(سعف السراب)..
للأديب الشاعر السوري: (مصطفى الحاج حسين).
.......... بقلم: الأستاذة (غزلان شرفي).
قالوا قديما: (الإبداع هو أن يخرج الإنسان من وحل الفشل إلى إنسان يُضرب به المثل)، والأستاذ (مصطفى الحاج حسين) خير مثال، وأحسن قدوة يُحتذى بها في مجابهة صعوبات الحياة ، و مثبطات العيش... فمن الانسحاب من مقاعد الدراسة في سن مبكرة إلى التربع على عرش التميز والفصاحة والتمكن: شعرا ونثرا، وهذا لا يختلف عليه اثنان ممن خبروا دهاليز كتاباته، وتذوقوا جمالية مداده.
لطالما كانت لغة الشعر حالمة، محلقة في الخيال، جانحة للانفصال عن الحقيقة، لكنها مع ذ. (مصطفى) مشدودة إلى الواقع المر، كونه اهتم بالجانب الراصد لهموم بلده، وهواجس ذاته، المنغمسة في بحر لجي، لا قرار له ولا شاطئ، زادت الغربة من تعميق جراحاته، فجاءت قوافل حروفه تقودها نار الوجد، وتظللها سماء الحنين في صحارى الفقد... وستظل هاته الجراح تلهم شاعرنا للبوح الصافي بمكنونات القلب المنفطر، والروح الثكلى، مادام يعيش حالة من الامتداد في الزمن، والتمدد في المكان، بين إسطنبول وحلب.... هذا الحبل السري الذي لم ينقطع بعد رغم أن رحم الأم (حلب) لفظه (قسرا) خارجه، فلا زال يتغذى بآهاتها، ويرتوي من وديان دمائها، وما أشبع نهمه، ولا أطفأ عطشه... فالحنين يشاركه صحنه، والشوق ينهل من مورده.... ليبقى دوما في حالة تعطش ورغبة لا تنتهيان.....
وأنا أتجول بين مروج الديوان، وأتنقل من قصيد لآخر، استشعرت طعم المرارة والخذلان اللذين عبر عنهما الشاعر بأبلغ بيان، إذ تُحسه جزءً لا يتجزأ من خارطة الوطن الذي أحاطته عيون الإخوة بنظرات التنكر، عوض المساندة والمؤازرة، فكانت الخيانة مزدوجة، داخليا وخارجيا، الكل فيها سواء، من جار أو صديق، وقد أفرد الشاعر أكثر من نص في هذا الموضوع
.....
لكل نبضة شعر في هذا الديوان نٓفٓس من أنفاس الشاعر، يؤرخ للحظات ألم اكتنفت مشوار حياته، فحاول ترجمتها حروفا علّها تخفف من لظى ناره..... فمن رحم المحنة، كانت منحة الإبداع والتميز التي طبعت كتابات شاعرنا الحصيف، الذي امتلك نواصي التعبير، وطوّع القلم بكل تيسير، فما كان حلمه سرابا، ولا أمله يبابا...... فها هو اليوم يؤسس لتيار شعري مميز، يحتل مكانة وسطا بين الوجداني والملحمي في تزاوج رائق؛ فالشاعر لم ينفصل ولو للحظة عن هموم وطنه، ولا عن انشغالات بلده، رغم أنه استشعر العنف ضده، وضد أمثاله من شعراء السلام.... هذه القسوة التي جعلته يخاصم ذاته في أكثر من موضع، ويستنجد بما يحيط من عناصر تؤثث المحيط الخارجي قصد مشاركته إحساسه بالتشرد والضياع، حتى انه جعل للسراب سعفا، وهل يكون لسراب سعفٌ؟ السعف للنخلة بمعنى الجريد، وللعروس بمعنى الجهاز، وللبيت بمعنى الأثاث.... فما يكون بالنسبة للسراب؟ وهل للسراب وجود من أصله؟ وهل له كينونة؟....... كل شيء ممكن مع شاعرنا الذي اعتاد تكثيف المعاني، والنزوح إلى الرمزية دون كثير تعقيد..... وما اختيار عنوان هذه القصيدة بالذات، والتي تحتل الرتبة الثانية والخمسين ضمن ستين قصيدة تضمنها الديوان، جاء اعتباطا ، وإنما كونها تحمل قبسا من نور، وفجوة من أمل في سلام بعيد المنال، هذا علاوة على تميزها بصور وانزياحات من الحبكة بمكان لا نملك إلا التماهي مع معانيها إلى أبعد الحدود....... ذات الأمل تطالعنا به قصيدة(رايةالياسمين)
فلا نملك إلا التعاطف مع الشاعر، وكلنا رغبة في أن تزداد كوة الأمل اتساعا ليعم النور أرجاء الروح المكلومة التي تداوي خيباتها من خلال الصرير المبحوح ليراع سخر مداده لخدمة الهدف المنشود........ يراع قلم يجود به الزمن، له من السحر ما يجعل القارئ يمتطي صهوة الجمال، ويحلق في سموات الأصالة اللفظية والمعاني المتجلية بمنتهى الدلال.... ثم يعود ليبحر في ثراء الانزياحات، وكثافة المجازات، فيتسربل بالإبداع في أبهى حلله، حتى إني لأكاد أجزم أنه الشاعر المعاصر الوحيد الذي أقرأ له (آلاما) (باستمتاع)، وأتجرع معه (المرارة) (بتلذذ)...... ليس انفصالاعن واقع مر سطرته أنامله المبدعة، وإنما انغماسا كليا في ديجور طاغ أخاذ، بحثا معه عن نجوم متفرقة هنا وهناك....... عساها تنير دواخل شاعرنا، ودواخلنا كقراء ولو بخيط رفيع من نور......
غزلان شرفي
فاس: حزيران/يونيو 2020
## (راية النّدى)..
للشاعر والأديب السوري:
(مصطفى الحاج حسين).
بقلم: الأديبة والشاعرة والناقدة:
(نجاح إبراهيم).
شاعر يشفّ ندى.. هل أقولُ الحقيقة؟
=======================
وأعترفُ أنني أدمنتُ قمحَ قصائدِ الشاعر”مصطفى الحاج حسين” كما يدمنُ الجائعُ المهووس بخبزِ البلاد !
من أوّل قصيدةٍ له، أعلنتُ قسمي، ألا يبرحني صدقُ إحساسه، ولا نبلُ عواطفه، ولا ألمه العميق، ولا قلبه المحشو بالنقاء والجراح، ذو الملامح البريئة كقلب يمامة تشتهي الأمان.
لن أغادرَ قصائده وإن استعطفتني قصائد تأتي من جهات مختلفة، فهو الشّاعر المُجدّ، المواكبُ لكلّ نسمة تأتي بالبشارة، فتزيل ما تراكم من على
الأجفان.
كلُّ صباح أفتحُ عينيّ لأجدَ الشاعر منكباً ليله على نصّه، يُطعمه آخرَ قطرةٍ من الرّوح، وفي المساء
يختزلُ الوجعَ ليغزله نصاً جديداً يرسله في آخر الأوقات المستغيثة بحفنة هدأة، وهكذا دواليك..
فكيف أغادرُ هذا الترف الموجع؟ على الرّغم من أنّ قلبي رهيف لا يحتمل الألم ، فما فيه يفيضُويتنابعُ؟
فإلى أين أذهب من هذا الحصار الندي؟ وكيف أغادر الاحتفاءات؟
مرات استقبلتُ ما يرسلُ بكاءً صامتاً، يصعبُ أن أحدّ سيله بأصابع مرتعشة!
ومراتٍ حاربتُ ذلك، بالتجاهل المتعمّد إلى حين، كي أصونَ هذا القلب الصغير من الوجع:
” الآن عرفت
لماذا القمر يدور حول الأرض
إنه يلاحقك
أبصرته كان يسترقُ النظر
يراقب تحركاتك باستماتة
ويلتقط لك صوراً..”
وما كنتُ أدري أنني أبتعدُ عن الدواء إلى داءٍ، وما كان الدّاء إلا الدواء!.
وحين كان يتأخرُ بريده وقتاً، أتذرعُ بالصّبر وأفشلُ في تحمله، أتذرعُ بالكتابة وأفشلُ، ليس فيها وإنّما
بنسيان ما أنتظر، علماً أنني أدرك أنّ الذي أخّر البريد هو بكاء الشاعر، وتعاظم اغتراباته ، وحنينه المغروس في الحبر صفصافاً يدقُّ أجراسه، ليعزفَ سيمفونية القهر والشوق والغُصص، وأعرفُ أنه- كما كلّ مرّة- في حوار مع نحيبِ الجهات، يحاصره الخرابُ الرّوحي، وأنه يحاولُ أن يصالحَ نفسه لتتواطأ مع ما يشعر به، لتنبلج قصيدة تسافرُ منه إليّ:
” حاور نحيبَ الجهات
تكدّس خرابُ الأفقِ
في صوتك
وتراكمت المسافاتُ الخائبة
من أجنحتك العرجاء
وهامتْ بك الأوجاع..”
أعرف أنك في هذه الدّائرة، وأتجاهلُ ما أعرفُ، لأصبرَ وأنضحَ شوقاً لما يجيئ.
أريد للصفصاف أن يعلن قياماته مع الرّيح، وللكرزِ أن يُزهرَ، وللضوء أن يُثمرَ.
لهذا أودُّ أن أهمسَ في أذنِ الشّاعر، وأكتبَ بشكلٍ غير متعارف عليه في كتابة المقدّمات، ليشكلَ همسي شاطئناً، أو جسراً يمتدُّ من دهشةِ ما بين
عينيّ ودمي اللاهب، وما بين القصائد المتطرفة بالألم والرغبة في السلام، وأصداف من أريج محبّة، وأسراب يمامٍ يعلو، ويعلو، ثمّ يحطّ على قلعة الإباء، يشي بما حمّله الشاعر المنفي بسربالِ
الاحتماء إلى أمانٍ مفقود، وداليةِ شوقٍ، وشجرةِ بيلسان تسّاقط شموساً وفراشاتٍ وصوتاً معشّقاً بالحبّ، وكفين فيهما من سنابل البلاد..يا للبلاد!
كم فيها من رائحةٍ تعبقُ في قصائده +، تجعلُ القارئَ يسجدُ عند عتباتِها، وفي الصدر تتلى سِيَرٌ، تبدأُ من أوّل رُقمٍ طينيّ، إلى ما بعد دواوين الدّم الظامئ
لملحمة الهوية، والوطن الذي يبقى ما بقي الإبداع:
” كلُّ المدائن
خُلقتْ من ضلعكَ
سيقولُ المؤرخُ:
كانت عصية على الغناء..”
فالشاعر يمضي حاملاً الجرحَ ساريةً، يقبعُ الحزنُ في حنجرته، ويكثر الشوكُ في طريقه، وعيناه يَسكنهما الصّمتُ، ويبقى كالقديسين في محراب القصيدة، يؤرّث عسلَ الكلام، أميراً للحرف في زمنِ انهياراتِ القيم، يستمطرُ من نداه كلّ برهةٍ قصيدة، تنقذُ ما يتماوتُ فيه، تحيي رميمَ الوقت، ولكن لابدّ من المرورِ بأزقةِ الموت، ودهاليز الألم كي يدلج إلى ساحات الحياة. لا بدّ من العتمة لكي يبهرنا مطلعُ الشمس، لا بدّ من الظمأ كي ندرك عذوبة الفرات، فيا:
” قلب النور
ستنتهي المأساة بالفرحة
ويعمُّ الغناء..”
وأنا لستُ أنظرُ أمام مواتك وانبعاثاتك أيّها الشاعر، وإنّما هي روحي المؤمنة بك، وبما يتقاطرُ من مداد قصائدك من ندىً، فسيّد الانثيالات أنت، وحامل
راية الندى. وزّع علينا من غدقكَ ما يجعلنا ندهَش:
” وزّع عسلَ الشهقة
على جسم التلعثم الباكي
سيّد العشق أنت
إذ تمطر بالاكتواء
ناسك العفّة الوارفة بالياسمين
ذائع الحبّ النبيل..”
هي قصيدتك المكتظةِ بالوهج ، ونبضك الممتلئ بالشوق، وقدَرك تمشيه فوق الجراح، يكتبُ لك طريقاً ممتدّاً فوق الدّمع، لتغني القصيدة الحلم،
وتمشط شعرَ الشمس.
فمن منكما يستطيعُ مغادرةَ الآخر، وقد سكنتك كأنثاك، وأنت تسكنها خالقاً وباعثاً؟ كلاكما يحتفي بوطنٍ سُقي بروح الله ، لهذا تسامى فيكما، ورحتما معاً تتباريان على رسمه، فيجيئُ
الوطنُ راعفاُ بالدّم، وتارة بالقضاء والقدر وبآياتٍ من طهر، وأخرى من ضوءٍ وعشقٍ وعشبٍ وجرح و..و..
ياااه!
(مصطفى الحاج حسين!.)
أيّها الشاعرُ الصّامت ، المُضمخُ بحزنٍ عميقٍ، تشهد عليه أخاديدُ الوجه، ومساربُ القلب، المسافاتُ التي يناظرها كلّ صبح، والحلم الذي يشكله عند مطالعه، والوحدة التي تدعوه لأن يكتب. هذا ما جعلك قادراً على سكب ما في ذاتك في القصيدة،
يا أيها الشاعر، الذي يسكب ذاته في قصيدة!
فتبعثُ فيها إثارة ودهشة وشمولية، تبحثُ في كلّ منها عن شكلٍ جديدٍ، أنت الذي تسألني عقب كلّ قصيدة:
هل جئتُ بجديد؟
أظنك تقطف الإجابة من سؤالك لأنه مأزوم مثلك، ولاهثٌ إلى شرفات
الشروق. إنك لتأتي بما هو جميل، شكلاً ومضموناً، وتُلبس كلّ قصيدة وشاحاً
ملوّناً. بالله عليك كم عدد الأوشحة التي صارت في حوزتك؟! هل وصلت الألف؟
قد اكتمل المهر إذن.. اعقدها واصنع أفقاً من ألوان تضاهي به ألوانَ قوسِ قزحٍ، لنزفّك إلى حورية الإلهام التي تنتظرك في (حلب)، فتؤجج الحدائق
والغابات التي تتحرك أمام عيني كلّ متلقٍ؟
أجدك تسأل غير مصدقٍ، أنّ قصائدك تحرّك غابة من الدّهشة والشفافية؟! هي على شفافيتها متعددة الطبقات النصيّة، قابلة لأن توقظ الرّؤى، فتنثالُ
القصائد رائحة ولوناً، بحيث تأخذ
المتلقي إلى فضاءاتٍ من ألوان راقصة:
” يا طائر الفينيق عجّلْ
هذا الرّماد فتنة بلادي
هذا الدّم نزيفُ دهشتنا ..
امدد يدك لرائحةِ النهار
فكّ أزرار الشهوة الرّعناء
حطمْ أغلال الموج..”
ثقْ بي ولا تكنْ مثلَ “ماكبث” الذي ظنّ أنّ غابة “بريام” ثابتة، في حين أنها كانت تتحرّك! وهل كانت
زرقاء اليمامة تكذبُ؟!.
تلك قصيدة (مصطفى حاج حسين). تقرع أبوابَ الرّوح، فتُدخِل إلينا الفرحَ، والضوءَ، والنبيذَ والوجدَ، تدفعنا لأن نفتحَ أعيننا المندهشة.
وتلك ذاته الشاعرة، المفعمة بصورِ البّهاءِ والجمالِ، والتي تقفُ حارساً أمام بوّاباتِ الحَرفِ النبيلِ، والغابات التي تتحرّك فينا، فهل صدّقت كيف تتحرّك الغابة أيّها الشاعر؟إنك تعتلي رايةً من ندى، تبحثُ في كلّ نصّ عنطريقة للخلاصِ والأملِ، والرّغبة في التوحّد مع النصف الآخر، مع المرأة والاتحاد بها، لتشكلا كوناً مفعماً بالرّوح والأسرار.
هي رغبتك واشتهاؤك الأكيد، بشغفٍ تكتبُ عنها، تمتطي حلمَ اللقاء، وصولاً إليها، إذ لطالما بوّأتها مكانة رفيعة، فحضورها يُشبه رؤية ليلةَ القدر، لتأتي القصيدة هاتفة بسحرِها، تدفع كأس نذرها، نخب الألوهة العابق:
” ينحني لك نبضي
بخشوعٍ جمّ
يُقبّلُ أصابعَ عطرِك
ويقعدُ فوقَ سجّادة الابتهال
يرنو لعينيك
بعطشٍ طائشٍ
أيتها الأنثى
المخلوقة من نور
في راحتيك يسكنُ لهاثي
ومن على بُعد المدى
يتناهى إليّ ما فيك من بهاء..”
هي المرأة المغايرة، التي تأتي فتأتي معها الأقمار والنجومُ والهمسُ المقدّسُ، والفرح بلونِ عشبٍ مندّى، لا تستطيع فصلها عن عشقك الآخر /الوطن الذي صعب علينا أن نفرّق بينه وبينك، وبين
حبيبتك.
