يقولَ المفكرُ والشاعرُ جبرانْ خليلْ جبرانْ : كثيرا منْ المحنِ تجعلُ منكَ مبدعا .
نعمْ فإنَ الإبداعَ هبةً منْ هباتِ الخالقِ التي لأتعدَ وتحصى لجميع مخلوقاتهِ . نحنُ نبحثُ عنْ الإبداعِ والمبدعينَ في كلِ مكانٍ ونسلطُ عليهمْ الضوءُ لكيْ نتخذَ منْ ذلكَ الإبداعِ ما هوَ يرشدنا لفتحِ أبوابٍ كثيرةٍ منها ؟..كيفَ نستطيعُ أنْ نفجرَ ما بداخلنا منْ إبداعٍ ربما يساهمُ في تطورحياتنا اليوميةَ أوْ حضاراتنا الإنسانيةِ . فكثيرُين منْ المبدعونَ تركوا لنا ما جعلَ حياتنا اليومِ في تطورٍ ورخاءٍ .
وجهتي بهذا التحقيقِ عنْ مبدعٍ منْ بلادِ الرافدينِ مهدَ الحضارةَ الإنسانيةَ الأولى وموطنُ السومريينَ الذينَ وهبوا الإنسانيةُ أولى بوادرِ الإبداعِ الإنسانيِ فهمُ أولِ منْ خطٍ بالقلمِ وأولٍ منْ عزفوا النغمُ بقيثارةِ الملكةِ شبعادْ وهمْ أولُ منْ اخترعَ العجلةَ وعلومَ الطبِ والفلكِ فكانوا أول نواةٍ لإبداعِ الإنسانِ الأولِ .
أتناولُ شخصيةٌ عراقيةٌ بغداديةٌ مبدعةٌ أثرتْ في الجماهيرِ العراقيةِ وما زالَ تأثيرها في ونفوسِ العراقيينَ جيلٍ بعدَ جيلٍ .
إنهُ الفنانُ الراحلُ الممثلُ الأسطورةَ ( ( سليمْ البصري وشهرتهِ . . حجيْ راضي ) ) كانَ ومازالَ البصريُ هوَ أشهرٌ ( حجيْ ) في تاريخِ تلفزيوناتِ العراقِ والوطنِ العربيِ بلْ وأظرفهمْ .
تميزُ هذا الفنانِ الأسطورةِ بعالمِ التمثيلِ منْ خلالِ ما قدمهُ للجمهورِ منْ تمثيلياتٍ ومسلسلاتٍ في سبعينياتِ القرنِ العشرينَ . وقدْ أحبَ الجمهورُ العراقيُ شخصيةَ الحاجِ راضي فأصبحتْ هذهِ الشخصيةِ عبارةً عنْ أسطورةٍ فنيةٍ ما زالتْ تتوهجُ في ذاكرةِ العراقيين التي تعشقُ مفرداتهِ البغداديةَ العفويةَ وعيونهمْ تشتاقُ إليهِ وتبحثُ في شاشاتِ التلفازِ عنْ شخصهِ الذي صنعَ أجملُ الكوميديا والمرحِ في زمنٍ جميلٍ سادهُ التقدمُ والحضارةُ والنقاءُ والاستقرارُ الاجتماعيُ والاقتصاديُ . زمنُ لنْ ينساهُ العراقيينَ ابدآ . فقدٌ اقترنَ اسمُ حجيْ راضي وعبوسي بمسلسلٍ ( تحت موسى الحلاقْ ) في تلكَ الحقبةِ الزمنيةِ النقيةِ التي تحملُ في طياتها أجملَ الصورِ عنْ الوطنِ وعنْ أيامِ بغدادَ العظيمةِ . فلا زلنا لحدّ يومنا هذا نتداولُ كلماتُ حجيْ راضي وعبوسي ونضحك بحرقةٍ وألمٍ ؟ ففي عامِ 1961 اتجهَ الفنانُ الأسطورةَ سليمْ البصري إلى الفنِ الشعبيِ والتمثيلِ التلقائيِ والتأليفِ ومنْ خلالِ تأثيراتِ وإيحاءاتِ البيئةِ الشعبيةِ البغداديةِ على مشاعرهِ ووجدانهُ . فكانَ هذا التعايشِ قدْ قادهُ للإبداعِ في نقلِ تلكَ الصورةِ المحيطةِ بهِ واستطاعَ أنْ يترجمها بقلمهِ وخيالهِ الخصبِ فكتبَ أروعَ مسلسلٍ شعبيٍ بغداديّ واقعيٍ صاغَ بهِ وقائعُ وأحداثٌ منْ قلبِ المحلةِ البغداديةِ الشعبيةِ استطاعَ أنْ ينقلَ فيهِ واقعُ البساطةِ في المجتمعِ العراقيِ المحافظِ الطيبِ والعلاقاتِ الاجتماعيةِ الإنسانيةِ وخرجَ للجماهيرِ بمسلسلِ عنوانهِ ( تحت موسى الحلاقْ ) هذا المسلسلِ الذي كانتْ تنتظرهُ ملايينُ العراقيينَ منْ المشاهدينَ منْ خلالِ شاشاتِ التلفازِ في بيوتهمْ وفي المقاهي الشعبيةِ حتى أثناءِ عرضهِ تكادُ شوارعُ العراقِ خاليةً منْ الناسِ والسياراتِ والمارةِ . كانَ الجميعُ يحرصُ على أنْ يشاهدَ نجمهمْ المحبوبُ . . .
