هذه المقالة, هي دراسة متواضعة, أو شبه دراسة, تحاول أن تثبت وجود علاقة مباشرة بين التراث والحداث من خلال أدوات تحليلية تنطلق من التحليل بوصفه في الأصل عملية عقلية عليا تمزج بين (التفكيك والتركيب), وخاصة التفكيك لو أردنا الدقة, ومن خلال التعرض للأدوات اللغوية المميزة للفقرات التعريفية (المنهج الاصطلاحي). ولنبدأ بتعريفنا للتراث.
التراث هو كل ما حفظناه عن السابقين
والكلية هنا تشمل كل منتج بشري منذ الأزل, خاصة المنتجات الثقافية التي سمتها التغير عبر الزمن, سواء بالفاعلية التي تتيحها خصائص النص المكتوب,أ و تلك التي تتيحها صور أخرى من التراث الثقافي الغير مدون, سواء شفهي أو بصري أو مادي أو سلوكي أو خلافه.
فنحن لا نأبه مثلا لكون الإنسان, يولد وله عشرة أصابع موزعة على يديه, هذه صفة جسدية لاحظتها العلوم الحيوية والطبية. وصارت ثابتة غير متغيرة إلا بما تقتضيه ضرورات النمو عبر مراحل العمر المختلفة. إلا أن التغير سمة أساسية في الثقافة التي تعادل العقل والوعي الجمعي للبشر, ويكون بشكل أكثر تعقيدا, فلأن الإنسان كائن متفرد, وتقبع سمات تفرده داخل عقله, كان سمت الثقافة الاختلاف بين كل مجتمع وآخر, وبين كل زمن وآخر. مثل الاختلاف الواقع بالضرورة بين كل فرد وآخر.
وكما يقال
-قسّم الله الأرزاق فلم يرضى أحد برزقه, وقسّم الله العقول وكل واحد عجبه عقله
هذه العبارة التراثية نستهل بها مقالنا, الذي يذخر ببضع عبارات أخرى من التراث.
وقد لاحظنا أن التراث يتموقع في منطقة من التاريخ تشغل واحد من الأبعاد الرئيسية الثلاثة للزمن؛ حيث الماضي والحاضر والمستقبل. التراث يقع في الماضي.
والتراث هو مجموع المنتجات الثقافية التي تركها لنا السابقون. والسابقون هم أناس من الماضي لم يتبقى منهم سوى تركتهم. لاحقا سوف تبرز لنا مشكلة تقديس التراث التي لا تخرج غالبا عن ميل فطري في الإنسان لتقديس الإنسان, وكل ما يتركه الإنسان. إضافة إلى (الذي نعرفه خير من الذي لا نعرفه). ولكن معرفتنا متواصلة تيار بلا إنقطاع. فماذا نفعل بالمعرفة الجديدة.
نقول أنها معرفة مستمرة وقائمة على محورين هما الإعلام والعلم المتصلان بشكل ما حيث يصعب فصلهما عن بعض. والعلم هنا, وعلم التراث خاصة, يمثل حلقة وصل بين التراث والحداث. حيث
1-التراث / الماضي
2-الإعلام, والثقافة وقنوات الاتصال المختلفة عموما, بما في ذلك اللغة / الحاضر
3-الحداث / المستقبل
أو كما يقال
-أنتم السابقين ونحن اللاحقين
فكل عملية إنتاج معرفي / ثقافي, يلزمها بعد التنظير لها, تقنينها أو تأصيلها, يلزم حفظها.
هذه العملية الفرعية (الحفظ) هي في صميمها وثيقة الصلة بمفهوم الحداثة, أو الحداث.
الحداث هو عملية تحديث مستمر للحدث.
وبذلك لا يتوقف الحديث. نقطة.
فخصائص الحداثة ثلاثة
1-تحديث مستمر
2-تجريب من أجل التحديث
3-وتطلع للمزيد من التحديث الذي نعرف بعد كيف السبيل إليه
أي أنها مزج بين الحداثية بكل راهنيتها والتجريبية بكل عبثيتها والطليعية بما فيها من مستقبلية, وكل الخصائص الثلاث هي أقرب للجنوح.
وهذا ينعطف بنا قليلا للتعرف على الثقافة.
الثقافة هي جماع السلوكيات والظواهر الإنسانية التي تقبل الانتقال من خلال التعلم.
