أ. د. عادل الأسطة - يوميات العدوان على غزة.. ملف - الشهر الثالث - تابع(85..92)

الشهر الثالث - تابع

85- توفيق زياد : في الليلة الظلماء

في أثناء هذه المقتلة وحرب الإبادة وصمت فلسطينيين ، بخاصة من الكتاب والأدباء ، تذكرت الشاعر توفيق زياد ، الشاعر الذي تغنى بالشعب الفلسطيني والشعوب بعامة تغنيا لافتا ، وتساءلت :
- هل كان سيصمت كما صمت أدباء كثر ، ينتمون إلى فصائل تدين حماس بخاصة والتيار الإسلامي بعامة ، وترى أن الحرب ليست حربها ، أم أنه سيرى فيما يجري عدوانا على الشعب حتى لو اختلف مع التيار الإسلامي ايديولوجيا وسياسيا ؟
سبق وأن قلت في الندوة التي أقيمت في رام الله في حفل تكريم أسرة الشاعر في آب من هذا العام ٢٠٢٣ إن توفيق زياد وقف باستمرار إلى جانب شعبه والشعوب المظلومة المنتهكة من الاستعمار وأعوانه وحلفائه ، وقد أكثر من ترداد دال الشعب تكرارا لافتا يستحق أن يدرس دراسة إحصائية وتبيان دلالة ذلك .
وجهة نظري الشخصية هي أن " أبو الأمين " ، حتى لو لم يتفق مع حماس ايديولوجيا وسياسيا ، لن يصمت إزاء الجرائم التي ترتكب بحق المواطنين الغزيين الأبرياء ، وبحق الفلسطينيين في الضفة الغربية ، وأنه سيعزو سبب كل ما يجري إلى الاحتلال الإسرائيلي وسياسته القائمة على التمييز العنصري وحصار غزة .
في دراستي لأدبه تبنيت رأيا يقوم على منهج وحدة المؤلف وأدبه - أي عدم الفصل بين الكاتب ونصوصه فروحها من روحه .
في قصة " هكذا نحن " نقرأ عن شخصية فلسطينية لا تهادن ولا تهاب ، وحين يسألها المستعمر الجديد ، وهو هنا الانتداب البريطاني ، عن رأيها في اختلاف سياسته عن سياسة سلفه الاستعمار القديم - أي تركيا ، طامعا أن يستمع إلى عبارات مديح له وإدانة لسابقه ، لا تتردد في الإفصاح عما تقتنع به ، بخلاف الآخرين الذين نافقوا في كل العصور آخذين بالمثل " اللي بتزوج أمي هو عمي " .
أبو الميناء رأى أن لا فرق بين مستعمر ومستعمر ولم يتردد في توضيح الأمر للضابط البريطاني . نحن مركوبون مركوبون . مركوبون في زمن الأتراك ومركوبون في زمن البريطانيين ، ولن يختلف رأي زياد نفسه في موقفه من الإسرائيليين وغيرهم من الأنظمة العربية المدعومة أمريكيا .
حتى اللحظة لم تشع قصيدة لافتة لشاعر من المناطق المحتلة في فلسطين التاريخية تدين الاعتداءات على مواطني غزة الأبرياء ؛ قصيدة تصف ما يجري بأنه مجزرة ومقتلة ومحو وإبادة للشيوخ والنساء والأطفال والذين لا يحملون السلاح ولا حول لهم ولا قوة .
هل تتذكرون قول الشاعر " أبو فراس الحمداني " ؛
" سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر " .
في هذه المقتلة نفتقد توفيق زياد صاحب " يا شعبي يا عود الند ، يا أغلى من قلبي عندي " .
ربما أنا مخطيء ! ربما !
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ١٢ / ٢٠٢٣

فجر اليوم الخامس والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 85: ب- الموقع والموقف :

لطالما وظفت هذه المقولة في كتاباتي النقدية . موقعك يحدد موقفك إلا ما ندر ، ومثلنا الشعبي يقول " أطعم الفم تستح العين " وقد تلاعب به القاص أكرم هنية في قصته " وقائع موت المواطنة منى . ل " حين تحدث عن تغير مواقف صديقها اليساري وتراجع عن قناعاته فسافر إلى الخليج ونسي ما كان ينادي به . في قصته قال " يجب أن يخترعوا مثلا بالعربية هو : أطعم الفم تستح الايديولوجيا " .
قبل أكرم هنية كتب الروائي الجزائري الطاهر وطار قصته " اشتراكي حتى الموت " وصور فيها شخصية مهندس أسهم في حرب التحرير الجزائرية ، ولما استقلت بلاده وصار موظفا غدا في سلوكه برجوازيا .
بعد مرور ٢٠ عاما على الثورة الطلابية في أوروبا صار قسم من المساهمين فيها موظفين وأصحاب مناصب ووزراء وتخلوا عن أفكارهم القديمة ، فقال فيهم من عرف تاريخهم :
- لا تثق بمن هو فوق الثلاثين أو الأربعين .
هذه التحولات قرأت عن مثيلاتها في الرواية العربية من المشرق إلى المغرب ومن نجيب محفوظ إلى حيدر حيدر إلى المغربي محمد الأشعري ؛ الأول في " اللص والكلاب " والثاني في " شموس الغجر " والثالث في " القوس والفراشة " ولا أنسى روايات لبنانية مثل رواية علوية صبح " مريم الحكايا " ، وقررت أن أدرس الظاهرة ثم انشغلت بالقدم السكري وبكتابة اليوميات ؛ يوميات الست كورونا ويوميات الحرب المتكررة في غزة ويوميات الحصار لنابلس والآن يوميات حرب طوفان الأقصى ، وشغلني فوق ذلك الانكباب على إنجاز كتاب " مدن في الذاكرة " .
عندما غادر محمود درويش حيفا في بداية سبعينيات القرن ٢٠ هجاه رفاقه ومنهم إميل حبيبي الذي كتب " ومنهم من غير موقفه بتغيير موقعه " علما بأن درويش قال في إحدى المقابلات معه ، بعد الخروج ، قال " غيرت موقعي ولم أغير موقفي " ، وعندما غير إميل حبيبي موقفه وانحاز للبريسترويكا غادر موقعه في الحزب الشيوعي الذي ظل متمسكا بالنهج القديم له ، فهجاه توفيق زياد هجاء مرا قاسيا ونعته بالمرتد .
أنا شخصيا دارس أكثر مني حزبي ايديولوجي ، وحين أدرس الظاهرة أدرسها كباحث ودارس ، لا هم له سوى الرصد والتفسير ، ولا أدرسها لأهاجم المتغيرة مواقفهم بتغير مواقعهم ، ولقد كتبت عنها في كتابي " سؤال الهوية : فلسطينية الأدب والأديب " ( ٢٠٠٠ ) وسببت لي كتابتي مشاكل عديدة .
هل تذكرون قصيدة محمود درويش " عندما يذهب الشهداء إلى النوم " وما ورد فيها عن انقلاب الكتاب على الأنبياء ؟
اللهم حسن الختام !!
في الحرب هناك أيضا متسع لثرثرة أدبية .
مساء الخير
خربشات عادل الاسطة
٣٠ / ١٢ / ٢٠٢٣