الوطن الذي شكّل لديك هاجساً يتعدّى المسافات، تتراءى لنا نغمات ترصدُ
صوراً لداخلك، إشعاعاً يتنافرُ إلى الخارج، إلى جسدِ القصيدة، رافلة به،
هاجساً كان بذرة، ثم نبتت، فأورقت، وتجذرت مما ألمَّ بالوطن وبك، فأثر كلُّ ذلك فيك تأثيراً عميقاً، ولم تستطعْ أن تواربَ تلك الموجات أو تسترها، حتى تراكمت وانفجرت. تلك هي رحلة هاجسك الأليم، أن يعود الوطن إليه الأمان، والبهجة إلى المهجة، أن يعود إلى أبنائه، إليك، طاوياً كلّ اغتراب وغُصّة وضياع.
أجدك تصلي مغمضَ العينين، تقولُ في سرّك: ليت هذا يكون.
ولكنه لن يكون إلاّ كما أردتَ أن يكون، في الشكل الذي ترتئيه، والصياغة التي حلمتَ بها. لكن سيبقى الهاجسُ متنامياً
، فما لديكَ من نماءٍ غريبٍ في داخلك لن يضمحل، هاجسك اللا ينفك يتوالد، آنى له أن يغادرك؟!.
أتدري لم؟ لأنك شاعرٌ مسكونٌ بالأوجاع بالندى. ولأنّ عندك رؤية وشعرٌ، وهل ثمّة شعر دونها؟ كثيرون من الشعراء لا تتوفر لديهم فيما يكتبون، لهذا نجدهم أمواتاً، بينما أنت ستبقى على قيد حياة
. لأنك زاخرٌبها، لديك الشمول، والعمق والحلم والقدرة المذهلة على التخيّل، إضافة إلى الموقف الواعي. وعلى الرّغم من أن الرّؤى الغالبةعلى قصائدك هي رؤى سوداء، بيد أنّ الأمل والبشارة موجودان في عشقك الكبير لتلك المعشوقة، التي استطاع أن تماهيها بالوطن، وبالمدينة الأثيرة لديك ألا وهي حلب.، حيث تأتلق كمكان داخل القصيدة، ولأنها واقعة في ضيم الإرهاب، فالشاعر الذي تكونه قادرٌ على التأثير والاقناع، ودلالات المكان لا تغادر عشقه له، فمنه تأتي البداية وإليه تنتهي الطرق والدروب، وما بين الأمرين رحلة اغتراب وضياع وألم وحنين وأمل كبير بحجم (حلب).
ولعل ما هو لافت، ثمة وحدة عضوية في كل قصة،
جلية الملامح، يانعة الاشراق، مكللة بلغة متجدّدة، تسعى كما كلّ مرّة بحثاً عن الانتقاء واختيار اللغة المعبّرة، والصورة المكتحلة بالانبعاث، لتأتي القصيدة بعشقٍ تحبّر بياضه الأليم، بما يمتلكُ من فطرةٍ شعريّة، وأفكارٍ منمّشة بجراحِ الواقع وغبار المعاناة، وشقوق الوقت، يكتبها بسهولة ودون افتعال أو احتباس، تهدلُ في وجداننا دون استئذان، راتعة بجمالياتها، نلامسُ فيها بساطة التعبير، على الرّغم من رمزيتها وعمق إيحائها، ولعل ما يُدهشُ أنها تختمُ دنانَ حضورها.بالتفاؤل والحبّ السّامق.
فيا أيّها المصلوبُ على رايةِ الندى !
كلّ القصائدِ تتقاطرُ منك، خطواتٍ في طريق الضّوء، لتجعلَ منك فاتحاً قديماً على بوابات الألم النبيل.
كلّ الأقصية تأتيك، أنت الذي تغرّب وما كان يرغب، فجددتك القصائد انتماء كل حين إلى الجذور، وصارت العناوين تأخذ عناوينها بفخرٍ، حملت سيفاً
لتواجه به ظمأ الرّحلة، وأشواك الطريق وعراء الطريق، فنبتَ قدّاح على خدّيه، ورفعتَ وأنت مفعمٌ بالجراح راية الندى
ياصاحب الندى !
سلامٌ لقصائدكَ التي أحالت السّكاكين إلى عشب وندى، والظلمة إلى فجرٍ، ومواسمَ الحداد إلىأغنيات خضراء.
لاهفة كنتُ وسأبقى إلى سحر عبارتك، إلى مطرك اللا يقف، إلى عطاءاتك، أحسني حين أقرأ قصيدة ما لك، أنني أقرأ شعراً له سحر وغواية، منذ عهد
آدم واغواءات الشجرة وهي تصعد في شرايين الشهوات، تحملها في جيناتك، تشعلها ناراً وإبداعاً لا ينطفئ. أتخيلك تطرق برأسك حياءً، بيد أنني ما غاليتُ بما باحَ حبري في حقِّ قصائد لها اشتعالُ الندى.
نجاح إبراهيم .
## (قهقهات الشيطان)..
مجموعة قصص للقاص والشاعر
(مصطفى الحاج حسين).
بقلم - (محمد بن يوسف كرزون).
& القلم كائن مشاغب في يد الكاتب والشاعر (مصطفى الحاج حسين)، فهو لا يدعُكَ تتركُ حرفاً يغيبُ عنكَ إنْ أنتَ أردْتَ أن تقرأ شيئاً ممّا يسيل من أجله. فالحروف تتقافز، والحركات تتراقص، وعلامات الترقيم تُزاحمُ بعضَها بعضاً، فتدخل النصّ ولا تتركه إلاّ بعدَ أن تمرّ عليه كلّه؛ فمهما كنتَ في حالة تعب أو حتّى إنهاك، فإنّ كتاب الأديب
(مصطفى) يأسركَ ويُنسيكَ كثيراً من معاناتك، ويدعُ ذاكرتَكَ تُعيدُ فتحَ الملفّات القديمة، لَكَ ولغيرِك: في الحارة، وعندَ شيخ الكُتّاب، والمدرسة، وأماكن العمل وملاعب الصِّبا والشباب
...كلّ هذا لأنّ مصطفى قد فتحَها
في قصصه الرشيقة الوثّابة القلقة.
ولعلّ ما في قصص هذه المجموعة هو المزج بين الواقعيّة التي أفرطَ في تصويرها، وبين الفنّ المدهش الذي ساقه، وبين الدّقّة المتناهية التي ساقها بكلمات قليلة؛ كلّ هذا في لغة فصيحة سهلة رشيقة متناغمة، تُحسُّ أنّها لغتَكَ التي تستعملها في يومِكَ لا غير، ما عدا بعض العبارات القليلة التي ساقها باللهجة العامّيّة الدارجة.
فعلى مدى تسع قصص، هي ما حوته هذه المجموعة لا ينفكّ قلم الكاتب يتنقّل من جوّ طفوليّ وحركات الطفولة ، في القصص الثلاث الأولى من المجموعة : (قهقهات الشيطان)، (واغتيال طفولة) (1)، (واغتيال طفولة) (2)، نرى فيها عفويّةالطفل الذّكيّ، الذي يريدُ أن يشاغب ويتحرّك، ويقرأ محيطه على هواه الطفوليّ، ليجعلنا نعيش معه طفولته لحظة بلحظة تقريباً، وهذه القصص الثلاث أشبه ما تكون برواية مصغّرة.
وفي القصّة الرابعة (صاحب حقّ)، يأخذنا إلى علاقات الشباب، بدايات الشباب، وكيف هي محكومة بالأمزجة والأهواء، وحدس الشخصيّة الرئيسيّة فيها كيف كان صادقاً.
ولكنّ القصّة الخامسة نقلتنا نقلة نوعيّة مختلفة، اختلطت فيها الأشواق بالوجدان بالواجب بالعُقَد النفسيّة
إلى الحدّ الذي يمكنكَ أن تصدّقَ أنّ (الحبّ أعمى)، وهو عنوان هذه القصّة العميقة الأبعاد والمدلولات.
وفي القصّة السادسة، (إقلاق راحة)، يسخر سخرية شديدة التهكّم بالبيروقراطيّة والمزاجيّة وابتعاد الموظّف الحكوميّ عن واجبه الذي هو مسخَّر له، حقّاً لقد قدّمَ لنا قهرهُ، وذكّرنا بقهرنا الكثير الكثير في حياتِنا مع الدوائر الحكوميّة، إلى الحدّ الذي جعله لا يذكر لنا سبب ذهابه إلى المخفر ، لأنّ ما حدثَ معه في المخفر كان أدهى وأمرّ. ولا ينسى أن يُعَرِّجَ على المواقف السلبيّة لشرائح كثيرة من مجتمعه من مواجهة مشكلة، أيّ مشكلة، تحصل مع أحد أبناء هذا المجتمع.
ولا يكتفي بتلك القصّة وحدها في التنديد البيروقراطيّة والفساد الإداري، إذْ يُتبِعُ تلكَ القصّة بقصّة عنوانها (ثأر)، تُظهر اهتمام أيّ موظّف حكوميّ بمصالحه الذاتيّة وبالقشور، والابتعاد عن الجوهر، حتّى في علاقاته الشخصيّة وفي حياته الخاصّة.
أمّا قصّة (تل مكسور)، فهي ملحمة سابقة لأوانها، تستقرئ الواقع، وتتنبّأ بالمستقبل، بشكل لا لَبْسَ فيه. فمن العار أن يفرضَ شاب متطفّل أتى من قريةٍ بعيدة، نفسَهُ على قريةٍ آمنة وادعة، فيخيفهم منه أمنيّاً، وهو معلّم، فكيف يجمع بين رسالة التعليم وغاية الاستغلال بأداة مزيّفة؟ ولكن في النهاية تنتفض له "خديجة" أرملة الشهيد، وتلقّنه درساً قاسياً أمام القرية جميعاً، وتهزأ منه ومن تهديداته.
ويختم المجموعة بقصّة عادل إمام حرمني من حبيبتي يمزج فيها بين الإمتاع والضحك، وبين تراجيديا اختيار الزوجة في مجتمعاتنا، وكيف أنّ الحبّ ممنوع، ويُظهر الكاتب السلبيّةَ الفظيعة التي يتّفق عليها المجتمع كلّه في تحريم الحبّ الذي ينتهي بالزواج، وتفضيل مجتمعاتِنا أن يتمّ الزواج عن طريق اختيار أهل الشاب لعروس يرونَ أنّها هي وحدها التي تناسبه، وأنّه لا يعرف الاختيار ولا يُحسِنه.
لن أمتدح هذه المجموعة القصصيّة، فالجوائز التي حصلت عليها أغلب قصص المجموعة وحدها كفيلة بالنيابة عنّي بالمديح، ولا سيّما حصول قصصها على أكثر من جائزة في مسابقة الشاعرة الدكتورة (سعادالصباح)، هذا فضلاً عن حصولها على جوائز متعدّدة
من مسابقات اتّحاد الكتّاب العرب في سورية وفروعه.
ولكن أقول: أينَ (مصطفى الحاج حسين) في مسيرة الأدب العربي المعاصر، وهو الذي تجاوز في عمره
الخمسين بأكثر من خمس سنين، وتجاوز عمره الأدبيّ الثلاثين عاماً أو أكثر؟ للأسف الشديد، ساحاتنا الأدبيّة العربيّة كانت مشغولة في غير هذا الأديب، أو كانت مشغولة عنه وعن غيره من الأدباء المبدعين المدهشين، لتلمّع مَنْ كان يريدُ أن يتسلّقَ على الحياة الأدبيّة تسلّقاً، لمآرب لا علاقة لها بالأدب والإبداع الأدبيّ.
أحيّيكَ أيّها المبدع المتدفّق حيويّة، وأقول: حمداً لله على سلامتِكَ، إذْ لم تدخل مستنقعات الأدب الموحلة، وبقيتَ زهرةً فوّاحةً عَبِقَةً بالأريج الصافي، تُبدعُ لنا شعراً، وتزيدنا من قصّكَ الجميل.
وأطالبُكَ برواية أو ملحمة، فأنتَ تمتلك كلّ مقومات الكتابة الروائيّة.
محمد بن يوسف كرزون .
بورصة – تركيا
/// قراءة قصيدة :
( السّوري )
للشاعر والأديب السوري :
مصطفى الحاج حسين .
بقلم : الأديب والناقدة مجيدة السباعي.
أهدى المبدع زخات صور قاتمة اللون معتمة الآفاق وهو يرتشف الغربة ، يتتاءب الغبن في كوؤس غصص حارقة ، حيث تتكاثف الشجون يتعمق الأسى تنثر المرارة سخطا وتبرما ، تلعن الحروب وويلاتها .
روح الشاعرتصدع صبرها ، لا تكف تئن من الأرزاء
دوما عطشى للحق للحرية للعز والكرامة للإنسانية الحقة ، تهيم بحثا عن السكينة والتصالح مع الذات ، فيظل القلب معلقا بالرجاء البعيد، وأنى له ذلك ؟ لايملك غير أن يحصد شظايا الآهات والخيبات وكل الأوجاع .
و فالوطن مسقط الرأس ،مثوى الآباء ، رمز الإنتماء نبض الفؤاد ، ديدن الحياة ، وكل الثراء والنعماء
لا بديل له ، وحده يملك جمال الكون وأمكنته لاتبلى ، تظل مدلاة على عروش دوحة الحياة وتقاسيم الذاكرة ، هو واحة لا تصفر أبدا نحتت بالفطرة في تلافيف القلب
مهما تنحت دياره تظل قلاعه وصروحه شامخة ، يجترها الفكر يناجيها الحنين بل يناغي منزل الصبا ومواطن الأهل ويطرز أذيالها المخيال ، حالما بتراب لا يتكرر وبسماء شمسها الأكثر ضياء وتألقا .
بعد الشاعر عن شهباء الياسمين أتعبه أضناه أرّق مضجعه ، فتمدد الحزن بكل أرجاء نفسه ، وضاقت عليه الدنيا برحابتها ، وكاد القلب في الصدر يحتضر .
فالغربة حتما عسيرة من أشد النوازل ، ليلها سهاد ، مضجعها شائك ، ودمعها حارق، سقته مرارة خانقة ، تنخر الروح و تهشم الكيان ،إذ لم يسعه إلا أن استسلم لبشاعة الواقع ، وصبر على مضض يعتصر الألم فؤاده ، يتجرع الغصص دفعات يحاصره الشتات وتعصف به مشاعر الشوق المتقد خاصة بعد أن تداعت كل الآمال ، وتراكمت الإخفاقات وانفرط العقد الثمين ، فأنفق العمر في المهجر هباء ، لاسند ولا نصير .
وأجمل ما في القصيد أنه عنون بالسوري ، فعمم المبدع وأسدل مشاعره على كل سوري احترق حنينا و اشتياقا ، كتب عليه البعاد عن بلد الياسمين إلى منفى قصي .
مجيدة السّباعي .
المغرب
## حياة الضيف الاجتماعية:
أ. عبد الرحمن بوطيب.. يحاور:
الأديب والشاعر السوري:
مصطفى الحاج حسين.
س 1:
- من هو الأستاذ مصطفى الحاج حسين بعيداً، أو قريباً من سيرته الذاتية الثرية؟.
ج 1:
- هو الإنسان الشقي الكادح العصامي الذي عاش طفولته في قلقٍ دائم لم ولن ينتهي،إذ نشأت ضمن عائلة كبيرة وفقيرة وفي بيئة يكتنفها كثير من الجهل والقهر والظلم الاجتماعي والتفكير العشائري، ونتيجة لصعوبة توافقي الطبقي والاجتماعي؛ وتغيب أبي الذي كان يسافر بقصد العمل، وتواجد رفاق السوء في حارتي ومدرستي، رحت على أتسيب من مدرستي الابتدائية التقليدية، فألحقني أبي بمهنة البناء وقد شقيت بها قبل نضجي.
وفي مراهقتي وجدتني مغرما بقراءة الشعر الغزلي، وبالقصّ الاجتماعي والأدب الشعبي ثم قراءتي لبعض المشاهير العرب والعالميين.. ولأنني تأثرت كثيراً بهذه القراءات التي فتَّحت جراحاتي رحت أقلّدهم؛ وأكتب على غرارهم، ورحت اتعرّف على أدباء لامعين في حلب..
وأعرض عليهم نتاجاتي باستحياء وأنهل من تجاربهم وأفيد من نصائحهم
ونلت منهم التشجيع الكبير،زوممّا عزز ثقتي بإمكاناتي ومواهبي تلك الجوائز المحلية الكثيرة التي نلتها من خلال المسابقات التي كان يقيمها اتحاد الكتاب العرب.. والمراكز الثقافية.. والنادي العربي الفلسطيني.. وموافقات النشر في المجلات الأدبية والصحف.. ثم حصولي على جائزة الدكتورة سعاد الصباح على مستوى عربي.