أو بصيغة أخرى / في تعريف آخر
الثقافة هو جماع المنتج الفكري والمادي للإنسان, وتشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلم الإجتماعي والوعي الإجتماعي والممارسة ووسائل التعبير البشري.
فالثقافة تحوي بداخلها عوامل ومركبات مثل الدين, الأصل, الفن, اللغة, الثياب, تعبيرات الوجه والجسد, أسلوب الحياة, أو شكل سلوك ثابت لمجتمع معين, مثل مجموعة من القيم والأفكار والمعايير المتفق عليها. وقد نختصر الثقافة لكل أمة ما في ثلاث قوالب كبرى هي الثقافة, والعرق أو القومية, واللغة.
أي أنها تشكل بنية أساسية في الدراسات الإنسانية, وكنت لأدرجها كعلم فرعي تحت علم الإنسان, لولا أن الثقافة, حاملة لمجموعة من العلوم الكبرى التي ربما لا تحتمل كبسها في علم واحد من علوم الإجتماع, لذا لزم التفرقة, وتخصيصها علما مستقلا بذاته (لاحقا سأنظر في الأمر مرة أخرى).
والفارق الرئيسي هنا, أن علم الإنسان معني بدراسة كافة السلوكيات الإنسانية على الصعيدين النفسي والإجتماعي. أما علم الثقافة, فهو يعني بهذه السلوكيات فقط من خلال عملية (التعلم) الذاتي أو الإجتماعي.
فمنذ يولد الإنسان -وربما قبل أن يولد- يحدد له مستقبل, وبناء على هذه المحددات والتطلعات تستمر المسيرة الحياتية للفرد أو المجتمع. ولأن المضي من الماضي إلى المستقبل, يرتبط في وعينا بالتقدم من الوراء إلى الأمام, فهو يقترن أيضا في هذا الوعي بالصعود من الأسفل إلى الأعلى فيما يسمى بالإرتقاء. وقد أوكل للثقافة هذا الدور الصعب.
والثقافة تنوب عن التعلم, أي أنه دور موكل بالتالي إلى علم (التعليم), وما يشمله هذا العلم من محاور أخلاقية وقيمية تزيد حقله إتساعا في عدد المباحث اللازمة لفهمه ودراسته.
والثقافة هنا تمثل الظاهرة الإنسانية, وتمثل إنتقالها وتطورها من خلال عملية التعلم. أي أنها جامعة لمبحثي الوجودية والقيمية, وما يتبعهما من مباحث ضرورية للوصول إلى الفهم السليم.
المباحث الوجودية, هي مباحث زمنية لإقتران الزمن بالوجود الإنساني, لذا نجد الثقافة تشغل ثلاث مباحث فيه
1-التراث: معني بدراسة جماع المظاهر الإنسانية التي ترسخت عبر ثقل الماضي.
2-الإعلام: معني بدراسة جماع المظاهر الإنسانية التي تنتقل عبر وعينا الحاضر.
3-الحداث: معني بدراسة جماع المظاهر الإنسانية في تطورها وفي حدوثها المستقبلي.
وقد يلزمنا في دراسة المحاور الثلاثة (وكذلك الثلاثة الأخرى) التعديل الذي يمثل جزء من التطبيق في أي علم.
المباحث الثلاثة القيمية, وهي
1-الأخلاق
2-الجمال
3-التعليم (والعلم / المنطق)
[1] التراث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراث هو دراسة الثقافة في شكلها الماضي
يمكننا دراسة التراث عبر مسارين نتعرف من خلالهما على التراث
مسار تعريفي صوري نظري مدخلي, من خلال تعريف ماهية التراث, بالمقارنة مع مفاهيم أخرى مثل الحداث, والثقافة,والأخلاق, والقيم الجمالية أو المنطقية. وخلافه. وهنا يصبح التراث عالميا.
مسار تعرفي مادي نظري وتطبيقي, من خلال تناول مظاهر التراث المختلفة (في نطاق إجتماعي معين) بالتحليل والنقد وإطلاق الحكم فيما يُعرف عربيا بإشكالية (موقفنا من التراث), يضاف إليه البحوث المذهلة في التحقيق وتتبع الآثار المادية لعلمائها الكبار.
وفي الحالتين, تتجلى أهمية دراسة الفن الشعبي لأنه يقدم مداخل جيدة للتعرف على تراث وثقافات الشعوب.