مساء اليوم الخامس والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

86: أ- عندما يذهب الشهداء إلى النوم :

أبى أحد المقاومين في غزة أن يرتقي إلا وهو ساجد يصلي . الصورة لفتت أنظار الإعلام الإسرائيلي فتناولها بعض المعلقين في إحدى القنوات بالتحليل ، مبينا دلالة ذلك ، ومن قبل أبدى محللون إسرائيليون رأيهم في الفارق الجوهري بين المقاتل الإسرائيلي والمقاتل الفلسطيني : قوة العقيدة لدى الأخير وقناعته المطلقة بما هو مقدم عليه .
وأمس تكرر ظهور الصورة في وسائل التواصل الاجتماعي ، بل إن بعض الفنانين التشكيليين سرعان ما التقطها ورسمها لتصبح أيقونة ، وقد تصبح أيقونة الحرب أيضا .
وربما ما عزز من هذه الصورة للمقاوم الفلسطيني التحامه مع الدبابات والآليات من نقطة الصفر . صار للصفر دال جديد هو الالتحام في الحرب الحديثة عن قرب وجها لوجه ، وأمس أظهرت الصور تدمير الجرافة فصارت نارها الملتهبة موضع تندر . الناس في غزة في هذه المربعينية ، حيث الأجواء شديدة البرودة واللاجئون هناك ، في الخيام بلا ملابس شتوية ، بحاجة إلى التدفئة ، الناس في غزة بحاجة إلى النار ليتدفأوا . لا كانون نار معتبر ولا كهرباء ولا صوبات غاز ولا غاز ، وصارت نيران الدبابة مطلبا . هل سيستمدون من نارها نارا للدفء ؟ من بعيد رأى فيها الجالسون في بيوتهم كذلك ، فهل رأى فيها النازحون في الخيام ما رآه المترفون ؟
" عندما يذهب الشهداء إلى النوم أصحو " كتب محمود درويش في قصيدته التي حملت السطر نفسه عنوانا ، ليحرسهم من هواة الرثاء ومن انقلاب الكتاب على الأنبياء ، وأتمنى أن لا يأتي يوم ينقلب فيه المحللون والكتاب والمنظرون على الشهداء ! أتمنى ، فمن يدري !
كثيرون وقفوا مع الثورة في أوجها ولما انخذلت ما عادوا يرونها ثورة نبيلة . لقد صاروا ينظرون إليها ثورة تقاتل من أجل السلطة .
" أعلق أسماءكم أين شئتم فناموا قليلا ، وناموا على سلم الكرمة الحامضة
لأحرس أحلامكم من خناجر حراسكم وانقلاب الكتاب على الأنبياء
وكونوا نشيد الذي لا نشيد له ، عندما تذهبون إلى النوم هذا المساء "
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٣١ / ١٢ / ٢٠٢٣

فجر اليوم السادس والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 86: ب- اللاجئون الفلسطينيون : " تضيق بنا الأرض تحشرنا في الممر الأخير "

وأنا أقرأ الحلقة ٣١ من يوميات الروائي عاطف ابوسيف تذكرت قصيدة محمود درويش " تضيق بنا الأرض ، تحشرنا في الممر الأخير " من ديوانه " ورد أقل " ( ١٩٨٦ ) .
يكتب عاطف عن المخيمات الفلسطينية الجديدة في رفح الفلسطينية التي ضاقت بلاجئيها ، فالمدينة التي يمكن أن تتسع ل ٦٠٠ ألف مواطن على أكثر تقدير صار فيها ما يقارب المليون و ٨٠٠ ألف إنسان ، وهكذا صار عليهم أن يعصروا أنفسهم كي يتمكن الوافدون الجدد ، من خانيونس ومحيطها ، أن يجدوا أرضا لخيمة ، فإن لم يجدوا ناموا في العراء.
" تضيق بنا الأرض تحشرنا في الممر الأخير ، فنخلع أعضاءنا كي نمر
وتعصرنا الأرض . يا ليتنا قمحها كي نموت ونحيا ، ويا ليتها أمنا
لترحمنا أمنا . "
وها هم أهل غزة في الحد الأخير لفلسطين . ها هم يتساءلون :
" إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة ؟ "
ها هم يقولون :
" هنا سنموت . هنا في الممر الأخير . هنا أو هنا سوف يغرس زيتونه .. دمنا " .
غير أني تذكرت أكثر النكتة الشائعة التي لا يحب المؤمنون ، المتمسكون بقشور الدين سماعها ، وهي نكتة مصير اللاجئين يوم القيامة .
امتلأت الجنة بالمؤمنين وامتلأت النار بالكافرين وبقي اللاجئون ينتظرون مصيرهم ، وفي النهاية تقرر أن تقام لهم مخيمات .
يطنب عاطف أبو سيف في وصف حياة اللاجئين الفلسطينيين في غزة منذ صار هو اللاجيء بن اللاجيء حفيد اللاجيء لاجئا ولا يعرف ما تخبئه الأيام ، ولأنه يتوقع الأسوأ وأن بقية أسرته قد تغادر بيتها لتنضم إلى خيام اللجوء فإنه يحتفظ بخيمة لأخته عيشة ، ثم يرى أسرة لجأت حديثا لا خيمة لها ، فيتبرع لها بالخيمة .
وأنا أقرأ عن قسوة الحياة هناك وضيق المكان تذكرت بيتنا في المخيم وتبرع أبي بجزء من المساحة التي منحت له ل " أبو فؤاد سمحة " ، ولما أقام فيها وأراد إقامة كنيف له صارت الرائحة تهب على بيتنا وبدأت المشاكل .
رحم الله أبي و " أبو فؤاد سمحة " وكان الله في عون أهل غزة .
صديقي الدكتور رياض عوض Riyad Awad لم يرقه ما كتبته صباحا عن الحوار بين الدكتور أنس مهنا وميسون مناصرة وما قاله الدكتور من أن غزة هي صاحبة القرار المستقل الوحيد في العالم العربي ، فبقية الدول العربية تحكمها السفارات الأمريكية فيها وحكامها في العباءة الأمريكية لا حول لهم ولا قوة ، وسخر مني وقال لي إنني أكتب ما أكتب لأنني لا أعاني ما يعاني منه أهل القطاع .
ماذا سأكتب في العام القادم أم أنه يجب أن أتوقف عن كتابة اليوميات .
٢٠٢٣ وداعا بكل ما فيك .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٣١ / ١٢ / ٢٠٢٣

اليوم السادس والثمانون للمقتلة وحرب الإبادة

***

87: أ- لترحل ، غير مأسوف عليك .

لترحل ، علما بأنك العام الأول ، منذ النكبة ، العام الأول الذي دخلت فيه قوة فلسطينية ، بالقوة ، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948 ولو ليوم واحد .
2024
لتكن عاما مباركا أقل قسوة !
لتكن بالفلسطينيين أكثر رحمة ولترأف بأهل غزة ولتكن بهم وباللاجئين الفلسطينيين رؤوفا رحيما ، علما بأنك " سنة كبيسة " .
2024
أهلا بك وسهلا !
يا نار ويا عام كونا بردا وسلاما على أهل غزة .
صباح الخير أيها الفلسطينيون !
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين .
خربشات عادل الاسطة
١ / ١ / ٢٠٢٤ .

اليوم السابع والثمانون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 87: ب- أطفال غزة منذ ٧ أكتوبر :

لا مدارس ولا ألعاب ولا دورات ولا موسيقى ولا ... ولا ... وهم يريدون الطفولة ، ومن نجا منهم وفقد أباه وأمه سيقضي العمر وحيدا يعيش على الذكريات ، وقد يغدو كاتبا فيكتب لنا بعد خمسين عاما رواية على شاكلة رواية رشاد ابوشاور " وداعا يا زكرين " ويكون عنوانها - لا سمح الله - " وداعا يا غزة " . أمس غادر عاطف ابوسيف وابنه ياسر عرفات القطاع متجهين نحو بور سعيد .
أطفال غزة يعيدون تجربة طفولتنا ، نحن أبناء المخيمات الذين ولدنا بعد أعوام قليلة من النكبة الأولى.
وأنت تصغي إليهم يتحدثون تسمع كلاما يقوله آباء مسؤولون عن عائلات .
في إحدى قصص غسان كنفاني ، وهي قصة " كعك على الرصيف " تقرأ عن حميد الطفل المتوسط الذكاء الذي لم يكن يدرس بالمرة ، وحين كان معلمه يحاول أن يدفعه إلى الدراسة لم يكن ينجح .
- حميد ، لا تقل لي إنك تفتح كتابا في بيتك .. إنك لا تدرس على الإطلاق .
- نعم يا أستاذ
- لماذا لا تدرس ؟
- لأنني أشتغل ..
- تشتغل حتى متى ؟
...
- حتى منتصف الليل .. أستاذ .. إن الخارجين من دور السينما يشترون كعكي دائما إذا انتظرتهم ..
- كعك ؟ أنت تبيع كعكا ؟
وأطفال غزة الآن بلا مدارس ، فالمدارس مأهولة باللاجئين ، تماما كما حدث في العام ١٩٤٨ .
أطفال غزة الآن يبحثون لأهلهم في الخلاء عن حطب ونتش يخبزون عليه ، وقسم منهم يبيع في الطرقات الشاي والقهوة والنسكفيه ، وقسم ثالث ينفق وقته في البحث عن ماء يوفره لأهله و ... .
لمن لا يعرف فقد سرنا في الدرب نفسه . لم تكن طفولتنا تختلف ، وقد كتبت عنها قليلا في كتابي " حزيران الذي لا ينتهي : شظايا سيرة " ( ٢٠١٦ ) .
حالة سيزيفية فلسطينية بامتياز .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة

اليوم السابع والثمانون للمقتلة وحرب الإبادة .

***


88: أ- أمنيات بعض أهل غزة في العام الجديد :

لمظفر النواب الشاعر العراقي الذي أنفق أكثر سنوات عمره في المنافي قصيدة عنوانها " ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة " كتبت عنها في كتابي " الصوت والصدى : مظفر النواب وحضوره في الأرض المحتلة " ( ١٩٩٩ ) .
كتب مظفر القصيدة في ثمانينيات القرن ٢٠ ولم تكن إقامته طالت وامتدت ثلاثين عاما أخرى وأكثر .
الأمنيات الثلاثة :
- أن يموت القمع بدار القلب / العراق
- أن يعود المنفيون إلى أوطانهم ثم يعود هو .
- أن يرجع اللحن عراقيا وإن كان حزين .
وفوقها له رغبة أخرى هي أن تغفر له أمه بعده ، والشجيرات التي التي لم يسقها منذ سنين ، وثيابه .
بعض أبناء غزة في هذه المقتلة وحرب الإبادة ٢٠٢٣ سئلوا عن أمنياتهم للعام الجديد ٢٠٢٤ ، فاختصرها أحدهم بأن يحصل فقط على كيس طحين .
هل صار الحصول على كيس الطحين أمنية ؟
كتب محمود درويش عن فقر الفلسطيني الذي صار يرى القمر رغيفا والهلال إصبع موز " وينسى إخوتي موز الهلال " " يصير القمر رغيفا " ، وللصديق القاص المرحوم محمد كمال جبر مجموعة قصصية صدرت في نهاية ٧٠ القرن ٢٠ عنوانها " شوال طحين " .
صار سعر كيس الطحين في قطاع غزة ٥٠٠ شيكل ، وكان سعره قبل الحرب الدائرة حاليا ١٦٠ شيكلا على أكثر تقدير .
هل قرأتم قصة غسان كنفاني " القميص المسروق " ؟
لقد كتبت عنها مرارا وسوف أعود للكتابة عنها عما قريب .
الشبيه يستدعي الشبيه والمعاناة تستحضر المعاناة والنكبة تستحضر النكبة وهي مستمرة ، ومقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية - ما لم يجد جديد- عنوانه " تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ : النكبة تستحضر النكبة . كأني أعيش طفولتي "
صباخ الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١ / ٢٠٢٤

فجر اليوم الثامن والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة .

***
> 88: ب- قبيلتهم تسترد مفاتنها في زمن انقراض القبائل :

يأبى الإسرائيليون الحاكمون إلا أن يعيشوا في الماضي - يعني ثلاثة آلاف سنة من قبل ، ولهذا تجدهم يتعاملون مع الفلسطينيين والعالم بعقلية ما ورد في العهد القديم ( توراتهم ) ويصرون على الدولة اليهودية وعقلية شعب الله المختار والمحتار معا . كأن قسما كبيرا منهم لم يأت إلى فلسطين من روسيا القيصرية وألمانية وبولندا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا ؛ الدول التي عاشت عصر التنوير واختلط فيها لاحقا الأبيض بالأسود بالهندي الأحمر ، وكأن اليهود الذين ما زالوا يقيمون في الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول المذكورة يصرون على أن تكون تلك الدول أيضا يهودية !!! .
حتى اليهود الذين قدموا من الدول العربية لم يكونوا في المجتمعات العربية منغلقين ، فقد شاركوا في النشاطات الفنية والمسرحية والأدبية و ... وغيرها .
كان الشاعر مريد البرغوثي كتب قصيدة يهجو فيها من العرب من يفكر تفكيرا قبليا - يعني من يعلق شهادة الدكتوراه في البيت إلى جانب أيقونة عين ترد الحسود ، ويعني من يحصل على الدكتوراه وينصاع لرأي شيخ القبيلة ولا يتزوج إلا من الفتاة التي تخطبها له أمه ، وهلم جرا .
آخر ما أبدعت العقلية الإسرائيلية الحاكمة بخصوص اليوم التالي للحرب أو بخصوص توزيع المساعدات على أهالي قطاع غزة ، هو أن تكلف العائلات والعشائر بهذه المهمة ويتطلب هذا تقسيم القطاع إلى مناطق بحسب الأهالي ذات النفوذ ، وكما لو أن الإسرائيليين لا يعرفون أن ٨٠ من سكان قطاع غزة هم لاجئون شردتهم عن مدنهم وقراهم في العام ١٩٤٨ ، فاستوى فيهم الإقطاعي بالفقير المعدم .
يريد الإسرائيليون أن يعيدوا مجتمعنا إلى عهد الإقطاع ، كما يريدون هم أن يعودوا إلى تطبيق شرائع التوراة .
بعض الإسرائيليين العلمانيين لم يرق لهم هذا ، ولم يرق لهم ما يروج له الثلاثي الإسرائيلي المرح ؛ نتياهو وبن غفير وسموتريتش ، وهو : لا بد من تغيير المناهج الفلسطينية كليا حتى تتغير عقلية الفلسطينيين ويقبلوا الحلول الإسرائيلية .
أحد الإسرائيليين تساءل :
كيف يريد هؤلاء تغيير المناهج الفلسطينية وواحد من الثلاثة يرفض أن تلد امرأة فلسطينية في غرفة المستشفى التي تلد فيها زوجته في الآن نفسه ؟
ثم ما مدى تأثير ما يتعلمه الطفل في المدرسة وهو يرى الجندي الإسرائيلي يهين أمه على الحاجز ؟
دبرها يا مستر ( بلينكن )
بركن على إيدك بتحنحن !
و
نحن أدرى ، وقد سألنا بنجد :
أطويل طريقنا أم يطول
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٢ / ١ / ٢٠٢٤

اليوم الثامن والثمانون للمقتلة وحرب الإبادة .

***

89- صباح اليوم التاسع والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة :

أمس اغتالت إسرائيل ، في الضاحية الجنوبية لبيروت ، صالح العاروري " أبو محمد " نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حمماس وارتقى معه ستة آخرون ، وقبل شهر أو أكثر قليلا أو أقل كانت اغتالت بيته . لم يرق لها أن تحول بيته في عارورة إلى مكتب لجهاز مخابراتها فنسفته ، ولم يكفها هذا ولم يشف غليلها . دراكولا لا يرتوي ونيرون لا يكتفي ، فلا بد من مزيد من الدماء ومزيد من الهدم ، ويد الاخطبوط في هذا الزمن طويلة ولكن ...
هل أرادت الدولة الإسرائيلية أن تواصل حربها في الجبهة الشمالية خشية أن يتكرر ٧ أكتوبر فيها ، فالخوف يأتي من الشمال كما ورد في رواية الإسرائيلي ( عاموس كينان ) " الطريق إلى عين حارود " ؟ وهل أراد المحافظون الجدد التعجيل بمعركة ( هار مجدو ) والبدء بحرب القيامة ؟
في بداية الحرب كانت قناة الميادين تكثر من بث قصيدة الشاعر المصري أمل دنقل " لا تصالح " ، وأمس ركز المحللون على ما كان صرح به السيد حسن نصرالله من أن أي اغتيال لأية شخصية تقيم في الضاحية الجنوبية لن يمر دون عقاب . هل سيأخذ الشيخ بقول الشاعر :
" إنها الحرب
قد تثقل القلب
لكن خلفك عار
العرب
لا تصالح
ولا تتوخ الهرب " .
في الجو أجواء حرب ، والحرب في غزة قائمة ، والإسرائيليون أمس أرادوها أن تتسع ، وأما أنا فأعيد الاقتباس من (.برتولد بربخت ) الكاتب الألماني :
" على الحائط كتابة بالطباشير :
" هم يريدون الحرب "
والذي كتبها خر صريعا " .
ليتني أخر صريعا وتنتهي الحرب ! ليتني ! ولكن ... :
" وما نيل المطالب بالتمني " .
في نيسان ١٩٨٨ اغتالت إسرائيل المرحوم خليل الوزير ( أبو جهاد ) لتنهي في حينه الانتفاضة التي كانت في أوجها .
الشيء بالشيء يذكر .
في ١٦ / ٤ / ١٩٨٨ اغتالت إسرائيل المرحوم خليل الوزير ( أبو جهاد ) لتنهي الانتفاضة الأولى التي كانت في أوجها ، فهل انتهت لينهي اغتيالها العاروري الحرب ؟
هل هذا هو الانتصار المنشود ؟
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٣ / ١ / ٢٠٢٤

