أشرنا في أكثر من مقالة إلى أن تركيب آية فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا، هو تركيب فريد من حيث تقنيات الدلالة فقد حذف جواب شرط إذا، لتضاف هالة من الغموض على مرجع الضمير ( واو الجماعة في الأفعال ليسوءوا، وليدخلوا، وليتبروا) ، فيكون السؤال : من هؤلاء؟ ، وهل هم عرق واحد أم أعراق مختلفة؟ ، و كيف تكون سوءة الوجوه علامة خاصة للوعد الثاني رغم حدوثها في الوعد الأول لا محالة، ولماذا استعمل الفعل يتبروا في الوعد الثاني والفعل جاسوا في الوعد الأول، وهذا الفعل ومادته (يتبروا) لم يستعمل في القرآن إلا منسوبا إلى الله، في قوله تعالى و كلا تبرنا تتبيرا، وقوله ولا تزد الظالمين إلا تيارا، وقوله : إن هؤلاء متبر ما هم فيه (على الرغم من صيغته (المبنى على ما لم يسم فاعله). ويبدو أن حرف الراء مع بعض الأفعال يفيد القوة والتشظي ( تبر - فجر -كسر - دمر - بعثر - نثر - عصر-...)، لذلك لم يستعمل في القرآن إلا منسوبا إلى الله تعالى، باستثناء هذا الموضع، حيث نسب إلى هؤلاء القوم ، فهو تتبير غير معهود، ولم يحدث في الوعد الأول. ثم ماذا تعني عبارة :وليتبروا ما علوا، لماذا لم يقل القرآن وليتبروا ما وجدوا أو ما رأوا أو ما لقوا؟ ، وهل العلو هنا هو علو معنوي فقط أم علو مادي أيضا؟ إن استعمال المفعول المطلق تتبيرا يجعل الفعل حقيقة لا مجازا كما قال تعالى : وكلم الله موسى تكليما، فهو كلام حقيقي لا مجازي، والعلو هنا علو حقيقي لا مجازي، اي ارتفاع حقيقي، ويكون معنى وليتبروا ما علوا اي وليتبروا ما علوه على عادة القرآن في حذف الضمير، فهولاء القوم سوف يتبرون ويفجرون ما يعلونه( يقذفونه) وما يعلون عليه(يرتقون عليه) ، ونلحظ هنا استعمال الفعل الماضي( علوا) لا المضارع يعلون، خلافا لكل الأفعال المضارعة في الآية ( ليسوءوا -و ليدخلوا- وليتبروا)، وذلك لأنه علو وارتفاع مادي خاطف وسريع نظرا لطبيعة الحرب في الوعد الثاني، إنها حرب المتفجرات سواء التي تعلو (في السماء) أو يعلي عليها( يرتقي عليها) في الأرض، وهي تسوء وجه الجميع المنتصر بسبب ضحاياه، والمهزوم بسبب خسائره، سوءةوجوه يراها العالم كله، فهي علامة وعد الآخرة.