(أعراس السماء)
للكاتبة إيمان فجر السيد.
رأيتُ اليومَ فوقَ سطح جبلٍ من أنقاض البيوت، بعد أنْ تلاقحت حجارتُها ملتصقةً ببعضها البعض- حقيبةً مدرسيَّةً -بلونٍ بنفسجيٍ- ناجيةً من الموت، لم تخلُ من خدوشٍ خفيفةٍ في صدرِها، قد فرَّ منها كتابُ قراءةٍ ملوِّن الرُّسومات، تقافز أطفال صورِه منه بين الأحجار المركومة، فملأت أصوات لَعِبهم وضحكاتِهم الأرجاء، صعدتُ إلى قمة الجبل بحثًا عن ناجين آخَرِين، فلمحتُ مُصحفًا بغلافٍ ذهبيٍّ لم يمسسه سوء، تَقاسم مع الشَّمس أشعَّتها، رُتِّبَتْ صفحاته بلُصاقاتٍ ورقيِّةٍ صغيرةٍ بيضاء لتعلُّم التِّلاوة والتَّجويد رافعًا إصبعَيه السبَّابة والوسطى.
إيمان فجر السيد
*****
قراءة
ياسر مصطفى أبو عجيب
مقدمة:
لا زال الخلط بين الأجناس القصصية واردًا
كالأقصوصة- والقصة الصفحة- والقصة القصيرة- والقصة القصيرة جدًا.
يحدد بعض الباحثين نمط القصة القصيرة جدًا بمعايير دقيقة منها العنونة المفردة النكرة، والكتثيف، والتضاد- والإضمار- والإيحاء- والإدهاش.
بالإضافة إلى عدد الكلمات التي لا تتجاوز الخمسون كلمة.
لكن ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات الذي تميل إلى إيضاح القصة القصيرة جدًا، وإعطاء الكاتب الحرية في الشرح لإيصال الفكرة للمتلقي. الذي لا زال حتى اللحظة يظهر الحيرة ويقف عاجزًا عن تفسير الكثير من النصوص القصيرة جدًا. نرى الآن في عالم القصة القصيرة جدًا مدرستين إن جاز التعبير للقصة القصيرة جدًا.
مدرسة تحدد قالبًا للقصة القصيرة جدًا لايمكن اختراقه، ومدرسة تسمح للكاتب بالخروج من القيد والانفلات لو قليلاً.
بالإضافة إلى نظرية إنصهار الأجناس الأدبية
يتحدث( ستالوني) عن انصهار الأجناس الأدبية.
قائلاً: إن كل عصرٍ قادرٌ على اختراع أجناسٍ أدبيةٍ جديدةٍ.
لذلك لا يمكن تقيد جنسٍ أدبيٍّ في إطارٍ وقالبٍ لا يمكن الانفلات منه.
النص
أعراس السماء
عنوان لافت يقود القارئ مباشرةً إلى ارتقاء الشهداء للقاء ربهم الأكرم.
من أطفالٍ وشيوخٍ ونساءٍ ومقاومين.
لتقام لهم الأعراس في السماء تخليدًا لتضحياتهم.
قال الله تعالى:( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) سورة آل عمران( ١٦٩)
وهل هناك أجمل من لقاء الرب الكريم بوجه الشهادة.
يُقسم النص إلى ثلاثة أقسامٍ
بعد الدخول من عتبته وهي القسم الأول.
تقودنا راوية النص إلى
وحدتين تصوريتنين تنقلها لنا بدقةٍ متناهيةٍ، وكأننا أمام بثٍّ مباشرٍ لفيلمٍ وثائقيٍ تصويريٍّ تراجيديٍّ مؤلمٍ.
المقطع الأول.
وصف الساردة للمشهد الأول من الفيلم.
(رأيت فوق سطح جبل من أنقاض البيوت... حتى فملأت أصوات لعبهم وضحكاتهم الأرجاء)
لم تحدثنا الراوية عن تلةٍ أو هضبةٍ، ولم تقل أنقاضًا منفردةً،
بل جبل من الأنقاض، والجبل معروف بارتفاعه وعلوه.