حجيْ راضي وصبيِ الحلاقْ عبوسي . كانتْ شخصيةُ الحاجِ راضي تتسمُ بالبساطةِ والطيبةَ والإنسانيةِ والعفويةِ . وكانَ يضمرُ محبةً كبيرةً لأبناءِ مجلتهِ . حيثُ كانَ في دكانهِ البسيطِ حلاقٌ متمرسٌ كانَ يطلعُ على أهمِ مشاكلِ المنطقةِ منْ خلالِ فضولهِ وعنْ طريقِ صانعهِ عبوسي . وهكذا استطاعَ هذا العملاقِ أنْ يصوغَ المفارقاتِ الكوميديةَ منتقدا بعضَ العاداتِ والتقاليدِ بأسلوبٍ كوميديٍ ساخرٍ . والمطباتُ التي كانَ يقعُ فيها وعنْ طريقِ صبيهِ عبوسي . مجسدا منْ خلالِ هذهِ المسلسلِ مدى ترابطِ النسيجِ الاجتماعيِ والإنسانيِ للعائلةِ العراقيةِ . ومنْ أبرزِ حلقاتِ مسلسلٍ ( تحت موسى الحلاقْ التي أثرتْ في المشاهدِ العراقيِ حلقةَ محوِ الأميةِ وحلقةِ السكرانِ والحلقةِ التي اشتهرَ ومنْ خلالها والتي ذاعَ صيتها معَ الفنانةِ المبدعةِ سهامَ السبتيّ في حلقةٍ ( آهٍ ديكي نحباني للوو ) وهوَ يقرأُ رسالةَ ابنِ سهامِ السبتيّ والتي أرسلها منْ الهندِ . ( ( دعونا نتذكرُ هذهِ اللقطةِ الكوميديةِ التي انحفرتْ في ذاكرةٍ العراقيينَ وهوَ يقرأُ تلك الرسالة وبكوميديآ الشارع العفوية وتاثيرها في ذاكرة الجماهير العراقية . .
فلمْ يكتفيَ البصريُ بموهبتهِ في التمثيلِ والتأليفِ التلفزيونيِ وإنما امتدتْ مساحةَ إبداعاتهِ معَ كبارِ الفنانينَ العراقيينَ منْ أمثالِ الفنانِ بدري حسونْ فريدٍ وجعفرْ السعدي وساميّ عبدَ الحميدْ وخليلْ شوقي ووجيهٍ عبدِ الغني وأبو فارس خليلْ الرفاعي وفاضلْ خليلْ وطعمهُ التميمي . وغيرهمْ منْ عمالقةِ فنِ التمثيلِ العراقيِ . فأضافتْ مساهماتهُ في ثلاثيِ النسرِ وعيونِ المدينةِ وفي هواجسِ الصمتِ وغيرها منْ الأعمالِ التلفزيونيةِ الخالدةِ لمساتٍ إبداعيةً زادتْ منْ نجاحاتهِ وأثبتَ أنهُ ممثلُ منْ طرازٍ خاصٍ يجيدُ الكوميديا والتراجيديا وأنهُ فنانٌ موهوبٌ نجحَ في لعبِ جميعِ الأدوارِ التي أنيطتْ لهُ بجميعِ الأعمالِ المسرحيةِ والتلفزيونيةِ والسينما . . . التي أخذتْ تتجهُ إليهِ أنظارُ المنتجينَ والمخرجينَ السينمائيينَ لاستقطابهِ لأعمالهمْ السينمائيةِ . حيثُ ساهمَ في تطويرِ الحركةِ السينمائيةِ العراقيةِ منْ خلالِ اشتراكهِ في عدةِ أعمالٍ سينمائيةٍ أبدعَ فيها واشتهرَ منْ خلالها بنجوميتهِ اللامعةِ ومنها : فلمْ فائق يتزوجُ وعمارةَ رقمُ 13 والعربةُ والحصانُ وأوراقِ الخريفِ . . . كما أبدعَ في تأليفِ أحداثِ ومشاهدِ فيلمٍ ( حبٌ في بغدادَ ) الذي أخرجهُ المخرجُ عبدَ الهادي الراوي . إضافةٌ أنَ الفنانَ الكبيرَ سليمْ البصري قدْ تعاونَ معَ العديدِ منْ المخرجينَ السينمائيينَ منهمْ : حكمتْ لبيبْ في عامِ 1984 . المخرجُ إبراهيمْ عبدُ الجليلْ . والمخرجُ صاحبُ حدادٍ . لقدْ فاقتْ شهرتْ حجيْ راضي آفاقِ الناسِ وقلوبهمْ ونالَ شهادةَ الحبِ منْ العائلةِ العراقيةِ المحافظةِ وأصبحَ يعيشُ في بيوتنا كواحدٍ منْ أفرادِ الأسرةِ . فمنذُ سنواتِ نجوميتهِ الأولى . لمْ ينلْ هذا الشرفِ أيَ ممثلٍ أوْ فنانٍ عراقيٍ لحدِ هذا اليومِ ما نالهُ سليمْ البصري أوْ حجيْ راضي منْ مكانةٍ في قلوبِ العراقيينَ .
