخر الواقعي المشخص مجرد مَعْبَر للرمز- السنَن أو لافظًا له. وينتج عن الطابع التعاوني أو الصراعي نمطان من الهوية الكلية الضامة للهويات الثلاث المتمظهرة سرديا (الهوية المتصورة- الهوية المتخللة- الهوية المتحققة): أ- الهوية الكلية المتطابقة التي تترجم هوية ثقافة جماعية (الملحمة- الحكاية الشعبية)، ب- الهوية الكلية المجاوِزة الفردية (الرواية) التي تترجم بُعْدًا يوتوبيا يستند إلى تحيز فكري مثالي محدد. وكل من الهويتين الكليتيْن يقوم على مقولات موجهة مصنفة مختلفة؛ فما يُسرد في الهوية الكلية المتطابِقة هو القوة الإرشادية الدافعة التي تجد أسسها في صلاحية ما يقدمه المجتمع من رؤيات فكرية- اعتقادية حول الإنسان ووجوده في العالم؛ ومن ثمة تتجه الذات السردية الفاعلة- في ما تبذله من جهد (فعل)- نحو إثبات نفع هذه الرؤيات وشرعيتها؛ ومن ثمة تعبر عن إثبات صلاحيتها بوصفها ذاتًا جاهزة لتمثيل النظام القيمي الرمزي للجماعة، كما أنها تبرر وجودها بمهمة ترميم نقص طارئ يُهدد بقاء عالم موجود سلفًا؛ وهكذا يكُون التخييل قائمًا- في هذه الصدد- على تنشيط هوية كلية متطابقة تتضمن في صلبها أسباب خمولها أو فتورها. أما ما يُسرد في الهوية الكلية المجاوِزة الفردية، فهو القوة الإرشادية الدافعة التي تجد أسسها في اليوتوبي الذي يتنافى مع ما يُقدمه المجتمع من رؤى فكرية- اعتقادية حول الإنسان ووجوده في العالم؛ ولهذا تعمل مقولة التوجه المصنفة في هذه الهوية السردية على جعل الذات السردية الفاعلة تترجم عدم كفاية العالم، لا بوصفه حاجات فحسب، بل بوصفه أيضًا تأويلًا للبقاء في العالم (ينبغي أن أُبرهن على أن العالم ليس كما هو)؛ ومن ثمة لا يُمْكِن الفصل في السرد الحديث بين الجهد (الفعل) والمفكر فيه، وبينهما وأشكال الصراع حول تملك الحقيقة، وما يستدعيه هذا التملك من تعلم وتجربة، لأن اليوطوبي بوصفه قوة إرشادية لا يمتلك من صلاحية سوى اختبار ممكناته في عالم متصف بعدم طواعيته له.
تختص مقولة التوجه في أثناء الهوية المتصورة بجانب العمل في الإرادة، لكنها لا تبقى في حدودها، بل تتجاوزها أيضًا إلى الهوية المتخللة، لأنها تُعَد مقولة مرجعية أيضًا؛ بحيث أن الذات السردية الفاعلة تعود إليها باستمرار كي تحدد فعلها في ضوء التوجيهات الفكرية – الاعتقادية التي تتضمنها، وكي تجعله منسجمًا معها. غير أن مقولة التوجه المصنفة ليست ثابتة، إذ قد تصير عرضة للمراجعة في إثناء سريان الهوية المتخللة؛ فهناك عديد من الشخصيات الروائية التي راجعت منطلقاتها المرجعية في منتصف الطريق. لكن أهم ما يُميز مقولة التوجه المصنفة هو كونها تُعطي للهوية في السرد خاصيتها التخييلية التي تميزها عن الهوية العادية في الحياة اليومية. وهذه الخاصية تتمثل في الشخص الاستثنائي غير المتماثل مع الشخص العادي. وتتمثل هذه الاستثنائية في اختيار الموضوع، وفي استثنائية الفعل. ومصدر هذه الاستثنائية ماثل في طبيعة التوجه بوصفه مرجعية مغايرة محددة.