س 2:
- مِن بناء العمران، إلى بناء الكلمات... ما أثر الحرفة اليدوية الشاقة على مسار تطور بناء شخصية مصطفى الحاج حسين؟
ج 2:
- لاشك أن لمهنة البناء أثر الكبير على طبيعتي النفسية، فهي مهنة شاقّة أعتقد أنها أفضت لأن تكون ردود أفعالي ردوداً عنيفةً واستجاباتي للأحداث الخارجية سريعة، حيث طبّعتني بطابع العطاء والإحساس بالمسؤولية وتبنّي المواقف الإنسانية والرّد العنيف.
س 3:
- الأستاذ مصطفى الحاج حسين... انقطاع مبكر جداً عن الدراسة... ومن بعد تتجلى القدرات الأدبية الكامنة... ما السر وراء هذا التجلي من غير تأثير المحيط المثقف... عوامل محيط اجتماعي؟ أم عصامية تتحدى الإكراهات؟.
ج 3:
- أرى أنه من الصعب الفصل بين هذه الأمور لأنني أراها مجتمعة أثرت في تجلياتي.. إذ لا إبداع تخلفه الظروف الاجتماعية وحدها بدون موهبة أو تطلعات وتحديات.
والموهبة الفطرية وحدها تظل كامنة في النفس ولايمكن لها أن تتفتح إلا في وسط اجتماعي مؤثر ومشجع، أما الاستمرار في العطاء الإبداعي فيحتاج إلى إرادة قوية وعزيمة على الاستمرار والمثابرة.
س 4:
- الصحة تخون... والعزيمة تنتصر، هل من تفسير؟.
ج 4:
- أظن أن الإنسان عموما مهما تخونه صحته في كبره، تظل لديه إرادة الحياة، بل يتمسك بالحياة أكثر.
فما بالكم بمن يحمل رسالة إنسانية بجسدها عبر إبداعه،فهو حتماً سيزداد إصراراً على العطاء والإبداع والتألق إلى آخر نفسٍ في حياته.
حاوره:
الأستاذ عبد الرحمن بو طيب.
## الأستاذة الأديبة:(نجوة الحسيني).
تسأل الأديب والشاعر السوري:
(مصطفى الحاج حسين).
@ - نجوة:
- عندما تكون لديك حقيبة جاهزة قُربَ الباب تدعوك للرحيل دون أن تعرف إلى أين ستتجه... حقيبة قد تحمِلها وتمضِي، وقد تُسافر قبل أن تحملها... ربما لن يسعفك الوقت، فقد اعتدت على الترحال دون هدف... لقد هاجرت موطنك لتستقر روحك، ولكن القدر أبى إلا أن يوجعك كما أوجع الكثير، ليهرب من هرب، ويبقى تحت الأنقاض من بقي، وتشرد من تشرد...
كيف لك أن تصف لنا حالك وحال الكثير أمثالك؟.
** مصطفى:
- حقيبتي لا تّتسع لدموعي، ولا تتناسب مع مرارتي وخيبتي، تضيق على ذرّة من عشقي لبلدي، لذلك أنا لا أحمل في غربتي حقيبة، بل أحمل على ظهري التّربة والبحر والسّماء، وحتّى شجر بلادي، لو فتّشوني لحظة تسلّلت إلى بلاد الإغترابَ لوجدوني أحمل قبور أحبّتي، قبل بيوتهم، أبواب قلوبهم ونوافذَ أرواحهم، وبصمات ورودهم، أنا حملت معي جبال من الذّكرياتِ، وأوّديّة من الحبّ.. حين الموت نهش مدخل بيتي، واقترب من بسمة أولادي،
وكاد أن ينقضّ على رغيف خبزي، أجبرت على المغادرة، بجعبة فيها أحرف أبجديَّتي، وبعض باقات من دعاء أمّي، التي رحلت بعد أن خيّبت عندها غريزة الانتظار، والأمل بالعودة، وبعد أن قتلوني، أمروني أن أحفر قبري
، العالم كلّهُ اليّوم يصرّ على المقتول، أن يحفر بأصابعه مثواه الأخير، وإلّا وصموه بالإرهابي!!!.
حوار: نجوة الحسيني.
## من العاصمة (بيروت) العربية.. إلى ولاية (إسطنبول) التركية.. كان هذا الحوار.. مع الشاعر والأديب السوري (مصطفى الحاج حسين).
أجرت هذا الحوار: الأديبة والإعلاميّة
الأستاذة (هناء أبو سالم).
#: دعوني أرحب بضيفنا الأستاذ القاص والشاعر القدير مصطفى الحاج حسين أهلا وسهلا منور بحضورك أستاذ تحياتي لك.
#: يسعدني ويشرفني وجودك معنا شاعرنا القدير.. هل تسمح لي أن أشكرك باسمي وباسم مجموعات الهناء للثقافة والآداب ولا ننسى إذاعة الهناء للثقافة والمجتمع أهديك تكريم التميز بإسم إدارة المجموعة ألف مبروووك.
# س١-
دكتور مصطفى من خلال مسيرتك الثقافية والأدبية. كيف كانت بداية كتاباتك وهل واجهت صعوبه..؟
** ج١-
كنت في بداية مراهقتي مشغوفاً بقراءة الأدب الشعبي وبطولات عنترة وأبو زيد والزبر سالم وجساس ذلك الأدب الغني بالخيال والثري بأسلوب الحكاية والسرد القصصي والمفعم بالشعر الوجداني المتجسد بفخر القبيلة والتغزل العذري ثم تتابعت قراءاتي لقصص إحسان عبد القدوس وأشعار نزار وغيرهما،ورحت أكتب على نمطهم،ثم تواصلت مع من سبقني في هذه التجربة من الكتاب والنقاد في المدينة التي أقطنها مدينة حلب،وقد نلت التشجيع وانتزعت الاعتراف منهم بموهبتي التي لا أنكر دورهم في صقلها بملاحظاتهم واقتراحاتهم النقدية التي نورتني .
ومما عزز ثقتي وإيماني بأهمية إبداعي استحواذي على الجوائز التشجيعية العديدة من خلال مشاركاتي التنافسية في مسابقات الأدباء الشباب التي كان يقيمها فرع اتحاد الكتاب في حلب،علاوة على ما كان ينشر لي في الصحف الرسمية من قصص وأشعار.
عموماً لم تكن المعاناة عندي فيما أكتب لكن معاناتي كانت بسبب صعوبة وأعباء الحياة المادية التي لم تكن تسمح لي بالتفرغ والشعور بالأمان وتلبية الاحتياجات.
# س2-
انا كنت رأيت لك ما يقارب التسعة عشر ديوان ماشاء الله تبارك الرحمن وغير القصص والروايات من كان الداعم لك دكتور من خلال مسيرتك الثقافية.
** ج2-
الداعمون لي كثر وهم من شجعني منذ البدايات ومازالوا،واليوم تدعمني معنويا العشرات من القنوات الأدبية المختلفة في عالمنا العربي..
لكن الأهم في استمراريتي وغزارة عطائي هو ليس الدعم الخارجي بقدر مالدي من دوافع شخصية واجتهاد وغنى المعاناة لي ولشعبي ووطني،تلك المعاناة التي استشعرها بقوة وتؤثر بي وتستنطقني.
# س٣:
أي أقرب لك دكتور كتابة القصيد أو كتابة القصة.
** ج٣:
أتمنى أن تسنح لي ظروفي لكتابة القصة والرواية، لكن عصرنا الراهن وأوضاعي الصحية والنفسية، يسلماني لمشيئة القصيدة.. ليتني أمتلك الوقت الكافي لناصية الكتابة في مختلف أصناف أجناسنا الأدبية، حيث أجدني سعيدا في التعبير الإبداعي الشعري والنثري،رغم اختلاف أدواتهما، وتباين معجميهما اللغويين .
# س٤:
من من الشعراء. يشعر الدكتور مصطفى الحاج حسين الأقرب له من خلال كتاباته.
** ج٤:
الإبداع مسألة فردية ولاأظنني أشابه
أحداً سوى نفسي..لكن ماهم أقرب إلى ذائقتي وإحساسي كثرون، منهم على سبيل المثال : نزار قباني.. محمود درويش.. محمد الماغوط.. أنسي الحاج.. يوسف الخال.. أدونيس.. ممدوح عدوان.. عصام ترشحاني.. نوري الجراح.. رياض صالح الحسين.. سلام حلوم.. لقمان ديركي.. وغيرهم كثر.. ومن كافة البلدان العربية.. كالسياب، والجواهري، وعمر أبو ريشة.
# س٥:
هل تعتقد أن كتابه القصة القصيرة أو القصيدة مسؤولية الشاعر وإلى أي حد.
** ج ٥:
طبعاً هو مسؤول بالتأكيد عن محتوى كتاباته وأسلوبه الفني المبتكر فالمبدع يكتب للمتلقين في النهاية وهو المسؤول المسؤولية الكبرى، عن نصه وعن لغته، وعن رؤيته، التي تخصه وآلامه وجدانات، وتعبر بشكل مؤثر عن القضايا العامة لمجتمعه .
# س٦:
ماذا يعني الحرف للكاتب أو الشاعر ومتى يصبح الحرف صديقاً للكاتب.
** ج٦:
الحرف هو سلاح قوي وفعّال فهو المنقذ والحامي والمدافع عن كاتبه أو مبدعه حتى وإن حدث أن اغتيل مبدعه هذا، فإن حرفه كفيل بالانتقام له وخلوده، إنه كالابن والحفيد والنسل بالنسبة له.. فالحرف ثمرة الروح والقلب والتجربة والصبر والمعاناة والتحدي.
# س٧:
دكتور أريد أن أسألك هل هناك فرق بين الشعر الحديث والشعر التقليدي وماذا تعني لك الحداثة؟.
** ج٧:
الإحساس هو واحد لا يتغير ولا يتراجع.. لكنّ التجربة أو الرؤية يمكن أن تتبلور وتتطور وتتعمق وتغتني وتتفتح..
والفرق بين شعر تقليدي وشعر حديث كالفرق بين ركوب حصان وركوب طائرة..
ففي الشعر التقليدي زوائد وحشو ونظم وتقليد وتشتت أوعدم تركيز.. بل هناك ضعف في الثقافة وبساطة في الرؤية إلى درجة السذاجة أحياناً.. بينما في الحداثة فهناك التركيز والتكثيف والاختصار والقوة والجزالة والصورة المدهشة والجديدة والابتكار والرؤية العميقة والنافذة في التبصر.
# س٨:
دكتور هل شاركت في مهرجانات وتلقيت جوائز.
** ج٨:
شاركت في مطلع شبابي كثيراً.. وحزت على جوائز عديدة من منابر محلية كثيرة ومن مدن ودول عربية مختلفة.. حتى أخذ بعض الأدباء يحتجون على مشاركتي وحصد الجوائز.. وأخذ بعضهم ينسحب من المشاركات لأنني كنت أستحوذ على الجائزة الكبرى في معظم الأحيان
وأقطع عليهم الطريق بالفوز.. إذ قالوا لو تقدمت أم كلثوم لمسابقة في الغناء فستكون الأولى في كل مرة وهكذا مصطفى الحاج حسين، سيحرمنا من الجائزة إذ اشترك في المسابقة.
من الجوائز التي نلتها عربياً جائزة الأميرة الشاعرة د.سعاد الصباح، من الكويت، ومن الأردن نلت الجائزة الأولى من التجمع العربي للأدب والإبداع.. ومن تونس أيضا.. وعلى الصعيد المحلي الجوائز الكثيرة والعديدة.
# س٩:
ما نظرتك للتكنولوجيا بعصرنا الحالي وكم كانت مفيدة للدكتور مصطفى؟.
** ج٩:
لاشك أننا نعيش اليوم في عصر التقدم التقني الذي أدى إلى التواصل الاجتماعي والمعرفي المباشرين وهذا أمر في غاية الأهمية التثاقف الفكري بين الناس شريطة أن نحسن استخدام البرامج باستثمار الوقت في ما هو مفيد..فالآلة حيادية دائماً والإنسان هو الذي يختار ما ينشر أو ما يقرأ ولو على حساب الوقت ..
أما على صعيد النشر والإبداع فلا مجال هنا للشللية والوساطات إذ يمكن لأي كاتب أن ينشر بحريته عم أن لهذه السهولة في النشر محاذيرها إذ أخذ يختلط الحابل بالنابل وبدأنا نرى كثيراً من الدخلاء على مايسمى فن الشعر أو القص أو المقال.
# س١٠:
دكتور مصطفى هل تشعر بأنك حققت حلمك أم بعد؟.
** ج١٠:
يموت الإنسان ولا يستطيع أن يحقق بعض أحلامه، فطوح الإنسان يبقى بلاحدود، سيما طموح الشاعر الذي يحلق بخياله إلى أماكن لا تخطر في بال أحد.
أعتقد أنني لازلت في بداية الطريق وأن والدرب أمامي طويل ووعر وشاق ومخيف وغامض وموحش.
# س١١:
هل تعرضت لنقد من خلال مسيرتك الثقافية دكتور.
** ج١١:
نقد تجريحي أو يحط من قيمة ما أكتب لا.. كنت دائماً ألقى التشجيع والتصفيق الحار والابتسامات المشجعة والاحترام والتقدير من السادة الجمهور وهو بالطبع على درجة عظيمة من الثقافة والوعي والرقي والتحضر.. و أيضاً وجدت التشجيع الكبير والهائل من الأساتذة الأدباء والنقاد والإعلاميين.. ولقد كتب عني الكثير، لو أردت أن أجمعه لأمكنني توزيعه على كتب عديدة.
# س١٢:
دكتور مصطفى أكيد لك حلم. بماذا تحلم ولم تنجزه بعد.
** ج١٢:
لي أحلام.. بل حدائق جمة من الأحلام والرغبات والأماني، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة..
أهم حلم عندي اليوم أن تعود بلدي سوريّة للأمان والسلام، وأن نعود جميعاً إلى وطننا الذي نعشقه، وأن نموت وندفن في ترابه.. أحن إلى بلدي.. إلى أهلي.. إلى أصدقائي.. إلى أقاربي. إلى جيراني.. إلى كل سوري يقول لي مرحبا.. أو السلام عليكم.
# س١٣:
بماذا تنصح الجيل الجديد من من يهوى كتابه الشعر؟.
** ج١٣:
أنصح بعدم الانقطاع عن القراءة والتذوق والتأمل النقدي،وبخوض التجربة الإبداعية دون خوف، والإفادة ممن لهم باع طويل في مضمار الكتابة الإبداعية شعرا أم نثرا أم نقدا..فليس من اديب كبير لأمع إلا وله تاريخ طويل من التثقيف والمحاولات والتجارب التي أدت به في النهاية ألى نضجه وتطوره .
# س١٤:
رأيك بالبرنامج ضيف خلف الكواليس وبهناء كمعدة ومقدمة لعدة برامج لشعراء وصاحبه مجموعات الهناء بحكمك كاتب وشاعر دكتور.
** ج١٤:
إنه برنامج جميل ورائع وهام وضروري وخاصة حين يقوم على إدارته أساتذة في غاية من الرقي والثقافة والتحضر، ومجهز أستاذة متمكنة وبشدة من الإعداد والتقديم.. فمن أهم معرفتنا بأسرار وتفاصيل النص الأدبي، أن نعرف من هو صاحب النص، وما هي حياته وتجاربه معاناته.
**: بعد شكري وتقديري ومودتي وإحترامي لأكاديمية جامعة بيروت الثقافية، وللأعضاء الإداريين / الدكتور أحمد سالم، والأستاذة شاعرة حرة، والأعضاء الكرام، والأصدقاء وجميع الشعراء والأدباء، والفنانين والملحنين والمطربين والممثلين والصحافة والإعلام والأطباء والمهندسين / ولكل من يشارك ويتابع ويقرأ فيما بعد..وأخص بالذكر الأستاذة الراقية (هناء أبو سالم،مقدمة ومعدة هذا البرنامج الرائع والنجاح والهام و الضروري)، ولكني أحتج وأخجل من أن تنادوني بالدكتور، فأنا إنسان بسيط لا أحمل حتى الإبتدائية، شرف عظيم لي أن أنال الإعدادية، فكيف بلقب دكتور.. أنا أتشرف ولكن لا يحق لي، فهذا سيكون انتحال صفة، وأنا صفتي شاعر وقاص فقط.
**: من الضروري أولاً أن أرد على أسئلة الأستاذ الكريم (ياسر موسى) حيث وجه لي مشكوراً ثلاثة أسئلة، وهي :
* ياسر موسى :
سأترك أسئلتي هنا للضيف الكريم الشاعر الأستاذ مصطفى الحاج حسين.
السؤال الأول:
كيف تؤثر البيئة على حروف الشاعر وأسلوبه خاصة انك ولدت في مدينة الباب التي تعتبر من اكثر المناطق تعصبا وتشددا.
السؤال الثاني:
متى تتفجر قريحة الشاعر ليعطي أجمل كتاباته ومتى يفقد حرفه.
السؤال الثالث:
هل نستطيع ان نقول ان الشعر العربي في تحسن في هذه المرحلة أم انه يعاني من انحدار شديد يدل عليه مانراه من كثرة دواوين المستشعرين الذين لايمتلكون أبسط أدوات الشاعر.