***

90: أ- أكذوبة الدم اليهودي ومهزلة " الحيوانات البشرية " :

" عائد إلى غزة " بعد ٢٠ عاما
لم تقتصر سرقة بعض الجنود الإسرائيليين على أموال الفلسطينيين وذهبهم وحسب ، فقد سرق إسرائيلي أسلحة من الجيش الإسرائيلي نفسه ليبيعها . هذا ما تردد في بعض أشرطة الفيديو " انتحل مواطن إسرائيلي صفة جندي في الجيش وذهب إلى غزة وتصور مع أفراد الجيش وبعض قادته هناك ، وتبين أنه يسرق السلاح ليبيعه " المواطن الإسرائيلي هو خريج سجون ومجرم واسمه ( روعي يفراح ) . ( سراق بالعبري تعني غناف وجمعها غنافيم ) .
" هيك قالوا بالعبري " وهيك ورد في إحدى الحلقات التي تقدم تحت هذا العنوان .
ما ورد في الحلقة نفسها أيضا هو أن جنديا إسرائيليا اسمه ( هرئيل ايتاخ ) اختطف ، في أثناء اقتحام أحد المنازل في غزة ، رضيعا فلسطينيا ، وأخذه إلى إسرائيل . ولما عاد الجندي ثانية إلى غزة ليقاتل قتل هناك .
الكلام السابق قاله أحد أصدقاء ( هرئيل ) واسمه ( شاحار مندلسون ) في محادثة مع الصحفية الإسرائيلية ( ياعيل دان ) .
والسؤال هو :
- ما دام الفلسطينيون ينعتون بأنهم " حيوانات بشرية " ، فلماذا أقدم ( هرئيل ) على اختطاف الرضيع ؟ ألا يخشى على نفسه من وجود حيوان بشري في بيته ؟ ثم كيف سيربي أحد الغوييم ودمه ليس دما يهوديا ؟
نحن الآن في العام ٢٠٢٤ ، فماذا سيحدث بعد ٢٠ عاما - أي في العام ٢٠٤٤ ؟
هل سيتكرر ما حدث في العام ١٩٦٧ ؟ أعني : هل ستحدث في العام ٢٠٤٤ حرب حزيران جديدة ينتصر فيها الإسرائيليون في ست دقائق ، ويسمح فيها لأهل غزة الذين لجأوا إلى سيناء بزيارة مدينتهم ، فيلتقي أهل الرضيع به ، ويتعرفون إليه ، وقد أصبح ذا اسم عبري يخدم في الجيش الإسرائيلي ؟ وماذا سيقول لهم ؟ لم تدافعوا عني وهربتم !؟ جبناء . عاجزون . لو كنتم أهلآ حقيقيين لعملتم على استردادي؟
وهل سيكتب في حينه عبدالله أبو سلطان / غسان كنفاني الجديد رواية عنوانها " عائد إلى غزة " على غرار رواية كنفاني " عائد إلى حيفا " أو على غرار رواية سوزان أبو الهوى " صباحات جنين / بينما ينام العالم " ؟
النكبة تستحضر النكبة والشبيه يستدعي الشبيه والتاريخ يتكرر تارة على شكل مأساة وطورا على شكل ملهاة ، ومقالي الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية في جريدة الأيام عنوانه " تداعيات حرب ٢٠٢٣ / ٢٠٢٤ : النكبة تستحضر النكبة ... كأني أعيش طفولتي ! " فكثير مما أشاهده عن معاناة الفلسطينيين في غزة كنت في طفولتي عشته .
حالتنا أهل فلسطين حالة سيزيفية . إنه العبث بعينه ، علما بأننا منذ ١٩٦٥ ونحن ندق جدران الخزان وننشيء تنظيمات وفصائل ونحارب بالسلاح والقلم و ... و ... .
تنتهي إحدى روايات يحيى يخلف التي أتى فيها على حياة المنفى ، إن لم تخني الذاكرة ، بعبارة " يا لوحشة الطريق !" .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين وصرت أخاف التمني ، فما نيل المطالب بالتمني !
خربشات عادل الاسطة
٤ / ١ / ٢٠٢٤

صباح اليوم التسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

> 90: ب- الكتاب والحرب من منظور محارب :