لقدْ ذاعَ صيتُ حجيْ راضي في العراقِ أكثرَ منْ ( تشارلي شابلنْ ) فقدْ كانَ البصريُ رحمهُ اللهُ مثالُ الفنانِ المبدعِ الخلوقِ الملتزمِ الذي ماتزالُ أعمالهُ في ذاكرةِ الناسِ . كونهُ فنان متعددٍ المواهبِ . فقدْ أثبتَ إبداعهُ منْ خلالِ أعمالهِ الفنيةِ سواءٌ في الكتابةِ أوْ التمثيلِ وخيرِ دليلٍ على ذلكَ مسلسلٌ ( تحت موسى الحلاقْ ) والتي احتفظَ العراقيينَ معها بذكرياتٍ لمْ ينسوا ابدآ هذا العملِ الكبيرِ الذي أثرَ تاثيرآْ مباشر في المشاهدِ العراقيِ ؟
يقولَ الدكتورُ حموديّ الحارثي ( عبوسي ) في مقابلة له عنْ ذكرياتهِ معَ البصريِ : في سنةِ 1960 وفي مقرِ فرقةِ 14 تموزَ المسرحيةِ . جاءَ إلى الفرقةِ سليمْ البصري وكنا آنذاكَ في بيتِ الراحلِ الكبيرِ الممثلِ المبدعِ وجيهٍ عبدِ الغني الذي كانَ على شواطئَ دجلةَ وفي مكانِ فندقٍ ( شيراتونْ ) حاليا . وكانَ مقرا للفرقةِ وتدريباتها ( ( صورةٌ للممثلِ العراقيِ وجيهٍ عبدِ الغني ) ) وكانَ أمامنا شاطئُ دجلةَ . و ( المقهى البغداديةُ ) التي أسسها الممثلُ الكبيرُ الراحلُ محمدْ القيسي . جاءَ وجيهٌ عبدُ الغني ومعهُ الأستاذُ الفنانُ الراحلُ أسعدْ عبدِ الرزاقْ . فقالَ وجيهٌ ( لقدْ كسبنا كاتبا شعبيا ) . وإذا بأسعد وعزيزٍ شلالٍ أيداهُ وقالَ إنَ هذهِ التمثيليةِ اسمها ( حلاقُ بغدادَ ) وكانَ بطلها وجيهٌ عبدُ الغني . وبعدٌ أنْ قرأنا النصُ وكانتْ هناكَ اقتراحاتٌ وملاحظاتٌ منْ قبلِ الجميعِ لسليمْ البصريِ الذي أعادَ كتابةَ هذهِ التمثيليةِ والتي كانتْ مدتها ما يقاربُ خمسةَ عشرَ دقيقةً فوسعها البصريَ وأضافَ إليها مشاهدُ كثيرةٌ . وقدْ غيرنا أسماءُ بعضِ الشخصياتِ ومنها اقترحنا اسمٌ ( حجيْ راضي وعبوسي ) وغيرنا اسمِ العملِ إلى ( تحت موسى الحلاقْ ) ولمْ يوافقْ أكثرَ العاملينَ على هذا الاسمِ واعتبروهُ ثقيلاً ولكنْ أنا ووجيهٌ عبدِ الغني وحسينْ علوانْ وأسعدْ عبدُ الرزاقْ أيدنا الذي وضعهُ البصريُ . وقدْ شاركوا في إخراجِ حلقاتِ مسلسلٍ تحت موسى الحلاقْ مخرجينَ كثيرَ منهمْ الراحلُ ناظمْ الصفارِ ومنْ ثمَ آخرهمْ الفنانَ الكبيرَ الراحلَ عمانويلْ رسام رحمهمْ اللهُ . رغمَ أنَ الفنانَ سليمْ البصري كانَ نجما لامعا منْ نجومِ التمثيلِ ومتعددٍ المواهبِ إلا أنهُ كانَ شديدٌ الفقرِ لكنهُ كانَ عزيزُ النفسِ واقفا كالنخلةِ . وكانَ فنانا وفيا وطنيا يحبُ بلدهُ وجمهورهُ وقدْ تأثرهِ الكثيرَ منْ العراقيينَ الأوفياءِ فقدْ نصبَ لهُ مؤخرا مثال في شارعِ شارعِ المتنبيْ في بغدادَ منْ قبلُ الفنانِ التشكيليِ العراقيِ الكبيرِ فاضلْ مسيروفاءآْ منهُ لمسيرةِ هذا الفنانِ الكبيرِ وبمثابةٍ واعتذارا نيابةٌ عنْ جماهيرهِ العراقيةِ التي لمْ تسعفهُ آخرَ أيامهُ منْ معاناتهِ معَ المرضِ ورحلةِ الفقرِ والعوزِ وقدْ أهملَ حتى وفاتهِ .
حياتهُ :
ولدَ الفنانُ العراقيُ الكبيرُ سليمْ البصري في بغدادَ عامَ 1926 ، في بمحلةِ الهيتاويينْ في بغدادَ وأنهُ لمْ يحملْ منْ البصرةِ غيرِ لقبهِ وطيبتهِ . وفي أوراقِ حياتهِ نقرأُ ما كتبهُ عنْ نفسهِ ذاتَ يومٍ . يقولَ البصريُ : ( في حياتي لمساتٍ طريفةً حينَ أجمعها تكون صفحةٌ واحدةٌ متميزةٌ تنتشرُ بينَ سطورها المواقفُ الهازلة والجادةِ على حدٍ سواءٍ ويضيفُ أنَ ( دوريٌ في تحتٍ موسى الحلاقْ ) وحتى الأدوارِ الأخرى التي كنتُ أسندها إلى غيري خاصةٌ ( عبوسي ) في شخصِ زميلي حموديّ الحارثي كلها أدوارٌ كنتَ قدْ مثلتها في طفولتي أمامَ أهلي . فكثيرا ما كنتُ أتنكرُ بملابسَ مختلفةٍ ولحيةِ وأفاجئُ أهليٌ ويضيعُ عليهمْ أنني ابنهمْ ( سليم ) إلى أنَ اكشفْ اللثامَ عنْ وجهي ) ! . ويستمرَ البصريُ في سردِ حكايتهِ معَ التمثيلِ : ( ساحةُ العونيةِ ) اليومِ معروفةً . . . لكنْ هلْ تدرونَ أنها كانتْ مدرسةٌ قضيتُ فيها دراستي الابتدائيةَ . في هذهِ المدرسةِ لمْ أعرفْ التمثيلُ . . . بلْ كانَ لي توجهَ آخرٌ هوَ الرسمُ وبسببهِ حصلتْ على صفعةٍ منْ معلمٍ كانَ يتحدثُ في موضوعِ الجغرافيةِ وأنا مشغولٌ برسمٍ ( حيوانٌ يركضُ ) كانتْ صفعةٌ قويةٌ كلما أتذكرها امسحْ بيدي على رأسي ) .