ومظاهر التراث لا تخرج على ما يبدوا عن ما وضعه علماء الإنثروبولجيا في الكليات الخمسة الإنسانية, وهي
1-الجسد
2-الحضارة
3-اللغة
4-السلوك
5-الثقافة
لذا وفي بعض الأحوال, قمت بإبدال هذه المسميات إلى مسميات أخرى
1-التصورات
2-الآثار
3-النص (النص والصورة)
4-الأعراف
5-الأفكار
[2] الإعلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أعرف تحديدا أي الحقلين أكثر إحتكاكا بواقعنا المعاش والمعاصر (حاضرنا)؛ الإعلام أم الثقافة؟.
الإعلام هو نقل الأخبار المعاصرة إلى الناس التي تعيش هذا العصر
وهو يختلف عن التاريخ, فهذا معني بنقل الأخبار الماضية إلى الفترة المعاصرة
أما الثقافة, فهي تعني بالمظاهر المعرفية التي تقبل الانتقال من خلال التعلم, في وسط ملزم بزمن حاضر. فلا يمكن أن نعلم شخص من المستقبل شيء أكيد, مثلما يصعب علينا تعلم شيء أكيد من الماضي دون رقابة أو رعاية مؤسساتية حاضرة, بالرغم من أن هذا تحديدا هو دور علم المستقلبيات.
في الأخير عرفت أو خمنت أن كل طرق الاتصال, حاضرة بشكل أو بآخر أثناء حدوث الاتصال.
[3] المستقبليات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلم المستقلبيات هو علم معني بما سيكون عليه شكل المستقبل, على مختلف الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والعسكرية والتقنية وخلافه. وهو بذلك يتقاطع مع علم الحداث المقابل لعلم التراث, كون الأول معني بدراسة شكل الماضي, والآخر معني بدراسة شكل المستقبل. مستقبل الحاضر, أو حاضر المستقبل. المستقبل هنا يأتي بوصفه حاضرا ولا وجود فعلي للحاضر. أي أن الحاضر, هو نقطة صفرية تقع بين الماضي والمستقبل, وعليه فإن لحظة قراءتك لهذه الكلمة هي لحظة ماضية الآن, والتي يعقبها لحظة مستقبلية بإستمرار. والإستمرار لا يتمثل في تيار المعايشة المتقدم للأمام فقط, بل وفي الماضي الذي يظل يتباعد عنا بإستمرار.
وعليه يصعب تصنيف علم الحداث, هل هو علم معني بالحاضر أم المستقبل, مع العلم أن علم المستقبليات يمكن اعتباره علم مستقل بذاته, إلا أنه لم يحظى بعد بكم تراكمي يصير فيه إلى كيف تحوله لعلم ذو شأن بين العلوم الأخرى التي قد تكون أبرع منه بعد في استشراف المستقبل؛ مثل علم التسويق الذي يتنبأ بسلوكيات العملاء, وعلم الإقتصاد الذي يتنبأ بأوضاع السوق, أو علم البيئة الذي يتنبأ بحال المحيط الطبيعي للمكان, أو علم التخطيط الذي يتنبأ بالمآلات التي تنساق إليها القرارات. لذا, سنقوم حاليا بدفع علم المستقلبيات جانبيا ونعني أكثر بعلم الحداث. أي أن الزمن هنا لا يخرج عن كونه تراث أو حداث. والحداثة تسير في خط موازي ومتقاطع ومتداخل مع الإعلام, ومع علم الثقافة, مع إعترافنا بكون علم الحداث أو الحداثة هو علم مستقل عن علم الثقافة, إلا أننا هنا لن نستطيع الفصل كثيرا بين الصور الثقافية والصور الحداثية. بل وأحيانا لن نستطيع الفصل بين الأشكال الثقافية والأشكال الحداثية-التراثية. لذا وبطبيعة الحال سوف يشتمل قسم الثقافة على باب الحداثة. مع محاولة الحفاظ على باب التراث مستقلا. ولأن الإعلام هو علم كبير يمكن اعتباره واحد من العلوم السبعة الرئيسية -الإتصال,الإجتماع,الإقتصاد,الإنسانيات,الثقافة, السياسة,القانون- المشكلة للعلوم الإجتماعية, أذبنا ما جمعناه في باب (الإعلام الثقافي أو الثقافة الجماهيرية) ضمن علم الإعلام بدلا من علم الثقافة. وحتى السبعة تم التعديل عليها أكثر من مرة لتشعب العلوم الإنسانية بما تعجز عن استيعابه العقول.