لطالما راودني في التسعين يوما المنصرمة للمقتلة وحرب الإبادة السؤال الآتي :
- هل من قيمة ما لما نكتبه في الحرب ؟
نحن بعيدون عن أجواء الحرب ونقيم في بيوتنا ونحيا مرفهين ؛ نأكل ونشرب وننام ولا نشعر بالبرد ولا نفقد أهلنا ومعارفنا وأصدقاءنا ، ولا تدمر بيوتنا على رؤوسنا فنضطر - إن نجونا - إلى الإقامة في مركز إيواء لاجئين أو في خيمة نبحث عن وجبة طعام أو شربة ماء أو غطاء نلتحف به .
وأنا أقرأ ما ينشر قرأت فقرة لغسان كنفاني أدرجها ناشطون مهتمون بالأدب ، فتوقفت أمامها وبحثت في قصص الكاتب عنها .
الفقرة وردت في مجموعة " أرض البرتقال الحزين " ( ١٩٦٢ ) وتحديدا في قصة قصيرة عنوانها " ثلاث أوراق من فلسطين " ؛ ورقة من الرملة وورقة من الطيرة وورقة من غزة .
في الورقة الثانية يروي بطل القصة ، وهو محارب قديم ، قصته وقد تحول بعد النكبة إلى بائع أقراص عجوة ، وهو يروي يبدي رأيه في القيادات وفي الكتاب ؛ القيادات التي تعطي الأوامر ولا تحارب جيدا وأكثرها غير مخلص وإن كان قسم منها مخلص ، والكتاب الذين يكتبون عن الحرب بعيدا عن الميدان ولا يعرفون سوى الحبر .
كيف ينظر المحارب القديم إلى الكتاب ؟
لنقرأ :
" كلام الجرائد لا ينفع يا بني ، فهم - أولئك الذين يكتبون في الجرائد - يجلسون في مقاعد مريحة وفي غرف واسعة فيها صور وفيها مدفأة ، ثم يكنبون عن فلسطين ، وعن حرب فلسطين ، وهم لم يسمعوا طلقة واحدة في حياتهم كلها ، ولو سمعوا ، إذن ، لهربوا إلى حيث لا أدري ، "
وأما رأيه في سبب ضياع فلسطين فهو :
" يا بني ، فلسطين ضاعت لسبب بسيط جدا . كانوا يريدون منا ، نحن الجنود ، أن نتصرف على طريقة واحدة . أن ننهض إذا قالوا انهض وأن ننام إذا قالوا نم ، وأن نتحمس ساعة يريدون منا أن نتحمس ، وأن نهرب ساعة يريدوننا أن نهرب .. وهكذا إلى أن وقعت المأساة ، وهم أنفسهم لا يعرفون متى وقعت ! إنهم لم يعرفوا قط كيف يقودون جنودهم . كانوا يحسبون أن هؤلاء الجنود ضرب من الأسلحة .. تحتاج إلى حشو .. صاروا يحشونها بالأوامر المتناقضة . كان الواحد منا يحارب اليهود فقط لأنهم يريدون أن نحارب اليهود ! ..
لقد كان هناك أيضا بعض القادة المخلصين .. " .
- ما نفع القصيدة ؟
وقد توقفت من قبل أمام هذا السؤال الذي ورد في إحدى قصائد محمود درويش .
مساء الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين وسامحينا !!
خربشات عادل الاسطة
٤ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم التسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

91- صباح اليوم الحادي والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة :

أنظر في الرسائل التي يرسلها لي الأصدقاء ليطلعوني على وجوه من الحرب يرون أن من الضروري أن أبصرها أو التفت إليها .
أقرأ آخر قصائد لشعراء عرب كبار يقيمون في باريس ويكتبون عن الحرب ، ولشعراء فلسطينيين يقيمون في رام الله ويكتبون قصائد بعيدة عن المباشرة والخطابية والبكاء والعويل وتسمية الأشياء بأسمائها.
أتابع كتابات من يقفون ضد ما جرى يتحسرون فيها على الماضي ، ويتذكرون أيام ما قبل الحرب ، ويعبرون عن استيائهم من الكتاب والمثقفين الذين يقفون إلى جانب من بدأ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ، فتنتابني لحظات حيرة وشرود ويلتبس الأمر علي . هل أنا مع هؤلاء أم مع هؤلاء ؟
أفتح صفحة Khayal Dima فأقرأ عن معاناة الفلسطينيين اليومية تحت الحرب : التشرد والجوع والبرد والفقدان والتحاف السماء . مرضى بحاجة إلى قرص دواء وأطفال بلا ملابس شتوية وامرأة تضع وليدها في العراء ولا ملابس لديها وأسر تطلب مكانا تبيت فيه . إنها ويلات الحرب .
وأقرأ عن فلسطيني ينعى حفيده الذي قضى في غزة ؛ لأنه خدم في الجيش الإسرائيلي ، فأتذكر صديقي الكاتب سلمان ناطور وما كتبه عن مأساة الطائفة الدرزية في روايته التي كتبها إثر حرب تشرين ١٩٧٣ " أنت القاتل يا شيخ " .
وأمس كتبت عن قصة غسان كنفاني " ورقة من الطيرة " ( ١٩٥٧ ) ورأي راويها المحارب في حرب ١٩٤٨ ، الذي تحول إلى بائع ترمس ، رأيه في الكتاب وفي المسؤولين : الأولون يكتبون عن الحرب وهم لم يسمعوا طلقة واحدة في حياتهم كلها والأخيرون الذين يحشون عقول الجنود كما لو أنهم قطعة سلاح.. .
وأما ما كتبه الشاعر العربي المقيم في باريس وما يكتبه الشاعر الفلسطيني المقيم في رام الله فقد ذكرني بقول محمود درويش في " حالة حصار " ( ٢٠٠٢ ) :
" الشهيد يعلمني : لا جمالي خارج حريتي " .
ولسوف أجدني منذ فترة كاتبا ذا ذائقة كلاسيكية بينه وبين الحداثة مسافة . هل صرت سلفيا ، فأحد أصدقائي حين كتبت عن رواية يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " سألني ماكرا : بأي رجل تدخل إلى المرحاض ؟ وهل تسمي حين تتناول الطعام ؟
في هذه الحرب الدائرة أكثر الإسرائيليون من الاقتباس من العهد القديم وصار متدينوهم يحاربوننا كما حارب أسلافهم أعداءهم قبل ثلاثة آلاف سنة ، وردد بعض مؤيدي المقاومة الفلسطينية شعارات " خيبر خيبر يا يه ، ود جيش محمد سوف يعود " . فلماذا لا تعود ذائقتي كلاسيكية تنشد الوضوح والدقة في التعبير وتركز على سلامة اللغة ؟
الحرب ستدخل في يوم الأحد شهرها الرابع والخسائر تتضاعف ولا أسمع من قادة الدولة الإسرائيلية إلا العبارات نفسها كأنها دورة أسطوانة . تفكيك خماس . اليوم التالي للحرب . لن يعود قطاع غزة كما كان فلا فتحستان ولا حمسستان ولا يحزنون ، ولا بد من استعادة عصر القبائل والعائلات و .. .
في قصيدة محمود درويش " الكتابة على ضوء بندقية " يرد على لسان الجندي الإسرائيلي ( سيمون ) القول الآتي :
" لن نعيدا شبرا واحدا للاجئين "
ولكنهم بعد انتفاضة ١٩٨٧ أعادوا ، وقد ندموا !!
هل تذكرون القصيدة التي كتبها الشاعر في ١٩٧٠ / ١٩٧١ ؟
" كل قومياتنا قشرة موز " وأقرأوا ما كتبته عنها في كتابي " اليهود في الأدب الفلسطيني بين ١٩١٣ و ١٩٨٧ " والحكاية طويلة ويبدو أن الحرب أيضا طويلة و " ليل الضفة الطويل " صار " ليل فلسطين الطويل " .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٥ / ١ / ٢٠٢٤