ويضيفَ متحدثا عنْ بداياتهِ : لقدْ التحقتْ باولْ فرقةٌ أهليةٌ للتمثيلِ ( نسيتُ اسمها ) ! عامُ 1942 وكانَ مقرها قربَ ساحةِ الرصافي الحاليةَ . قدمنا عدةُ أعمالِ مسرحيةٍ منها ( الصحراءُ ) ليوسفْ وهبي ومثلتْ فيها دورُ أحدِ الشيوخِ الثائرينَ وعرضناها في مقرِ سينما ( علاءْ الدينْ ) القديمةِ . وكانَ صوتنا آنذاكَ لا يصلُ إلى الصفِ الثاني منْ الحاضرينَ انقطعتْ عنْ التمثيلِ مدةَ أربعِ سنواتٍ بينَ 1944 - 1948 ثمَ قدمتْ مسرحيةً ( سليمْ البصري في ساحةِ التدريبِ ) أخصبَ فتراتِ حياتي في كليةِ الآدابِ حيثُ كنتُ رئيسا للمسرحِ الجامعيِ وقدمتْ زخما كبيرا منْ التمثيلياتِ القصيرةِ والمسرحياتِ كتابةً وتمثيلاً . هذا هوَ سليمْ البصري ( حجيْ راضي ) الذي عاشَ حياةَ البساطةِ حياةَ المحلةِ وعرفَ أهلها جيدا وخرجَ إلى الناسِ بمسلسلهِ الذي لا ينسى ( تحت موسى الحلاقْ ) الذي كتبَ حلقاتهِ عامَ 1961 واستمرَ بحتةٌ عامٍ والتي كانتْ العيونُ تلاحقهُ إعجابا ومحبةٌ واحتراما . حجيْ راضي الذي لمْ تضحكْ لهُ الدنيا يوما ماتَ غنيا النفسَ رغمَ فقرهِ للمالِ . . . وتركَ ارثآْ عظيما منْ الإبداعِ ومحبةِ الملايينِ . وفاتهُ :
رحلَ هذا الفنانِ الأسطورةِ حجيْ راضي وهوَ يعاني العوزُ والمرضُ أمامَ مسمعِ ومراءَ الجميعَ . وقدْ وافتهُ المنيةُ في اليومِ الثامنِ منْ شهرِ أيارَ عامٌ 1997 مهملاً منسيا صارعَ المرضُ وحدهُ ولمْ يشاركهُ ألمهُ إلا القليلينَ صديقهُ الوفيَ المقربَ ( عبوسي ) وبعضُ المقربينَ وما تبقى منْ عائلتهِ وقدْ لفظَ أنفاسهُ الأخيرةَ وعيونهِ تربي لجمهورهِ الذي أحبهُ ومنْ ثمَ خذلهُ ولمْ يشيعهُ حتى لمثواهُ الأخيرَ .
اعتذارٌ :
عذرا حجيْ راضي المبدعَ الكبيرِ الذي دخلَ بيوتنا وخرجَ منها بنزاهةٍ وشرفٍ . فبتنا اليومَ نفتقدكُ وزملائكَ الشرفاءِ حيثُ كنتمْ أوفياء في النصحِ والتشخيصِ أمناءَ على الكلمةِ كرامْ ؟ . . . فاليومَ تتعرض بيوتنا وشبابنا ومجتمعنا العراقيةَ لأبشعِ أزمةٍ في الأخلاقِ . فباتتْ أغلب محطاتنا التلفازيةِ دونَ رقيبِ تنشرالقبحْ والاغناني إلا أخلاقيةٌ دونَ خجلِ ولامستحىْ تحتَ مسمى العولمةِ والحريةِ التي أتى بها الاحتلالُ الأمريكيُ الغاشمُ وعملائهِ . رحلتمْ سيدي البصريُ ورحلتْ معكمْ الصدقَ في النيةِ والشرفِ الرفيعِ . فرحمةُ اللهِ عليكَ فنانُ الشعبِ العراقيِ حجيْ راضي وعلى كلِ زملائكَ الإعلامَ الذينَ رحلوا معكَ وأدوا رسالتهمْ بكلِ شرفٍ وعفةٍ وخلقٍ . وأكررُ اعتذاري لكَ باسمِ الشعبِ العراقيِ منْ جماهيركَ الذينَ كنتَ تحبهمْ وأفنيتُ عمركَ في خدمتهمْ . وقدمتْ لهمْ فناءٌ هادفا ممهذبْ راقي عفيفٍ . نعتذرُ لكَ سيدي ولجميعِ رفاقكَ منْ مبدعينا الذينَ رحلوا والأحياءُ منهمْ باسمِ جماهيركمْ المحبةَ . فنحنُ ياسيدي ومعَ الأسفِ شعب لمْ نكنْ أوفياء يوما لمبدعينا . . . وإنْ كنا نصفقُ لكمْ بحرارةٍ . . . فنحنُ شعبٌ ماهرٌ بصنعِ الطغاةِ . والتاريخُ يشهدُ...
