(3)
أشرتُ قبلًا إلى مَا تتشدَّق بهِ ألسنةُ الغرب المعنيِّ من حَشْوٍ إفكيٍّ عن الديمقراطياتِ المتاحةِ هزلًا باسم «حريات الكلام أو الرأي أو التعبير»، بدءًا بالدول الإسكندنافية كالدنمارك والسويد والنرويج، ومرًّا بالدول الاستعمارية كإنكلترا وفرنسا وأمريكا (وريثةِ هكذا استعمارٍ بعد الحربين العالميتين)، ووَصْلًا بالدول النازية كألمانيا (ربيبةِ الانحيازِ الخفيِّ لإسرائيلَ إلى حدِّ تغافلِ فرعِها «العَفْوِ الدُّوَلِيِّ» عن انتهاك هذه الـ«إسرائيل» لحقوق الشعب الفلسطيني).. ولهذا، فإن أسوأ أشكال العنصرية والكراهية بإزاء العرب والمسلمين تتجلى في هذا الغرب «المتحرِّر» كلِّهِ بتفاوتٍ نسبيٍّ، إذ يأتي المواطن العادي (باستثناء النزرِ النزيرِ) بالنَّفَس العنصري والكراهي متعمِّدًا بكلام تصريحي جليٍّ أو بكلام تضميني خفيٍّ حتى.. وتذكيرًا بمدى نفاقيَّةِ وانتقائِيَّةِ أولئك البحثاءِ الجامعيين وبميداءِ اسْتِرْقَاقِهِمْ ماهيَّتَهُمْ لُهَاثًا وراءَ التَّمَلُّكِ العُصَابِيِّ للمَرْهَصَةِ الأكاديميةِ بالظَنِّ، كمثل جلبير الأشقر، مُدَّعِيًا بالمرارِ بأنه ناشط «ماركسي» أو «أممي»، ومتشدِّقًا بـ«النضالِ المضادِّ» لأشتات الإمبريالية «كافَّةً» تحت الشِّعَارِ الاصطنَاعيِّ «اللاإمبريالية» Anti-Imperialism، طالما أن الادِّعَاءَ والتشدُّقَ هذينِ لا يهدِّدانِ بقائيَّةَ ذلك التَّمَلُّكِ العُصَابِيِّ بالذات.. وهكذا، فإن اجتماعَ نفاقيَّةٍ وانتقائِيَّةٍ كهٰتين ينطوي على اندماجِ وُصُوليَّةٍ وانتهازيَّةٍ مترسِّخَتَيْنِ في ذهنيَّةِ هكذا باحثٍ «ماركسي» مُتَبَرْجِزٍ إزاءَ فعلِ الانتقادِ الافتعالي لهذهِ الإمبرياليةِ دونَ سواهَا (كـ«اجترائهِ» على انتقاد كلٍّ من الإمبرياليتَيْنِ الأمريكية والروسية، وارتدادهِ عنْ، لا بَلِ ارتعادهِ منْ، انتقاد أي من الإمبرياليتَيْنِ الإنكليزية والفرنسية).. كلُّ هذا النفاقِ-الانتقاءِ لَسَائِرٌ حثيثًا رغمَ اتخاذِ الغربِ المعنيِّ مواقفَ عنصريَّةً وكراهيَّةً فاقعةً تجاه العرب والمسلمين، ورغمَ نكرانِهِ الإقرارَ بأن العالمَ الآنَ يتغيَّر حتميًّا بتعدُّدِ أقطابٍ زاحفٍ من أقاصي الشرق الأوروبي إلى أقاصي الشرق الآسيوي إلى حتى أقاصي الجنوب الغربي الإفريقي.. وكلُّ هذا النفاقِ-الانتقاءِ لَمتأصِّلٌ في الذهنِ الغربيِّ في سياق ما يحدث من اضطرابٍ حكوميٍّ مسلَّح وتظاهرٍ شعبيٍّ عارمٍ في أقاصي الجنوب الغربي الإفريقي، وفي أرجاء دولة النيجر.. فمن الغبن الشديدِ أن يُظَنَّ أن هذا الغربَ ينافحُ صادقا عن استتبابِ «الديمقراطية-الدستورية» في الدولة الإفريقيةِ خاصَّةً، مرتقَبًا كانَ هذا «النِّفَاحُ» أم لم يكنْ جَرَّاءَ اهتمامٍ أمريكيٍّ-جزائريٍّ لتجديدِ وِفَاقِ التصالحِ المؤاتي.. ومن الغبن الأشدِّ أن يُظَنَّ أن هذا الغربَ لا ينافحُ عن مطامعهِ في القارَّةِ الإفريقيةِ عامَّةً، حين لاذَ بالصَّمْتِ المُطْبِقِ عن أيِّ انقلابٍ تقتضيهِ الرَّغائبُ في تلك المطامعِ تارةً، وحين شنَّ الحروبَ الشَّعْوَاءَ على أيِّمَا انقلابٍ لا تقتضيهِ الرَّغائبُ طَوْرًا.. طبيعيٌّ، إذن، أن تُفْتَحَ النيرانُ في هكذا حروبٍ تذرُّعًا بـ«مكافحة الإرهاب» وإيهامًا عن حقيقةِ أن الغربَ لَهو الصَّانِعُ الفعليُّ لهذا «الإرهاب»، منذ تدخُّلِهِ الكارثيِّ في ليبيا «الربيعِ العربيِّ» عامَ 2011، ومنذ جَعْلِ هذه الـ«ليبيا» منفذًا حيويًّا مَاثلًا بحَدِّهَا الجنوبي الغربي مع النيجر، وبالأخصِّ إبَّانَ تحوُّلِ «الصحراء الكبرى» إلى ملاذٍ كونيٍّ لِمَنْ يُسَمَّوْنَ بـ«الجهاديين» أو بـ«المتشدِّدين الإسلاميين» – مِمَّا يفسِّر داعيًا لوجودِ قواعدَ عسكريَّةٍ فرنسيَّةٍ وأمريكيَّةٍ مرئيَّةٍ هنا، وكذاك إنكليزيَّةٍ لامرئيَّةٍ هناك.. وطبيعيٌّ، أيضًا، أن يتحدَّرَ جُلُّ هؤلاءِ الجهاديين أو المتشدِّدين الإسلاميين من أصولٍ عربيَّةٍ، بالغينَ أَشُدَّهُمْ بالاعتياشِ على المالِ والسلاحِ «المهرَّبَيْن» من لَدُنْ جهاتٍ «عربيَّةٍ» أو «لاعربيَّةٍ» تعملُ بالولاءِ لصالحِ دولةٍ غربيَّةٍ كيمَا يُعَادَ الخَلْقُ واضحًا أمامَ الخَلْقِ (أسيادًا أحرارًا أعزَّاءَ كانوا أم عبيدًا عَتُوفِينَ دُرْقُعِيِّينَ أذلَّاءَ) لثنائيَّةٍ مُشَيْطَنَةٍ استباقيًّا، ثنائيةِ «العربِ والإسلامِ» مُجْتَرَّةً بالمِرَارِ آنًا بعدَ آنٍ.. وهل في ذلك شيءٌ مِمَّا يُعَلِّلُ ميداءَ الترسيخِ التدريجيِّ للمواقفِ العنصريَّةِ والكراهيَّةِ في أذهانِ الغربِ الإمبرياليِّ جُلًّا، وقد تجسَّدتْ هذا الآنَ في كُلٍّ من السويد والدنمارك، وإلى حدِّ الإحراقِ والتدنيسِ للقرآنِ الكريمِ وللهوية العربية؟؟..
نعمْ، في ذلك شيءٌ، لا بَلْ فيهِ كُلٌّ أو بالكادِ، إنْ أُمْعِنَ النظرُ في المَنْكُورِ والمُسْتَنْكَرِ مِنْ مَآربِ هذا الغربِ الإمبرياليِّ مِنِ اصْطناعهِ أُسْطُورَةَ التحجُّجِ بـ«الإرهاب» المُنَوَّهِ عنه آنفًا، في الحَيِّز الأوَّل، ومِنِ اختلاقهِ كذاك أُحْبُولَةَ التذرُّعِ بـ«مكافحة الإرهاب» للتمويهِ المُحاذي قُدَّامَ العالَمِ المغبونِ، في الحَيِّز الثاني – كافيك هنا من تَصَادُفِ، أو حتى من لَاتَصَادُفِ، المشهدِ الجغرافي (والسياسي) لهكذا اصْطناعٍ وهكذا اختلاقٍ في أقاصي الجنوب الغربي الإفريقي تيكَ تحديدًا.. بيدَ أنَّ الآمَالَ ماثلةٌ بإلحَاحٍ، ولَا ريبَ، للتأمُّل الإنساني والأخلاقي في ألَّا يشهدَ مأسَاةً إفريقيةً كارثيَّةً على غرارِ سَابقاتِهَا اللائي كانتْ، ولمَّا تزلْ، تُشْهَدُ في بلدان «الربيعِ العربيِّ» مقترنةً باجترارِ أشكالٍ استعماريةٍ أشدَّ فتكًا وأشدَّ بطشًا لكنْ بارتداءِ أقنعةٍ «حضاريةٍ» عصريةٍ جديدةٍ – خاصَّةً وأنَّ الاِنقلاباتِ السياسيةَ المُلَمَّحَ إليها قدْ حدثتْ في الدولِ الإفريقيةِ الأثرى طبيعيًّا في الثرواتِ والأَمْلَقِ اجتماعيًّا في الحيواتِ، كالنيجر والغابون ومالي وبوركينا فاسو إلخ، مِمَّا يُبْقِيهَا دولًا متخلفةً عاجزةً عسكريًّا أمامَ هذا الغربِ الإمبرياليِّ الوريثِ لكلِّ ممارسَاتِ الاضطهادِ إزاءَ شعوبٍ خرستْ ولكلِّ مزاولاتِ الاغتيالِ بحقِّ شخوصِ برَّزتْ، كالناشط السياسي بارتيليمي