** ج1:
تحياتي صديقي ..صحيح أن مسقط رأسي كان في مدينة الباب،ولعلي اوافقك نسبياُ بأن نعدها من المدن المحافظة لكن التعصب ليس حكرا عليها وحدها ولا يجوز هنا التعميم على سكانها بالمطلق..
وأنا شخصياً انتقلت مع أهلي حيث استوطنت أسرتنا في حلب منذ طفولتي الثانية وتأثرت بتناقضاتها.
مع ذلك أعتقد بأن الشاعر لا ينغمس كلية ببيئته الاجتماعية ليكون نسخة متجانسة عن الآخرين بل إنه ينهل من معين قراءاته المتواصلة لكتاب عرب وأجانب ويتأثر بفكرهم وفنهم.
** ج2 :
الإبداع الشعري هو تعبير عن حالات وجدانية لاوقت محدد لها..فقد يعبر عن حالاته الاخيلة المتلونة بحسب مايحسه ومايتأثر به من عاطفة فرح أو حزن أو خوف أو غضب أو تمرد أو حب أو كره.
** ج3 :
في كل زمان نجد فحولا للشعر ونجد دخلاء عليه ..
فلا تخلو الساحة على امتداد الوطن من مبدعين كبار رغم كثرة المتطفلين على الكتابة والمدعين وهذا أمر طبيعي،فالعرب لهم تاريخ سحيق في قرض الشعر،إلا أننا نلحظ اليوم تطوراً ملفتاً في اختلاف الشكل الشعري الذي أخذ يتجسد في قصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية وعلى اعتبار أن قصيدة النثر قد تحررت من الوزن الشعري ولم يتبلور مفهوم الشعر الحر بعد عند كثير من الناس بتنا نقرأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي كتابات عادية جدا باسم الشعر للأسف ،حيث نجدها خالية من الرؤية والتصوير والعاطفة والخيال والتكثيف والرمز وتماسك الموضوع وهذه الكتابات لا تمت للشعر بأية حال@.
أجرت الحوار : هناء أبو سالم.
## حواري مع العملاق الأديب َوالشاعر والناقد المغربي (الغائب):محمد الطّايع.
/مصطفى الحاج حسين/.
إنّه العملاق.. هكذا لقب من قبل قرائه ومحبيه وأساتذة الإبداع والأدب...فهو مبدع شامل من حيث تعدد المواهب.. شاعر.. قاص.. روائي.. ناقد.. صحفي.. ذو ثقافة عظيمة.. عصامي.. يملك أعظم الشهادات.. شهادة دكتوراه في الحياة.. تضاهي أرقى الشهادات الجامعية.. وهنا أردنا أن نتحدث معه عن النقد الأدبي، الذي نحن الأدباء والقراء بأمس الحاجة للإطلاع ومعرفة هذا الجانب الهام.. لذلك كان هذا الحوار الصعب والعميق لكنه ممتع وجميل ومفيد وهام ورائع.. إنه حوار مع (العملاق) الأديب المغربي (محمد الطايع).
=======================
س1:
ما مهمة النقد الأدبي والفني بشكل عام؟.
ج 1:
النقد حسب اعتقادي، إبداع أيضا، شأنه شأن الأنواع الإبداعية الأخرى، وأقول هذا لأن طريقة تلقينا لمقالة نقدية، لا تختلف عن طريقة تلقينا للإبداع، فهو نص مكتوب، والكتابة إن لم تحقق درجة معينة من الإمتاع، أصبحت حملا ثقيلا، لايطاق، مهما كانت درجة الموضوعية، حتى إن تعلق الأمر بكتابة الرسائل، أو النصوص الدينية، يظل من الواجب أن يحضر جانب المتعة في القراءة.
الناقد وبشكل أكثر تطلبا، يحتاج من أجل ممارسة النقد، أن يكون موسوعيا، وذو اطلاع كبير على ما أنتج من نصوص سابقة، وهذا الكلام فيه تلطف، لأنه إن شئنا الموضوعية أكثر، كان من واجب الأشخاص الذين يمنحون أنفسهم إذن الحكم على أفعال وأقوال غيرهم، عن طريق الدراسة والتحليل والبرهنة، أن يكونوا أكثر الناس إلماما، بما تراكم في الحقل الإبداعي والنقدي على حد سواء -ربما بدرجة 99% - إذ تحتاج عملية النقد أقصى حدود
الإطلاع، فلا أحد يعرف أين يكمن الخلل تحديدا، ولامدى خطورة جهل الناقد، بتجربة ما، يعني بخلاصة، على الناقد أن يكون عبقري معرفة، لأن النقد هو الوسلية الأسمى للتأويل، وتقريب المسافة بين المبدعين، وجمهور القراء، سواء كان المتلقي أو المستهلك للانتاج الإبداعي والفني من نخبة العارفين، أو من عامة المتابعين.
أمّا كيف يتحقق شرط الإمتاع،
فالجواب بسيط جدا: المتعة هنا، فكرية خالصة، وليس ثمة ما يمتع العقل أكثر من تلقيه لكمية هائلة من المعلومات التي تشبع رغبته، نهمه، وفضوله المعرفي.
س 2:
هل يتوجب على الناقد تسليط الضوء على أصحاب المواهب الكبيرة.. أم إبداعهم كفيل بابراز موهبتهم؟.
ج 2:
قبل أن نتساءل عن مواصفات المبدع الذي يستحق اهتمام النقاد، علينا أولا أن نجيب عن سؤال هام جدا، لماذا يختار أحدهم أن يكون ناقدا؟ وطبعا عندما نضع أنفسنا مكان هذا الناقد، سنعرف وبشكل تلقائي، أن الذي يولد هذه الرغبة بالمقام الأول، هو تأثره بإبداع ما، شعري، قصصي، غنائي، سينمائي، وليس بشخص الفنان أو الأديب، الابداع هو من يعرِّف بأصحابه، وليس العكس.
س 3:
ماذا لو توجه النقد إلى الإرتزاق.. وباع الناقد قلمه لمن يدفع.. ولمن هو في منصب.. ولمن هو واصل؟.
ج 3:
أمثال هؤلاء، غير صادقين مع أنفسهم، والنقد الذي لاينطلق من حالة الصدق مع النفس، سيكون نقدا فارغا، مملا، بل مضحكا في بعض الحالات، لأن النقد كما أعتقد دائما، عمل ابداعي، توحي به حالة تأثر وليس مجرد استجابة سطحية لمصلحة مادية تفتقر للعمق.. بإمكان مرتزقة النقد، أن يستعينوا على كتابة النصوص النقدية، بالبحث، وبطرق تشبه التعليم الممنهج، لكن انجازاتهم الباردة تفضحهم، شخصيا لايمكنني قراءة مقال نقدي مطول، لا يؤثر بي وجدانيا، مهما كان موضوعيا. أنا إنسان، ومن واجب الأشخاص الذين يحاولون إقناعي بأمر ما، أن يحسنوا التوفيق، بين خطاب يستهدف العقل، وآخر يحرك العاطفة.
س 4:
بدافع التعصب هناك ناقد لا يكتب إلا عن أبناء بلده.. وهناك ناقد لا يكتب عن ابن بلده بدافع الغيرة.. وهناك ناقد يمارس الإبداع لذلك يهاجم الجميع ليبرز اسمه.. اعتقاداً منه.. وهناك ناقد يمدح الجميع ليكسب صداقة ومودة ومحبة الجميع.. ويعتقد أنه بات ناقداً مشهوراً.. ما هي الفوارق بين هذا وذاك؟.
ج 4:
الناقد الذي يجعل نقده، حكرا على فئة من المبدعين دون غيرهم، سواء تعلق الأمر بأبناء الوطن أو غيرهم، وسواء كان نقده يدندن حول ذوي القربى، أو الغرباء فقط، هو بذلك، يسقط صفة التنوع عن كتاباته، ويقلل مسافة التواصل بينه وبين شريحة هائلة من القراء، ومع الوقت سوف يرسم الناس له صورة في أذهانهم، فيقولون أنه ناقد فلان، الناقد الحقيقي، في اعتقادي، صاحب مشروع نقدي، أشبه بسفينة نوح، تحمل فوق ظهرها، من كل مخلوق جنسين على أقل تقدير. وطبعا كل يعمل حسب إمكاناته الخاصة.
س 5:
هناك نقاد لا يكتبون إلّا عن المبدعين الأموات.. بحجة الآن قد اكتملت تجاربهم الإبداعية؟
ج 5:
من يفعل هذا، إما أنه يعاني خلافا فكريا مع معاصريه، أو لديه ذلك النوع من جنون العظمة، بدعوى أن إمكاناته في النقد، تشبه امتلاكه طاقة هائلة، وترسانة معلومات، ليس من المناسب إفسادها بالخوض في مستجدات الأمور، وهذا الأمر في حد ذاته، يكشف أنه يعاني نقصا فيما يخص المرونة وقابلية التحاور مع الجديد، إنما تبقى مثل هذه الاختيارات، حرية شخصية، وله كامل الحق أن يقاطع إبداع الأحياء، لتبقى ملاحظاتنا نحن بشأنه مجرد ملاحظات متتبعين، وله مطلق الحرية أن يعمل بها، أو يضربها بعرض الحائط. ولن يلام على ذلك.
س 6:
هناك ناقد يكتب عن مبدع صديق له.. يريد دعمه ومساندته وإبرازه ولو على حساب من هم أكثر إبداعاً؟
ج 6:
هذا النوع من الكتابة النقدية، له أسبابه الخاصة، فهو إما نابع عن شعور بالتعاطف، أو الرغبة في مد يد العون، وكلها دوافع عاطفية، بينما النقد الحقيقي محايد، والمحايد كما قلت في جواب سابق، عليه أن ينتصر للنصوص وليس لكتابها، لكن قد يحدث أحيانا، وهذه حالة شاذة، أن تعجب بمبدع ما، وتعتقد أن الوقت الذي تمتلك لايكفي للكتابة عن غيره، فنحن عندما نموت لانكون قد أنجزنا إلا القليل مما كان بإمكاننا تحقيقه.
لكن قد يكون ثمة تبرير معقول، لمثل هذه الاستثناءات، وهذا يحدث خاصة، عندما يكون هناك نوع من الانسجام الغريب بين ناقد ومبدع، كأن يكون المبدع في عين الناقد هو ذلك المتفرد الذي ناب عنه في قول الكثير مما كان هو شخصيا يود قوله، ومثل هذه الحالات، لن تستدل على براءتها، بذلك الكم من التضخيم اللغوي، والبراهين والأقوال المأثورة، أو الاستدلالات، انما بقدرة هذا الناقد على إبهار القراء، وهو يضعهم حقيقة أمام شيء لم يتوقعوه، وكأنه يقول، انظروا جيدا، إنني أفتح أعينكم أمام ابداع خالص ومتفرد، أما إذا كانت مقالته النقدية ضعيفة، خالية من الإدهاش، فإنه لامعنى لكل ذلك، سوى أن بين الناقد والمبدع مصلحة معينة، لن تخفى على من يراقبهما عن كثب.
س 7:
وهناك ناقد يكتب عن مبدع متخاصم معه.. لا يحبه.. ولا يتمنى له النجاح والوصول؟
ج 7:
هذا سؤال غريب، لست أدري ماذا تقصد؟ اللهم إن كانت غايتك الحديث عمن يكتب عن شخص يكره إبداعه، لأنه ابداع فاشل، وفي اعتقادي أن مثل هذه الكتابة النقدية، سهلة جدا، لأنني شخصيا وإن لم أكن مؤهلا لكتابة نقد مكتمل، أتمنى لو أن الظروف مناسبة، لكي أتحدث عن أشخاص لا أكرههم، ولكنني أحتقر ما يكتبون من تفاهات وينسبونها للأدب. ولن يكون ذلك نقدا هداما، فليس النقد الهدام، هو النقد الذي يكشف عيوب المبدع، النقد الهدام هو الافتراء على أحدهم، أما المقالات التي تستند إلى المنطق، لكي توضح ضعف النصوص الإبداعية، فهذه نحن اليوم أحوج إليها أكثر من أي وقت مضى، والسبب أن الساحة الثقافية مليئة بالأشخاص الذين يفسدون المتعة والذوق العام. أما إن كان قصدك الاشارة إلى كتابة نقدية حاقدة، فهذا إرهاب أدبي، ولكن ومع ذلك يمكنني اعتبار الشخص المستهدف بمثل هذه التصرفات اللاأخلاقية، فاشلا، لأن المبدع الذي لايستطيع الدفاع عن منجزه، بكتابة ردود ومقالات تكشف الحيف الذي تعرض له، أقل مايقال عنه، أنه شخص غرر به الإبداع. البعض يلجؤون إلى الشكوى، واستدعاء المؤازرة، ولو كانوا أهلا للأدب حقيقة، لعرفوا كيف يوقفوا الناقد المتسلط عند حده.
س 8:
بعد كل هذا هل يبقى للنقد من أهمية؟.. وهل على المبدع أن يكسب ود النقاد؟
ج 8:
في الحقيقة، هذا السؤال، مزعج قليلا، على الأقل بالنسبة لي أنا، لأنني أكتب القصص، لكنني لا أطلب ود أي ناقد مهما كان مشهورا أو مدعوما بمعجبين، النقاد الذين أبادلهم المودة، هم في حقيقة الأمر أصدقاء، جمعتني بهم ظروف طيبة، وقد أحببتهم خارج كل اعتبار فني، أعرف أنه لم يكن من الضرورة أن أتحدث عن نفسي، لكنني أنظر لهذه المسألة من ناحية أكثر تطرفا، فأنا أعتبر كل شخص يتودد، لشخص آخر من أجل شهرة أو مكانة، أو منفعة، هو شخص تافه، الحالة الوحيدة التي تسمح لأحدنا بالتودد، هي عندما نكون واقعين في الحب، فيطلب الرجل ود امرأة يعشقها، أو تطلب امرأة ود رجل تحبه، أما ما عدا ذلك، فهذا دليل على عدم احترام النفس، وقلة الموهبة.
س 9:
أعرف روائي لا علاقة له بالإبداع.. يطبع على نفقته الخاصة.. ويرسل ما يطبع لعشرات النقاد في وطننا العربي.. وهكذا تجد من يكتب عنه الكثير.. في
حين من يتفقون عليه لا يكتب عنهم على الإطلاق..
ماذا تقول عن هذه الحالة؟.
ج 9:
جوابي فيما يخص هذه المسألة، كالآتي التاريخ، كفيل بالجميع، في حياتي، عاصرت الكثير من المشاهير، في كل مجالات الفن والابداع، بينما يمر الوقت، ولا يتبقى منهم سوى أسماؤهم الصغيرة بعدما يبتلع فك النسيان، انجازاتهم الجوفاء، المبدع الأصيل، ليس الذي يهزم معاصريه، ويقوم بإقصائهم من الساحة سواء بقوة موهبته، أو بقوة مكره أو سلطته ونفوذه، المبدع الحقيقي، هو ذلك القادر على إقناع الأجيال القادمة.
تستطيع أن تقنع ألف رجل في مثل سنك بأنهم مخطؤون، لكن من الصعب جدا أن تؤثر على من هو أصغر منك بعشرين سنة، وتدفعه لتغيير رأيه في مسألة ما، لذلك ومهما علا شأن أحدهم اليوم، لن يؤكد قوته، إلا إذا قاوم متغيرات العالم، في العصور المقبلة. أحيانا أتوقع أن كل هذا الكم الهائل من الإبداع الفني والإبداعي، قد يتحول في المستقبل، إلى طرفة مضحكة، بسبب طفرة تقنية عالية، من المحتمل أن تعصف حتى باللغة وخصوصياتها.
س 10:
أيهما أهم الناقد أم المبدع.. وأين نصنف الناقد ، فوق المبدع.. أم بموازاته.. أم أدنى مرتبة من المبدع؟.
ج 10:
المبدع الأصيل، أعظم درجة من الناقد المتصنع، والناقد البارع، أرفع شأنا من المبدع المتكلف، أما عندما يصادف المبدع المتمكن، الناقد البالغ الإقناع، فمعنى ذلك، أن الصورة مكتملة، وقتها لن نكون في حاجة لعملية تفاضل، لكن بدون إبداع لن يكون هناك نقد، والابداع دون نقد، معرض للسقوط في متاهة الابتذال، وتلك بداية موت الابداع واندثاره.
شكرا..
محمد الطّايع.. المغرب
حاوره : مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول
فهرس: أجنحة الحلم..
------------------------------------------------
1 - الأستاذة: غزلان شرفي.
2 - الأستاذة: نجاح إبراهيم..
3 - الأستاذ: محمد كرزون
4 - الأستاذة: مجيدة السباعي..
5 - حوار الأستاذ: عبد الرحمن بو
طيب
6 - الأستاذة: نجوة الحسيني
7 - حوار الدكتورة: هناء أبو سالم
8 - حواري مع الأستاذ: محمد الطايع
======================
للأديب الشاعر السوري: (مصطفى الحاج حسين).