***

> 91: ب- في الحرب أتذكر الولد الفلسطيني :

في الحرب الدائرة حاليا في غزة أتذكر المرحوم الشاعر أحمد دحبور صاحب ديوان " حكاية الولد الفلسطيني " الذي كتب في قصيدته التي حملت عنوان الديوان :
" - جياع نحن ..
- طاب الفتح ، إن الجوع يفتنه
جياع نحن ؟ ماذا يخسر الفقراء ؟
إعاشتهم ؟
مخيمهم ؟
أجبنا أنت .. ماذا يخسر الفقراء ؟
أنخسر جوعنا والقيد ؟
أتعلم أن هذا الكون لا يهتم بالشحاد والبكاء؟
أتعلم أن هذا الكون بارك من يرد الكيد ؟
- علمت ..
- إذن ..
- ليغل وطيسنا المخزون في كل الميادين
لتغل مخيمات القش والطين
أنا العربي الفلسطيني
....
....
أجل .. ويضيء هذا النصر في الطرقات والأحياء
لأن الكف سوف تلاطم المخرز
ولن تعجز
ألا لا يجهلن أحد علينا ، بعد ، إن الكف لن تعجز " ( ١ / ١ / ١٩٦٩ )
أتذكره وأتذكر يومياته التي كان يكتبها شعرا في صيف العام ١٩٨٢ .
كان أحمد في حرب بيروت تلك يقيم في الشام لا في بيروت ، ولكنه كان يعيش أجواء الحرب ويكتبها شعرا ؛ قصائد قصيرة واضحة لا غموض فيها ذات نزعة غنائية واضحة لا تختلف عن النزعة الغنائية التي غلبت على أشعاره المبكرة التي جعلته ، هامة شعرية ، يوازي محمود درويش ، وللأسف فإن تلك القصائد لم تجمع ولم تصدر في مجموعة أو في أعماله الكاملة ، على الرغم من أنني ألححت عليه أن ينشرها .
ها نحن الجيل الذي تلا جيله نواصل مهمته ونكتب يوميات الحرب ونتذكره ونذكر الجيل الجديد بأشعاره وأشعار مجايليه وآبائه الشعريين !
ترى لو كان أحمد حيا في غزة ، ترى هل كان سيرحل من الشمال إلى الجنوب أم أنه لن يكرر خطأ أبيه ؟
لم يبق في غزة حي كامل لم يتضرر ولم يلحق الأذى به وكثير من العمارات والبيوت أصبحت أثرا بعد عين .
أحيانا تذهب مخيلتي إلى البعيد وتشط وينتابني هوس ما . هل يشاهد الطيارون الإسرائيليون ، قبل أن يغيروا على غزة مشاهد مما فعلته النازية بأهلهم في الحرب العالمية الثانية ، وينطلقون لينتقموا ظانين أنهم سيحاربون جيش الرايخ الثالث ؟ هل يرون في كل فلسطيني ( أدولف هتلر ) ؟
في " حالة حصار " خاطب محمود درويش الإسرائيلي قائلا :
"[ إلى قاتل : ] لو تأملت وجه الضحية
وفكرت ، كنت تذكرت أمك في غرفة
الغاز ، كنت تحررت من حكمة البندقية
وغيرت رأيك : ما هكذا تستعاد الهوية ! "
هل يتذكر الجنود الإسرائيليون ما فعله الوحش النازي بأجدادهم ؟
في الحرب أتذكر الشاعر أحمد دحبور ، وأمعن النظر في أبناء غزة ، وأكثرهم من اللاجئين الفلسطينيين الذين ولدوا في مخيمات اللجوء ، وأواصل كتابة يومياته نثرا ، لا شعرا .
مساء الخير يا " أبو يسار "
والمجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٥ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم الحادي والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

92: أ- بشار الأسد أو نحرق البلد " : هل تأثر ( بنيامين نتنياهو ) بهذا الشعار ؟

صار الحديث عن الخلافات في الدولة العبرية وفي المجلس الوزاري الحربي المصغر في دولة " أبناء العم الأعداء " - على غرار " الإخوة الأعداء " - صار في نشرات الأخبار يوازي الأخبار التي تأتي على ما يلم بأهل غزة من تقتيل وتهجير وتدمير بيوت على رؤوس سكانها وتسويتها بالأرض ، وهذا ما لاحظته في نشرة أخبار التاسعة مساء أمس في فضائية الجزيرة . والسبب ؟
السبب هو " أبو يائير " الذي يريد أن يبريء نفسه مما يوجه إليه من لوم ومسؤولية عما حدث في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ ، حتى لا يزج به في السجن ويظل حاكما أبديا يتربع على عرش مملكة إسرائيل ، فيكون الملك الأبدي على غرار الملوك والرؤساء العرب الذين صاروا ملوكا . هل تتذكرون الشعار الذي رفعه أنصار الرئيس السوري بشار الأسد في بداية الربيع العربي ؟
صار اليهود يشبهوننا . صار أبو يائير يشبه حكامنا . وفي رواية إلياس خوري " باب الشمس " التفات إلى هذا ، فقد بدأوا يتحدثون عن عاصمة أبدية لدولة إسرائيل " كل واحد يتكلم عن الأبد يخرج من التاريخ ، وهذا يعتي أنهم بدأوا يسيرون مثلنا - أي قابلين للهزائم " .
وكان المنظرون اليساريون العرب يتحدثون عن الحتمية التاريخية وانتصار الاشتراكية الحتمي على الإمبريالية ثم ... .
وصار اليهود يتحدثون عن الأخلاق والشرف أيضا ، ولهذا سألوا نهيلة عن أولادها الذين تلدهم في غياب زوجها ، هم الذين رحلوا شعبا كاملا عن أرضه .
وصار أفيخاي درعي مفتيا إسلاميا أيضا .
من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم . يقول مثلنا ، وقد عاشرونا ٧٥ عاما ، فلماذا لا يصيرون مثلنا ؟
مرة صاروا يغنون الدحية في أعراسهم ، وقد كتبت عن هذا ، ومرة ، في أحد أعراس مدينة الخليل ، غنى مغن فلسطيني من الجليل ، بالعبرية " لاما لو " .
وقبل يومين كتبت تحت عنوان " قبيلتهم تسترد مفاتنها في زمن انقراض القبائل " .
في ٦٠ القرن العشرين كتب ناصر الدين النشاشيبي عن دم عربي يسري في عروق سارة يهودية الأم عربية الأب ، واليهود منذ عقود يتحدثون عن يهودية الدولة والدم اليهودي أيضا .
الأسد أو نحرق البلد وأبو يائير على خطانا .
صباح الخير يا غزة والمجد لك والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٦ / ١ / ٢٠٢٤

المقتلة وحرب الإبادة تدخل الآن يومها الثاني والتسعين .