بوغاندا (1910-1959) من جمهورية إفريقيا الوسطى، والمناضل السياسي باتريس لومومبا (1925-1961) من جمهورية الكونغو الديمقراطية، والملقب بـ«أبي الثورة» توماس سانكارا (1949-1987) من جمهورية بوركينا فاسو، وغيرهم.. فليسَ لي ها هنا، إذن، إلَّا أن أعيدَ الكَرَّةَ في شيءٍ من التوكيدِ بالقولِ «في كلٍّ من السويد والدنمارك» بالتحديد، لأنه من خلالِ التمادي في الاستيمانِ المفرطِ بأيٍّ من شعاراتِ «حريات الكلام أو الرأي أو التعبير» تلك، تتمادى في الإحراقِ والتدنيس المعنيَّيْنِ بكلِّ صفاقةٍ وبكلِّ وقاحةٍ حتى بضعةٌ من «المواطناتِ» السويدياتِ أو الدنماركيات اللواتي يتحدَّرن من أصولٍ تنتمي إلى دولةٍ أو أكثرَ من دُوَلِ مَا يَطِيبُ لهذا الغربِ الإمبرياليِّ التمييزيِّ بامتيازٍ أن يُسَمِّيَهُ تَيَّاهًا بـ«العالم الثالث» Tiers Monde، وذلك استئناسًا مُسْتَطَابًا باصطلاحِ الباحث الديموغرافي الفرنسي آلفريد سوڤي (1898-1990) الذي نحتَهُ في منتصفِ العامِ 1952.. وعلى سبيلِ مثالٍ حديثِ العهدِ نسبيًّا، ففي اليومِ الثالثِ من شهر آبَ (أغسطس) الماضي من هذا العامِ 2023، أقدمت «مواطنةٌ» سويديةٌ متحدِّرةٌ من أصلٍ إيرانيٍّ، تُدعى مرجان بيرامي وهي في أواخر عقدها الرابع فيما يبدو، أقدمتْ بكلِّ صلافةٍ وبكلِّ سلاقةٍ على إحراقِ نسخةٍ من القرآنِ الكريمِ على شاطئٍ من شواطئِ العاصمةِ السويديةِ ستوكهولم، وتحتَ حراسةٍ أمنيَّةٍ «مُثْلَى» من طرف بضعٍ من عناصر الشرطةِ السويديةِ بالذواتِ حتى يتمَّ الإخراجُ «الأمثلُ» للمشهدِ المَعْنِيِّ.. وفي الآونةِ الأخيرةِ، فضلًا عن ذلك كلِّهِ، فقد تكرَّرتْ حوادثُ إحراقٍ وتدنيسٍ مماثلةٌ في السويد (وكذلك في الدنمارك بالذات)، قامَ بتنفيذها رهطٌ بخيسٌ خسيسٌ من أولئك الذين يُشَارُ إليهم بـ«اليمينيِّين المتطرِّفين» وحتى من أمَامِ مباني سفاراتٍ تمثِّل دولًا إسلاميةً معيَّنةً، كإيران وتركيا حصرًا (لكي تكتملَ المهزلةُ)، إذْ أُثِيرَتْ حَفَائِظُ عددٍ من الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ المعنيَّةِ على كلٍّ من المستويَيْنِ الرَّسْمِيِّ والشعبيِّ، وإذْ أُمِيرَتْ كذاك استدعاءاتٌ تحقيقيَّةٌ لسفراءِ وممثِّلي كلٍّ من الدولتَينِ الغربيَّتَيْنِ المعنيَّتَيْنِ في أكثرَ من دولةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ، وذلك صَوْنًا لماءاتِ الوجوهِ على أدنى تخمين.. كلُّ هذه الإثارةِ وكلُّ هذه الإمارةِ لا تعدوانِ، بالطبعِ، أن تكونَا عملَيْنِ شكليَّيْنِ بموجبِ ذلك القرارِ الاِرْتِئَائِيِّ الإجماعيِّ الذي تَبَنَّتْهُ «الجمعية العامة للأمم المتحدة» UNGA في اليوم السادس والعشرين من شهر تموز (يوليو) الماضي من هذا العام 2023 كذلك، والذي صَاغَهُ المغربُ المهرولُ بكلِّ استخذاءٍ وراءَ التطبيعِ «الإبراهيميِّ» مع أزلامِ الكيانِ الصهيونيِّ (وهنا تكمنُ مهزلةُ المهازلِ)، صَاغَهُ صَوْغًا لكي «يُدينَ» سَائرَ أعمالِ الاِنتهاكِ ضدَّ كتبٍ مقدَّسةِ المقام وضدَّ أديانٍ في مقدِّمَتِهَا الإسلام!!..
