(4)
مرة أخرى، أشرتُ من قبلُ إلى مَا تتشدَّق بهِ ألسنةُ الغرب المعنيِّ من حَشْوٍ إفكيٍّ عن «الديمقراطياتِ» المتاحةِ هزلًا باسم «حريات الكلام أو الرأي أو التعبير»، كالدنمارك والسويد والنرويج، وكإنكلترا وفرنسا وأمريكا وحتى ألمانيا (ربيبةِ الانحيازِ الخفيِّ للكيان الصهيوني الإجرامي).. ولهذا، فإن أسوأ أشكال العنصرية والكراهية بإزاء العرب والمسلمين تتجلى في أرجاء هذا الغرب «المتحرِّر» كلِّهِ ولكن بتفاوتٍ نسبيٍّ، كما ذُكر.. وتذكيرًا آخَرَ بمدى نفاقيَّةِ وانتقائِيَّةِ أولئك البحثاءِ الجامعيين وبميداءِ اسْتِرْقَاقِهِمْ ماهيَّتَهُمْ لُهَاثًا وراءَ التَّمَلُّكِ العُصَابِيِّ للمَرْهَصَةِ الأكاديميةِ بالظَنِّ، كمثل جلبير الأشقر، مُدَّعِيًا بالمرارِ والتكرارِ بأنه ناشط «ماركسي»، ومتشدِّقًا بـ«النضالِ المضادِّ» لأشتاتِ الإمبريالية «كافَّةً» تحت ذلك الشِّعَارِ الاصطنَاعيِّ «اللاإمبريالية» Anti-Imperialism، طالما أن الادِّعَاءَ والتشدُّقَ هذينِ لا يهدِّدانِ قطُّ استمراريةَ ذلك التَّمَلُّكِ العُصَابِيِّ ذاته.. ذلك لأن اجتماعَ نفاقيَّةٍ وانتقائِيَّةٍ كهٰتين إنما ينطوي على اندماجِ وُصُوليَّةٍ وانتهازيَّةٍ مترسِّخَتَيْنِ في ذهنيَّةِ هكذا باحثٍ «ماركسي» مُتَبَرْجِزٍ إزاءَ فعلِ الانتقادِ الافتعالي لهذهِ الإمبرياليةِ دونَ سِوَاهَا من الإمبرياليَّاتِ (كـ«اجترائهِ»، مثلًا، على انتقادِ كلٍّ من الإمبرياليتَيْنِ الأمريكية والروسية، وارتدادهِ عنْ، لا بَلِ ارتعادهِ منْ، انتقادِ أيٍّ من الإمبرياليتَيْنِ الإنكليزية والفرنسية لأسبابٍ يعلمُها جيِّدًا).. كلُّ هذا النفاقِ-الانتقاءِ لَسَائِرٌ حثيثًا رغمَ اتخاذِ الغربِ المعنيِّ مواقفَ عنصريَّةً وكراهيَّةً فاقعةً تجاه العرب والمسلمين، ورغمَ نكرانِهِ الإقرارَ بأن العالمَ الآنَ يتغيَّر حتميًّا بتعدُّدِ أقطابٍ جِدِّ زاحفٍ من أقاصي الشرق الأوروبي إلى أقاصي الشرق الآسيوي إلى حتى أقاصي الجنوب الغربي الإفريقي.. طبيعيٌّ، إذن، أن يشنَّ هذا الغربُ المعنيُّ حروبًا مفتراةً على بلادِ العربِ والمسلمين عامَّةً، وذاك تذرُّعًا بِأُحْبُولِ «مكافحة الإرهاب» وإيهامًا عن حقيقةِ أن هذا الغربَ لَهُوَ الصَّانِعُ الفعليُّ لهكذا «إرهابٍ»، منذ تدخُّلِهِ الكارثيِّ في ليبيا «الربيعِ العربيِّ» عامَ 2011، ومنذ جَعْلِ هذهِ الـ«ليبيا» منفذًا حيويًّا مَاثلًا بحَدِّهَا الجنوبي الغربي مع النيجر ذاتا، وبالأخصِّ إبَّانَ تحوُّلِ «الصحراء الكبرى» إلى ملاذٍ كونيٍّ لِمَنْ يُسَمَّوْنَ بـ«الجهاديين» أو بـ«المتشدِّدين الإسلاميين» – مِمَّا يفسِّر داعيًا لوجودِ قواعدَ عسكريَّةٍ فرنسيَّةٍ وأمريكيَّةٍ مرئيَّةٍ هنا، وكذاك إنكليزيَّةٍ لامرئيَّةٍ هناك.. وطبيعيٌّ، أيضًا، أن يتحدَّرَ جُلُّ هؤلاءِ الجهاديين أو المتشدِّدين الإسلاميين من أصولٍ عربيَّةٍ، بالغينَ أَشُدَّهُمْ بالاعتياشِ على المالِ والسلاحِ «المهرَّبَيْن» من لَدُنْ جهاتٍ «عربيَّةٍ» أو «لاعربيَّةٍ» تعملُ بالولاءِ لصالحِ دولةٍ غربيَّةٍ كيمَا يُعَادَ الخَلْقُ واضحًا أمامَ الخَلْقِ (أسيادًا أحرارًا أعزَّاءَ كانوا أم عبيدًا عَتُوفِينَ دُرْقُعِيِّينَ أذلَّاءَ) لثنائيَّةٍ مُشَيْطَنَةٍ استباقيًّا، ثنائيةِ «العربِ والإسلامِ» مُجْتَرَّةً اجترارًا آنًا بعدَ آنٍ.. وهل في ذلك شيءٌ مِمَّا يُعَلِّلُ ميداءَ الترسيخِ التدريجيِّ للمواقفِ العنصريَّةِ والكراهيَّةِ في أذهانِ الغربِ الإمبرياليِّ جُلًّا، وقد تجسَّدتْ هذا الآنَ في كُلٍّ من السويد والدنمارك، وإلى حدِّ الإحراقِ والتدنيسِ للقرآنِ الكريمِ وللهويةِ العربيةِ؟؟.. نعمْ، في ذلك شيءٌ، لا بَلْ فيهِ كُلٌّ أو بالكادِ، إنْ أُمْعِنَ النظرُ في المَنْكُورِ والمُسْتَنْكَرِ مِنْ مَآربِ هذا الغربِ الإمبرياليِّ مِنِ اصْطناعهِ أُسْطُورَةَ التحجُّجِ بـ«الإرهاب» المُنَوَّهِ عنه للتوِّ، في الحَيِّز الأوَّل، ومِنِ اختلاقهِ كذاك أُحْبُولَةَ التذرُّعِ بـ«مكافحة الإرهاب» للتمويهِ المُحاذي قُدَّامَ العالَمِ المغبونِ، في الحَيِّز الثاني – وليس هناك دليلٌ دامغٌ وقاطعٌ على هذا الاختلاق وهذا الاصطناع لَأَدَلُّ مِمَّا يحدث الآنَ من تدميرٍ وإبادةٍ وحشيَّيْنِ ممنهجَيْنِ ضدَّ قطاعِ غزةَ شعبًا وأرضًا على أيدي أولئك الأنجاسِ المجرمينَ من الكيانِ الصهيونيِّ السافلِ وبدعمٍ كاملٍ بالمالِ والسلاحِ من لدنْ «ديمقراطياتِ» هذا الغربِ الإمبرياليِّ الأشدِّ سفالةً، ولا ريبَ في ذلك البتة..
فليسَ لي هنا، إذن، إلَّا أن أعيدَ التوكيدَ بالقولِ «في كلٍّ من السويد والدنمارك» بالتحديد، لأنه من خلالِ التمادي في الاستيمانِ بأيٍّ من شعاراتِ «حريات الكلام أو الرأي أو التعبير» تلك، تتمادى في الإحراقِ والتدنيس المعنيَّيْنِ بكلِّ وقاحةٍ حتى «مواطناتٌ» سويدياتٌ أو دنماركياتٌ (أو حتى نرويجياتٌ) يتحدَّرن من أصولٍ تنتمي إلى مَا يُسَمِّيهِ الغربُ الإمبرياليُّ التمييزيُّ بامتيازٍ بـ«العالم الثالث» Tiers Monde، وذلك استئناسًا بِتَسْمِيَةِ الباحث الديموغرافي الفرنسي آلفريد سوڤي (1898-1990) في منتصفِ العامِ 1952.. فمثلًا لا حصرًا، ففي ذلك اليومِ الثالثِ من شهر آبَ (أغسطس) من هذا العامِ 2023، أقدمت «مواطنةٌ» سويديةٌ متحدِّرةٌ من أصلٍ إيرانيٍّ، تُدعى مرجان بيرامي، أقدمت بكلِّ صفاقةٍ على إحراقِ نسخةٍ من القرآنِ الكريمِ على شاطئٍ من شواطئِ العاصمةِ السويديةِ ستوكهولم، وتحتَ حراسةٍ أمنيَّةٍ «مُثْلَى» من بضعِ عناصرِ شرطةٍ سويديةٍ حتى يتمَّ الإخراجُ «الأمثلُ» للمشهدِ المَعْنِيِّ.. فقد تكرَّرتْ مؤخَّرًا حوادثُ إحراقٍ وتدنيسٍ مماثلةٌ، في السويد والدنمارك، نفَّذها رهطٌ بخيسٌ من «اليمينيِّين المتطرِّفين» وحتى أمَامَ سفاراتٍ تمثِّل دولًا إسلاميةً معيَّنةً، كإيران وتركيا (لكي تكتملَ المهزلةُ)، إذْ أُثِيرَتْ حَفَائِظُ عددٍ من الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ رَسْمِيًّا وشعبيًّا، وإذْ أُمِيرَتْ كذاك