***

> 92: ب- وتستمر الحياة ونرقص بين شهيدين :

إن لم تخني الذاكرة فإن عبارة " وتستمر الحياة " هي عنوان مجموعة قصصية للقاص المرحوم يعقوب الأطرش ابن مدينة بيت ساحور الذي كتب القصة القصيرة وترجمها منذ خمسينيات وستينيات القرن العشرين وواصل الكتابة والترجمة بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ ونشط أكثر وأكثر في انتفاضة العام ١٩٨٧ .
اليوم تذكرت عبارة " وتستمر الحياة " وربطتها بسطر ، من قصيدة لمحمود درويش من ديوانه " ورد أقل " عنوانها " ونحن نحب الحياة " ، هو " ونرقص بين شهيدين " .
كنت أنظر في الصور والفيديوهات التي يدرجها نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي - الفيس بوك ، فاستوقفني شريط فيديو قصير أدرجته نوال الستيتي .
الشريط يري جانبا من حفل زفاف محمد وياسمين في أحد مراكز الإيواء في قطاع غزة في الحرب الدائرة حاليا . يحضر الحفل من تبقى من أسرتيهما أحياء ، وتوزع فيه حلوى تقليدية هي العوامة ، فيما تزغرد امرأة فرحة - أرجح أنها أم العريس - ابتهاجا بالمناسبة ، ويبدو العروسان أيضا فرحين ، أما الصغار فيمدون أيديهم بأدب جم يلتقطون حبات العوامة من صحن كبير يدور به شخص ما على الحاضرين . ويذكر المشهد بقصة قصيرة ليحيى يخلف عنوانها " تلك المرأة الوردة " ، وبما ورد في رواية يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " عن حفل زواج خالته .
في الصباح وأنا أقرأ ما ينشر قرأت عن حفل كهذا لم يرق لأحد النشطاء أو أن الأمر التبس علي واختلط .
علقت نوال على الصورة بأن شعبا مثل هذا الشعب يستحق الحياة وهو جدير بها ، وقد ذكرني ما كتبته بقصيدة محمود درويش التي يكثر ، في السلم وفي الحرب ، تردادها .
" ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا
ونرقص بين شهيدين . نرفع مئذنة للبنفسج بينهما أو نخيلا
نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا
ونسرق من دودة القز خيطا لنبني سماء لنا ونسيج هذا الرحيلا
ونفتح باب الحديقة كي يخرج الياسمين إلى الطرقات نهارا جميلا..... "
وكان الفلسطينيون واللبنانيون في بيروت في حرب العام ١٩٨٢ يستغلون وجود هدنة ليتزوج من يريد أن يتزوج ، وليذهب إلى شط البحر من يريد أن يستجمم وليمارسوا حياتهم العادية ، ومن وحي هذا كتب الشاعر " ونرقص بين شهيدين " .
هل ما أقدم عليه محمد وياسمين سلوك طبيعي ؟
غالبا ما يردد المسلمون حديثا قاله الرسول الكريم ( صلعم ) فحواه أن من كانت بيده فسيلة يوم تقوم الساعة فليزرعها !!
مبروك لمحمد وياسين ولأهلهما وبالأخص لوالدة العريس التي بدت فرحة مبتهجة من قلبها .
هل أكرر حديث الرسول إلى امته " تناكحوا تناسلوا " ؟
يا أهل غزة ! تناكحوا تناسلوا فإن العرب يباهون بكم وقد قرأت هذا في مقال للكاتب الأردني عبد الهادي راجي المجالي ، ولو كانت الشاعرة المرحومة فدوى طوقان لما طلبت تزويج بناتنا لرجال من فيتنام فشباب غزة لا يقلون جرأة وبطولة عنهم . هل تذكرون قصيدة فدوى التي ألبت عليها الشاعر فوزي البكري فسخر منها - أي الشاعرة وهجاها ؟
هل الزواج تم حقا أم أنه قصة مفتعلة ؟
أحد أصدقائي التفت إلى الصورة وذهب إلى أنه غير مقتنع بأن هذا حقيقي .
هل تتذكرون الشاعر أحمد دحبور ؟
لقد تزوج أخوه الكبير بعد ١٩٤٨ في ظروف كهذه بالضبط .
المجد لغزة والزوال للمحتلين
خربشات عادل الاسطة
٦ / ١ / ٢٠٢٤

مساء اليوم الثاني والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة .

***

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشهر الأول

>>>>>>

الشهر الثاني

>>>>>

الشهر الثلث




>>>>>>>

الثالث - تابع

85- توفيق زياد : في الليلة الظلماء
> 85: ب- الموقع والموقف
86: أ- عندما يذهب الشهداء إلى النوم
> 86: ب- اللاجئون الفلسطينيون : " تضيق بنا الأرض تحشرنا في الممر الأخير"
87: أ- لترحل ، غير مأسوف عليك
> 87: ب- أطفال غزة منذ ٧ أكتوبر
88: أ- أمنيات بعض أهل غزة في العام الجديد
> 88: ب- قبيلتهم تسترد مفاتنها في زمن انقراض القبائل
89- صباح اليوم التاسع والثمانين للمقتلة وحرب الإبادة
90: أ- أكذوبة الدم اليهودي ومهزلة " الحيوانات البشرية "
> 90: ب- الكتاب والحرب من منظور محارب
91، أ- صباح اليوم الحادي والتسعين للمقتلة وحرب الإبادة
> 91: ب- في الحرب أتذكر الولد الفلسطيني
92: أ- بشار الأسد أو نحرق البلد " : هل تأثر ( بنيامين نتنياهو ) بهذا الشعار ؟
> 92: ب- وتستمر الحياة ونرقص بين شهيدين :

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...