ومَا هذان الإحراقُ والتدنيسُ الإسكندنافيَّانِ المُمَهَّدَانِ «إفريقيًّا» في الأَصْلِ، والأنكى والأزرى من ذلك كلِّه، إلَّا إِرْهَاصَانِ «تاريخيَّانِ» مُنْذِرَانِ إذَّاك بالاعتداءِ الدَّمِيمِ من لَدُنْ أولئك الصَّهَائِنِ المستوطنين في أراضي فلسطينَ المحتلةِ ذاتِها من أجوافِ الضفةِ الغربيَّةِ أو حتى من غلافِ غَزَّةَ الأبِيَّةِ، ومُخْطِرَانِ مُذَّاك بالتمادي الذَّمِيمِ من طرفِ هؤلاءِ الصَّهَائِنِ الأنجَاسِ أثناءَ احتفالاتهم الدينيةِ الإفْكِيَّةِ والتزييفيَّةِ بامتيازٍ، بدورها هي الأخرى، تماديهم في الخَسْفِ والشَّتْمِ الشَّائِنَيْنِ المُشِينَيْنِ لآنَامِ تيك الأراضي التي يستوطنونهَا بالعَيْنِ على الملأَيْنِ الأدنى والأعلى، وتماديهم حتى في البَصْقِ والتَّفْلِ المُقْرِفَيْنِ المُقَزِّزَيْنِ على العربِ المسلمينَ ومساجدِهِمْ وحتى على العربِ المسيحيينَ وكنائسِهِمْ – ناهيك، والمَآلُ الزَّرِيُّ هنا، عن تصافقِ وتواقحِ هؤلاءِ الصَّهَائِنِ الأنجَاسِ الأرجَاسِ في الدَّوْسِ الرَّذِلِ المُهِينِ على أَجْدَاثِ القاطنينَ من كلٍّ من هٰتين الطائفتَيْنِ الدينيَّتَيْنِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.. كُلُّ هٰذين الخَسْفِ والشَّتْمِ الشَّائِنَيْنِ المُشِينَيْنِ، وكُلُّ هٰذين البَصْقِ والتَّفْلِ المُقْرِفَيْنِ المُقَزِّزَيْنِ (وفضلًا عن كُلِّ هٰذا الدَّوْسِ الرَّذِلِ المُهِينِ، مسبُوقًا باحتلالٍ وحصَارٍ نازيَّيْنِ فاشيَّيْنِ متوحِّشَيْنِ همجيَّيْنِ على مدى عشراتٍ من عجافِ السنين)، كُلُّ هٰذينِ وكُلُّ هٰذينِ وكُلُّ هٰذا ليسَ لهُ، والحقُّ لَا بُدَّ من أن يُقَالَ، سِوَى أن يتأوَّجَ سُخْطًا وحَنَقًا وغَضَبًا فيمَا استحقَّ تَسْمِيَةً وتَطْويبًا وتقديسًا بـ«طوفانِ الأقصَى»، وذاك في اليومِ السَّابِعِ من شهرِ تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2023.. ومع ازديادِ أعدادِ الضحايا والرحمةُ كُلُّهَا على أرواحهم واحدًا واحدًا مَا بينَ الثريَّا والأَثْرَى، هذا الطوفانُ الأَقْصَوِيُّ المُقَدَّسُ، لَا المُدَنَّسُ، قد كشفَ الأطرافَ المعنيَّةَ على حقائقِهَا الدَّنِيئَةِ والدَّنِيَّةِ تَتْرَى، قد كشفَ الكيانَ الصُّهيونيَّ الغِطْرِيفَ الجَخِيفَ المبنيَّ في الأسَاسِ ومنذ البَدْءِ على بنيَانٍ من وَرَق، قد كشفَ الغربَ الإمبرياليَّ المغموسَ في أَزْفَاتِ النفاقِ والإفكِ والهِتْرِ خِرَقًا في خِرَق، قد كشفَ العربانَ والمستعربينَ من الطغاةِ العُتَاةِ الجُوفِ المُذَلِّينَ مَهَنَةً عِتَافًا أَمَامَ الأسيادِ من هكذا كيانٍ ومن هكذا غربٍ أَئِمَّة، لكنِ المستقوونَ أَيَّمَا استقوَاءٍ على أهلِ الحَقِّ الحَقِيقِ من الشعوبِ، أهلِ المقاومةِ الخَلِيقِ والهِمَّة!!..
[ولهذا الكلام، فيما بعدُ، تَتِمَّة]
***
كوبنهاغن (الدنمارك)،
29 تشرين الأول (أكتوبر) 2023
----------
ملاحظة هامة
هذه المقالات التي تُعَدُّ في مجال النقد الإعلامي والصحافي تحديدا إنما كانت، وما زالت، تصدر تباعا في المركز الإعلامي الفلسطيني المتميِّز، «الإعلام الحقيقي» Real Media، هذا المركزِ الكائنِ في حي الرمال من مدينةِ غَزَّةَ الأَبِيَّةِ بالذات.. ولكنْ، إذ يعترينا القلقُ الشديدُ والحزنُ الأشدُّ من هول القتل والدمار اللذين يُمَارَسَا بحقِّ أخواتنا وإخوتنا من الشعب الغَزِّيِّ الكُمَيْتِ الهُمَامِ من طرف أنجاس العدو الصهيوني الإجرامي على مدى شهرٍ ونَيِّفٍ من الزمان، يبدو أن مركز «الإعلام الحقيقي» هذا قد توقَّف عن إصدار موادِّهِ الإعلامية والصحافية حتى إشعارٍ آخَرَ منذ اندلاع «طوفان الأقصى» المقدَّس في اليوم السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2023.. وكلُّنا، في هذا، أملٌ وتطلُّعٌ وتشوُّفٌ على أحرَّ من الجَمْرِ في عودة المركز إلى نشاطه المعتاد في المستقبل القريب – وإنَّهُ لَسَمِيعٌ مُجِيب..
