حسناء الإدريسي الكيري - البنيوية في النقد الأدبي: مدخل تعريفي

مدخل
إذا كان الإنسان، بطبعه، خاضعاً للتطور باعتباره سنة الطبيعة، فإن نظرته للفن والجمال تتغير أيضا، بل يجب عليها أن تتغير. ومن مظاهر هذا التغير في المجال الأدبي تطور الإبداعات في مجال السرد مثلا. وهو تطور صاحبته ثورة في طرائق نقده ودراسته وتحليله...وهكذا ظهرت عدة مناهج تتبنى مبادئ معينة في مقاربة العمل الأدبي السردي منها، على سبيل التمثيل لا الحصر، المنهج الاجتماعي والمنهج النفسي وغيرهما. وسنحاول في هذا العرض الموجز التعريف بمنهج بات يصطلح عليه بـ "المنهج البنيوي" محاولين الإجابة على عدة أسئلة تدور في خلدنا نبغي من خلالها الاقتراب من هذا الموضوع النقدي الشائك. ونصوغ هذه الأسئلة وفق الشاكلة التالية: ما معنى البنيوية في النقد الأدبي؟ متى ظهرت؟ و ما روافدها و مبادئها؟ ومن هم روادها في العالم الغربي أولا والعربي ثانيا؟ وما المفاهيم التي توظفها في الممارسة النقدية؟ وكيف يشتغل البنيويون على النصوص السردية، نموذجا، يا ترى؟

1- مفهوم البنيوية / Le structuralisme
نستهل بحثنا هذا بتسليط الضوء على مفهوم البنيوية منطلقين من الدلالة اللغوية لها، بحيث أتت من بنى يبني بناء، أي الشكل والصورة والكيفية التي شيد عليها بناء ما. وهي أيضا كيفية البناء والتركيب. أما في مقامنا هذا، فنحن لا نعني بالبنية عملية البناء نفسها أو المواد التي تتكون منها، وإنما نعني بذلك كيفية تجميع وتركيب وتأليف هذه المواد لتكوين الشيء، وخلقه لوظائف وأغراض معينة. والبنية كما ترى يمنى العيد في كتابها الموسوم بعنوان: (تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي، ص 318 ): "مفهوم ينظر إلى الحدث في نسق من العلاقات له نظامه"؛ أي أنها التصميم الداخلي للأعمال الأدبية بما يشمله من عناصر رئيسة متضمنة الكثير من الرموز، والدلالات بحيث يتبع كل عنصر عنصرا آخر.

2 - ظهور البنيوية في النقد الأدبي وأهم روافدها
يقول حسين الواد في كتابه المعنون بـ: (قراءات في مناهج الدراسات الأدبية، ص 45(: " في منتصف هذا القرن نشأ المنهج الهيكلاني من انتشار مكاسب علم اللسان الحديث و التقائها بالتراث الشكلاني". ويقصد بذلك أن المدرسة البنيوية ،أو المنهج البنيوي لم يظهر في الساحة النقدية الأدبية إلا في منتصف القرن العشرين إثر ذيوع صيت اللسانيات الحديث وتقاطعه مع الشكلانية، إلا أنه يمكننا رصد نقط اختلافهما، والمتمثلة أساسا في كون هذه الأخيرة أرست أسس الاختلاف بين الشكل والمضمون داعية إلى الاعتناء أكثر بالشكل على حساب المضمون، أما البنيوية فقد حاولت دمج الشكل في المضمون والدال في المدلول (المعنى)، لأن الدال الواحد لا بد أن ينتج مدلولات مختلفة بالنسبة لشخصين أو متلقيين اثنين مختلفين حسب التجارب الفردية. وعليه يصير النص واحدا والقراءات متعددة. كما أجمع العديد من الدارسين والنقاد على أن الشكلانية و البنيوية قد ظهرتا معا كرد فعل ضد اللاعقلانية الرومانسية ، وعلى التحليلات التي تربط الأدب بمحيطه الاجتماعي ونقصد تلكم النزعة الماركسية بالدرجة الأولى، ها هنا. ومن أعلام النقد البنيوي في الغرب نجد بليخانوف ورولان بارث وتزفيتان تودوروف وجيرار جينيت وغيرهم. أما في العالم العربي فنجد كلا من لحميداني حميد وصلاح فضل ومحمد مفتاح على سبيل التمثيل لا الحصر.

3 - أهداف البنيوية ومبادؤها
أ - الأهداف
لقد وضع البنيويون نصب أعينهم غاية كبرى تتمثل في دراسة أبنية العمل الأدبي و علاقاتها ببعضها البعض، و كيفية أدائها لوظائفها الجمالية و اختبار لغة الكتابة الأدبية عن طريق رصد مدى تماسكها و تنظيمها المنطقي و الرمزي و مدى قوتها و ضعفها بصرف النظر عن الحقيقة التي تعكسها. و قد رفعوا شعار عريضا ألا و هو: النص و لا شيء غير النص أي البحث في داخل النص فقط عما يشكل أدبيته أي طابعه الأدبي. وقد حاولوا من خلال ذلك علمنة الأدب أي إضفاء الطابع العلمي الموضوعي على عملية الاشتغال عليه قصد تجاوز الأحكام المغرضة والإيديولوجية التي قد تشوه هذه الممارسة النقدية.