بقلم: رياض محسن المحمداوي . دبي 6 نوفمبر 2023
نعمْ فإنَ الإبداعَ هبةً منْ هباتِ الخالقِ التي لأتعدَ وتحصى لجميع مخلوقاتهِ . نحنُ نبحثُ عنْ الإبداعِ والمبدعينَ في كلِ مكانٍ ونسلطُ عليهمْ الضوءُ لكيْ نتخذَ منْ ذلكَ الإبداعِ ما هوَ يرشدنا لفتحِ أبوابٍ كثيرةٍ منها ؟..كيفَ نستطيعُ أنْ نفجرَ ما بداخلنا منْ إبداعٍ ربما يساهمُ في تطورحياتنا اليوميةَ أوْ حضاراتنا الإنسانيةِ . فكثيرُين منْ المبدعونَ تركوا لنا ما جعلَ حياتنا اليومِ في تطورٍ ورخاءٍ .
وجهتي بهذا التحقيقِ عنْ مبدعٍ منْ بلادِ الرافدينِ مهدَ الحضارةَ الإنسانيةَ الأولى وموطنُ السومريينَ الذينَ وهبوا الإنسانيةُ أولى بوادرِ الإبداعِ الإنسانيِ فهمُ أولِ منْ خطٍ بالقلمِ وأولٍ منْ عزفوا النغمُ بقيثارةِ الملكةِ شبعادْ وهمْ أولُ منْ اخترعَ العجلةَ وعلومَ الطبِ والفلكِ فكانوا أول نواةٍ لإبداعِ الإنسانِ الأولِ .
أتناولُ شخصيةٌ عراقيةٌ بغداديةٌ مبدعةٌ أثرتْ في الجماهيرِ العراقيةِ وما زالَ تأثيرها في ونفوسِ العراقيينَ جيلٍ بعدَ جيلٍ .
إنهُ الفنانُ الراحلُ الممثلُ الأسطورةَ ( ( سليمْ البصري وشهرتهِ . . حجيْ راضي ) ) كانَ ومازالَ البصريُ هوَ أشهرٌ ( حجيْ ) في تاريخِ تلفزيوناتِ العراقِ والوطنِ العربيِ بلْ وأظرفهمْ .
تميزُ هذا الفنانِ الأسطورةِ بعالمِ التمثيلِ منْ خلالِ ما قدمهُ للجمهورِ منْ تمثيلياتٍ ومسلسلاتٍ في سبعينياتِ القرنِ العشرينَ . وقدْ أحبَ الجمهورُ العراقيُ شخصيةَ الحاجِ راضي فأصبحتْ هذهِ الشخصيةِ عبارةً عنْ أسطورةٍ فنيةٍ ما زالتْ تتوهجُ في ذاكرةِ العراقيين التي تعشقُ مفرداتهِ البغداديةَ العفويةَ وعيونهمْ تشتاقُ إليهِ وتبحثُ في شاشاتِ التلفازِ عنْ شخصهِ الذي صنعَ أجملُ الكوميديا والمرحِ في زمنٍ جميلٍ سادهُ التقدمُ والحضارةُ والنقاءُ والاستقرارُ الاجتماعيُ والاقتصاديُ . زمنُ لنْ ينساهُ العراقيينَ ابدآ . فقدٌ اقترنَ اسمُ حجيْ راضي وعبوسي بمسلسلٍ ( تحت موسى الحلاقْ ) في تلكَ الحقبةِ الزمنيةِ النقيةِ التي تحملُ في طياتها أجملَ الصورِ عنْ الوطنِ وعنْ أيامِ بغدادَ العظيمةِ . فلا زلنا لحدّ يومنا هذا نتداولُ كلماتُ حجيْ راضي وعبوسي ونضحك بحرقةٍ وألمٍ ؟ ففي عامِ 1961 اتجهَ الفنانُ الأسطورةَ سليمْ البصري إلى الفنِ الشعبيِ والتمثيلِ التلقائيِ والتأليفِ ومنْ خلالِ تأثيراتِ وإيحاءاتِ البيئةِ الشعبيةِ البغداديةِ على مشاعرهِ ووجدانهُ . فكانَ هذا التعايشِ قدْ قادهُ للإبداعِ في نقلِ تلكَ الصورةِ المحيطةِ بهِ واستطاعَ أنْ يترجمها بقلمهِ وخيالهِ الخصبِ فكتبَ أروعَ مسلسلٍ شعبيٍ بغداديّ واقعيٍ صاغَ بهِ وقائعُ وأحداثٌ منْ قلبِ المحلةِ البغداديةِ الشعبيةِ استطاعَ أنْ ينقلَ فيهِ واقعُ البساطةِ في المجتمعِ العراقيِ المحافظِ الطيبِ والعلاقاتِ الاجتماعيةِ الإنسانيةِ وخرجَ للجماهيرِ بمسلسلِ عنوانهِ ( تحت موسى الحلاقْ ) هذا المسلسلِ الذي كانتْ تنتظرهُ ملايينُ العراقيينَ منْ المشاهدينَ منْ خلالِ شاشاتِ التلفازِ في بيوتهمْ وفي المقاهي الشعبيةِ حتى أثناءِ عرضهِ تكادُ شوارعُ العراقِ خاليةً منْ الناسِ والسياراتِ والمارةِ . كانَ الجميعُ يحرصُ على أنْ يشاهدَ نجمهمْ المحبوبُ . . .