أشرتُ قبلًا إلى مَا تتشدَّق بهِ ألسنةُ الغرب المعنيِّ من حَشْوٍ إفكيٍّ عن الديمقراطياتِ المتاحةِ هزلًا باسم «حريات الكلام أو الرأي أو التعبير»، بدءًا بالدول الإسكندنافية كالدنمارك والسويد والنرويج، ومرًّا بالدول الاستعمارية كإنكلترا وفرنسا وأمريكا (وريثةِ هكذا استعمارٍ بعد الحربين العالميتين)، ووَصْلًا بالدول النازية كألمانيا (ربيبةِ الانحيازِ الخفيِّ لإسرائيلَ إلى حدِّ تغافلِ فرعِها «العَفْوِ الدُّوَلِيِّ» عن انتهاك هذه الـ«إسرائيل» لحقوق الشعب الفلسطيني).. ولهذا، فإن أسوأ أشكال العنصرية والكراهية بإزاء العرب والمسلمين تتجلى في هذا الغرب «المتحرِّر» كلِّهِ بتفاوتٍ نسبيٍّ، إذ يأتي المواطن العادي (باستثناء النزرِ النزيرِ) بالنَّفَس العنصري والكراهي متعمِّدًا بكلام تصريحي جليٍّ أو بكلام تضميني خفيٍّ حتى.. وتذكيرًا بمدى نفاقيَّةِ وانتقائِيَّةِ أولئك البحثاءِ الجامعيين وبميداءِ اسْتِرْقَاقِهِمْ ماهيَّتَهُمْ لُهَاثًا وراءَ التَّمَلُّكِ العُصَابِيِّ للمَرْهَصَةِ الأكاديميةِ بالظَنِّ، كمثل جلبير الأشقر، مُدَّعِيًا بالمرارِ بأنه ناشط «ماركسي» أو «أممي»، ومتشدِّقًا بـ«النضالِ المضادِّ» لأشتات الإمبريالية «كافَّةً» تحت الشِّعَارِ الاصطنَاعيِّ «اللاإمبريالية» Anti-Imperialism، طالما أن الادِّعَاءَ والتشدُّقَ هذينِ لا يهدِّدانِ بقائيَّةَ ذلك التَّمَلُّكِ العُصَابِيِّ بالذات.. وهكذا، فإن اجتماعَ نفاقيَّةٍ وانتقائِيَّةٍ كهٰتين ينطوي على اندماجِ وُصُوليَّةٍ وانتهازيَّةٍ مترسِّخَتَيْنِ في ذهنيَّةِ هكذا باحثٍ «ماركسي» مُتَبَرْجِزٍ إزاءَ فعلِ الانتقادِ الافتعالي لهذهِ الإمبرياليةِ دونَ سواهَا (كـ«اجترائهِ» على انتقاد كلٍّ من الإمبرياليتَيْنِ الأمريكية والروسية، وارتدادهِ عنْ، لا بَلِ ارتعادهِ منْ، انتقاد أي من الإمبرياليتَيْنِ الإنكليزية والفرنسية).. كلُّ هذا النفاقِ-الانتقاءِ لَسَائِرٌ حثيثًا رغمَ اتخاذِ الغربِ المعنيِّ مواقفَ عنصريَّةً وكراهيَّةً فاقعةً تجاه العرب والمسلمين، ورغمَ نكرانِهِ الإقرارَ بأن العالمَ الآنَ يتغيَّر حتميًّا بتعدُّدِ أقطابٍ زاحفٍ من أقاصي الشرق الأوروبي إلى أقاصي الشرق الآسيوي إلى حتى أقاصي الجنوب الغربي الإفريقي.. وكلُّ هذا النفاقِ-الانتقاءِ لَمتأصِّلٌ في الذهنِ الغربيِّ في سياق ما يحدث من اضطرابٍ حكوميٍّ مسلَّح وتظاهرٍ شعبيٍّ عارمٍ في أقاصي الجنوب الغربي الإفريقي، وفي أرجاء دولة النيجر.. فمن الغبن الشديدِ أن يُظَنَّ أن هذا الغربَ ينافحُ صادقا عن استتبابِ «الديمقراطية-الدستورية» في الدولة الإفريقيةِ خاصَّةً، مرتقَبًا كانَ هذا «النِّفَاحُ» أم لم يكنْ جَرَّاءَ اهتمامٍ أمريكيٍّ-جزائريٍّ لتجديدِ وِفَاقِ التصالحِ المؤاتي.. ومن الغبن الأشدِّ أن يُظَنَّ أن هذا الغربَ لا ينافحُ عن مطامعهِ في القارَّةِ الإفريقيةِ عامَّةً، حين لاذَ بالصَّمْتِ المُطْبِقِ عن أيِّ انقلابٍ تقتضيهِ الرَّغائبُ في تلك المطامعِ تارةً، وحين شنَّ الحروبَ الشَّعْوَاءَ على أيِّمَا انقلابٍ لا