استدعاءاتٌ تحقيقيَّةٌ لسفراءِ كلٍّ من الدولتَينِ الغربيَّتَيْنِ المعنيَّتَيْنِ في أكثرَ من دولةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ، وذاك صَوْنًا لماءاتِ الوجوهِ على أدنى تخمين.. كلُّ هذا لا يعدو، بالطبعِ، أن يكونَ عملًا شكليًّا بذلك القرارِ الذي تَبَنَّتْهُ عينُ «الجمعية العامة للأمم المتحدة» UNGA في اليوم السادس والعشرين من شهر تموز (يوليو) من هذا العام 2023، والذي صَاغَهُ المغربُ المهرولُ بكلِّ استخذاءٍ وراءَ التطبيعِ «الإبراهيميِّ» مع الكيانِ الصهيونيِّ (وهنا تكمنُ مهزلةُ المهازلِ)، صَاغَهُ لكي «يُدينَ» أعمالَ الاِنتهاكِ ضدَّ كتبٍ مقدَّسةِ المقام وضدَّ أديانٍ في مقدِّمَتِهَا الإسلام!!.. ومَا هٰذان الإحراقُ والتدنيسُ الإسكندنافيَّانِ المُمَهَّدَانِ «إفريقيًّا»، والأزرى من ذلك، إلَّا إِرْهَاصَانِ مُنْذِرَانِ بالاعتداءِ الدَّمِيمِ من لَدُنْ أولئك الصَّهَائِنِ المستوطنين في أجوافِ الضفةِ الغربيَّةِ أو حتى غلافِ غَزَّةَ الأبِيَّةِ، ومُخْطِرَانِ بالتمادي الذَّمِيمِ من طرفِ هؤلاءِ الصَّهَائِنِ الأنجَاسِ أثناءَ احتفالاتهم الدينيةِ الإفْكِيَّةِ، تماديهم في الخَسْفِ والشَّتْمِ الشَّائِنَيْنِ لآنَامِ تيك الأراضي التي يستوطنونهَا على الملأِ، وتماديهم حتى في البَصْقِ والتَّفْلِ المُقْرِفَيْنِ على العربِ المسلمينَ ومساجدِهِمْ وعلى العربِ المسيحيينَ وكنائسِهِمْ – ناهيك عن تواقحِ هؤلاءِ الصَّهَائِنِ الأنجَاسِ في الدَّوْسِ المُهِينِ على أَجْدَاثِ القاطنينَ من كلٍّ من الطائفتَيْنِ الدينيَّتَيْنِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.. كُلُّ هٰذين الخَسْفِ والشَّتْمِ الشَّائِنَيْنِ، وكُلُّ هٰذين البَصْقِ والتَّفْلِ المُقْرِفَيْنِ (وفضلًا عن كُلِّ هٰذا الدَّوْسِ المُهِينِ، مسبُوقًا باحتلالٍ وحصَارٍ نازيَّيْنِ فاشيَّيْنِ متوحِّشَيْنِ همجيَّيْنِ على مدى عشراتٍ من عجافِ السنين)، كُلُّ هٰذينِ وهٰذينِ وهٰذا ليسَ لهُ سِوَى أن يتأوَّجَ سُخْطًا وحَنَقًا فيمَا طُوِّبَ تَطْويبًا مقدَّسًا بـ«طوفانِ الأقصَى»، في اليومِ السَّابِعِ من شهرِ تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2023.. ومع ازديادِ أعدادِ الضحايا والرحمةُ كُلُّهَا على أرواحهم مَا بينَ الثريَّا والأَثْرَى، هذا الطوفانُ الأَقْصَوِيُّ قد كشفَ الأطرافَ المعنيَّةَ على حقائقِهَا الدَّنِيئَةِ والدَّنِيَّةِ تَتْرَى، قد كشفَ الكيانَ الصُّهيونيَّ الغِطْرِيفَ الجَخِيفَ المبنيَّ منذ البدءِ على بنيَانٍ من وَرَق، قد كشفَ الغربَ الإمبرياليَّ المغموسَ في أَزْفَاتِ النفاقِ والهِتْرِ خِرَقًا في خِرَق، قد كشفَ العربانَ والمستعربينَ من الطغاةِ العُتَاةِ المُذَلِّينَ مَهَنَةً عِتَافًا أَمَامَ الأسيادِ من هكذا كيانٍ وهكذا غربٍ أَئِمَّة، لٰكِنِ المستقوونَ أَيَّمَا استقوَاءٍ على أهلِ الحَقِّ الحَقِيقِ من الشعوبِ، أهلِ المقاومةِ الخَلِيقِ والهِمَّة..