حجيْ راضي وصبيِ الحلاقْ عبوسي . كانتْ شخصيةُ الحاجِ راضي تتسمُ بالبساطةِ والطيبةَ والإنسانيةِ والعفويةِ . وكانَ يضمرُ محبةً كبيرةً لأبناءِ مجلتهِ . حيثُ كانَ في دكانهِ البسيطِ حلاقٌ متمرسٌ كانَ يطلعُ على أهمِ مشاكلِ المنطقةِ منْ خلالِ فضولهِ وعنْ طريقِ صانعهِ عبوسي . وهكذا استطاعَ هذا العملاقِ أنْ يصوغَ المفارقاتِ الكوميديةَ منتقدا بعضَ العاداتِ والتقاليدِ بأسلوبٍ كوميديٍ ساخرٍ . والمطباتُ التي كانَ يقعُ فيها وعنْ طريقِ صبيهِ عبوسي . مجسدا منْ خلالِ هذهِ المسلسلِ مدى ترابطِ النسيجِ الاجتماعيِ والإنسانيِ للعائلةِ العراقيةِ . ومنْ أبرزِ حلقاتِ مسلسلٍ ( تحت موسى الحلاقْ التي أثرتْ في المشاهدِ العراقيِ حلقةَ محوِ الأميةِ وحلقةِ السكرانِ والحلقةِ التي اشتهرَ ومنْ خلالها والتي ذاعَ صيتها معَ الفنانةِ المبدعةِ سهامَ السبتيّ في حلقةٍ ( آهٍ ديكي نحباني للوو ) وهوَ يقرأُ رسالةَ ابنِ سهامِ السبتيّ والتي أرسلها منْ الهندِ . ( ( دعونا نتذكرُ هذهِ اللقطةِ الكوميديةِ التي انحفرتْ في ذاكرةٍ العراقيينَ وهوَ يقرأُ تلك الرسالة وبكوميديآ الشارع العفوية وتاثيرها في ذاكرة الجماهير العراقية . .
فلمْ يكتفيَ البصريُ بموهبتهِ في التمثيلِ والتأليفِ التلفزيونيِ وإنما امتدتْ مساحةَ إبداعاتهِ معَ كبارِ الفنانينَ العراقيينَ منْ أمثالِ الفنانِ بدري حسونْ فريدٍ وجعفرْ السعدي وساميّ عبدَ الحميدْ وخليلْ شوقي ووجيهٍ عبدِ الغني وأبو فارس خليلْ الرفاعي وفاضلْ خليلْ وطعمهُ التميمي . وغيرهمْ منْ عمالقةِ فنِ التمثيلِ العراقيِ . فأضافتْ مساهماتهُ في ثلاثيِ النسرِ وعيونِ المدينةِ وفي هواجسِ الصمتِ وغيرها منْ الأعمالِ التلفزيونيةِ الخالدةِ لمساتٍ إبداعيةً زادتْ منْ نجاحاتهِ وأثبتَ أنهُ ممثلُ منْ طرازٍ خاصٍ يجيدُ الكوميديا والتراجيديا وأنهُ فنانٌ موهوبٌ نجحَ في لعبِ جميعِ الأدوارِ التي أنيطتْ لهُ بجميعِ الأعمالِ المسرحيةِ والتلفزيونيةِ والسينما . . . التي أخذتْ تتجهُ إليهِ أنظارُ المنتجينَ والمخرجينَ السينمائيينَ لاستقطابهِ لأعمالهمْ السينمائيةِ . حيثُ ساهمَ في تطويرِ الحركةِ السينمائيةِ العراقيةِ منْ خلالِ اشتراكهِ في عدةِ أعمالٍ سينمائيةٍ أبدعَ فيها واشتهرَ منْ خلالها بنجوميتهِ اللامعةِ ومنها : فلمْ فائق يتزوجُ وعمارةَ رقمُ 13 والعربةُ والحصانُ وأوراقِ الخريفِ . . . كما أبدعَ في تأليفِ أحداثِ ومشاهدِ فيلمٍ ( حبٌ في بغدادَ ) الذي أخرجهُ المخرجُ عبدَ الهادي الراوي . إضافةٌ أنَ الفنانَ الكبيرَ سليمْ البصري قدْ تعاونَ معَ العديدِ منْ المخرجينَ السينمائيينَ منهمْ : حكمتْ لبيبْ في عامِ 1984 . المخرجُ إبراهيمْ عبدُ الجليلْ . والمخرجُ صاحبُ حدادٍ . لقدْ فاقتْ شهرتْ حجيْ راضي آفاقِ الناسِ وقلوبهمْ ونالَ شهادةَ الحبِ منْ العائلةِ العراقيةِ المحافظةِ وأصبحَ يعيشُ في بيوتنا كواحدٍ منْ أفرادِ الأسرةِ . فمنذُ سنواتِ نجوميتهِ الأولى . لمْ ينلْ هذا الشرفِ أيَ ممثلٍ أوْ فنانٍ عراقيٍ لحدِ هذا اليومِ ما نالهُ سليمْ البصري أوْ حجيْ راضي منْ مكانةٍ في قلوبِ العراقيينَ .