لتجعلنا نتخيل حجم الفاجعة، ووحشية العدو الجبان الذي هدم بآلته ونشر الدمار دون رحمة أو رادعٍ من قريبٍ أو غريبٍ
قال الله تعالى:
(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين)
ولتزيد المشهد ألمًا تصف لنا الساردة مشاهدتها عن حجارةٍ تلاقحت وتلاصقت بحيث لا تترك منفذًا للخروج أو النجاة.
يؤكد لنا المشهد المؤلم أن لا ناجي أبدًا.
وماذا بعد من ألمٍ في هذا النص؟!
الحقيبة المدرسية بلونها البنفسجيِّ كانت الناجية رغم أنها لم تسلم أيضًا من الإصابة.
وما اللون البنفسجي إلا لون الحزن والهدوء والسكينة.
وما الحقيبة المدرسية إلا تعبيرًا عن صاحب الحقيبة الذي لم يظهر في المشهد أبدًا.
لكن لتعطينا طابعًا في الحياة وأن الأرض ولَّادة تصف لنا كيف تقافز الأطفال من كتاب ملونٍ لا زالوا ينتظرون صاحب الكتاب ليخرجهم من بين صفحاته، لكنهم خرجوا وملؤوا الفضاء لعبًا وضحكًا.
لتبين لنا الساردة أن الحياة ستعود لا محالة مهما طال الزمن ومهما دمر وحرق العدو حتى صفحات كتب الأطفال شاهدًة على جرائمهم الوحشية .
أما الجزء الثاني من النص
ما توضحه الساردة في بحثها فوق جبل الركام عن ناجين آخرين ...
أيضا تصور لنا ساردة المشهد الحدث وتنقله بدقةٍ متناهيةٍ
لتكمل وتوثق الحدث.
إنه مشهدٌ آخرُ مؤلمٌ أيضًا، فيه الكثير من الدلالات والعمق .
تبين لنا راوية القصة، مشاهدتها لكتاب الله فوق الركام، الذي لا يستطيع أحد النيل من حقيقته، ومما جاء بين صفحاته الكريمة..
وهنا تصور لنا راوية النص صورة بلاغية جميلة رغم الألم الذي يعتصر القلب.
كيف يتقاسم كتاب الله مع الشمس أشعتها وما الشمس إلا عين الحقيقة وكتاب الله هو الحقيقة كلها.
قال تعالى في كتابه الحكيم:{ والآن خفف عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبون مئتين وإن يكم منكم ألف يغلبون ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}
لتظهر لنا راوية النص عن العناية بكاتب الله وكيف رتُبت صفحاته للدلالة على عظمة هذا الكتاب ومكانته.
لتنهي راوية النص المشهد بعلامة النصر من بطلٍ ارتقى وهو يعلم كلام الله في مكان مقدسٍ ربما مسجدٍ أو مدرسةٍ
لتدل أيضا راوية النص على وحشية العدو الذي لم يسلم من حقده أي مكانٍ لا بشرٌ ولا حجرٌ ولا كتابٌ مقدسٌ ولا مدرسةٌ ولا طفلٌ ولا شيخٌ ولا امرأةٌ.
الحقيقة النص يترك في النفس جرحًا غائرًا، ويضعنا أمام ضعفنا وخذلاننا أمام ملحمة يسطرها أهالي غزة الأبطال دون سندٍ أو معينٍ.
شخوص النص
راوية النص
الطفل صاحب الحقيبة وإن لم يظهر يمكننا تخيله.
أطفال تقافزوا من صفحات الكتاب.
شخصٌ يقرأ القرآن الكريم
ارتقى عريسًا إلى بارئه
ويرفع إشارة النصر
المكان: غزة الأبية
الزمان: ماضٍ رغم أن الحدث لا زال مستمرًا...