وهكذا، فإنَّ كلَّ ما يمارسُه الغربُ الإمبرياليُّ بمعيةِ مَاهِنِهِ الصهيونيِّ من عنصريةٍ وكراهيةٍ تجاهَ العرب والمسلمين عامَّةً إنما هو نابعٌ جمعيًّا من حالاتٍ لَاسَوِيَّةٍ أو مَرَضِيَّةِ المنشأ كانت قد تَرَسَّخَتْ على الصعيدِ النفسانيِّ قبلَ أيِّمَا صعيدٍ آخَرَ منذ زمانٍ جدِّ بعيدٍ.. فأما العنصرية، من طرفها، فتشير إلى استفحَالِ ذلك الجهلِ المَرَضِيِّ بماهيةِ النفسِ الإنسانيةِ في الأصلِ، وذلك من جَرَّاءِ التعصُّبِ اللغويِّ وَ/أَوِ الدينيِّ للذاتِ الجمعيةِ (أو حتى الفرديةِ)، وكذلك من جَرَّاءِ التوهُّمِ العُصَابيِّ والهُجَاسيِّ على نحوِ عُقَدٍ نفسيةٍ خطيرةٍ بخطرِ الاستفحَالِ ذاتهِ، كعقدةِ «التفوُّق الخارق» وعقدة «العرق الأرقى» وهلمَّ جَرًّا.. وأما الكراهية، من جانبها، فتدلُّ على استشرَاءِ ذلك الشعورِ المَرَضِيِّ باحتقارِ النفسِ الإنسانيةِ في الأساسِ، وذاك من خلالِ التغرُّضِ المعرفيِّ وَ/أَوِ العرفانيِّ ضِدَّ الآخَرِ الجَمْعِيِّ (أو حتى الفرديِّ)، وكذاك من خلالِ التخيُّلِ الأنانيِّ و«السَّادِيِّ» على شكلِ عُقَدٍ نفسيةٍ خطيرةٍ أيضًا بخطرِ الاستشرَاءِ عينهِ، كعقدةِ «الحَسَدِ الحارق» وعقدة «الحِقْدِ الأعتى» وهكذا دواليك.. صحيحٌ هنا أن الغربَ المعنيَّ مسؤولٌ في المقامِ الأولِ عَمَّا يترتَّبُ على جلِّ المواقفِ العنصريةِ والكراهيةِ المذكورةِ وغيرِ المذكورةِ في هذهِ القرينةِ، إلَّا أن هناك في هذا الغربِ، في المقابلِ، كَمًّا لَافتًا من العربِ المتأسلمينَ الأدعياءِ الذين يستأهلونَ الإِنْحَاءَ باللائمةِ عليهم كذلك، إذ كانوا وما زالوا يساهمونَ في تشويهِ وتشنيعِ صورةِ الإسلامِ الحقيقيِّ، وذلك بدءًا من ممارساتِ التعدُّد البهيميِّ واستغلالِ حتى المسلماتِ الغلباناتِ القواصرِ تدنيسًا في بيوتِ اللهِ الحرامِ فوقَ ذلك كلِّهِ.. حتى الرسولُ الكريمُ لم يمارسِ التعدُّدَ إلَّا لغايةٍ اجتماعيةٍ «عدميةٍ» جدِّ خاصَّةٍ (كموتِ الأزواجِ في الحروبِ، مثلًا)، وقد كانْ ذلك قبلَ أكثرَ من أربعةَ عَشَرَ قرنًا من الزمانِ، مِمَّا لا يعني إطلاقًا أن على المسلمِ الحقِّ (لا المتأسلمِ الدعيِّ) أن يجترَّ هكذا ممارسةً كانت سائدةً حتى قبلَ الإسلامِ بقرونٍ مديدةٍ.. فلا شكَّ أن سببًا رئيسيًّا في تخلُّف المجتمعاتِ الذكوريةِ في العالمِ العربيِّ إنما يكمنُ في انتشارِ المتأسلمينَ الأدعياءِ وخاصَّةً أولئك الحثالةَ السفلةَ من النقطاءِ العتوفينَ الكذوبينَ من أمثالِ الإمَّعِ القذرِ الحقيرِ المنحطِّ درقاع السفتان الذي يستسخفُ حتى الترحُّمَ على أرواحِ الراحلينَ من فئةِ اليسارِ المثقَّفِ كمثلِ نوال السعداوي وسعدي يوسف وغيرهما.. وإن دلَّتْ هكذا قذارةٌ وحقارةٌ وانحطاطٌ على شيءٍ فإنها تدلُّ على حقيقةِ أن هذا الإمَّعَ الجاهلَ والحسودَ والمتحدِّرَ من أصولٍ سَرْجِينيَّةٍ نجاسيَّةٍ ليسَ في حوزتهِ سوى توزيعِ المديحِ والتملُّقِ والنفاقِ والتزلُّفِ لمن هم في مصافِّ من لم يفتأْ يلعقُ أحذيتَهُمْ وأستاهَهُمْ من أسيادِهِ من أذنابِ شَبِّيحَةِ النظامِ الأسديِّ الفاشيِّ الإجراميِّ تبعًا للمبدأ الغابيِّ والحوشيِّ الشهير، «ليسَ حبًّا بعليٍّ بل كرهًا بمعاوية»!!..
***
كوبنهاغن (الدنمارك)،
29 كانون الأول (ديسمبر) 2023
-----------
ملاحظة هامة
هذه المقالات التي تُعَدُّ في مجال النقد الإعلامي والصحافي تحديدا إنما كانت، وما زالت، تصدر تباعا في المركز الإعلامي الفلسطيني المتميِّز، «الإعلام الحقيقي» Real Media، هذا المركزِ الكائنِ في حي الرمال من مدينةِ غَزَّةَ الأَبِيَّةِ بالذات.. ولكنْ، إذ يعترينا القلقُ الشديدُ والحزنُ الأشدُّ من هول القتل والدمار اللذين يُمَارَسَا بحقِّ أخواتنا وإخوتنا من الشعب الغَزِّيِّ الكُمَيْتِ الهُمَامِ من طرف أنجاس العدو الصهيوني الإجرامي هو الآخَرُ على مدى شهرَيْنِ ونَيِّفٍ من الزمان، يبدو أن مركز الإعلام الحقيقي» هذا قد توقَّف عن إصدار موادِّهِ الإعلامية والصحافية حتى إشعارٍ آخَرَ منذ اندلاع «طوفان الأقصى» المقدَّس في اليوم السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2023.. وكلُّنا، في هذا، أملٌ وتطلُّعٌ وتشوُّفٌ على أحرَّ من الجَمْرِ في عودة المركز إلى نشاطه المعتاد في المستقبل القريب – وإنَّهُ لَسَمِيعٌ مُجِيب..