وكنت أعد علم الثقافة هو السابع ضمن (محاور الثقافة السبع)
المشتملة على
تاريخيا
1-التراث / الماضي
2-الإعلام / الحاضر
3-الحداث / المستقبل
وتطبيقيا
1-الأخلاق
2-الجمال
3-التعليم
فكان هناك فرع سابع خصصته للمواضيع المتعلقة بالثقافة من حيث الطلب إليها في المقام الأول, لذا فكرت أن أدرجها ضمن التعليم,الذي يأخذ أحد شكلين,إما تعليم جامعي, وإما تعليم ثقافي.
وقد استخرجت سبعة محاور أخرى عن الثقافة الفرعية,وهي
1-التاريخ
2-التصورات
3-الثقافة
4-الخطاب
5-الذات
6-الصورة
7-النص
وبنظرة سريعة يتضح لنا أن هذا التقسيم الفرعي ليس إلا تكرارا -مع بعض الإختلاف- للتقسيم الرئيسي أعلاه, لذا عملنا على توزيعه في الأقسام الستة المذكورة, مع تخصيص قسم واحد خاص بالثقافة في ذاتها (من حيث هي علم عن العلم بالشيء) في نوع من المشابهة بالعلوم الابستمولوجية (العلوم المعرفية التي تدرس بنية المعرفة وكيفية الحصول عليها). ولكن مرة أخرى, قد يأتي هذا الحقل مكررا عن الحداث, أي العلم بالمستقبل (أو الحاضر), وعادة, فكل علم, وكل ثقافة, وكل معرفة يلزمها أن تكون نافعة للمستقبل. لمسيرة التطور والترقي. وإذا ما تطرقنا إلى الحداث, وهو ما يعنينا هنا, يمكننا الحديث عنه بوصفها ثقافة أو علما أو فكرا. هنا تظهر علاقة بين الحصول على المعرفة (الإبستمولوجي) وطلب المعرفة (التعليم والعلوم التربوية).
ويتبقى في الأخير أن نقسم المحاور الثلاثة القيمية (الغير زمنية) إلى ثنائيات,وهي
الجمال / الثقافة
والمعرفة / التعليم
والقانون / الأخلاق
التراث هو كل ما حفظناه عن السابقين
والكلية هنا تشمل كل منتج بشري منذ الأزل, خاصة المنتجات الثقافية التي سمتها التغير عبر الزمن, سواء بالفاعلية التي تتيحها خصائص النص المكتوب,أ و تلك التي تتيحها صور أخرى من التراث الثقافي الغير مدون, سواء شفهي أو بصري أو مادي أو سلوكي أو خلافه.
فنحن لا نأبه مثلا لكون الإنسان, يولد وله عشرة أصابع موزعة على يديه, هذه صفة جسدية لاحظتها العلوم الحيوية والطبية. وصارت ثابتة غير متغيرة إلا بما تقتضيه ضرورات النمو عبر مراحل العمر المختلفة. إلا أن التغير سمة أساسية في الثقافة التي تعادل العقل والوعي الجمعي للبشر, ويكون بشكل أكثر تعقيدا, فلأن الإنسان كائن متفرد, وتقبع سمات تفرده داخل عقله, كان سمت الثقافة الاختلاف بين كل مجتمع وآخر, وبين كل زمن وآخر. مثل الاختلاف الواقع بالضرورة بين كل فرد وآخر.
وكما يقال
-قسّم الله الأرزاق فلم يرضى أحد برزقه, وقسّم الله العقول وكل واحد عجبه عقله
هذه العبارة التراثية نستهل بها مقالنا, الذي يذخر ببضع عبارات أخرى من التراث.
وقد لاحظنا أن التراث يتموقع في منطقة من التاريخ تشغل واحد من الأبعاد الرئيسية الثلاثة للزمن؛ حيث الماضي والحاضر والمستقبل. التراث يقع في الماضي.