تقتضيهِ الرَّغائبُ طَوْرًا.. طبيعيٌّ، إذن، أن تُفْتَحَ النيرانُ في هكذا حروبٍ تذرُّعًا بـ«مكافحة الإرهاب» وإيهامًا عن حقيقةِ أن الغربَ لَهو الصَّانِعُ الفعليُّ لهذا «الإرهاب»، منذ تدخُّلِهِ الكارثيِّ في ليبيا «الربيعِ العربيِّ» عامَ 2011، ومنذ جَعْلِ هذه الـ«ليبيا» منفذًا حيويًّا مَاثلًا بحَدِّهَا الجنوبي الغربي مع النيجر، وبالأخصِّ إبَّانَ تحوُّلِ «الصحراء الكبرى» إلى ملاذٍ كونيٍّ لِمَنْ يُسَمَّوْنَ بـ«الجهاديين» أو بـ«المتشدِّدين الإسلاميين» – مِمَّا يفسِّر داعيًا لوجودِ قواعدَ عسكريَّةٍ فرنسيَّةٍ وأمريكيَّةٍ مرئيَّةٍ هنا، وكذاك إنكليزيَّةٍ لامرئيَّةٍ هناك.. وطبيعيٌّ، أيضًا، أن يتحدَّرَ جُلُّ هؤلاءِ الجهاديين أو المتشدِّدين الإسلاميين من أصولٍ عربيَّةٍ، بالغينَ أَشُدَّهُمْ بالاعتياشِ على المالِ والسلاحِ «المهرَّبَيْن» من لَدُنْ جهاتٍ «عربيَّةٍ» أو «لاعربيَّةٍ» تعملُ بالولاءِ لصالحِ دولةٍ غربيَّةٍ كيمَا يُعَادَ الخَلْقُ واضحًا أمامَ الخَلْقِ (أسيادًا أحرارًا أعزَّاءَ كانوا أم عبيدًا عَتُوفِينَ دُرْقُعِيِّينَ أذلَّاءَ) لثنائيَّةٍ مُشَيْطَنَةٍ استباقيًّا، ثنائيةِ «العربِ والإسلامِ» مُجْتَرَّةً بالمِرَارِ آنًا بعدَ آنٍ.. وهل في ذلك شيءٌ مِمَّا يُعَلِّلُ ميداءَ الترسيخِ التدريجيِّ للمواقفِ العنصريَّةِ والكراهيَّةِ في أذهانِ الغربِ الإمبرياليِّ جُلًّا، وقد تجسَّدتْ هذا الآنَ في كُلٍّ من السويد والدنمارك، وإلى حدِّ الإحراقِ والتدنيسِ للقرآنِ الكريمِ وللهوية العربية؟؟..
نعمْ، في ذلك شيءٌ، لا بَلْ فيهِ كُلٌّ أو بالكادِ، إنْ أُمْعِنَ النظرُ في المَنْكُورِ والمُسْتَنْكَرِ مِنْ مَآربِ هذا الغربِ الإمبرياليِّ مِنِ اصْطناعهِ أُسْطُورَةَ التحجُّجِ بـ«الإرهاب» المُنَوَّهِ عنه آنفًا، في الحَيِّز الأوَّل، ومِنِ اختلاقهِ كذاك أُحْبُولَةَ التذرُّعِ بـ«مكافحة الإرهاب» للتمويهِ المُحاذي قُدَّامَ العالَمِ المغبونِ، في الحَيِّز الثاني – كافيك هنا من تَصَادُفِ، أو حتى من لَاتَصَادُفِ، المشهدِ الجغرافي (والسياسي) لهكذا اصْطناعٍ وهكذا اختلاقٍ في أقاصي الجنوب الغربي الإفريقي تيكَ تحديدًا.. بيدَ أنَّ الآمَالَ ماثلةٌ بإلحَاحٍ، ولَا ريبَ، للتأمُّل الإنساني والأخلاقي في ألَّا يشهدَ مأسَاةً إفريقيةً كارثيَّةً على غرارِ سَابقاتِهَا اللائي كانتْ، ولمَّا تزلْ، تُشْهَدُ في بلدان «الربيعِ العربيِّ» مقترنةً باجترارِ أشكالٍ استعماريةٍ أشدَّ فتكًا وأشدَّ بطشًا لكنْ بارتداءِ أقنعةٍ «حضاريةٍ» عصريةٍ جديدةٍ – خاصَّةً وأنَّ الاِنقلاباتِ السياسيةَ المُلَمَّحَ إليها قدْ حدثتْ في الدولِ الإفريقيةِ الأثرى طبيعيًّا في الثرواتِ والأَمْلَقِ اجتماعيًّا في الحيواتِ، كالنيجر والغابون ومالي وبوركينا فاسو إلخ، مِمَّا يُبْقِيهَا دولًا متخلفةً عاجزةً عسكريًّا أمامَ هذا الغربِ الإمبرياليِّ الوريثِ لكلِّ ممارسَاتِ الاضطهادِ إزاءَ شعوبٍ خرستْ ولكلِّ مزاولاتِ الاغتيالِ بحقِّ شخوصِ برَّزتْ، كالناشط السياسي بارتيليمي بوغاندا (1910-1959) من جمهورية إفريقيا الوسطى، والمناضل السياسي باتريس لومومبا (1925-1961) من جمهورية الكونغو الديمقراطية، والملقب بـ«أبي الثورة» توماس سانكارا (1949-1987) من جمهورية بوركينا فاسو، وغيرهم.. فليسَ لي ها هنا، إذن، إلَّا أن أعيدَ الكَرَّةَ في شيءٍ من التوكيدِ بالقولِ «في كلٍّ من السويد والدنمارك» بالتحديد، لأنه من خلالِ التمادي في الاستيمانِ المفرطِ بأيٍّ من شعاراتِ «حريات الكلام أو الرأي أو التعبير» تلك، تتمادى في الإحراقِ والتدنيس المعنيَّيْنِ بكلِّ صفاقةٍ وبكلِّ وقاحةٍ حتى بضعةٌ من «المواطناتِ» السويدياتِ أو الدنماركيات اللواتي يتحدَّرن من أصولٍ تنتمي إلى دولةٍ أو أكثرَ من دُوَلِ مَا يَطِيبُ لهذا الغربِ الإمبرياليِّ التمييزيِّ بامتيازٍ أن يُسَمِّيَهُ تَيَّاهًا بـ«العالم الثالث» Tiers Monde، وذلك استئناسًا مُسْتَطَابًا باصطلاحِ الباحث الديموغرافي الفرنسي آلفريد سوڤي (1898-1990) الذي نحتَهُ في منتصفِ العامِ 1952.. وعلى سبيلِ مثالٍ حديثِ العهدِ نسبيًّا، ففي اليومِ الثالثِ من شهر آبَ (أغسطس) الماضي من هذا العامِ 2023، أقدمت «مواطنةٌ» سويديةٌ متحدِّرةٌ من أصلٍ إيرانيٍّ، تُدعى مرجان بيرامي وهي في أواخر عقدها الرابع فيما يبدو، أقدمتْ بكلِّ صلافةٍ وبكلِّ سلاقةٍ على إحراقِ نسخةٍ من القرآنِ الكريمِ على شاطئٍ من شواطئِ العاصمةِ السويديةِ ستوكهولم، وتحتَ حراسةٍ أمنيَّةٍ «مُثْلَى» من طرف بضعٍ من عناصر الشرطةِ السويديةِ بالذواتِ حتى يتمَّ الإخراجُ «الأمثلُ» للمشهدِ المَعْنِيِّ.. وفي الآونةِ الأخيرةِ، فضلًا عن ذلك كلِّهِ، فقد تكرَّرتْ حوادثُ إحراقٍ وتدنيسٍ مماثلةٌ في السويد (وكذلك في الدنمارك بالذات)، قامَ بتنفيذها رهطٌ بخيسٌ خسيسٌ من أولئك الذين يُشَارُ إليهم بـ«اليمينيِّين المتطرِّفين» وحتى من أمَامِ مباني سفاراتٍ تمثِّل دولًا إسلاميةً معيَّنةً، كإيران وتركيا حصرًا (لكي تكتملَ المهزلةُ)، إذْ أُثِيرَتْ حَفَائِظُ عددٍ من الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ المعنيَّةِ على كلٍّ من المستويَيْنِ الرَّسْمِيِّ والشعبيِّ، وإذْ أُمِيرَتْ كذاك استدعاءاتٌ تحقيقيَّةٌ لسفراءِ وممثِّلي كلٍّ من الدولتَينِ الغربيَّتَيْنِ المعنيَّتَيْنِ في أكثرَ من دولةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ، وذلك صَوْنًا لماءاتِ الوجوهِ على أدنى تخمين.. كلُّ هذه الإثارةِ وكلُّ هذه الإمارةِ لا تعدوانِ، بالطبعِ، أن تكونَا عملَيْنِ شكليَّيْنِ بموجبِ ذلك القرارِ الاِرْتِئَائِيِّ الإجماعيِّ الذي تَبَنَّتْهُ «الجمعية العامة للأمم المتحدة» UNGA في اليوم السادس والعشرين من شهر تموز (يوليو) الماضي من هذا العام 2023 كذلك، والذي صَاغَهُ المغربُ المهرولُ بكلِّ استخذاءٍ وراءَ التطبيعِ «الإبراهيميِّ» مع أزلامِ الكيانِ الصهيونيِّ (وهنا تكمنُ مهزلةُ المهازلِ)، صَاغَهُ صَوْغًا لكي «يُدينَ» سَائرَ أعمالِ الاِنتهاكِ ضدَّ كتبٍ مقدَّسةِ المقام وضدَّ أديانٍ في مقدِّمَتِهَا الإسلام!!..