مرة أخرى، أشرتُ من قبلُ إلى مَا تتشدَّق بهِ ألسنةُ الغرب المعنيِّ من حَشْوٍ إفكيٍّ عن «الديمقراطياتِ» المتاحةِ هزلًا باسم «حريات الكلام أو الرأي أو التعبير»، كالدنمارك والسويد والنرويج، وكإنكلترا وفرنسا وأمريكا وحتى ألمانيا (ربيبةِ الانحيازِ الخفيِّ للكيان الصهيوني الإجرامي).. ولهذا، فإن أسوأ أشكال العنصرية والكراهية بإزاء العرب والمسلمين تتجلى في أرجاء هذا الغرب «المتحرِّر» كلِّهِ ولكن بتفاوتٍ نسبيٍّ، كما ذُكر.. وتذكيرًا آخَرَ بمدى نفاقيَّةِ وانتقائِيَّةِ أولئك البحثاءِ الجامعيين وبميداءِ اسْتِرْقَاقِهِمْ ماهيَّتَهُمْ لُهَاثًا وراءَ التَّمَلُّكِ العُصَابِيِّ للمَرْهَصَةِ الأكاديميةِ بالظَنِّ، كمثل جلبير الأشقر، مُدَّعِيًا بالمرارِ والتكرارِ بأنه ناشط «ماركسي»، ومتشدِّقًا بـ«النضالِ المضادِّ» لأشتاتِ الإمبريالية «كافَّةً» تحت ذلك الشِّعَارِ الاصطنَاعيِّ «اللاإمبريالية» Anti-Imperialism، طالما أن الادِّعَاءَ والتشدُّقَ هذينِ لا يهدِّدانِ قطُّ استمراريةَ ذلك التَّمَلُّكِ العُصَابِيِّ ذاته.. ذلك لأن اجتماعَ نفاقيَّةٍ وانتقائِيَّةٍ كهٰتين إنما ينطوي على اندماجِ وُصُوليَّةٍ وانتهازيَّةٍ مترسِّخَتَيْنِ في ذهنيَّةِ هكذا باحثٍ «ماركسي» مُتَبَرْجِزٍ إزاءَ فعلِ الانتقادِ الافتعالي لهذهِ الإمبرياليةِ دونَ سِوَاهَا من الإمبرياليَّاتِ (كـ«اجترائهِ»، مثلًا، على انتقادِ كلٍّ من الإمبرياليتَيْنِ الأمريكية والروسية، وارتدادهِ عنْ، لا بَلِ ارتعادهِ منْ، انتقادِ أيٍّ من الإمبرياليتَيْنِ الإنكليزية والفرنسية لأسبابٍ يعلمُها جيِّدًا).. كلُّ هذا النفاقِ-الانتقاءِ لَسَائِرٌ حثيثًا رغمَ اتخاذِ الغربِ المعنيِّ مواقفَ عنصريَّةً وكراهيَّةً فاقعةً تجاه العرب والمسلمين، ورغمَ نكرانِهِ الإقرارَ بأن العالمَ الآنَ يتغيَّر حتميًّا بتعدُّدِ أقطابٍ جِدِّ زاحفٍ من أقاصي الشرق الأوروبي إلى أقاصي الشرق الآسيوي إلى حتى أقاصي الجنوب الغربي الإفريقي.. طبيعيٌّ، إذن، أن يشنَّ هذا الغربُ المعنيُّ حروبًا مفتراةً على بلادِ العربِ والمسلمين عامَّةً، وذاك تذرُّعًا بِأُحْبُولِ «مكافحة الإرهاب» وإيهامًا عن حقيقةِ أن هذا الغربَ لَهُوَ الصَّانِعُ الفعليُّ لهكذا «إرهابٍ»، منذ تدخُّلِهِ الكارثيِّ في ليبيا «الربيعِ العربيِّ» عامَ 2011، ومنذ جَعْلِ هذهِ الـ«ليبيا» منفذًا حيويًّا مَاثلًا بحَدِّهَا الجنوبي الغربي مع النيجر ذاتا، وبالأخصِّ إبَّانَ تحوُّلِ «الصحراء الكبرى» إلى ملاذٍ كونيٍّ لِمَنْ يُسَمَّوْنَ بـ«الجهاديين» أو بـ«المتشدِّدين الإسلاميين» – مِمَّا يفسِّر داعيًا لوجودِ قواعدَ عسكريَّةٍ فرنسيَّةٍ وأمريكيَّةٍ مرئيَّةٍ هنا، وكذاك إنكليزيَّةٍ لامرئيَّةٍ هناك.. وطبيعيٌّ، أيضًا، أن يتحدَّرَ جُلُّ هؤلاءِ الجهاديين أو المتشدِّدين الإسلاميين من أصولٍ عربيَّةٍ، بالغينَ أَشُدَّهُمْ بالاعتياشِ على المالِ والسلاحِ «المهرَّبَيْن» من لَدُنْ جهاتٍ «عربيَّةٍ» أو «لاعربيَّةٍ» تعملُ بالولاءِ لصالحِ دولةٍ غربيَّةٍ كيمَا يُعَادَ الخَلْقُ واضحًا أمامَ الخَلْقِ (أسيادًا أحرارًا أعزَّاءَ كانوا أم عبيدًا عَتُوفِينَ دُرْقُعِيِّينَ أذلَّاءَ) لثنائيَّةٍ مُشَيْطَنَةٍ استباقيًّا، ثنائيةِ «العربِ والإسلامِ» مُجْتَرَّةً اجترارًا آنًا بعدَ آنٍ.. وهل في ذلك شيءٌ مِمَّا يُعَلِّلُ ميداءَ الترسيخِ التدريجيِّ للمواقفِ العنصريَّةِ والكراهيَّةِ في أذهانِ الغربِ الإمبرياليِّ جُلًّا، وقد تجسَّدتْ هذا الآنَ في كُلٍّ من السويد والدنمارك، وإلى حدِّ الإحراقِ والتدنيسِ للقرآنِ الكريمِ وللهويةِ العربيةِ؟؟.. نعمْ، في ذلك شيءٌ، لا بَلْ فيهِ كُلٌّ أو بالكادِ، إنْ أُمْعِنَ النظرُ في المَنْكُورِ والمُسْتَنْكَرِ مِنْ مَآربِ هذا الغربِ الإمبرياليِّ مِنِ اصْطناعهِ أُسْطُورَةَ التحجُّجِ بـ«الإرهاب» المُنَوَّهِ عنه للتوِّ، في الحَيِّز الأوَّل، ومِنِ اختلاقهِ كذاك أُحْبُولَةَ التذرُّعِ بـ«مكافحة الإرهاب» للتمويهِ المُحاذي قُدَّامَ العالَمِ المغبونِ، في الحَيِّز الثاني – وليس هناك دليلٌ دامغٌ وقاطعٌ على هذا الاختلاق وهذا الاصطناع لَأَدَلُّ مِمَّا يحدث الآنَ من تدميرٍ وإبادةٍ وحشيَّيْنِ ممنهجَيْنِ ضدَّ قطاعِ غزةَ شعبًا وأرضًا على أيدي أولئك الأنجاسِ المجرمينَ من الكيانِ الصهيونيِّ السافلِ وبدعمٍ كاملٍ بالمالِ والسلاحِ من لدنْ «ديمقراطياتِ» هذا الغربِ الإمبرياليِّ الأشدِّ سفالةً، ولا ريبَ في ذلك البتة..
فليسَ لي هنا، إذن، إلَّا أن أعيدَ التوكيدَ بالقولِ «في كلٍّ من السويد والدنمارك» بالتحديد، لأنه من خلالِ التمادي في الاستيمانِ بأيٍّ من شعاراتِ «حريات الكلام أو الرأي أو التعبير» تلك، تتمادى في الإحراقِ والتدنيس المعنيَّيْنِ بكلِّ وقاحةٍ حتى «مواطناتٌ» سويدياتٌ أو دنماركياتٌ (أو حتى نرويجياتٌ) يتحدَّرن من أصولٍ تنتمي إلى مَا يُسَمِّيهِ الغربُ الإمبرياليُّ التمييزيُّ بامتيازٍ بـ«العالم الثالث» Tiers Monde، وذلك استئناسًا بِتَسْمِيَةِ الباحث الديموغرافي الفرنسي آلفريد سوڤي (1898-1990) في منتصفِ العامِ 1952.. فمثلًا لا حصرًا، ففي ذلك اليومِ الثالثِ من شهر آبَ (أغسطس) من هذا العامِ 2023، أقدمت «مواطنةٌ» سويديةٌ متحدِّرةٌ من أصلٍ إيرانيٍّ، تُدعى مرجان بيرامي، أقدمت بكلِّ صفاقةٍ على إحراقِ نسخةٍ من القرآنِ الكريمِ على شاطئٍ من شواطئِ العاصمةِ السويديةِ ستوكهولم، وتحتَ حراسةٍ أمنيَّةٍ «مُثْلَى» من بضعِ عناصرِ شرطةٍ سويديةٍ حتى يتمَّ الإخراجُ «الأمثلُ» للمشهدِ المَعْنِيِّ.. فقد تكرَّرتْ مؤخَّرًا حوادثُ إحراقٍ وتدنيسٍ مماثلةٌ، في السويد والدنمارك، نفَّذها رهطٌ بخيسٌ من «اليمينيِّين المتطرِّفين» وحتى أمَامَ سفاراتٍ تمثِّل دولًا إسلاميةً معيَّنةً، كإيران وتركيا (لكي تكتملَ المهزلةُ)، إذْ أُثِيرَتْ حَفَائِظُ عددٍ من الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ رَسْمِيًّا وشعبيًّا، وإذْ أُمِيرَتْ كذاك استدعاءاتٌ تحقيقيَّةٌ لسفراءِ كلٍّ من الدولتَينِ الغربيَّتَيْنِ المعنيَّتَيْنِ في أكثرَ من دولةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ، وذاك صَوْنًا لماءاتِ الوجوهِ على أدنى تخمين.. كلُّ هذا لا يعدو، بالطبعِ، أن يكونَ عملًا شكليًّا بذلك القرارِ الذي تَبَنَّتْهُ عينُ «الجمعية العامة للأمم المتحدة» UNGA في اليوم السادس والعشرين من شهر تموز (يوليو) من هذا العام 2023، والذي صَاغَهُ المغربُ المهرولُ بكلِّ استخذاءٍ وراءَ التطبيعِ «الإبراهيميِّ» مع الكيانِ الصهيونيِّ (وهنا تكمنُ مهزلةُ المهازلِ)، صَاغَهُ لكي «يُدينَ» أعمالَ الاِنتهاكِ ضدَّ كتبٍ مقدَّسةِ المقام وضدَّ أديانٍ في مقدِّمَتِهَا الإسلام!!.. ومَا هٰذان الإحراقُ والتدنيسُ الإسكندنافيَّانِ المُمَهَّدَانِ «إفريقيًّا»، والأزرى من ذلك، إلَّا إِرْهَاصَانِ مُنْذِرَانِ بالاعتداءِ الدَّمِيمِ من لَدُنْ أولئك الصَّهَائِنِ المستوطنين في أجوافِ الضفةِ الغربيَّةِ أو حتى غلافِ غَزَّةَ الأبِيَّةِ، ومُخْطِرَانِ بالتمادي الذَّمِيمِ من طرفِ هؤلاءِ الصَّهَائِنِ الأنجَاسِ أثناءَ احتفالاتهم الدينيةِ الإفْكِيَّةِ، تماديهم في الخَسْفِ والشَّتْمِ الشَّائِنَيْنِ لآنَامِ تيك الأراضي التي يستوطنونهَا على الملأِ، وتماديهم حتى في البَصْقِ والتَّفْلِ المُقْرِفَيْنِ على العربِ المسلمينَ ومساجدِهِمْ وعلى العربِ المسيحيينَ وكنائسِهِمْ – ناهيك عن تواقحِ هؤلاءِ الصَّهَائِنِ الأنجَاسِ في الدَّوْسِ المُهِينِ على أَجْدَاثِ القاطنينَ من كلٍّ من الطائفتَيْنِ الدينيَّتَيْنِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ.. كُلُّ هٰذين الخَسْفِ والشَّتْمِ الشَّائِنَيْنِ، وكُلُّ هٰذين البَصْقِ والتَّفْلِ المُقْرِفَيْنِ (وفضلًا عن كُلِّ هٰذا الدَّوْسِ المُهِينِ، مسبُوقًا باحتلالٍ وحصَارٍ نازيَّيْنِ فاشيَّيْنِ متوحِّشَيْنِ همجيَّيْنِ على مدى عشراتٍ من عجافِ السنين)، كُلُّ هٰذينِ وهٰذينِ وهٰذا ليسَ لهُ سِوَى أن يتأوَّجَ سُخْطًا وحَنَقًا فيمَا طُوِّبَ تَطْويبًا مقدَّسًا بـ«طوفانِ الأقصَى»، في اليومِ السَّابِعِ من شهرِ تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2023.. ومع ازديادِ أعدادِ الضحايا والرحمةُ كُلُّهَا على أرواحهم مَا بينَ الثريَّا والأَثْرَى، هذا الطوفانُ الأَقْصَوِيُّ قد كشفَ الأطرافَ المعنيَّةَ على حقائقِهَا الدَّنِيئَةِ والدَّنِيَّةِ تَتْرَى، قد كشفَ الكيانَ الصُّهيونيَّ الغِطْرِيفَ الجَخِيفَ المبنيَّ منذ البدءِ على بنيَانٍ من وَرَق، قد كشفَ الغربَ الإمبرياليَّ المغموسَ في أَزْفَاتِ النفاقِ والهِتْرِ خِرَقًا في خِرَق، قد كشفَ العربانَ والمستعربينَ من الطغاةِ العُتَاةِ المُذَلِّينَ مَهَنَةً عِتَافًا أَمَامَ الأسيادِ من هكذا كيانٍ وهكذا غربٍ أَئِمَّة، لٰكِنِ المستقوونَ أَيَّمَا استقوَاءٍ على أهلِ الحَقِّ الحَقِيقِ من الشعوبِ، أهلِ المقاومةِ الخَلِيقِ والهِمَّة..