للكاتبة إيمان فجر السيد.
رأيتُ اليومَ فوقَ سطح جبلٍ من أنقاض البيوت، بعد أنْ تلاقحت حجارتُها ملتصقةً ببعضها البعض- حقيبةً مدرسيَّةً -بلونٍ بنفسجيٍ- ناجيةً من الموت، لم تخلُ من خدوشٍ خفيفةٍ في صدرِها، قد فرَّ منها كتابُ قراءةٍ ملوِّن الرُّسومات، تقافز أطفال صورِه منه بين الأحجار المركومة، فملأت أصوات لَعِبهم وضحكاتِهم الأرجاء، صعدتُ إلى قمة الجبل بحثًا عن ناجين آخَرِين، فلمحتُ مُصحفًا بغلافٍ ذهبيٍّ لم يمسسه سوء، تَقاسم مع الشَّمس أشعَّتها، رُتِّبَتْ صفحاته بلُصاقاتٍ ورقيِّةٍ صغيرةٍ بيضاء لتعلُّم التِّلاوة والتَّجويد رافعًا إصبعَيه السبَّابة والوسطى.
إيمان فجر السيد
*****
قراءة
ياسر مصطفى أبو عجيب
مقدمة:
لا زال الخلط بين الأجناس القصصية واردًا
كالأقصوصة- والقصة الصفحة- والقصة القصيرة- والقصة القصيرة جدًا.
يحدد بعض الباحثين نمط القصة القصيرة جدًا بمعايير دقيقة منها العنونة المفردة النكرة، والكتثيف، والتضاد- والإضمار- والإيحاء- والإدهاش.
بالإضافة إلى عدد الكلمات التي لا تتجاوز الخمسون كلمة.
لكن ظهرت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات الذي تميل إلى إيضاح القصة القصيرة جدًا، وإعطاء الكاتب الحرية في الشرح لإيصال الفكرة للمتلقي. الذي لا زال حتى اللحظة يظهر الحيرة ويقف عاجزًا عن تفسير الكثير من النصوص القصيرة جدًا. نرى الآن في عالم القصة القصيرة جدًا مدرستين إن جاز التعبير للقصة القصيرة جدًا.
مدرسة تحدد قالبًا للقصة القصيرة جدًا لايمكن اختراقه، ومدرسة تسمح للكاتب بالخروج من القيد والانفلات لو قليلاً.
بالإضافة إلى نظرية إنصهار الأجناس الأدبية
يتحدث( ستالوني) عن انصهار الأجناس الأدبية.
قائلاً: إن كل عصرٍ قادرٌ على اختراع أجناسٍ أدبيةٍ جديدةٍ.
لذلك لا يمكن تقيد جنسٍ أدبيٍّ في إطارٍ وقالبٍ لا يمكن الانفلات منه.
النص
أعراس السماء
عنوان لافت يقود القارئ مباشرةً إلى ارتقاء الشهداء للقاء ربهم الأكرم.
من أطفالٍ وشيوخٍ ونساءٍ ومقاومين.
لتقام لهم الأعراس في السماء تخليدًا لتضحياتهم.
قال الله تعالى:( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) سورة آل عمران( ١٦٩)
وهل هناك أجمل من لقاء الرب الكريم بوجه الشهادة.
يُقسم النص إلى ثلاثة أقسامٍ
بعد الدخول من عتبته وهي القسم الأول.
تقودنا راوية النص إلى
وحدتين تصوريتنين تنقلها لنا بدقةٍ متناهيةٍ، وكأننا أمام بثٍّ مباشرٍ لفيلمٍ وثائقيٍ تصويريٍّ تراجيديٍّ مؤلمٍ.
المقطع الأول.
وصف الساردة للمشهد الأول من الفيلم.
(رأيت فوق سطح جبل من أنقاض البيوت... حتى فملأت أصوات لعبهم وضحكاتهم الأرجاء)
لم تحدثنا الراوية عن تلةٍ أو هضبةٍ، ولم تقل أنقاضًا منفردةً،
بل جبل من الأنقاض، والجبل معروف بارتفاعه وعلوه.