والتراث هو مجموع المنتجات الثقافية التي تركها لنا السابقون. والسابقون هم أناس من الماضي لم يتبقى منهم سوى تركتهم. لاحقا سوف تبرز لنا مشكلة تقديس التراث التي لا تخرج غالبا عن ميل فطري في الإنسان لتقديس الإنسان, وكل ما يتركه الإنسان. إضافة إلى (الذي نعرفه خير من الذي لا نعرفه). ولكن معرفتنا متواصلة تيار بلا إنقطاع. فماذا نفعل بالمعرفة الجديدة.
نقول أنها معرفة مستمرة وقائمة على محورين هما الإعلام والعلم المتصلان بشكل ما حيث يصعب فصلهما عن بعض. والعلم هنا, وعلم التراث خاصة, يمثل حلقة وصل بين التراث والحداث. حيث
1-التراث / الماضي
2-الإعلام, والثقافة وقنوات الاتصال المختلفة عموما, بما في ذلك اللغة / الحاضر
3-الحداث / المستقبل
أو كما يقال
-أنتم السابقين ونحن اللاحقين
فكل عملية إنتاج معرفي / ثقافي, يلزمها بعد التنظير لها, تقنينها أو تأصيلها, يلزم حفظها.
هذه العملية الفرعية (الحفظ) هي في صميمها وثيقة الصلة بمفهوم الحداثة, أو الحداث.
الحداث هو عملية تحديث مستمر للحدث.
وبذلك لا يتوقف الحديث. نقطة.
فخصائص الحداثة ثلاثة
1-تحديث مستمر
2-تجريب من أجل التحديث
3-وتطلع للمزيد من التحديث الذي نعرف بعد كيف السبيل إليه
أي أنها مزج بين الحداثية بكل راهنيتها والتجريبية بكل عبثيتها والطليعية بما فيها من مستقبلية, وكل الخصائص الثلاث هي أقرب للجنوح.
وهذا ينعطف بنا قليلا للتعرف على الثقافة.
الثقافة هي جماع السلوكيات والظواهر الإنسانية التي تقبل الانتقال من خلال التعلم.
أو بصيغة أخرى / في تعريف آخر
الثقافة هو جماع المنتج الفكري والمادي للإنسان, وتشمل نطاق الظواهر التي تنتقل من خلال التعلم الإجتماعي والوعي الإجتماعي والممارسة ووسائل التعبير البشري.
فالثقافة تحوي بداخلها عوامل ومركبات مثل الدين, الأصل, الفن, اللغة, الثياب, تعبيرات الوجه والجسد, أسلوب الحياة, أو شكل سلوك ثابت لمجتمع معين, مثل مجموعة من القيم والأفكار والمعايير المتفق عليها. وقد نختصر الثقافة لكل أمة ما في ثلاث قوالب كبرى هي الثقافة, والعرق أو القومية, واللغة.
أي أنها تشكل بنية أساسية في الدراسات الإنسانية, وكنت لأدرجها كعلم فرعي تحت علم الإنسان, لولا أن الثقافة, حاملة لمجموعة من العلوم الكبرى التي ربما لا تحتمل كبسها في علم واحد من علوم الإجتماع, لذا لزم التفرقة, وتخصيصها علما مستقلا بذاته (لاحقا سأنظر في الأمر مرة أخرى).
والفارق الرئيسي هنا, أن علم الإنسان معني بدراسة كافة السلوكيات الإنسانية على الصعيدين النفسي والإجتماعي. أما علم الثقافة, فهو يعني بهذه السلوكيات فقط من خلال عملية (التعلم) الذاتي أو الإجتماعي.
فمنذ يولد الإنسان -وربما قبل أن يولد- يحدد له مستقبل, وبناء على هذه المحددات والتطلعات تستمر المسيرة الحياتية للفرد أو المجتمع. ولأن المضي من الماضي إلى المستقبل, يرتبط في وعينا بالتقدم من الوراء إلى الأمام, فهو يقترن أيضا في هذا الوعي بالصعود من الأسفل إلى الأعلى فيما يسمى بالإرتقاء. وقد أوكل للثقافة هذا الدور الصعب.
والثقافة تنوب عن التعلم, أي أنه دور موكل بالتالي إلى علم (التعليم), وما يشمله هذا العلم من محاور أخلاقية وقيمية تزيد حقله إتساعا في عدد المباحث اللازمة لفهمه ودراسته.
والثقافة هنا تمثل الظاهرة الإنسانية, وتمثل إنتقالها وتطورها من خلال عملية التعلم. أي أنها جامعة لمبحثي الوجودية والقيمية, وما يتبعهما من مباحث ضرورية للوصول إلى الفهم السليم.