ومَا هذان الإحراقُ والتدنيسُ الإسكندنافيَّانِ المُمَهَّدَانِ «إفريقيًّا» في الأَصْلِ، والأنكى والأزرى من ذلك كلِّه، إلَّا إِرْهَاصَانِ «تاريخيَّانِ» مُنْذِرَانِ إذَّاك بالاعتداءِ الدَّمِيمِ من لَدُنْ أولئك الصَّهَائِنِ المستوطنين في أراضي فلسطينَ المحتلةِ ذاتِها من أجوافِ الضفةِ الغربيَّةِ أو حتى من غلافِ غَزَّةَ الأبِيَّةِ، ومُخْطِرَانِ مُذَّاك بالتمادي الذَّمِيمِ من طرفِ هؤلاءِ الصَّهَائِنِ الأنجَاسِ أثناءَ احتفالاتهم الدينيةِ الإفْكِيَّةِ والتزييفيَّةِ بامتيازٍ، بدورها هي الأخرى، تماديهم في الخَسْفِ والشَّتْمِ الشَّائِنَيْنِ المُشِينَيْنِ لآنَامِ تيك الأراضي التي يستوطنونهَا بالعَيْنِ على الملأَيْنِ الأدنى والأعلى، وتماديهم حتى في البَصْقِ والتَّفْلِ المُقْرِفَيْنِ المُقَزِّزَيْنِ على العربِ المسلمينَ ومساجدِهِمْ وحتى على العربِ المسيحيينَ وكنائسِهِمْ – ناهيك، والمَآلُ الزَّرِيُّ هنا، عن تصافقِ وتواقحِ هؤلاءِ الصَّهَائِنِ الأنجَاسِ الأرجَاسِ في الدَّوْسِ الرَّذِلِ المُهِينِ على أَجْدَاثِ القاطنينَ من كلٍّ من هٰتين الطائفتَيْنِ الدينيَّتَيْنِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.. كُلُّ هٰذين الخَسْفِ والشَّتْمِ الشَّائِنَيْنِ المُشِينَيْنِ، وكُلُّ هٰذين البَصْقِ والتَّفْلِ المُقْرِفَيْنِ المُقَزِّزَيْنِ (وفضلًا عن كُلِّ هٰذا الدَّوْسِ الرَّذِلِ المُهِينِ، مسبُوقًا باحتلالٍ وحصَارٍ نازيَّيْنِ فاشيَّيْنِ متوحِّشَيْنِ همجيَّيْنِ على مدى عشراتٍ من عجافِ السنين)، كُلُّ هٰذينِ وكُلُّ هٰذينِ وكُلُّ هٰذا ليسَ لهُ، والحقُّ لَا بُدَّ من أن يُقَالَ، سِوَى أن يتأوَّجَ سُخْطًا وحَنَقًا وغَضَبًا فيمَا استحقَّ تَسْمِيَةً وتَطْويبًا وتقديسًا بـ«طوفانِ الأقصَى»، وذاك في اليومِ السَّابِعِ من شهرِ تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2023.. ومع ازديادِ أعدادِ الضحايا والرحمةُ كُلُّهَا على أرواحهم واحدًا واحدًا مَا بينَ الثريَّا والأَثْرَى، هذا الطوفانُ الأَقْصَوِيُّ المُقَدَّسُ، لَا المُدَنَّسُ، قد كشفَ الأطرافَ المعنيَّةَ على حقائقِهَا الدَّنِيئَةِ والدَّنِيَّةِ تَتْرَى، قد كشفَ الكيانَ الصُّهيونيَّ الغِطْرِيفَ الجَخِيفَ المبنيَّ في الأسَاسِ ومنذ البَدْءِ على بنيَانٍ من وَرَق، قد كشفَ الغربَ الإمبرياليَّ المغموسَ في أَزْفَاتِ النفاقِ والإفكِ والهِتْرِ خِرَقًا في خِرَق، قد كشفَ العربانَ والمستعربينَ من الطغاةِ العُتَاةِ الجُوفِ المُذَلِّينَ مَهَنَةً عِتَافًا أَمَامَ الأسيادِ من هكذا كيانٍ ومن هكذا غربٍ أَئِمَّة، لكنِ المستقوونَ أَيَّمَا استقوَاءٍ على أهلِ الحَقِّ الحَقِيقِ من الشعوبِ، أهلِ المقاومةِ الخَلِيقِ والهِمَّة!!..
[ولهذا الكلام، فيما بعدُ، تَتِمَّة]
***
كوبنهاغن (الدنمارك)،
29 تشرين الأول (أكتوبر) 2023
----------
ملاحظة هامة
هذه المقالات التي تُعَدُّ في مجال النقد الإعلامي والصحافي تحديدا إنما كانت، وما زالت، تصدر تباعا في المركز الإعلامي الفلسطيني المتميِّز، «الإعلام الحقيقي» Real Media، هذا المركزِ الكائنِ في حي الرمال من مدينةِ غَزَّةَ الأَبِيَّةِ بالذات.. ولكنْ، إذ يعترينا القلقُ الشديدُ والحزنُ الأشدُّ من هول القتل والدمار اللذين يُمَارَسَا بحقِّ أخواتنا وإخوتنا من الشعب الغَزِّيِّ الكُمَيْتِ الهُمَامِ من طرف أنجاس العدو الصهيوني الإجرامي على مدى شهرٍ ونَيِّفٍ من الزمان، يبدو أن مركز «الإعلام الحقيقي» هذا قد توقَّف عن إصدار موادِّهِ الإعلامية والصحافية حتى إشعارٍ آخَرَ منذ اندلاع «طوفان الأقصى» المقدَّس في اليوم السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2023.. وكلُّنا، في هذا، أملٌ وتطلُّعٌ وتشوُّفٌ على أحرَّ من الجَمْرِ في عودة المركز إلى نشاطه المعتاد في المستقبل القريب – وإنَّهُ لَسَمِيعٌ مُجِيب..