.......... بقلم: الأستاذة (غزلان شرفي).
قالوا قديما: (الإبداع هو أن يخرج الإنسان من وحل الفشل إلى إنسان يُضرب به المثل)، والأستاذ (مصطفى الحاج حسين) خير مثال، وأحسن قدوة يُحتذى بها في مجابهة صعوبات الحياة ، و مثبطات العيش... فمن الانسحاب من مقاعد الدراسة في سن مبكرة إلى التربع على عرش التميز والفصاحة والتمكن: شعرا ونثرا، وهذا لا يختلف عليه اثنان ممن خبروا دهاليز كتاباته، وتذوقوا جمالية مداده.
لطالما كانت لغة الشعر حالمة، محلقة في الخيال، جانحة للانفصال عن الحقيقة، لكنها مع ذ. (مصطفى) مشدودة إلى الواقع المر، كونه اهتم بالجانب الراصد لهموم بلده، وهواجس ذاته، المنغمسة في بحر لجي، لا قرار له ولا شاطئ، زادت الغربة من تعميق جراحاته، فجاءت قوافل حروفه تقودها نار الوجد، وتظللها سماء الحنين في صحارى الفقد... وستظل هاته الجراح تلهم شاعرنا للبوح الصافي بمكنونات القلب المنفطر، والروح الثكلى، مادام يعيش حالة من الامتداد في الزمن، والتمدد في المكان، بين إسطنبول وحلب.... هذا الحبل السري الذي لم ينقطع بعد رغم أن رحم الأم (حلب) لفظه (قسرا) خارجه، فلا زال يتغذى بآهاتها، ويرتوي من وديان دمائها، وما أشبع نهمه، ولا أطفأ عطشه... فالحنين يشاركه صحنه، والشوق ينهل من مورده.... ليبقى دوما في حالة تعطش ورغبة لا تنتهيان.....
وأنا أتجول بين مروج الديوان، وأتنقل من قصيد لآخر، استشعرت طعم المرارة والخذلان اللذين عبر عنهما الشاعر بأبلغ بيان، إذ تُحسه جزءً لا يتجزأ من خارطة الوطن الذي أحاطته عيون الإخوة بنظرات التنكر، عوض المساندة والمؤازرة، فكانت الخيانة مزدوجة، داخليا وخارجيا، الكل فيها سواء، من جار أو صديق، وقد أفرد الشاعر أكثر من نص في هذا الموضوع
.....
لكل نبضة شعر في هذا الديوان نٓفٓس من أنفاس الشاعر، يؤرخ للحظات ألم اكتنفت مشوار حياته، فحاول ترجمتها حروفا علّها تخفف من لظى ناره..... فمن رحم المحنة، كانت منحة الإبداع والتميز التي طبعت كتابات شاعرنا الحصيف، الذي امتلك نواصي التعبير، وطوّع القلم بكل تيسير، فما كان حلمه سرابا، ولا أمله يبابا...... فها هو اليوم يؤسس لتيار شعري مميز، يحتل مكانة وسطا بين الوجداني والملحمي في تزاوج رائق؛ فالشاعر لم ينفصل ولو للحظة عن هموم وطنه، ولا عن انشغالات بلده، رغم أنه استشعر العنف ضده، وضد أمثاله من شعراء السلام.... هذه القسوة التي جعلته يخاصم ذاته في أكثر من موضع، ويستنجد بما يحيط من عناصر تؤثث المحيط الخارجي قصد مشاركته إحساسه بالتشرد والضياع، حتى انه جعل للسراب سعفا، وهل يكون لسراب سعفٌ؟ السعف للنخلة بمعنى الجريد، وللعروس بمعنى الجهاز، وللبيت بمعنى الأثاث.... فما يكون بالنسبة للسراب؟ وهل للسراب وجود من أصله؟ وهل له كينونة؟....... كل شيء ممكن مع شاعرنا الذي اعتاد تكثيف المعاني، والنزوح إلى الرمزية دون كثير تعقيد..... وما اختيار عنوان هذه القصيدة بالذات، والتي تحتل الرتبة الثانية والخمسين ضمن ستين قصيدة تضمنها الديوان، جاء اعتباطا ، وإنما كونها تحمل قبسا من نور، وفجوة من أمل في سلام بعيد المنال، هذا علاوة على تميزها بصور وانزياحات من الحبكة بمكان لا نملك إلا التماهي مع معانيها إلى أبعد الحدود....... ذات الأمل تطالعنا به قصيدة(رايةالياسمين)
فلا نملك إلا التعاطف مع الشاعر، وكلنا رغبة في أن تزداد كوة الأمل اتساعا ليعم النور أرجاء الروح المكلومة التي تداوي خيباتها من خلال الصرير المبحوح ليراع سخر مداده لخدمة الهدف المنشود........ يراع قلم يجود به الزمن، له من السحر ما يجعل القارئ يمتطي صهوة الجمال، ويحلق في سموات الأصالة اللفظية والمعاني المتجلية بمنتهى الدلال.... ثم يعود ليبحر في ثراء الانزياحات، وكثافة المجازات، فيتسربل بالإبداع في أبهى حلله، حتى إني لأكاد أجزم أنه الشاعر المعاصر الوحيد الذي أقرأ له (آلاما) (باستمتاع)، وأتجرع معه (المرارة) (بتلذذ)...... ليس انفصالاعن واقع مر سطرته أنامله المبدعة، وإنما انغماسا كليا في ديجور طاغ أخاذ، بحثا معه عن نجوم متفرقة هنا وهناك....... عساها تنير دواخل شاعرنا، ودواخلنا كقراء ولو بخيط رفيع من نور......
غزلان شرفي
فاس: حزيران/يونيو 2020
## (راية النّدى)..
للشاعر والأديب السوري:
(مصطفى الحاج حسين).
بقلم: الأديبة والشاعرة والناقدة:
(نجاح إبراهيم).
شاعر يشفّ ندى.. هل أقولُ الحقيقة؟
=======================
وأعترفُ أنني أدمنتُ قمحَ قصائدِ الشاعر”مصطفى الحاج حسين” كما يدمنُ الجائعُ المهووس بخبزِ البلاد !
من أوّل قصيدةٍ له، أعلنتُ قسمي، ألا يبرحني صدقُ إحساسه، ولا نبلُ عواطفه، ولا ألمه العميق، ولا قلبه المحشو بالنقاء والجراح، ذو الملامح البريئة كقلب يمامة تشتهي الأمان.
لن أغادرَ قصائده وإن استعطفتني قصائد تأتي من جهات مختلفة، فهو الشّاعر المُجدّ، المواكبُ لكلّ نسمة تأتي بالبشارة، فتزيل ما تراكم من على
الأجفان.
كلُّ صباح أفتحُ عينيّ لأجدَ الشاعر منكباً ليله على نصّه، يُطعمه آخرَ قطرةٍ من الرّوح، وفي المساء
يختزلُ الوجعَ ليغزله نصاً جديداً يرسله في آخر الأوقات المستغيثة بحفنة هدأة، وهكذا دواليك..
فكيف أغادرُ هذا الترف الموجع؟ على الرّغم من أنّ قلبي رهيف لا يحتمل الألم ، فما فيه يفيضُويتنابعُ؟
فإلى أين أذهب من هذا الحصار الندي؟ وكيف أغادر الاحتفاءات؟
مرات استقبلتُ ما يرسلُ بكاءً صامتاً، يصعبُ أن أحدّ سيله بأصابع مرتعشة!
ومراتٍ حاربتُ ذلك، بالتجاهل المتعمّد إلى حين، كي أصونَ هذا القلب الصغير من الوجع:
” الآن عرفت
لماذا القمر يدور حول الأرض
إنه يلاحقك
أبصرته كان يسترقُ النظر
يراقب تحركاتك باستماتة
ويلتقط لك صوراً..”
وما كنتُ أدري أنني أبتعدُ عن الدواء إلى داءٍ، وما كان الدّاء إلا الدواء!.
وحين كان يتأخرُ بريده وقتاً، أتذرعُ بالصّبر وأفشلُ في تحمله، أتذرعُ بالكتابة وأفشلُ، ليس فيها وإنّما
بنسيان ما أنتظر، علماً أنني أدرك أنّ الذي أخّر البريد هو بكاء الشاعر، وتعاظم اغتراباته ، وحنينه المغروس في الحبر صفصافاً يدقُّ أجراسه، ليعزفَ سيمفونية القهر والشوق والغُصص، وأعرفُ أنه- كما كلّ مرّة- في حوار مع نحيبِ الجهات، يحاصره الخرابُ الرّوحي، وأنه يحاولُ أن يصالحَ نفسه لتتواطأ مع ما يشعر به، لتنبلج قصيدة تسافرُ منه إليّ:
” حاور نحيبَ الجهات
تكدّس خرابُ الأفقِ
في صوتك
وتراكمت المسافاتُ الخائبة
من أجنحتك العرجاء
وهامتْ بك الأوجاع..”
أعرف أنك في هذه الدّائرة، وأتجاهلُ ما أعرفُ، لأصبرَ وأنضحَ شوقاً لما يجيئ.
أريد للصفصاف أن يعلن قياماته مع الرّيح، وللكرزِ أن يُزهرَ، وللضوء أن يُثمرَ.
لهذا أودُّ أن أهمسَ في أذنِ الشّاعر، وأكتبَ بشكلٍ غير متعارف عليه في كتابة المقدّمات، ليشكلَ همسي شاطئناً، أو جسراً يمتدُّ من دهشةِ ما بين
عينيّ ودمي اللاهب، وما بين القصائد المتطرفة بالألم والرغبة في السلام، وأصداف من أريج محبّة، وأسراب يمامٍ يعلو، ويعلو، ثمّ يحطّ على قلعة الإباء، يشي بما حمّله الشاعر المنفي بسربالِ
الاحتماء إلى أمانٍ مفقود، وداليةِ شوقٍ، وشجرةِ بيلسان تسّاقط شموساً وفراشاتٍ وصوتاً معشّقاً بالحبّ، وكفين فيهما من سنابل البلاد..يا للبلاد!
كم فيها من رائحةٍ تعبقُ في قصائده +، تجعلُ القارئَ يسجدُ عند عتباتِها، وفي الصدر تتلى سِيَرٌ، تبدأُ من أوّل رُقمٍ طينيّ، إلى ما بعد دواوين الدّم الظامئ
لملحمة الهوية، والوطن الذي يبقى ما بقي الإبداع:
” كلُّ المدائن
خُلقتْ من ضلعكَ
سيقولُ المؤرخُ:
كانت عصية على الغناء..”
فالشاعر يمضي حاملاً الجرحَ ساريةً، يقبعُ الحزنُ في حنجرته، ويكثر الشوكُ في طريقه، وعيناه يَسكنهما الصّمتُ، ويبقى كالقديسين في محراب القصيدة، يؤرّث عسلَ الكلام، أميراً للحرف في زمنِ انهياراتِ القيم، يستمطرُ من نداه كلّ برهةٍ قصيدة، تنقذُ ما يتماوتُ فيه، تحيي رميمَ الوقت، ولكن لابدّ من المرورِ بأزقةِ الموت، ودهاليز الألم كي يدلج إلى ساحات الحياة. لا بدّ من العتمة لكي يبهرنا مطلعُ الشمس، لا بدّ من الظمأ كي ندرك عذوبة الفرات، فيا:
” قلب النور
ستنتهي المأساة بالفرحة
ويعمُّ الغناء..”
وأنا لستُ أنظرُ أمام مواتك وانبعاثاتك أيّها الشاعر، وإنّما هي روحي المؤمنة بك، وبما يتقاطرُ من مداد قصائدك من ندىً، فسيّد الانثيالات أنت، وحامل
راية الندى. وزّع علينا من غدقكَ ما يجعلنا ندهَش:
” وزّع عسلَ الشهقة
على جسم التلعثم الباكي
سيّد العشق أنت
إذ تمطر بالاكتواء
ناسك العفّة الوارفة بالياسمين
ذائع الحبّ النبيل..”
هي قصيدتك المكتظةِ بالوهج ، ونبضك الممتلئ بالشوق، وقدَرك تمشيه فوق الجراح، يكتبُ لك طريقاً ممتدّاً فوق الدّمع، لتغني القصيدة الحلم،
وتمشط شعرَ الشمس.
فمن منكما يستطيعُ مغادرةَ الآخر، وقد سكنتك كأنثاك، وأنت تسكنها خالقاً وباعثاً؟ كلاكما يحتفي بوطنٍ سُقي بروح الله ، لهذا تسامى فيكما، ورحتما معاً تتباريان على رسمه، فيجيئُ
الوطنُ راعفاُ بالدّم، وتارة بالقضاء والقدر وبآياتٍ من طهر، وأخرى من ضوءٍ وعشقٍ وعشبٍ وجرح و..و..
ياااه!
(مصطفى الحاج حسين!.)
أيّها الشاعرُ الصّامت ، المُضمخُ بحزنٍ عميقٍ، تشهد عليه أخاديدُ الوجه، ومساربُ القلب، المسافاتُ التي يناظرها كلّ صبح، والحلم الذي يشكله عند مطالعه، والوحدة التي تدعوه لأن يكتب. هذا ما جعلك قادراً على سكب ما في ذاتك في القصيدة،
يا أيها الشاعر، الذي يسكب ذاته في قصيدة!
فتبعثُ فيها إثارة ودهشة وشمولية، تبحثُ في كلّ منها عن شكلٍ جديدٍ، أنت الذي تسألني عقب كلّ قصيدة:
هل جئتُ بجديد؟
أظنك تقطف الإجابة من سؤالك لأنه مأزوم مثلك، ولاهثٌ إلى شرفات
الشروق. إنك لتأتي بما هو جميل، شكلاً ومضموناً، وتُلبس كلّ قصيدة وشاحاً
ملوّناً. بالله عليك كم عدد الأوشحة التي صارت في حوزتك؟! هل وصلت الألف؟
قد اكتمل المهر إذن.. اعقدها واصنع أفقاً من ألوان تضاهي به ألوانَ قوسِ قزحٍ، لنزفّك إلى حورية الإلهام التي تنتظرك في (حلب)، فتؤجج الحدائق
والغابات التي تتحرك أمام عيني كلّ متلقٍ؟
أجدك تسأل غير مصدقٍ، أنّ قصائدك تحرّك غابة من الدّهشة والشفافية؟! هي على شفافيتها متعددة الطبقات النصيّة، قابلة لأن توقظ الرّؤى، فتنثالُ
القصائد رائحة ولوناً، بحيث تأخذ
المتلقي إلى فضاءاتٍ من ألوان راقصة:
” يا طائر الفينيق عجّلْ
هذا الرّماد فتنة بلادي
هذا الدّم نزيفُ دهشتنا ..
امدد يدك لرائحةِ النهار
فكّ أزرار الشهوة الرّعناء
حطمْ أغلال الموج..”
ثقْ بي ولا تكنْ مثلَ “ماكبث” الذي ظنّ أنّ غابة “بريام” ثابتة، في حين أنها كانت تتحرّك! وهل كانت
زرقاء اليمامة تكذبُ؟!.
تلك قصيدة (مصطفى حاج حسين). تقرع أبوابَ الرّوح، فتُدخِل إلينا الفرحَ، والضوءَ، والنبيذَ والوجدَ، تدفعنا لأن نفتحَ أعيننا المندهشة.
وتلك ذاته الشاعرة، المفعمة بصورِ البّهاءِ والجمالِ، والتي تقفُ حارساً أمام بوّاباتِ الحَرفِ النبيلِ، والغابات التي تتحرّك فينا، فهل صدّقت كيف تتحرّك الغابة أيّها الشاعر؟إنك تعتلي رايةً من ندى، تبحثُ في كلّ نصّ عنطريقة للخلاصِ والأملِ، والرّغبة في التوحّد مع النصف الآخر، مع المرأة والاتحاد بها، لتشكلا كوناً مفعماً بالرّوح والأسرار.
هي رغبتك واشتهاؤك الأكيد، بشغفٍ تكتبُ عنها، تمتطي حلمَ اللقاء، وصولاً إليها، إذ لطالما بوّأتها مكانة رفيعة، فحضورها يُشبه رؤية ليلةَ القدر، لتأتي القصيدة هاتفة بسحرِها، تدفع كأس نذرها، نخب الألوهة العابق:
” ينحني لك نبضي
بخشوعٍ جمّ
يُقبّلُ أصابعَ عطرِك
ويقعدُ فوقَ سجّادة الابتهال
يرنو لعينيك
بعطشٍ طائشٍ
أيتها الأنثى
المخلوقة من نور
في راحتيك يسكنُ لهاثي
ومن على بُعد المدى
يتناهى إليّ ما فيك من بهاء..”
هي المرأة المغايرة، التي تأتي فتأتي معها الأقمار والنجومُ والهمسُ المقدّسُ، والفرح بلونِ عشبٍ مندّى، لا تستطيع فصلها عن عشقك الآخر /الوطن الذي صعب علينا أن نفرّق بينه وبينك، وبين
حبيبتك.