المباحث الوجودية, هي مباحث زمنية لإقتران الزمن بالوجود الإنساني, لذا نجد الثقافة تشغل ثلاث مباحث فيه
1-التراث: معني بدراسة جماع المظاهر الإنسانية التي ترسخت عبر ثقل الماضي.
2-الإعلام: معني بدراسة جماع المظاهر الإنسانية التي تنتقل عبر وعينا الحاضر.
3-الحداث: معني بدراسة جماع المظاهر الإنسانية في تطورها وفي حدوثها المستقبلي.
وقد يلزمنا في دراسة المحاور الثلاثة (وكذلك الثلاثة الأخرى) التعديل الذي يمثل جزء من التطبيق في أي علم.
المباحث الثلاثة القيمية, وهي
1-الأخلاق
2-الجمال
3-التعليم (والعلم / المنطق)
[1] التراث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراث هو دراسة الثقافة في شكلها الماضي
يمكننا دراسة التراث عبر مسارين نتعرف من خلالهما على التراث
مسار تعريفي صوري نظري مدخلي, من خلال تعريف ماهية التراث, بالمقارنة مع مفاهيم أخرى مثل الحداث, والثقافة,والأخلاق, والقيم الجمالية أو المنطقية. وخلافه. وهنا يصبح التراث عالميا.
مسار تعرفي مادي نظري وتطبيقي, من خلال تناول مظاهر التراث المختلفة (في نطاق إجتماعي معين) بالتحليل والنقد وإطلاق الحكم فيما يُعرف عربيا بإشكالية (موقفنا من التراث), يضاف إليه البحوث المذهلة في التحقيق وتتبع الآثار المادية لعلمائها الكبار.
وفي الحالتين, تتجلى أهمية دراسة الفن الشعبي لأنه يقدم مداخل جيدة للتعرف على تراث وثقافات الشعوب.
ومظاهر التراث لا تخرج على ما يبدوا عن ما وضعه علماء الإنثروبولجيا في الكليات الخمسة الإنسانية, وهي
1-الجسد
2-الحضارة
3-اللغة
4-السلوك
5-الثقافة
لذا وفي بعض الأحوال, قمت بإبدال هذه المسميات إلى مسميات أخرى
1-التصورات
2-الآثار
3-النص (النص والصورة)
4-الأعراف
5-الأفكار
[2] الإعلام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أعرف تحديدا أي الحقلين أكثر إحتكاكا بواقعنا المعاش والمعاصر (حاضرنا)؛ الإعلام أم الثقافة؟.
الإعلام هو نقل الأخبار المعاصرة إلى الناس التي تعيش هذا العصر
وهو يختلف عن التاريخ, فهذا معني بنقل الأخبار الماضية إلى الفترة المعاصرة
أما الثقافة, فهي تعني بالمظاهر المعرفية التي تقبل الانتقال من خلال التعلم, في وسط ملزم بزمن حاضر. فلا يمكن أن نعلم شخص من المستقبل شيء أكيد, مثلما يصعب علينا تعلم شيء أكيد من الماضي دون رقابة أو رعاية مؤسساتية حاضرة, بالرغم من أن هذا تحديدا هو دور علم المستقلبيات.
في الأخير عرفت أو خمنت أن كل طرق الاتصال, حاضرة بشكل أو بآخر أثناء حدوث الاتصال.
[3] المستقبليات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلم المستقلبيات هو علم معني بما سيكون عليه شكل المستقبل, على مختلف الأصعدة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والعسكرية والتقنية وخلافه. وهو بذلك يتقاطع مع علم الحداث المقابل لعلم التراث, كون الأول معني بدراسة شكل الماضي, والآخر معني بدراسة شكل المستقبل. مستقبل الحاضر, أو حاضر المستقبل. المستقبل هنا يأتي بوصفه حاضرا ولا وجود فعلي للحاضر. أي أن الحاضر, هو نقطة صفرية تقع بين الماضي والمستقبل, وعليه فإن لحظة قراءتك لهذه الكلمة هي لحظة ماضية الآن, والتي يعقبها لحظة مستقبلية بإستمرار. والإستمرار لا يتمثل في تيار المعايشة المتقدم للأمام فقط, بل وفي الماضي الذي يظل يتباعد عنا بإستمرار.