لقدْ ذاعَ صيتُ حجيْ راضي في العراقِ أكثرَ منْ ( تشارلي شابلنْ ) فقدْ كانَ البصريُ رحمهُ اللهُ مثالُ الفنانِ المبدعِ الخلوقِ الملتزمِ الذي ماتزالُ أعمالهُ في ذاكرةِ الناسِ . كونهُ فنان متعددٍ المواهبِ . فقدْ أثبتَ إبداعهُ منْ خلالِ أعمالهِ الفنيةِ سواءٌ في الكتابةِ أوْ التمثيلِ وخيرِ دليلٍ على ذلكَ مسلسلٌ ( تحت موسى الحلاقْ ) والتي احتفظَ العراقيينَ معها بذكرياتٍ لمْ ينسوا ابدآ هذا العملِ الكبيرِ الذي أثرَ تاثيرآْ مباشر في المشاهدِ العراقيِ ؟
يقولَ الدكتورُ حموديّ الحارثي ( عبوسي ) في مقابلة له عنْ ذكرياتهِ معَ البصريِ : في سنةِ 1960 وفي مقرِ فرقةِ 14 تموزَ المسرحيةِ . جاءَ إلى الفرقةِ سليمْ البصري وكنا آنذاكَ في بيتِ الراحلِ الكبيرِ الممثلِ المبدعِ وجيهٍ عبدِ الغني الذي كانَ على شواطئَ دجلةَ وفي مكانِ فندقٍ ( شيراتونْ ) حاليا . وكانَ مقرا للفرقةِ وتدريباتها ( ( صورةٌ للممثلِ العراقيِ وجيهٍ عبدِ الغني ) ) وكانَ أمامنا شاطئُ دجلةَ . و ( المقهى البغداديةُ ) التي أسسها الممثلُ الكبيرُ الراحلُ محمدْ القيسي . جاءَ وجيهٌ عبدُ الغني ومعهُ الأستاذُ الفنانُ الراحلُ أسعدْ عبدِ الرزاقْ . فقالَ وجيهٌ ( لقدْ كسبنا كاتبا شعبيا ) . وإذا بأسعد وعزيزٍ شلالٍ أيداهُ وقالَ إنَ هذهِ التمثيليةِ اسمها ( حلاقُ بغدادَ ) وكانَ بطلها وجيهٌ عبدُ الغني . وبعدٌ أنْ قرأنا النصُ وكانتْ هناكَ اقتراحاتٌ وملاحظاتٌ منْ قبلِ الجميعِ لسليمْ البصريِ الذي أعادَ كتابةَ هذهِ التمثيليةِ والتي كانتْ مدتها ما يقاربُ خمسةَ عشرَ دقيقةً فوسعها البصريَ وأضافَ إليها مشاهدُ كثيرةٌ . وقدْ غيرنا أسماءُ بعضِ الشخصياتِ ومنها اقترحنا اسمٌ ( حجيْ راضي وعبوسي ) وغيرنا اسمِ العملِ إلى ( تحت موسى الحلاقْ ) ولمْ يوافقْ أكثرَ العاملينَ على هذا الاسمِ واعتبروهُ ثقيلاً ولكنْ أنا ووجيهٌ عبدِ الغني وحسينْ علوانْ وأسعدْ عبدُ الرزاقْ أيدنا الذي وضعهُ البصريُ . وقدْ شاركوا في إخراجِ حلقاتِ مسلسلٍ تحت موسى الحلاقْ مخرجينَ كثيرَ منهمْ الراحلُ ناظمْ الصفارِ ومنْ ثمَ آخرهمْ الفنانَ الكبيرَ الراحلَ عمانويلْ رسام رحمهمْ اللهُ . رغمَ أنَ الفنانَ سليمْ البصري كانَ نجما لامعا منْ نجومِ التمثيلِ ومتعددٍ المواهبِ إلا أنهُ كانَ شديدٌ الفقرِ لكنهُ كانَ عزيزُ النفسِ واقفا كالنخلةِ . وكانَ فنانا وفيا وطنيا يحبُ بلدهُ وجمهورهُ وقدْ تأثرهِ الكثيرَ منْ العراقيينَ الأوفياءِ فقدْ نصبَ لهُ مؤخرا مثال في شارعِ شارعِ المتنبيْ في بغدادَ منْ قبلُ الفنانِ التشكيليِ العراقيِ الكبيرِ فاضلْ مسيروفاءآْ منهُ لمسيرةِ هذا الفنانِ الكبيرِ وبمثابةٍ واعتذارا نيابةٌ عنْ جماهيرهِ العراقيةِ التي لمْ تسعفهُ آخرَ أيامهُ منْ معاناتهِ معَ المرضِ ورحلةِ الفقرِ والعوزِ وقدْ أهملَ حتى وفاتهِ .
حياتهُ :
ولدَ الفنانُ العراقيُ الكبيرُ سليمْ البصري في بغدادَ عامَ 1926 ، في بمحلةِ الهيتاويينْ في بغدادَ وأنهُ لمْ يحملْ منْ البصرةِ غيرِ لقبهِ وطيبتهِ . وفي أوراقِ حياتهِ نقرأُ ما كتبهُ عنْ نفسهِ ذاتَ يومٍ . يقولَ البصريُ : ( في حياتي لمساتٍ طريفةً حينَ أجمعها تكون صفحةٌ واحدةٌ متميزةٌ تنتشرُ بينَ سطورها المواقفُ الهازلة والجادةِ على حدٍ سواءٍ ويضيفُ أنَ ( دوريٌ في تحتٍ موسى الحلاقْ ) وحتى الأدوارِ الأخرى التي كنتُ أسندها إلى غيري خاصةٌ ( عبوسي ) في شخصِ زميلي حموديّ الحارثي كلها أدوارٌ كنتَ قدْ مثلتها في طفولتي أمامَ أهلي . فكثيرا ما كنتُ أتنكرُ بملابسَ مختلفةٍ ولحيةِ وأفاجئُ أهليٌ ويضيعُ عليهمْ أنني ابنهمْ ( سليم ) إلى أنَ اكشفْ اللثامَ عنْ وجهي ) ! . ويستمرَ البصريُ في سردِ حكايتهِ معَ التمثيلِ : ( ساحةُ العونيةِ ) اليومِ معروفةً . . . لكنْ هلْ تدرونَ أنها كانتْ مدرسةٌ قضيتُ فيها دراستي الابتدائيةَ . في هذهِ المدرسةِ لمْ أعرفْ التمثيلُ . . . بلْ كانَ لي توجهَ آخرٌ هوَ الرسمُ وبسببهِ حصلتْ على صفعةٍ منْ معلمٍ كانَ يتحدثُ في موضوعِ الجغرافيةِ وأنا مشغولٌ برسمٍ ( حيوانٌ يركضُ ) كانتْ صفعةٌ قويةٌ كلما أتذكرها امسحْ بيدي على رأسي ) .