الوطن الذي شكّل لديك هاجساً يتعدّى المسافات، تتراءى لنا نغمات ترصدُ
صوراً لداخلك، إشعاعاً يتنافرُ إلى الخارج، إلى جسدِ القصيدة، رافلة به،
هاجساً كان بذرة، ثم نبتت، فأورقت، وتجذرت مما ألمَّ بالوطن وبك، فأثر كلُّ ذلك فيك تأثيراً عميقاً، ولم تستطعْ أن تواربَ تلك الموجات أو تسترها، حتى تراكمت وانفجرت. تلك هي رحلة هاجسك الأليم، أن يعود الوطن إليه الأمان، والبهجة إلى المهجة، أن يعود إلى أبنائه، إليك، طاوياً كلّ اغتراب وغُصّة وضياع.
أجدك تصلي مغمضَ العينين، تقولُ في سرّك: ليت هذا يكون.
ولكنه لن يكون إلاّ كما أردتَ أن يكون، في الشكل الذي ترتئيه، والصياغة التي حلمتَ بها. لكن سيبقى الهاجسُ متنامياً
، فما لديكَ من نماءٍ غريبٍ في داخلك لن يضمحل، هاجسك اللا ينفك يتوالد، آنى له أن يغادرك؟!.
أتدري لم؟ لأنك شاعرٌ مسكونٌ بالأوجاع بالندى. ولأنّ عندك رؤية وشعرٌ، وهل ثمّة شعر دونها؟ كثيرون من الشعراء لا تتوفر لديهم فيما يكتبون، لهذا نجدهم أمواتاً، بينما أنت ستبقى على قيد حياة
. لأنك زاخرٌبها، لديك الشمول، والعمق والحلم والقدرة المذهلة على التخيّل، إضافة إلى الموقف الواعي. وعلى الرّغم من أن الرّؤى الغالبةعلى قصائدك هي رؤى سوداء، بيد أنّ الأمل والبشارة موجودان في عشقك الكبير لتلك المعشوقة، التي استطاع أن تماهيها بالوطن، وبالمدينة الأثيرة لديك ألا وهي حلب.، حيث تأتلق كمكان داخل القصيدة، ولأنها واقعة في ضيم الإرهاب، فالشاعر الذي تكونه قادرٌ على التأثير والاقناع، ودلالات المكان لا تغادر عشقه له، فمنه تأتي البداية وإليه تنتهي الطرق والدروب، وما بين الأمرين رحلة اغتراب وضياع وألم وحنين وأمل كبير بحجم (حلب).
ولعل ما هو لافت، ثمة وحدة عضوية في كل قصة،
جلية الملامح، يانعة الاشراق، مكللة بلغة متجدّدة، تسعى كما كلّ مرّة بحثاً عن الانتقاء واختيار اللغة المعبّرة، والصورة المكتحلة بالانبعاث، لتأتي القصيدة بعشقٍ تحبّر بياضه الأليم، بما يمتلكُ من فطرةٍ شعريّة، وأفكارٍ منمّشة بجراحِ الواقع وغبار المعاناة، وشقوق الوقت، يكتبها بسهولة ودون افتعال أو احتباس، تهدلُ في وجداننا دون استئذان، راتعة بجمالياتها، نلامسُ فيها بساطة التعبير، على الرّغم من رمزيتها وعمق إيحائها، ولعل ما يُدهشُ أنها تختمُ دنانَ حضورها.بالتفاؤل والحبّ السّامق.
فيا أيّها المصلوبُ على رايةِ الندى !
كلّ القصائدِ تتقاطرُ منك، خطواتٍ في طريق الضّوء، لتجعلَ منك فاتحاً قديماً على بوابات الألم النبيل.
كلّ الأقصية تأتيك، أنت الذي تغرّب وما كان يرغب، فجددتك القصائد انتماء كل حين إلى الجذور، وصارت العناوين تأخذ عناوينها بفخرٍ، حملت سيفاً
لتواجه به ظمأ الرّحلة، وأشواك الطريق وعراء الطريق، فنبتَ قدّاح على خدّيه، ورفعتَ وأنت مفعمٌ بالجراح راية الندى
ياصاحب الندى !
سلامٌ لقصائدكَ التي أحالت السّكاكين إلى عشب وندى، والظلمة إلى فجرٍ، ومواسمَ الحداد إلىأغنيات خضراء.
لاهفة كنتُ وسأبقى إلى سحر عبارتك، إلى مطرك اللا يقف، إلى عطاءاتك، أحسني حين أقرأ قصيدة ما لك، أنني أقرأ شعراً له سحر وغواية، منذ عهد
آدم واغواءات الشجرة وهي تصعد في شرايين الشهوات، تحملها في جيناتك، تشعلها ناراً وإبداعاً لا ينطفئ. أتخيلك تطرق برأسك حياءً، بيد أنني ما غاليتُ بما باحَ حبري في حقِّ قصائد لها اشتعالُ الندى.
نجاح إبراهيم .
## (قهقهات الشيطان)..
مجموعة قصص للقاص والشاعر
(مصطفى الحاج حسين).
بقلم - (محمد بن يوسف كرزون).
& القلم كائن مشاغب في يد الكاتب والشاعر (مصطفى الحاج حسين)، فهو لا يدعُكَ تتركُ حرفاً يغيبُ عنكَ إنْ أنتَ أردْتَ أن تقرأ شيئاً ممّا يسيل من أجله. فالحروف تتقافز، والحركات تتراقص، وعلامات الترقيم تُزاحمُ بعضَها بعضاً، فتدخل النصّ ولا تتركه إلاّ بعدَ أن تمرّ عليه كلّه؛ فمهما كنتَ في حالة تعب أو حتّى إنهاك، فإنّ كتاب الأديب
(مصطفى) يأسركَ ويُنسيكَ كثيراً من معاناتك، ويدعُ ذاكرتَكَ تُعيدُ فتحَ الملفّات القديمة، لَكَ ولغيرِك: في الحارة، وعندَ شيخ الكُتّاب، والمدرسة، وأماكن العمل وملاعب الصِّبا والشباب
...كلّ هذا لأنّ مصطفى قد فتحَها
في قصصه الرشيقة الوثّابة القلقة.
ولعلّ ما في قصص هذه المجموعة هو المزج بين الواقعيّة التي أفرطَ في تصويرها، وبين الفنّ المدهش الذي ساقه، وبين الدّقّة المتناهية التي ساقها بكلمات قليلة؛ كلّ هذا في لغة فصيحة سهلة رشيقة متناغمة، تُحسُّ أنّها لغتَكَ التي تستعملها في يومِكَ لا غير، ما عدا بعض العبارات القليلة التي ساقها باللهجة العامّيّة الدارجة.
فعلى مدى تسع قصص، هي ما حوته هذه المجموعة لا ينفكّ قلم الكاتب يتنقّل من جوّ طفوليّ وحركات الطفولة ، في القصص الثلاث الأولى من المجموعة : (قهقهات الشيطان)، (واغتيال طفولة) (1)، (واغتيال طفولة) (2)، نرى فيها عفويّةالطفل الذّكيّ، الذي يريدُ أن يشاغب ويتحرّك، ويقرأ محيطه على هواه الطفوليّ، ليجعلنا نعيش معه طفولته لحظة بلحظة تقريباً، وهذه القصص الثلاث أشبه ما تكون برواية مصغّرة.
وفي القصّة الرابعة (صاحب حقّ)، يأخذنا إلى علاقات الشباب، بدايات الشباب، وكيف هي محكومة بالأمزجة والأهواء، وحدس الشخصيّة الرئيسيّة فيها كيف كان صادقاً.
ولكنّ القصّة الخامسة نقلتنا نقلة نوعيّة مختلفة، اختلطت فيها الأشواق بالوجدان بالواجب بالعُقَد النفسيّة
إلى الحدّ الذي يمكنكَ أن تصدّقَ أنّ (الحبّ أعمى)، وهو عنوان هذه القصّة العميقة الأبعاد والمدلولات.
وفي القصّة السادسة، (إقلاق راحة)، يسخر سخرية شديدة التهكّم بالبيروقراطيّة والمزاجيّة وابتعاد الموظّف الحكوميّ عن واجبه الذي هو مسخَّر له، حقّاً لقد قدّمَ لنا قهرهُ، وذكّرنا بقهرنا الكثير الكثير في حياتِنا مع الدوائر الحكوميّة، إلى الحدّ الذي جعله لا يذكر لنا سبب ذهابه إلى المخفر ، لأنّ ما حدثَ معه في المخفر كان أدهى وأمرّ. ولا ينسى أن يُعَرِّجَ على المواقف السلبيّة لشرائح كثيرة من مجتمعه من مواجهة مشكلة، أيّ مشكلة، تحصل مع أحد أبناء هذا المجتمع.
ولا يكتفي بتلك القصّة وحدها في التنديد البيروقراطيّة والفساد الإداري، إذْ يُتبِعُ تلكَ القصّة بقصّة عنوانها (ثأر)، تُظهر اهتمام أيّ موظّف حكوميّ بمصالحه الذاتيّة وبالقشور، والابتعاد عن الجوهر، حتّى في علاقاته الشخصيّة وفي حياته الخاصّة.
أمّا قصّة (تل مكسور)، فهي ملحمة سابقة لأوانها، تستقرئ الواقع، وتتنبّأ بالمستقبل، بشكل لا لَبْسَ فيه. فمن العار أن يفرضَ شاب متطفّل أتى من قريةٍ بعيدة، نفسَهُ على قريةٍ آمنة وادعة، فيخيفهم منه أمنيّاً، وهو معلّم، فكيف يجمع بين رسالة التعليم وغاية الاستغلال بأداة مزيّفة؟ ولكن في النهاية تنتفض له "خديجة" أرملة الشهيد، وتلقّنه درساً قاسياً أمام القرية جميعاً، وتهزأ منه ومن تهديداته.
ويختم المجموعة بقصّة عادل إمام حرمني من حبيبتي يمزج فيها بين الإمتاع والضحك، وبين تراجيديا اختيار الزوجة في مجتمعاتنا، وكيف أنّ الحبّ ممنوع، ويُظهر الكاتب السلبيّةَ الفظيعة التي يتّفق عليها المجتمع كلّه في تحريم الحبّ الذي ينتهي بالزواج، وتفضيل مجتمعاتِنا أن يتمّ الزواج عن طريق اختيار أهل الشاب لعروس يرونَ أنّها هي وحدها التي تناسبه، وأنّه لا يعرف الاختيار ولا يُحسِنه.
لن أمتدح هذه المجموعة القصصيّة، فالجوائز التي حصلت عليها أغلب قصص المجموعة وحدها كفيلة بالنيابة عنّي بالمديح، ولا سيّما حصول قصصها على أكثر من جائزة في مسابقة الشاعرة الدكتورة (سعادالصباح)، هذا فضلاً عن حصولها على جوائز متعدّدة
من مسابقات اتّحاد الكتّاب العرب في سورية وفروعه.
ولكن أقول: أينَ (مصطفى الحاج حسين) في مسيرة الأدب العربي المعاصر، وهو الذي تجاوز في عمره
الخمسين بأكثر من خمس سنين، وتجاوز عمره الأدبيّ الثلاثين عاماً أو أكثر؟ للأسف الشديد، ساحاتنا الأدبيّة العربيّة كانت مشغولة في غير هذا الأديب، أو كانت مشغولة عنه وعن غيره من الأدباء المبدعين المدهشين، لتلمّع مَنْ كان يريدُ أن يتسلّقَ على الحياة الأدبيّة تسلّقاً، لمآرب لا علاقة لها بالأدب والإبداع الأدبيّ.
أحيّيكَ أيّها المبدع المتدفّق حيويّة، وأقول: حمداً لله على سلامتِكَ، إذْ لم تدخل مستنقعات الأدب الموحلة، وبقيتَ زهرةً فوّاحةً عَبِقَةً بالأريج الصافي، تُبدعُ لنا شعراً، وتزيدنا من قصّكَ الجميل.
وأطالبُكَ برواية أو ملحمة، فأنتَ تمتلك كلّ مقومات الكتابة الروائيّة.
محمد بن يوسف كرزون .
بورصة – تركيا
/// قراءة قصيدة :
( السّوري )
للشاعر والأديب السوري :
مصطفى الحاج حسين .
بقلم : الأديب والناقدة مجيدة السباعي.
أهدى المبدع زخات صور قاتمة اللون معتمة الآفاق وهو يرتشف الغربة ، يتتاءب الغبن في كوؤس غصص حارقة ، حيث تتكاثف الشجون يتعمق الأسى تنثر المرارة سخطا وتبرما ، تلعن الحروب وويلاتها .
روح الشاعرتصدع صبرها ، لا تكف تئن من الأرزاء
دوما عطشى للحق للحرية للعز والكرامة للإنسانية الحقة ، تهيم بحثا عن السكينة والتصالح مع الذات ، فيظل القلب معلقا بالرجاء البعيد، وأنى له ذلك ؟ لايملك غير أن يحصد شظايا الآهات والخيبات وكل الأوجاع .
و فالوطن مسقط الرأس ،مثوى الآباء ، رمز الإنتماء نبض الفؤاد ، ديدن الحياة ، وكل الثراء والنعماء
لا بديل له ، وحده يملك جمال الكون وأمكنته لاتبلى ، تظل مدلاة على عروش دوحة الحياة وتقاسيم الذاكرة ، هو واحة لا تصفر أبدا نحتت بالفطرة في تلافيف القلب
مهما تنحت دياره تظل قلاعه وصروحه شامخة ، يجترها الفكر يناجيها الحنين بل يناغي منزل الصبا ومواطن الأهل ويطرز أذيالها المخيال ، حالما بتراب لا يتكرر وبسماء شمسها الأكثر ضياء وتألقا .
بعد الشاعر عن شهباء الياسمين أتعبه أضناه أرّق مضجعه ، فتمدد الحزن بكل أرجاء نفسه ، وضاقت عليه الدنيا برحابتها ، وكاد القلب في الصدر يحتضر .
فالغربة حتما عسيرة من أشد النوازل ، ليلها سهاد ، مضجعها شائك ، ودمعها حارق، سقته مرارة خانقة ، تنخر الروح و تهشم الكيان ،إذ لم يسعه إلا أن استسلم لبشاعة الواقع ، وصبر على مضض يعتصر الألم فؤاده ، يتجرع الغصص دفعات يحاصره الشتات وتعصف به مشاعر الشوق المتقد خاصة بعد أن تداعت كل الآمال ، وتراكمت الإخفاقات وانفرط العقد الثمين ، فأنفق العمر في المهجر هباء ، لاسند ولا نصير .
وأجمل ما في القصيد أنه عنون بالسوري ، فعمم المبدع وأسدل مشاعره على كل سوري احترق حنينا و اشتياقا ، كتب عليه البعاد عن بلد الياسمين إلى منفى قصي .
مجيدة السّباعي .
المغرب
## حياة الضيف الاجتماعية:
أ. عبد الرحمن بوطيب.. يحاور:
الأديب والشاعر السوري:
مصطفى الحاج حسين.
س 1:
- من هو الأستاذ مصطفى الحاج حسين بعيداً، أو قريباً من سيرته الذاتية الثرية؟.
ج 1:
- هو الإنسان الشقي الكادح العصامي الذي عاش طفولته في قلقٍ دائم لم ولن ينتهي،إذ نشأت ضمن عائلة كبيرة وفقيرة وفي بيئة يكتنفها كثير من الجهل والقهر والظلم الاجتماعي والتفكير العشائري، ونتيجة لصعوبة توافقي الطبقي والاجتماعي؛ وتغيب أبي الذي كان يسافر بقصد العمل، وتواجد رفاق السوء في حارتي ومدرستي، رحت على أتسيب من مدرستي الابتدائية التقليدية، فألحقني أبي بمهنة البناء وقد شقيت بها قبل نضجي.
وفي مراهقتي وجدتني مغرما بقراءة الشعر الغزلي، وبالقصّ الاجتماعي والأدب الشعبي ثم قراءتي لبعض المشاهير العرب والعالميين.. ولأنني تأثرت كثيراً بهذه القراءات التي فتَّحت جراحاتي رحت أقلّدهم؛ وأكتب على غرارهم، ورحت اتعرّف على أدباء لامعين في حلب..
وأعرض عليهم نتاجاتي باستحياء وأنهل من تجاربهم وأفيد من نصائحهم
ونلت منهم التشجيع الكبير،زوممّا عزز ثقتي بإمكاناتي ومواهبي تلك الجوائز المحلية الكثيرة التي نلتها من خلال المسابقات التي كان يقيمها اتحاد الكتاب العرب.. والمراكز الثقافية.. والنادي العربي الفلسطيني.. وموافقات النشر في المجلات الأدبية والصحف.. ثم حصولي على جائزة الدكتورة سعاد الصباح على مستوى عربي.
س 2:
- مِن بناء العمران، إلى بناء الكلمات... ما أثر الحرفة اليدوية الشاقة على مسار تطور بناء شخصية مصطفى الحاج حسين؟
ج 2:
- لاشك أن لمهنة البناء أثر الكبير على طبيعتي النفسية، فهي مهنة شاقّة أعتقد أنها أفضت لأن تكون ردود أفعالي ردوداً عنيفةً واستجاباتي للأحداث الخارجية سريعة، حيث طبّعتني بطابع العطاء والإحساس بالمسؤولية وتبنّي المواقف الإنسانية والرّد العنيف.
س 3:
- الأستاذ مصطفى الحاج حسين... انقطاع مبكر جداً عن الدراسة... ومن بعد تتجلى القدرات الأدبية الكامنة... ما السر وراء هذا التجلي من غير تأثير المحيط المثقف... عوامل محيط اجتماعي؟ أم عصامية تتحدى الإكراهات؟.
ج 3:
- أرى أنه من الصعب الفصل بين هذه الأمور لأنني أراها مجتمعة أثرت في تجلياتي.. إذ لا إبداع تخلفه الظروف الاجتماعية وحدها بدون موهبة أو تطلعات وتحديات.
والموهبة الفطرية وحدها تظل كامنة في النفس ولايمكن لها أن تتفتح إلا في وسط اجتماعي مؤثر ومشجع، أما الاستمرار في العطاء الإبداعي فيحتاج إلى إرادة قوية وعزيمة على الاستمرار والمثابرة.
س 4:
- الصحة تخون... والعزيمة تنتصر، هل من تفسير؟.
ج 4:
- أظن أن الإنسان عموما مهما تخونه صحته في كبره، تظل لديه إرادة الحياة، بل يتمسك بالحياة أكثر.
فما بالكم بمن يحمل رسالة إنسانية بجسدها عبر إبداعه،فهو حتماً سيزداد إصراراً على العطاء والإبداع والتألق إلى آخر نفسٍ في حياته.
حاوره:
الأستاذ عبد الرحمن بو طيب.
## الأستاذة الأديبة:(نجوة الحسيني).
تسأل الأديب والشاعر السوري:
(مصطفى الحاج حسين).
@ - نجوة:
- عندما تكون لديك حقيبة جاهزة قُربَ الباب تدعوك للرحيل دون أن تعرف إلى أين ستتجه... حقيبة قد تحمِلها وتمضِي، وقد تُسافر قبل أن تحملها... ربما لن يسعفك الوقت، فقد اعتدت على الترحال دون هدف... لقد هاجرت موطنك لتستقر روحك، ولكن القدر أبى إلا أن يوجعك كما أوجع الكثير، ليهرب من هرب، ويبقى تحت الأنقاض من بقي، وتشرد من تشرد...
كيف لك أن تصف لنا حالك وحال الكثير أمثالك؟.
** مصطفى:
- حقيبتي لا تّتسع لدموعي، ولا تتناسب مع مرارتي وخيبتي، تضيق على ذرّة من عشقي لبلدي، لذلك أنا لا أحمل في غربتي حقيبة، بل أحمل على ظهري التّربة والبحر والسّماء، وحتّى شجر بلادي، لو فتّشوني لحظة تسلّلت إلى بلاد الإغترابَ لوجدوني أحمل قبور أحبّتي، قبل بيوتهم، أبواب قلوبهم ونوافذَ أرواحهم، وبصمات ورودهم، أنا حملت معي جبال من الذّكرياتِ، وأوّديّة من الحبّ.. حين الموت نهش مدخل بيتي، واقترب من بسمة أولادي،
وكاد أن ينقضّ على رغيف خبزي، أجبرت على المغادرة، بجعبة فيها أحرف أبجديَّتي، وبعض باقات من دعاء أمّي، التي رحلت بعد أن خيّبت عندها غريزة الانتظار، والأمل بالعودة، وبعد أن قتلوني، أمروني أن أحفر قبري
، العالم كلّهُ اليّوم يصرّ على المقتول، أن يحفر بأصابعه مثواه الأخير، وإلّا وصموه بالإرهابي!!!.
حوار: نجوة الحسيني.
## من العاصمة (بيروت) العربية.. إلى ولاية (إسطنبول) التركية.. كان هذا الحوار.. مع الشاعر والأديب السوري (مصطفى الحاج حسين).
أجرت هذا الحوار: الأديبة والإعلاميّة
الأستاذة (هناء أبو سالم).
#: دعوني أرحب بضيفنا الأستاذ القاص والشاعر القدير مصطفى الحاج حسين أهلا وسهلا منور بحضورك أستاذ تحياتي لك.
#: يسعدني ويشرفني وجودك معنا شاعرنا القدير.. هل تسمح لي أن أشكرك باسمي وباسم مجموعات الهناء للثقافة والآداب ولا ننسى إذاعة الهناء للثقافة والمجتمع أهديك تكريم التميز بإسم إدارة المجموعة ألف مبروووك.
# س١-
دكتور مصطفى من خلال مسيرتك الثقافية والأدبية. كيف كانت بداية كتاباتك وهل واجهت صعوبه..؟
** ج١-
كنت في بداية مراهقتي مشغوفاً بقراءة الأدب الشعبي وبطولات عنترة وأبو زيد والزبر سالم وجساس ذلك الأدب الغني بالخيال والثري بأسلوب الحكاية والسرد القصصي والمفعم بالشعر الوجداني المتجسد بفخر القبيلة والتغزل العذري ثم تتابعت قراءاتي لقصص إحسان عبد القدوس وأشعار نزار وغيرهما،ورحت أكتب على نمطهم،ثم تواصلت مع من سبقني في هذه التجربة من الكتاب والنقاد في المدينة التي أقطنها مدينة حلب،وقد نلت التشجيع وانتزعت الاعتراف منهم بموهبتي التي لا أنكر دورهم في صقلها بملاحظاتهم واقتراحاتهم النقدية التي نورتني .
ومما عزز ثقتي وإيماني بأهمية إبداعي استحواذي على الجوائز التشجيعية العديدة من خلال مشاركاتي التنافسية في مسابقات الأدباء الشباب التي كان يقيمها فرع اتحاد الكتاب في حلب،علاوة على ما كان ينشر لي في الصحف الرسمية من قصص وأشعار.
عموماً لم تكن المعاناة عندي فيما أكتب لكن معاناتي كانت بسبب صعوبة وأعباء الحياة المادية التي لم تكن تسمح لي بالتفرغ والشعور بالأمان وتلبية الاحتياجات.
# س2-
انا كنت رأيت لك ما يقارب التسعة عشر ديوان ماشاء الله تبارك الرحمن وغير القصص والروايات من كان الداعم لك دكتور من خلال مسيرتك الثقافية.
** ج2-
الداعمون لي كثر وهم من شجعني منذ البدايات ومازالوا،واليوم تدعمني معنويا العشرات من القنوات الأدبية المختلفة في عالمنا العربي..
لكن الأهم في استمراريتي وغزارة عطائي هو ليس الدعم الخارجي بقدر مالدي من دوافع شخصية واجتهاد وغنى المعاناة لي ولشعبي ووطني،تلك المعاناة التي استشعرها بقوة وتؤثر بي وتستنطقني.
# س٣:
أي أقرب لك دكتور كتابة القصيد أو كتابة القصة.
** ج٣:
أتمنى أن تسنح لي ظروفي لكتابة القصة والرواية، لكن عصرنا الراهن وأوضاعي الصحية والنفسية، يسلماني لمشيئة القصيدة.. ليتني أمتلك الوقت الكافي لناصية الكتابة في مختلف أصناف أجناسنا الأدبية، حيث أجدني سعيدا في التعبير الإبداعي الشعري والنثري،رغم اختلاف أدواتهما، وتباين معجميهما اللغويين .
# س٤:
من من الشعراء. يشعر الدكتور مصطفى الحاج حسين الأقرب له من خلال كتاباته.
** ج٤:
الإبداع مسألة فردية ولاأظنني أشابه
أحداً سوى نفسي..لكن ماهم أقرب إلى ذائقتي وإحساسي كثرون، منهم على سبيل المثال : نزار قباني.. محمود درويش.. محمد الماغوط.. أنسي الحاج.. يوسف الخال.. أدونيس.. ممدوح عدوان.. عصام ترشحاني.. نوري الجراح.. رياض صالح الحسين.. سلام حلوم.. لقمان ديركي.. وغيرهم كثر.. ومن كافة البلدان العربية.. كالسياب، والجواهري، وعمر أبو ريشة.
# س٥:
هل تعتقد أن كتابه القصة القصيرة أو القصيدة مسؤولية الشاعر وإلى أي حد.
** ج ٥:
طبعاً هو مسؤول بالتأكيد عن محتوى كتاباته وأسلوبه الفني المبتكر فالمبدع يكتب للمتلقين في النهاية وهو المسؤول المسؤولية الكبرى، عن نصه وعن لغته، وعن رؤيته، التي تخصه وآلامه وجدانات، وتعبر بشكل مؤثر عن القضايا العامة لمجتمعه .
# س٦:
ماذا يعني الحرف للكاتب أو الشاعر ومتى يصبح الحرف صديقاً للكاتب.
** ج٦:
الحرف هو سلاح قوي وفعّال فهو المنقذ والحامي والمدافع عن كاتبه أو مبدعه حتى وإن حدث أن اغتيل مبدعه هذا، فإن حرفه كفيل بالانتقام له وخلوده، إنه كالابن والحفيد والنسل بالنسبة له.. فالحرف ثمرة الروح والقلب والتجربة والصبر والمعاناة والتحدي.
# س٧:
دكتور أريد أن أسألك هل هناك فرق بين الشعر الحديث والشعر التقليدي وماذا تعني لك الحداثة؟.
** ج٧:
الإحساس هو واحد لا يتغير ولا يتراجع.. لكنّ التجربة أو الرؤية يمكن أن تتبلور وتتطور وتتعمق وتغتني وتتفتح..
والفرق بين شعر تقليدي وشعر حديث كالفرق بين ركوب حصان وركوب طائرة..
ففي الشعر التقليدي زوائد وحشو ونظم وتقليد وتشتت أوعدم تركيز.. بل هناك ضعف في الثقافة وبساطة في الرؤية إلى درجة السذاجة أحياناً.. بينما في الحداثة فهناك التركيز والتكثيف والاختصار والقوة والجزالة والصورة المدهشة والجديدة والابتكار والرؤية العميقة والنافذة في التبصر.
# س٨:
دكتور هل شاركت في مهرجانات وتلقيت جوائز.
** ج٨:
شاركت في مطلع شبابي كثيراً.. وحزت على جوائز عديدة من منابر محلية كثيرة ومن مدن ودول عربية مختلفة.. حتى أخذ بعض الأدباء يحتجون على مشاركتي وحصد الجوائز.. وأخذ بعضهم ينسحب من المشاركات لأنني كنت أستحوذ على الجائزة الكبرى في معظم الأحيان
وأقطع عليهم الطريق بالفوز.. إذ قالوا لو تقدمت أم كلثوم لمسابقة في الغناء فستكون الأولى في كل مرة وهكذا مصطفى الحاج حسين، سيحرمنا من الجائزة إذ اشترك في المسابقة.
من الجوائز التي نلتها عربياً جائزة الأميرة الشاعرة د.سعاد الصباح، من الكويت، ومن الأردن نلت الجائزة الأولى من التجمع العربي للأدب والإبداع.. ومن تونس أيضا.. وعلى الصعيد المحلي الجوائز الكثيرة والعديدة.
# س٩:
ما نظرتك للتكنولوجيا بعصرنا الحالي وكم كانت مفيدة للدكتور مصطفى؟.
** ج٩:
لاشك أننا نعيش اليوم في عصر التقدم التقني الذي أدى إلى التواصل الاجتماعي والمعرفي المباشرين وهذا أمر في غاية الأهمية التثاقف الفكري بين الناس شريطة أن نحسن استخدام البرامج باستثمار الوقت في ما هو مفيد..فالآلة حيادية دائماً والإنسان هو الذي يختار ما ينشر أو ما يقرأ ولو على حساب الوقت ..
أما على صعيد النشر والإبداع فلا مجال هنا للشللية والوساطات إذ يمكن لأي كاتب أن ينشر بحريته عم أن لهذه السهولة في النشر محاذيرها إذ أخذ يختلط الحابل بالنابل وبدأنا نرى كثيراً من الدخلاء على مايسمى فن الشعر أو القص أو المقال.
# س١٠:
دكتور مصطفى هل تشعر بأنك حققت حلمك أم بعد؟.
** ج١٠:
يموت الإنسان ولا يستطيع أن يحقق بعض أحلامه، فطوح الإنسان يبقى بلاحدود، سيما طموح الشاعر الذي يحلق بخياله إلى أماكن لا تخطر في بال أحد.
أعتقد أنني لازلت في بداية الطريق وأن والدرب أمامي طويل ووعر وشاق ومخيف وغامض وموحش.
# س١١:
هل تعرضت لنقد من خلال مسيرتك الثقافية دكتور.
** ج١١:
نقد تجريحي أو يحط من قيمة ما أكتب لا.. كنت دائماً ألقى التشجيع والتصفيق الحار والابتسامات المشجعة والاحترام والتقدير من السادة الجمهور وهو بالطبع على درجة عظيمة من الثقافة والوعي والرقي والتحضر.. و أيضاً وجدت التشجيع الكبير والهائل من الأساتذة الأدباء والنقاد والإعلاميين.. ولقد كتب عني الكثير، لو أردت أن أجمعه لأمكنني توزيعه على كتب عديدة.
# س١٢:
دكتور مصطفى أكيد لك حلم. بماذا تحلم ولم تنجزه بعد.
** ج١٢:
لي أحلام.. بل حدائق جمة من الأحلام والرغبات والأماني، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة..
أهم حلم عندي اليوم أن تعود بلدي سوريّة للأمان والسلام، وأن نعود جميعاً إلى وطننا الذي نعشقه، وأن نموت وندفن في ترابه.. أحن إلى بلدي.. إلى أهلي.. إلى أصدقائي.. إلى أقاربي. إلى جيراني.. إلى كل سوري يقول لي مرحبا.. أو السلام عليكم.
# س١٣:
بماذا تنصح الجيل الجديد من من يهوى كتابه الشعر؟.
** ج١٣:
أنصح بعدم الانقطاع عن القراءة والتذوق والتأمل النقدي،وبخوض التجربة الإبداعية دون خوف، والإفادة ممن لهم باع طويل في مضمار الكتابة الإبداعية شعرا أم نثرا أم نقدا..فليس من اديب كبير لأمع إلا وله تاريخ طويل من التثقيف والمحاولات والتجارب التي أدت به في النهاية ألى نضجه وتطوره .
# س١٤:
رأيك بالبرنامج ضيف خلف الكواليس وبهناء كمعدة ومقدمة لعدة برامج لشعراء وصاحبه مجموعات الهناء بحكمك كاتب وشاعر دكتور.
** ج١٤:
إنه برنامج جميل ورائع وهام وضروري وخاصة حين يقوم على إدارته أساتذة في غاية من الرقي والثقافة والتحضر، ومجهز أستاذة متمكنة وبشدة من الإعداد والتقديم.. فمن أهم معرفتنا بأسرار وتفاصيل النص الأدبي، أن نعرف من هو صاحب النص، وما هي حياته وتجاربه معاناته.
**: بعد شكري وتقديري ومودتي وإحترامي لأكاديمية جامعة بيروت الثقافية، وللأعضاء الإداريين / الدكتور أحمد سالم، والأستاذة شاعرة حرة، والأعضاء الكرام، والأصدقاء وجميع الشعراء والأدباء، والفنانين والملحنين والمطربين والممثلين والصحافة والإعلام والأطباء والمهندسين / ولكل من يشارك ويتابع ويقرأ فيما بعد..وأخص بالذكر الأستاذة الراقية (هناء أبو سالم،مقدمة ومعدة هذا البرنامج الرائع والنجاح والهام و الضروري)، ولكني أحتج وأخجل من أن تنادوني بالدكتور، فأنا إنسان بسيط لا أحمل حتى الإبتدائية، شرف عظيم لي أن أنال الإعدادية، فكيف بلقب دكتور.. أنا أتشرف ولكن لا يحق لي، فهذا سيكون انتحال صفة، وأنا صفتي شاعر وقاص فقط.
**: من الضروري أولاً أن أرد على أسئلة الأستاذ الكريم (ياسر موسى) حيث وجه لي مشكوراً ثلاثة أسئلة، وهي :
* ياسر موسى :
سأترك أسئلتي هنا للضيف الكريم الشاعر الأستاذ مصطفى الحاج حسين.
السؤال الأول:
كيف تؤثر البيئة على حروف الشاعر وأسلوبه خاصة انك ولدت في مدينة الباب التي تعتبر من اكثر المناطق تعصبا وتشددا.
السؤال الثاني:
متى تتفجر قريحة الشاعر ليعطي أجمل كتاباته ومتى يفقد حرفه.
السؤال الثالث:
هل نستطيع ان نقول ان الشعر العربي في تحسن في هذه المرحلة أم انه يعاني من انحدار شديد يدل عليه مانراه من كثرة دواوين المستشعرين الذين لايمتلكون أبسط أدوات الشاعر.