وعليه يصعب تصنيف علم الحداث, هل هو علم معني بالحاضر أم المستقبل, مع العلم أن علم المستقبليات يمكن اعتباره علم مستقل بذاته, إلا أنه لم يحظى بعد بكم تراكمي يصير فيه إلى كيف تحوله لعلم ذو شأن بين العلوم الأخرى التي قد تكون أبرع منه بعد في استشراف المستقبل؛ مثل علم التسويق الذي يتنبأ بسلوكيات العملاء, وعلم الإقتصاد الذي يتنبأ بأوضاع السوق, أو علم البيئة الذي يتنبأ بحال المحيط الطبيعي للمكان, أو علم التخطيط الذي يتنبأ بالمآلات التي تنساق إليها القرارات. لذا, سنقوم حاليا بدفع علم المستقلبيات جانبيا ونعني أكثر بعلم الحداث. أي أن الزمن هنا لا يخرج عن كونه تراث أو حداث. والحداثة تسير في خط موازي ومتقاطع ومتداخل مع الإعلام, ومع علم الثقافة, مع إعترافنا بكون علم الحداث أو الحداثة هو علم مستقل عن علم الثقافة, إلا أننا هنا لن نستطيع الفصل كثيرا بين الصور الثقافية والصور الحداثية. بل وأحيانا لن نستطيع الفصل بين الأشكال الثقافية والأشكال الحداثية-التراثية. لذا وبطبيعة الحال سوف يشتمل قسم الثقافة على باب الحداثة. مع محاولة الحفاظ على باب التراث مستقلا. ولأن الإعلام هو علم كبير يمكن اعتباره واحد من العلوم السبعة الرئيسية -الإتصال,الإجتماع,الإقتصاد,الإنسانيات,الثقافة, السياسة,القانون- المشكلة للعلوم الإجتماعية, أذبنا ما جمعناه في باب (الإعلام الثقافي أو الثقافة الجماهيرية) ضمن علم الإعلام بدلا من علم الثقافة. وحتى السبعة تم التعديل عليها أكثر من مرة لتشعب العلوم الإنسانية بما تعجز عن استيعابه العقول.
وكنت أعد علم الثقافة هو السابع ضمن (محاور الثقافة السبع)
المشتملة على
تاريخيا
1-التراث / الماضي
2-الإعلام / الحاضر
3-الحداث / المستقبل
وتطبيقيا
1-الأخلاق
2-الجمال
3-التعليم
فكان هناك فرع سابع خصصته للمواضيع المتعلقة بالثقافة من حيث الطلب إليها في المقام الأول, لذا فكرت أن أدرجها ضمن التعليم,الذي يأخذ أحد شكلين,إما تعليم جامعي, وإما تعليم ثقافي.
وقد استخرجت سبعة محاور أخرى عن الثقافة الفرعية,وهي
1-التاريخ
2-التصورات
3-الثقافة
4-الخطاب
5-الذات
6-الصورة
7-النص
وبنظرة سريعة يتضح لنا أن هذا التقسيم الفرعي ليس إلا تكرارا -مع بعض الإختلاف- للتقسيم الرئيسي أعلاه, لذا عملنا على توزيعه في الأقسام الستة المذكورة, مع تخصيص قسم واحد خاص بالثقافة في ذاتها (من حيث هي علم عن العلم بالشيء) في نوع من المشابهة بالعلوم الابستمولوجية (العلوم المعرفية التي تدرس بنية المعرفة وكيفية الحصول عليها). ولكن مرة أخرى, قد يأتي هذا الحقل مكررا عن الحداث, أي العلم بالمستقبل (أو الحاضر), وعادة, فكل علم, وكل ثقافة, وكل معرفة يلزمها أن تكون نافعة للمستقبل. لمسيرة التطور والترقي. وإذا ما تطرقنا إلى الحداث, وهو ما يعنينا هنا, يمكننا الحديث عنه بوصفها ثقافة أو علما أو فكرا. هنا تظهر علاقة بين الحصول على المعرفة (الإبستمولوجي) وطلب المعرفة (التعليم والعلوم التربوية).
ويتبقى في الأخير أن نقسم المحاور الثلاثة القيمية (الغير زمنية) إلى ثنائيات,وهي
الجمال / الثقافة
والمعرفة / التعليم
والقانون / الأخلاق