وهكذا، فإنَّ كلَّ ما يمارسُه الغربُ الإمبرياليُّ بمعيةِ مَاهِنِهِ الصهيونيِّ من عنصريةٍ وكراهيةٍ تجاهَ العرب والمسلمين عامَّةً إنما هو نابعٌ جمعيًّا من حالاتٍ لَاسَوِيَّةٍ أو مَرَضِيَّةِ المنشأ كانت قد تَرَسَّخَتْ على الصعيدِ النفسانيِّ قبلَ أيِّمَا صعيدٍ آخَرَ منذ زمانٍ جدِّ بعيدٍ.. فأما العنصرية، من طرفها، فتشير إلى استفحَالِ ذلك الجهلِ المَرَضِيِّ بماهيةِ النفسِ الإنسانيةِ في الأصلِ، وذلك من جَرَّاءِ التعصُّبِ اللغويِّ وَ/أَوِ الدينيِّ للذاتِ الجمعيةِ (أو حتى الفرديةِ)، وكذلك من جَرَّاءِ التوهُّمِ العُصَابيِّ والهُجَاسيِّ على نحوِ عُقَدٍ نفسيةٍ خطيرةٍ بخطرِ الاستفحَالِ ذاتهِ، كعقدةِ «التفوُّق الخارق» وعقدة «العرق الأرقى» وهلمَّ جَرًّا.. وأما الكراهية، من جانبها، فتدلُّ على استشرَاءِ ذلك الشعورِ المَرَضِيِّ باحتقارِ النفسِ الإنسانيةِ في الأساسِ، وذاك من خلالِ التغرُّضِ المعرفيِّ وَ/أَوِ العرفانيِّ ضِدَّ الآخَرِ الجَمْعِيِّ (أو حتى الفرديِّ)، وكذاك من خلالِ التخيُّلِ الأنانيِّ و«السَّادِيِّ» على شكلِ عُقَدٍ نفسيةٍ خطيرةٍ أيضًا بخطرِ الاستشرَاءِ عينهِ، كعقدةِ «الحَسَدِ الحارق» وعقدة «الحِقْدِ الأعتى» وهكذا دواليك.. صحيحٌ هنا أن الغربَ المعنيَّ مسؤولٌ في المقامِ الأولِ عَمَّا يترتَّبُ على جلِّ المواقفِ العنصريةِ والكراهيةِ المذكورةِ وغيرِ المذكورةِ في هذهِ القرينةِ، إلَّا أن هناك في هذا الغربِ، في المقابلِ، كَمًّا لَافتًا من العربِ المتأسلمينَ الأدعياءِ الذين يستأهلونَ الإِنْحَاءَ باللائمةِ عليهم كذلك، إذ كانوا وما زالوا يساهمونَ في تشويهِ وتشنيعِ صورةِ الإسلامِ الحقيقيِّ، وذلك بدءًا من ممارساتِ التعدُّد البهيميِّ واستغلالِ حتى المسلماتِ الغلباناتِ القواصرِ تدنيسًا في بيوتِ اللهِ الحرامِ فوقَ ذلك كلِّهِ.. حتى الرسولُ الكريمُ لم يمارسِ التعدُّدَ إلَّا لغايةٍ اجتماعيةٍ «عدميةٍ» جدِّ خاصَّةٍ (كموتِ الأزواجِ في الحروبِ، مثلًا)، وقد كانْ ذلك قبلَ أكثرَ من أربعةَ عَشَرَ قرنًا من الزمانِ، مِمَّا لا يعني إطلاقًا أن على المسلمِ الحقِّ (لا المتأسلمِ الدعيِّ) أن يجترَّ هكذا ممارسةً كانت سائدةً حتى قبلَ الإسلامِ بقرونٍ مديدةٍ.. فلا شكَّ أن سببًا رئيسيًّا في تخلُّف المجتمعاتِ الذكوريةِ في العالمِ العربيِّ إنما يكمنُ في انتشارِ المتأسلمينَ الأدعياءِ وخاصَّةً أولئك الحثالةَ السفلةَ من النقطاءِ العتوفينَ الكذوبينَ من أمثالِ الإمَّعِ القذرِ الحقيرِ المنحطِّ درقاع السفتان الذي يستسخفُ حتى الترحُّمَ على أرواحِ الراحلينَ من فئةِ اليسارِ المثقَّفِ كمثلِ نوال السعداوي وسعدي يوسف وغيرهما.. وإن دلَّتْ هكذا قذارةٌ وحقارةٌ وانحطاطٌ على شيءٍ فإنها تدلُّ على حقيقةِ أن هذا الإمَّعَ الجاهلَ والحسودَ والمتحدِّرَ من أصولٍ سَرْجِينيَّةٍ نجاسيَّةٍ ليسَ في حوزتهِ سوى توزيعِ المديحِ والتملُّقِ والنفاقِ والتزلُّفِ لمن هم في مصافِّ من لم يفتأْ يلعقُ أحذيتَهُمْ وأستاهَهُمْ من أسيادِهِ من أذنابِ شَبِّيحَةِ النظامِ الأسديِّ الفاشيِّ الإجراميِّ تبعًا للمبدأ الغابيِّ والحوشيِّ الشهير، «ليسَ حبًّا بعليٍّ بل كرهًا بمعاوية»!!..
***
كوبنهاغن (الدنمارك)،
29 كانون الأول (ديسمبر) 2023
-----------
ملاحظة هامة
هذه المقالات التي تُعَدُّ في مجال النقد الإعلامي والصحافي تحديدا إنما كانت، وما زالت، تصدر تباعا في المركز الإعلامي الفلسطيني المتميِّز، «الإعلام الحقيقي» Real Media، هذا المركزِ الكائنِ في حي الرمال من مدينةِ غَزَّةَ الأَبِيَّةِ بالذات.. ولكنْ، إذ يعترينا القلقُ الشديدُ والحزنُ الأشدُّ من هول القتل والدمار اللذين يُمَارَسَا بحقِّ أخواتنا وإخوتنا من الشعب الغَزِّيِّ الكُمَيْتِ الهُمَامِ من طرف أنجاس العدو الصهيوني الإجرامي هو الآخَرُ على مدى شهرَيْنِ ونَيِّفٍ من الزمان، يبدو أن مركز الإعلام الحقيقي» هذا قد توقَّف عن إصدار موادِّهِ الإعلامية والصحافية حتى إشعارٍ آخَرَ منذ اندلاع «طوفان الأقصى» المقدَّس في اليوم السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام 2023.. وكلُّنا، في هذا، أملٌ وتطلُّعٌ وتشوُّفٌ على أحرَّ من الجَمْرِ في عودة المركز إلى نشاطه المعتاد في المستقبل القريب – وإنَّهُ لَسَمِيعٌ مُجِيب..