** ج1:
تحياتي صديقي ..صحيح أن مسقط رأسي كان في مدينة الباب،ولعلي اوافقك نسبياُ بأن نعدها من المدن المحافظة لكن التعصب ليس حكرا عليها وحدها ولا يجوز هنا التعميم على سكانها بالمطلق..
وأنا شخصياً انتقلت مع أهلي حيث استوطنت أسرتنا في حلب منذ طفولتي الثانية وتأثرت بتناقضاتها.
مع ذلك أعتقد بأن الشاعر لا ينغمس كلية ببيئته الاجتماعية ليكون نسخة متجانسة عن الآخرين بل إنه ينهل من معين قراءاته المتواصلة لكتاب عرب وأجانب ويتأثر بفكرهم وفنهم.
** ج2 :
الإبداع الشعري هو تعبير عن حالات وجدانية لاوقت محدد لها..فقد يعبر عن حالاته الاخيلة المتلونة بحسب مايحسه ومايتأثر به من عاطفة فرح أو حزن أو خوف أو غضب أو تمرد أو حب أو كره.
** ج3 :
في كل زمان نجد فحولا للشعر ونجد دخلاء عليه ..
فلا تخلو الساحة على امتداد الوطن من مبدعين كبار رغم كثرة المتطفلين على الكتابة والمدعين وهذا أمر طبيعي،فالعرب لهم تاريخ سحيق في قرض الشعر،إلا أننا نلحظ اليوم تطوراً ملفتاً في اختلاف الشكل الشعري الذي أخذ يتجسد في قصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية وعلى اعتبار أن قصيدة النثر قد تحررت من الوزن الشعري ولم يتبلور مفهوم الشعر الحر بعد عند كثير من الناس بتنا نقرأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي كتابات عادية جدا باسم الشعر للأسف ،حيث نجدها خالية من الرؤية والتصوير والعاطفة والخيال والتكثيف والرمز وتماسك الموضوع وهذه الكتابات لا تمت للشعر بأية حال@.
أجرت الحوار : هناء أبو سالم.
## حواري مع العملاق الأديب َوالشاعر والناقد المغربي (الغائب):محمد الطّايع.
/مصطفى الحاج حسين/.
إنّه العملاق.. هكذا لقب من قبل قرائه ومحبيه وأساتذة الإبداع والأدب...فهو مبدع شامل من حيث تعدد المواهب.. شاعر.. قاص.. روائي.. ناقد.. صحفي.. ذو ثقافة عظيمة.. عصامي.. يملك أعظم الشهادات.. شهادة دكتوراه في الحياة.. تضاهي أرقى الشهادات الجامعية.. وهنا أردنا أن نتحدث معه عن النقد الأدبي، الذي نحن الأدباء والقراء بأمس الحاجة للإطلاع ومعرفة هذا الجانب الهام.. لذلك كان هذا الحوار الصعب والعميق لكنه ممتع وجميل ومفيد وهام ورائع.. إنه حوار مع (العملاق) الأديب المغربي (محمد الطايع).
=======================
س1:
ما مهمة النقد الأدبي والفني بشكل عام؟.
ج 1:
النقد حسب اعتقادي، إبداع أيضا، شأنه شأن الأنواع الإبداعية الأخرى، وأقول هذا لأن طريقة تلقينا لمقالة نقدية، لا تختلف عن طريقة تلقينا للإبداع، فهو نص مكتوب، والكتابة إن لم تحقق درجة معينة من الإمتاع، أصبحت حملا ثقيلا، لايطاق، مهما كانت درجة الموضوعية، حتى إن تعلق الأمر بكتابة الرسائل، أو النصوص الدينية، يظل من الواجب أن يحضر جانب المتعة في القراءة.
الناقد وبشكل أكثر تطلبا، يحتاج من أجل ممارسة النقد، أن يكون موسوعيا، وذو اطلاع كبير على ما أنتج من نصوص سابقة، وهذا الكلام فيه تلطف، لأنه إن شئنا الموضوعية أكثر، كان من واجب الأشخاص الذين يمنحون أنفسهم إذن الحكم على أفعال وأقوال غيرهم، عن طريق الدراسة والتحليل والبرهنة، أن يكونوا أكثر الناس إلماما، بما تراكم في الحقل الإبداعي والنقدي على حد سواء -ربما بدرجة 99% - إذ تحتاج عملية النقد أقصى حدود
الإطلاع، فلا أحد يعرف أين يكمن الخلل تحديدا، ولامدى خطورة جهل الناقد، بتجربة ما، يعني بخلاصة، على الناقد أن يكون عبقري معرفة، لأن النقد هو الوسلية الأسمى للتأويل، وتقريب المسافة بين المبدعين، وجمهور القراء، سواء كان المتلقي أو المستهلك للانتاج الإبداعي والفني من نخبة العارفين، أو من عامة المتابعين.
أمّا كيف يتحقق شرط الإمتاع،
فالجواب بسيط جدا: المتعة هنا، فكرية خالصة، وليس ثمة ما يمتع العقل أكثر من تلقيه لكمية هائلة من المعلومات التي تشبع رغبته، نهمه، وفضوله المعرفي.
س 2:
هل يتوجب على الناقد تسليط الضوء على أصحاب المواهب الكبيرة.. أم إبداعهم كفيل بابراز موهبتهم؟.
ج 2:
قبل أن نتساءل عن مواصفات المبدع الذي يستحق اهتمام النقاد، علينا أولا أن نجيب عن سؤال هام جدا، لماذا يختار أحدهم أن يكون ناقدا؟ وطبعا عندما نضع أنفسنا مكان هذا الناقد، سنعرف وبشكل تلقائي، أن الذي يولد هذه الرغبة بالمقام الأول، هو تأثره بإبداع ما، شعري، قصصي، غنائي، سينمائي، وليس بشخص الفنان أو الأديب، الابداع هو من يعرِّف بأصحابه، وليس العكس.
س 3:
ماذا لو توجه النقد إلى الإرتزاق.. وباع الناقد قلمه لمن يدفع.. ولمن هو في منصب.. ولمن هو واصل؟.
ج 3:
أمثال هؤلاء، غير صادقين مع أنفسهم، والنقد الذي لاينطلق من حالة الصدق مع النفس، سيكون نقدا فارغا، مملا، بل مضحكا في بعض الحالات، لأن النقد كما أعتقد دائما، عمل ابداعي، توحي به حالة تأثر وليس مجرد استجابة سطحية لمصلحة مادية تفتقر للعمق.. بإمكان مرتزقة النقد، أن يستعينوا على كتابة النصوص النقدية، بالبحث، وبطرق تشبه التعليم الممنهج، لكن انجازاتهم الباردة تفضحهم، شخصيا لايمكنني قراءة مقال نقدي مطول، لا يؤثر بي وجدانيا، مهما كان موضوعيا. أنا إنسان، ومن واجب الأشخاص الذين يحاولون إقناعي بأمر ما، أن يحسنوا التوفيق، بين خطاب يستهدف العقل، وآخر يحرك العاطفة.
س 4:
بدافع التعصب هناك ناقد لا يكتب إلا عن أبناء بلده.. وهناك ناقد لا يكتب عن ابن بلده بدافع الغيرة.. وهناك ناقد يمارس الإبداع لذلك يهاجم الجميع ليبرز اسمه.. اعتقاداً منه.. وهناك ناقد يمدح الجميع ليكسب صداقة ومودة ومحبة الجميع.. ويعتقد أنه بات ناقداً مشهوراً.. ما هي الفوارق بين هذا وذاك؟.
ج 4:
الناقد الذي يجعل نقده، حكرا على فئة من المبدعين دون غيرهم، سواء تعلق الأمر بأبناء الوطن أو غيرهم، وسواء كان نقده يدندن حول ذوي القربى، أو الغرباء فقط، هو بذلك، يسقط صفة التنوع عن كتاباته، ويقلل مسافة التواصل بينه وبين شريحة هائلة من القراء، ومع الوقت سوف يرسم الناس له صورة في أذهانهم، فيقولون أنه ناقد فلان، الناقد الحقيقي، في اعتقادي، صاحب مشروع نقدي، أشبه بسفينة نوح، تحمل فوق ظهرها، من كل مخلوق جنسين على أقل تقدير. وطبعا كل يعمل حسب إمكاناته الخاصة.
س 5:
هناك نقاد لا يكتبون إلّا عن المبدعين الأموات.. بحجة الآن قد اكتملت تجاربهم الإبداعية؟
ج 5:
من يفعل هذا، إما أنه يعاني خلافا فكريا مع معاصريه، أو لديه ذلك النوع من جنون العظمة، بدعوى أن إمكاناته في النقد، تشبه امتلاكه طاقة هائلة، وترسانة معلومات، ليس من المناسب إفسادها بالخوض في مستجدات الأمور، وهذا الأمر في حد ذاته، يكشف أنه يعاني نقصا فيما يخص المرونة وقابلية التحاور مع الجديد، إنما تبقى مثل هذه الاختيارات، حرية شخصية، وله كامل الحق أن يقاطع إبداع الأحياء، لتبقى ملاحظاتنا نحن بشأنه مجرد ملاحظات متتبعين، وله مطلق الحرية أن يعمل بها، أو يضربها بعرض الحائط. ولن يلام على ذلك.
س 6:
هناك ناقد يكتب عن مبدع صديق له.. يريد دعمه ومساندته وإبرازه ولو على حساب من هم أكثر إبداعاً؟
ج 6:
هذا النوع من الكتابة النقدية، له أسبابه الخاصة، فهو إما نابع عن شعور بالتعاطف، أو الرغبة في مد يد العون، وكلها دوافع عاطفية، بينما النقد الحقيقي محايد، والمحايد كما قلت في جواب سابق، عليه أن ينتصر للنصوص وليس لكتابها، لكن قد يحدث أحيانا، وهذه حالة شاذة، أن تعجب بمبدع ما، وتعتقد أن الوقت الذي تمتلك لايكفي للكتابة عن غيره، فنحن عندما نموت لانكون قد أنجزنا إلا القليل مما كان بإمكاننا تحقيقه.
لكن قد يكون ثمة تبرير معقول، لمثل هذه الاستثناءات، وهذا يحدث خاصة، عندما يكون هناك نوع من الانسجام الغريب بين ناقد ومبدع، كأن يكون المبدع في عين الناقد هو ذلك المتفرد الذي ناب عنه في قول الكثير مما كان هو شخصيا يود قوله، ومثل هذه الحالات، لن تستدل على براءتها، بذلك الكم من التضخيم اللغوي، والبراهين والأقوال المأثورة، أو الاستدلالات، انما بقدرة هذا الناقد على إبهار القراء، وهو يضعهم حقيقة أمام شيء لم يتوقعوه، وكأنه يقول، انظروا جيدا، إنني أفتح أعينكم أمام ابداع خالص ومتفرد، أما إذا كانت مقالته النقدية ضعيفة، خالية من الإدهاش، فإنه لامعنى لكل ذلك، سوى أن بين الناقد والمبدع مصلحة معينة، لن تخفى على من يراقبهما عن كثب.
س 7:
وهناك ناقد يكتب عن مبدع متخاصم معه.. لا يحبه.. ولا يتمنى له النجاح والوصول؟
ج 7:
هذا سؤال غريب، لست أدري ماذا تقصد؟ اللهم إن كانت غايتك الحديث عمن يكتب عن شخص يكره إبداعه، لأنه ابداع فاشل، وفي اعتقادي أن مثل هذه الكتابة النقدية، سهلة جدا، لأنني شخصيا وإن لم أكن مؤهلا لكتابة نقد مكتمل، أتمنى لو أن الظروف مناسبة، لكي أتحدث عن أشخاص لا أكرههم، ولكنني أحتقر ما يكتبون من تفاهات وينسبونها للأدب. ولن يكون ذلك نقدا هداما، فليس النقد الهدام، هو النقد الذي يكشف عيوب المبدع، النقد الهدام هو الافتراء على أحدهم، أما المقالات التي تستند إلى المنطق، لكي توضح ضعف النصوص الإبداعية، فهذه نحن اليوم أحوج إليها أكثر من أي وقت مضى، والسبب أن الساحة الثقافية مليئة بالأشخاص الذين يفسدون المتعة والذوق العام. أما إن كان قصدك الاشارة إلى كتابة نقدية حاقدة، فهذا إرهاب أدبي، ولكن ومع ذلك يمكنني اعتبار الشخص المستهدف بمثل هذه التصرفات اللاأخلاقية، فاشلا، لأن المبدع الذي لايستطيع الدفاع عن منجزه، بكتابة ردود ومقالات تكشف الحيف الذي تعرض له، أقل مايقال عنه، أنه شخص غرر به الإبداع. البعض يلجؤون إلى الشكوى، واستدعاء المؤازرة، ولو كانوا أهلا للأدب حقيقة، لعرفوا كيف يوقفوا الناقد المتسلط عند حده.
س 8:
بعد كل هذا هل يبقى للنقد من أهمية؟.. وهل على المبدع أن يكسب ود النقاد؟
ج 8:
في الحقيقة، هذا السؤال، مزعج قليلا، على الأقل بالنسبة لي أنا، لأنني أكتب القصص، لكنني لا أطلب ود أي ناقد مهما كان مشهورا أو مدعوما بمعجبين، النقاد الذين أبادلهم المودة، هم في حقيقة الأمر أصدقاء، جمعتني بهم ظروف طيبة، وقد أحببتهم خارج كل اعتبار فني، أعرف أنه لم يكن من الضرورة أن أتحدث عن نفسي، لكنني أنظر لهذه المسألة من ناحية أكثر تطرفا، فأنا أعتبر كل شخص يتودد، لشخص آخر من أجل شهرة أو مكانة، أو منفعة، هو شخص تافه، الحالة الوحيدة التي تسمح لأحدنا بالتودد، هي عندما نكون واقعين في الحب، فيطلب الرجل ود امرأة يعشقها، أو تطلب امرأة ود رجل تحبه، أما ما عدا ذلك، فهذا دليل على عدم احترام النفس، وقلة الموهبة.
س 9:
أعرف روائي لا علاقة له بالإبداع.. يطبع على نفقته الخاصة.. ويرسل ما يطبع لعشرات النقاد في وطننا العربي.. وهكذا تجد من يكتب عنه الكثير.. في
حين من يتفقون عليه لا يكتب عنهم على الإطلاق..
ماذا تقول عن هذه الحالة؟.
ج 9:
جوابي فيما يخص هذه المسألة، كالآتي التاريخ، كفيل بالجميع، في حياتي، عاصرت الكثير من المشاهير، في كل مجالات الفن والابداع، بينما يمر الوقت، ولا يتبقى منهم سوى أسماؤهم الصغيرة بعدما يبتلع فك النسيان، انجازاتهم الجوفاء، المبدع الأصيل، ليس الذي يهزم معاصريه، ويقوم بإقصائهم من الساحة سواء بقوة موهبته، أو بقوة مكره أو سلطته ونفوذه، المبدع الحقيقي، هو ذلك القادر على إقناع الأجيال القادمة.
تستطيع أن تقنع ألف رجل في مثل سنك بأنهم مخطؤون، لكن من الصعب جدا أن تؤثر على من هو أصغر منك بعشرين سنة، وتدفعه لتغيير رأيه في مسألة ما، لذلك ومهما علا شأن أحدهم اليوم، لن يؤكد قوته، إلا إذا قاوم متغيرات العالم، في العصور المقبلة. أحيانا أتوقع أن كل هذا الكم الهائل من الإبداع الفني والإبداعي، قد يتحول في المستقبل، إلى طرفة مضحكة، بسبب طفرة تقنية عالية، من المحتمل أن تعصف حتى باللغة وخصوصياتها.
س 10:
أيهما أهم الناقد أم المبدع.. وأين نصنف الناقد ، فوق المبدع.. أم بموازاته.. أم أدنى مرتبة من المبدع؟.
ج 10:
المبدع الأصيل، أعظم درجة من الناقد المتصنع، والناقد البارع، أرفع شأنا من المبدع المتكلف، أما عندما يصادف المبدع المتمكن، الناقد البالغ الإقناع، فمعنى ذلك، أن الصورة مكتملة، وقتها لن نكون في حاجة لعملية تفاضل، لكن بدون إبداع لن يكون هناك نقد، والابداع دون نقد، معرض للسقوط في متاهة الابتذال، وتلك بداية موت الابداع واندثاره.
شكرا..
محمد الطّايع.. المغرب
حاوره : مصطفى الحاج حسين .
إسطنبول
فهرس: أجنحة الحلم..
------------------------------------------------
1 - الأستاذة: غزلان شرفي.
2 - الأستاذة: نجاح إبراهيم..
3 - الأستاذ: محمد كرزون
4 - الأستاذة: مجيدة السباعي..
5 - حوار الأستاذ: عبد الرحمن بو
طيب
6 - الأستاذة: نجوة الحسيني
7 - حوار الدكتورة: هناء أبو سالم
8 - حواري مع الأستاذ: محمد الطايع
======================