ب - المبادئ
يقول حسين الواد في المرجع المذكور سابقا إن: "الأدب نص مادي تام منغلق على نفسه" أي أن دراسة الأعمال الأدبية عملية تتم في ذاتها، بغض النظر عن المحيط الذي أنتجت فيه؛ فالنص الأدبي منغلق في وجه كل التأويلات غير البريئة التي تعطيه أبعادا اجتماعية أو نفسية أو حتى تاريخية، ومادي في كونه قائماً على اللغة أي الكلمات والجمل. وتنضاف إلى هذا مسألة "موت المؤلف" - التي نادى بها رولان بارث - أو إلغاء شخصية الكاتب بل حتى المتلقي حتى يتولد المعنى بعيدا عن كل المؤثرات الخارجية.
وفي السياق نفسه، يتابع الناقد التونسي د. حسين الواد قائلا إن هذا النص الأدبي: " ينبني على نظام داخلي يجعل منه وحدة محددة"، ولأن العمل الإبداعي الأدبي منغلق على ذاته فإنه يقوم على نظام داخلي يجعل منه كلا متماسكا تنشأ بين عناصره (الكلمات) شبكة من العلاقات التي تستمد قيمتها من علاقاتها المتبادلة. فكل خصائص العمل الأدبي مجتمعة في بنائه الداخلي، وبالتالي فلا حاجة بنا للبحث عنها خارجه. وفي هذا الاتجاه تقول الناقدة آن موريل Anne Maurel في سياق حديثها عن التحليل البنيوي للحكايات من زاوية منطق الأفعال في الفصل الرابع من كتابها الذي يتعنون بـ: (النقد الأدبي المعاصر: مناهج، اتجاهات، قضايا" ص 95):
"أما المرجع المشترك في كل هذه الأبحاث فهو اللسانيات البنيوية، فكلها تسلم بأن الحكاية تشابه الجملة، بل هي جملة كبيرة يجب توضيح قواعد توليدها، وهي خاضعة لقيود المنطق الإلزامية، ويمكننا تقطيع وحدات صغرى في الحكاية كما نقطعها في الجملة ولو كانت تلك الوحدات أكبر بكثير من الوحدات المكونة للجمل، وتبيان كيف يندمج بعضها في بعض ويتألف ليشكل حكاية؛ فقوانين تحولاتها هي التي تشكل التركيب السردي".
هذا وتجب الإشارة إلى أن البنيوية لا تهتم بالمعنى بالدرجة الأولى بقدر ما تُعنى بآليات إنتاجه خلقه. هكذا يقول الناقد المصري عبد العزيز حمودة في كتابه الموسوم ب: )الخروج من التيه: دراسة في سلطة النص، ص 92) :
"البنيوية (...) تنطلق من نقطة وجود المعنى كأمر مسلم به مفروغ منهومن تم تتحول عن دراسة المعنى إلى آليات خلق المعنى حسب قواعد علمية،وهذا ما أشرنا إليه باعتباره تجاهلا تاما للمعنى".

- خلاصة:
بعد هذه الإطلالة السريعة على ماهية هذه المدرسة البنيوية في النقد الأدبي، فإننا نستطيع أن نقول، كخلاصة عامة، مع اللساني المغربي عبد السلام عشير في كتابه الذي يحمل عنوان: (تطور التفكير اللغوي من النحو إلى اللسانيات إلى التواصل، ص 42)، إن:
"البنيوية كاتجاه تعد جزءا من تاريخ الفكر الفرنسي المعاصر، لكن جذورها ترجع إلى مفهوم النظام ، وهو مصطلح سوسير (Système) الذي أصبح في ما بعد يعرف بمصطلح بنية (Structure) وذلك مراعاة للجانب الشكلي. وقد وصفت البنية بأنها نسق مغلق، لها قوانينها التي تكفل انتظامها الداخلي ولها قواعد تحفظ تعالق عناصرها، كما اعتمدت منهجا استقرائيا لجمع الظواهر وتبويبها وتصنيفها مثل سابقتها التاريخية. إنها بهذا الوصف تقترب من العلوم الصورية، بحيث لا تهتم بالمعنى. إنها تدرس فقط العلاقات القائمة بين عناصر أجزاء كل بنية، على أساس أن لا محتوى لها خارج عنها أي أن البنية لها طبيعة شكلية".



المراجع :
1- الواد، حسين: "قراءات في مناهج الدراسات الأدبية"، سراش للنشر، تونس 1985.
2- موريل، آن: "النقد الادبي المعاصر: مناهج، اتجاهات، قضايا"، ترجمة إبراهيم أولحيان، محمد الزكراوي. المركز القومي للترجمة، المشروع القومي للترجمة، القاهرة، 2006.
3- حمودة، عبد العزيز: "الخروج من التيه: دراسة في سلطة النص"، ضمن سلسلة عالم المعرفة، 2003.
4- عشير، عبد السلام: "تطور التفكير اللغوي: من النحو إلى اللسانيات إلى التواصل"، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2010.
5- العيد، يمنى: "تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي"، منشورات دار الفارابي، الطبعة الثانية (مزيدة و منقحة)، 2010.
التفاعلات: سمير أحمد الشريف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...