لتجعلنا نتخيل حجم الفاجعة، ووحشية العدو الجبان الذي هدم بآلته ونشر الدمار دون رحمة أو رادعٍ من قريبٍ أو غريبٍ
قال الله تعالى:
(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين)
ولتزيد المشهد ألمًا تصف لنا الساردة مشاهدتها عن حجارةٍ تلاقحت وتلاصقت بحيث لا تترك منفذًا للخروج أو النجاة.
يؤكد لنا المشهد المؤلم أن لا ناجي أبدًا.
وماذا بعد من ألمٍ في هذا النص؟!
الحقيبة المدرسية بلونها البنفسجيِّ كانت الناجية رغم أنها لم تسلم أيضًا من الإصابة.
وما اللون البنفسجي إلا لون الحزن والهدوء والسكينة.
وما الحقيبة المدرسية إلا تعبيرًا عن صاحب الحقيبة الذي لم يظهر في المشهد أبدًا.
لكن لتعطينا طابعًا في الحياة وأن الأرض ولَّادة تصف لنا كيف تقافز الأطفال من كتاب ملونٍ لا زالوا ينتظرون صاحب الكتاب ليخرجهم من بين صفحاته، لكنهم خرجوا وملؤوا الفضاء لعبًا وضحكًا.
لتبين لنا الساردة أن الحياة ستعود لا محالة مهما طال الزمن ومهما دمر وحرق العدو حتى صفحات كتب الأطفال شاهدًة على جرائمهم الوحشية .
أما الجزء الثاني من النص
ما توضحه الساردة في بحثها فوق جبل الركام عن ناجين آخرين ...
أيضا تصور لنا ساردة المشهد الحدث وتنقله بدقةٍ متناهيةٍ
لتكمل وتوثق الحدث.
إنه مشهدٌ آخرُ مؤلمٌ أيضًا، فيه الكثير من الدلالات والعمق .
تبين لنا راوية القصة، مشاهدتها لكتاب الله فوق الركام، الذي لا يستطيع أحد النيل من حقيقته، ومما جاء بين صفحاته الكريمة..
وهنا تصور لنا راوية النص صورة بلاغية جميلة رغم الألم الذي يعتصر القلب.
كيف يتقاسم كتاب الله مع الشمس أشعتها وما الشمس إلا عين الحقيقة وكتاب الله هو الحقيقة كلها.
قال تعالى في كتابه الحكيم:{ والآن خفف عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبون مئتين وإن يكم منكم ألف يغلبون ألفين بإذن الله والله مع الصابرين}
لتظهر لنا راوية النص عن العناية بكاتب الله وكيف رتُبت صفحاته للدلالة على عظمة هذا الكتاب ومكانته.
لتنهي راوية النص المشهد بعلامة النصر من بطلٍ ارتقى وهو يعلم كلام الله في مكان مقدسٍ ربما مسجدٍ أو مدرسةٍ
لتدل أيضا راوية النص على وحشية العدو الذي لم يسلم من حقده أي مكانٍ لا بشرٌ ولا حجرٌ ولا كتابٌ مقدسٌ ولا مدرسةٌ ولا طفلٌ ولا شيخٌ ولا امرأةٌ.
الحقيقة النص يترك في النفس جرحًا غائرًا، ويضعنا أمام ضعفنا وخذلاننا أمام ملحمة يسطرها أهالي غزة الأبطال دون سندٍ أو معينٍ.
شخوص النص
راوية النص
الطفل صاحب الحقيبة وإن لم يظهر يمكننا تخيله.
أطفال تقافزوا من صفحات الكتاب.
شخصٌ يقرأ القرآن الكريم
ارتقى عريسًا إلى بارئه
ويرفع إشارة النصر
المكان: غزة الأبية
الزمان: ماضٍ رغم أن الحدث لا زال مستمرًا...