ويضيفَ متحدثا عنْ بداياتهِ : لقدْ التحقتْ باولْ فرقةٌ أهليةٌ للتمثيلِ ( نسيتُ اسمها ) ! عامُ 1942 وكانَ مقرها قربَ ساحةِ الرصافي الحاليةَ . قدمنا عدةُ أعمالِ مسرحيةٍ منها ( الصحراءُ ) ليوسفْ وهبي ومثلتْ فيها دورُ أحدِ الشيوخِ الثائرينَ وعرضناها في مقرِ سينما ( علاءْ الدينْ ) القديمةِ . وكانَ صوتنا آنذاكَ لا يصلُ إلى الصفِ الثاني منْ الحاضرينَ انقطعتْ عنْ التمثيلِ مدةَ أربعِ سنواتٍ بينَ 1944 - 1948 ثمَ قدمتْ مسرحيةً ( سليمْ البصري في ساحةِ التدريبِ ) أخصبَ فتراتِ حياتي في كليةِ الآدابِ حيثُ كنتُ رئيسا للمسرحِ الجامعيِ وقدمتْ زخما كبيرا منْ التمثيلياتِ القصيرةِ والمسرحياتِ كتابةً وتمثيلاً . هذا هوَ سليمْ البصري ( حجيْ راضي ) الذي عاشَ حياةَ البساطةِ حياةَ المحلةِ وعرفَ أهلها جيدا وخرجَ إلى الناسِ بمسلسلهِ الذي لا ينسى ( تحت موسى الحلاقْ ) الذي كتبَ حلقاتهِ عامَ 1961 واستمرَ بحتةٌ عامٍ والتي كانتْ العيونُ تلاحقهُ إعجابا ومحبةٌ واحتراما . حجيْ راضي الذي لمْ تضحكْ لهُ الدنيا يوما ماتَ غنيا النفسَ رغمَ فقرهِ للمالِ . . . وتركَ ارثآْ عظيما منْ الإبداعِ ومحبةِ الملايينِ . وفاتهُ :
رحلَ هذا الفنانِ الأسطورةِ حجيْ راضي وهوَ يعاني العوزُ والمرضُ أمامَ مسمعِ ومراءَ الجميعَ . وقدْ وافتهُ المنيةُ في اليومِ الثامنِ منْ شهرِ أيارَ عامٌ 1997 مهملاً منسيا صارعَ المرضُ وحدهُ ولمْ يشاركهُ ألمهُ إلا القليلينَ صديقهُ الوفيَ المقربَ ( عبوسي ) وبعضُ المقربينَ وما تبقى منْ عائلتهِ وقدْ لفظَ أنفاسهُ الأخيرةَ وعيونهِ تربي لجمهورهِ الذي أحبهُ ومنْ ثمَ خذلهُ ولمْ يشيعهُ حتى لمثواهُ الأخيرَ .
اعتذارٌ :
عذرا حجيْ راضي المبدعَ الكبيرِ الذي دخلَ بيوتنا وخرجَ منها بنزاهةٍ وشرفٍ . فبتنا اليومَ نفتقدكُ وزملائكَ الشرفاءِ حيثُ كنتمْ أوفياء في النصحِ والتشخيصِ أمناءَ على الكلمةِ كرامْ ؟ . . . فاليومَ تتعرض بيوتنا وشبابنا ومجتمعنا العراقيةَ لأبشعِ أزمةٍ في الأخلاقِ . فباتتْ أغلب محطاتنا التلفازيةِ دونَ رقيبِ تنشرالقبحْ والاغناني إلا أخلاقيةٌ دونَ خجلِ ولامستحىْ تحتَ مسمى العولمةِ والحريةِ التي أتى بها الاحتلالُ الأمريكيُ الغاشمُ وعملائهِ . رحلتمْ سيدي البصريُ ورحلتْ معكمْ الصدقَ في النيةِ والشرفِ الرفيعِ . فرحمةُ اللهِ عليكَ فنانُ الشعبِ العراقيِ حجيْ راضي وعلى كلِ زملائكَ الإعلامَ الذينَ رحلوا معكَ وأدوا رسالتهمْ بكلِ شرفٍ وعفةٍ وخلقٍ . وأكررُ اعتذاري لكَ باسمِ الشعبِ العراقيِ منْ جماهيركَ الذينَ كنتَ تحبهمْ وأفنيتُ عمركَ في خدمتهمْ . وقدمتْ لهمْ فناءٌ هادفا ممهذبْ راقي عفيفٍ . نعتذرُ لكَ سيدي ولجميعِ رفاقكَ منْ مبدعينا الذينَ رحلوا والأحياءُ منهمْ باسمِ جماهيركمْ المحبةَ . فنحنُ ياسيدي ومعَ الأسفِ شعب لمْ نكنْ أوفياء يوما لمبدعينا . . . وإنْ كنا نصفقُ لكمْ بحرارةٍ . . . فنحنُ شعبٌ ماهرٌ بصنعِ الطغاةِ . والتاريخُ يشهدُ...
بقلم: رياض محسن المحمداوي . دبي 6 نوفمبر 2023